المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (13) يوسف وهبي ورحلاته الأخيرة إلى فلسطين

المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (13) يوسف وهبي ورحلاته الأخيرة إلى فلسطين

العدد 691 صدر بتاريخ 23نوفمبر2020

بسبب قيام الحرب العالمية الثانية، لم تزر فرقة رمسيس فلسطين طوال عامي 1939 و1940، وعندما وجدت الفرصة سانحة عام 1941 – رغم استمرار الحرب – زارت الفرقة فلسطين، ومهدت مجلة «الصباح» لهذه الزيارة بإعلان ضخم، جاء فيه: «رحلة كبيرة إلى عواصم فلسطين ابتداء من 20 سبتمبر .. فرقة رمسيس الشهيرة، على رأسها كبار الممثلين وشهيرات الممثلات .. الآنسة أمينة رزق، السيدة علوية جميل، لطيفة نظمي، مختار عثمان، بشارة واكيم، حسن البارودي، عبد المجيد شكري، محمود المليجي، فاخر محمد فاخر .. ثلاثون ممثلاً وممثلة. حيث يقدم زعيم المسرح المصري رواياته الخالدة «أولاد الشوارع، بنت مدارس، الشيطان، ابن الفلاح» أقوى وأشهر الروايات المسرحية، اطلبوا البروجرام، متعهد الحفلات حسين عمر الدجاني».
حدثت بعض الظروف جعلت فرقة رمسيس تأتي متأخرة إلى فلسطين، ومنها أن المتعهد تعاقد مع فرقة علي الكسار لتأتي بعد فرقة رمسيس؛ ولكن فرقة رمسيس لم تكن مستعدة، فطلب المتعهد من الكسار أن يأتي مبكراً، ولهذا السبب تم تأجيل عروض فرقة يوسف وهبي لمدة شهر كامل!! وعندما حضرت وعرضت مسرحياتها في القدس ويافا وحيفا وغزة، سارع مراسلو مجلة «الصباح» بإرسال تقاريرهم، التي نشرتها المجلة في نوفمبر 1941، قائلة: بعث إلينا مراسلونا في القدس ويافا وحيفا وغزة بتفصيلات الحفاوة، التي قوبلت بها هناك فرقة الأستاذ يوسف وهبي من الصحافة والشعب. ونشرت جريدة فلسطين الغراء صورة بصفحتها الأولى للأستاذ يوسف وهبي، مع قصيدة لشاعر شباب فلسطين الأستاذ الأفغاني مراسل الصباح! وقد مثلت الفرقة أثناء رحلتها في كل مدينة من مدن فلسطين روايات «بنت مدارس، جوهرة في الوحل، أولاد الشوارع». وبذل السيد «فائق كنعان» صاحب سينما الحمراء الوطنية بيافا، ومدير السينما الأديب السيد «موسى يونس الحسيني» والسيد «عبد الرحمن الجاعوني» جهوداً مشكورة في خدمة الفرقة بيافا، ومكنوا الجمهور المتزاحم من شهود حفلاتها. وقد أحيت الفرقة في مدينة فلسطين حفلات أكثر من الحفلات المتفق عليها، ولهذا تأخرت عن موعد حضورها إلى القاهرة.
والجدير بالذكر إن جريدة «فلسطين» الفلسطينية، نشرت مجموعة من إعلانات الفرقة، نقتبس منها هذه العبارات: بشرى لأهالي حيفا الكرام، رحلة تمثيلية كبرى، بطل التمثيل العالمي بالشرق «يوسف بك وهبي» على رأس فرقة رمسيس سيحيي حفلتين فقط على مسرح سينما عين دور ... يومي الثلاثاء 11 نوفمبر «أولاد الشوارع»، والأربعاء 12 نوفمبر «بنت مدارس» ... احجزوا تذاكركم من محلات زعبلاوي بساحة الجرينة، ومشيل صيقلي بساحة الحمرة ... سينما الحمراء الوطنية، تفتخر وتقدم للشعب العربي الكريم، في الشرق العربي «يوسف وهبي» مع فرقة رمسيس، حيث يقدم لكم الليلة روايته الخامسة وهي «ابن الفلاح» ... نظراً للإقبال الشديد والطلبات الكثيرة وبعد مجهود كبير، وإرضاء للشعب اليافي، قامت إدارة سينما الحمراء الوطنية بيافا، واتفقت مع الأستاذ يوسف وهبي لإقامة حفلته الوداعية بالرواية الخالدة، الرواية التي تربط الحاضر بالماضي «زوجاتنا»، وهي الرواية الخالدة التي يشهد لها الجمهور حيث يظهر فيها بطل التمثيل العالمي فنه الفذ مع فرقة رمسيس الشهيرة، وذلك يوم الجمعة بتاريخ 14 الجاري.
دوام الحال من المُحال
في العام التالي 1942، فوجئنا بمنع فرقة يوسف وهبي من السفر إلى فلسطين وعرض مسرحياته في مدنها! وعندما سألته مجلة «الصباح» عن سبب المنع، قال: «إن هذا المنع لا بد أن يكون بسبب دسائس من المتعهدين المتنافسين في فلسطين، فهم يدسون لبعضهم البعض .. ثم علق على ذلك بقوله: ليس من المعقول أن يُصرح بالسفر لفرقة «ببا عز الدين»، ويُمنع يوسف وهبي من السفر مع فرقته».
وربما يظن القارئ أن يوسف وهبي على حق، لأن لا وجه مقارنة بين فرقة ببا عز الدين وفرقته، ولكن بكل أسف كان يوسف وهبي يعيش على ماضيه الجميل، ولم ينظر إلى الواقع الأليم الذي يحيط به، حيث كان هذا الزمن – أيام الحرب العالمية الثانية - هو زمن ببا وفرقتها وفنها، وليس زمن يوسف وهبي وفرقته وعروضه!! والحق يُقال: لم يقف يوسف مكتوف الأيدي، بل نال حقه بطريقة، قالت عنها مجلة «الصباح»: « بعد منع سفر فرقة الأستاذ يوسف وهبي إلى فلسطين قبل الآن، أخذ الأستاذ يوسف وهبي يقابل ولاة الأمور ويقنعهم بضرورة سفر فرقته، خصوصاً بعد أن سافرت بعض الفرق الأخرى! فاقتنعوا بوجهة نظره، وسافرت الفرقة فعلاً من القاهرة في الساعة الثالثة بعد ظهر الجمعة الماضي إلى فلسطين، لإحياء عدة حفلات ثم تسافر إلى سوريا ولبنان وإلى بغداد».
سافرت فرقة رمسيس إلى فلسطين، وكتب مراسل مجلة «الصباح» في يافا تغطية لنشاط الفرقة، قال فيها: قدمت فرقة رمسيس المصرية الشهيرة إلى فلسطين وعلى رأسها الأستاذ الكبير يوسف وهبي، فرحبت بها صحف فلسطين كلها أجمل ترحيب، لما تتمتع به هذه الفرقة من مكانة سامية في القلوب. وقد أحيت أولى حفلاتها بمدينة غزة، فمثلت رواية «كرسي الاعتراف»، ثم أحيت حفلات يافا فمثلت فيها «الشيطان» و«أولاد الفقراء» و«امرأة لها ماضي» و«آخر العنقود»، وبعد ذلك غادرتنا إلى حيفا فمثلت هناك بعض رواياتها الشهيرة، ومن حيفا إلى القدس حيث أحيت هناك أربع حفلات، ثم سافرت إلى عمّان فأحيت هناك خمس حفلات، وبعد ذلك مثلت حفلاتها الأخيرة في نابلس وعكا. وقد أقيمت للأستاذ الكبير يوسف وهبي عدة حفلات تكريمية بيافا وغزة، كان أروعها حفلة التكريم التي أقامها السيد «فائق كنعان» صاحب سينما الحمراء الوطنية بيافا، ومتعهد حفلات الأستاذ يوسف وهبي في فلسطين وشرق الأردن.
وبالنظر إلى الصحف الفلسطينية، وجدناها نشرت إعلانات كثيرة عن الفرقة – لا سيما جريدتي الدفاع وفلسطين – وهذه بعض العبارات الموجودة في هذه الإعلانات: « هذا المساء على مسرح سينما الحمراء الوطنية، بطل التمثيل المسرحي في الشرق الأستاذ يوسف بك وهبي على رأس فرقة رمسيس الشهيرة، يقدم لكم أقوى وأروع رواية مثلت على المسرح الشرقي «حب عظيم» ...... «يد الله» ...... الحفلتان الخيريتان العظيمتان على مسرح عين دور بحيفا .. الروايتين الخالدتين «كرسي الاعتراف» و«أولاد الشوارع» .. يخصص ريعهما لمنفعة لجنة اليتيم العربية، وجمعية الإسعاف العام للسيدات بحيفا ..... على مسرح سينما عين دور بحيفا حفلات الأستاذ يوسف بك وهبي الممثل العالمي «أولاد الفقراء» و«الإغراء» و«أولاد الشوارع» و«العدو والحبيب» و«الشيطان»..... في عمّان الحفلة الوداعية على مسرح سينما البتراء، بطل التمثيل المسرحي في الشرق، الأستاذ يوسف بك هبي، يقدم لكم أقوى وأعنف رواياته العصرية».
اعتزال مؤقت
في عام 1943، قررت لجنة إعانة المسارح المصرية إعطاء فرقة يوسف وهبي أقلَ قدر من المال؛ بوصفها فرقة لا تملك مسرحاً ثابتاً، وأنها تقدم نوعية من المسرحيات، تخالف شروط اللجنة!! فما كان من يوسف وهبي إلا إعلان اعتزاله المسرحي، ونشر كلمة بهذا الخصوص في جريدة «الأهرام» المصرية في يونية 1943، قال فيها:
«حضرة صاحب العزة رئيس تحرير الأهرام .. بعد التحية: أطلعت على قرار لجنة إعانة الفرق الأهلية بوزارة الشئون الاجتماعية، وفهمت منه أن كل ما بذلته من جهود كبيرة، وتضحيات تفوق الطاقة لحفظ كيان المسرح المصري حتى اليوم، وما يعرفه الشرق العربي بأسره من نهضة مسرح رمسيس، وما نجم عنها من بزوغ نجوم، وما تفرع منها من مشاريع فنية، ونجاح الرواية المصرية، ولفت وجوه الجمهور لفن التمثيل، مما أقنع الحكومة والبرلمان بضرورة الاهتمام بهذا الفن الجميل. كل هذا العمل الضخم، وكل هذا الكفاح الهائل، وكل هذه الجهود التي كان مصدرها فرد واحد، أضاع ثروته وثروة أسرته وتعرض لأشد المتاعب، أصدرت اللجنة عليه هذا الحكم الذي انفردت به دون سائر الآراء، مما جعلني أزهد في مداومة الجهاد، وقد اعتزمت اعتزال المسرح في أقرب فرصة. وبما أنني لا أريد أن أحمّل أفراد فرقتي العزيزة متاعب البطالة والتعطل عن العمل، فقد رأيت أن أعمل على المسرح بضعة شهور أخرى، راجياً من معالي وزير الشئون أن يهيئ لزملائي الأحباء الذين يعملون معي، عملاً في الموسم المقبل، على أن أخلي مسئوليتي أمام الله والضمير والأمة عما سيترتب عن اعتزالي المهنة. وأنتهز الفرصة لأشكر أبناء وطني الذين حبوني بعطفهم وتشجيعهم طيلة عشرين عاماً، أخرجت خلالها مائتي رواية، منها ست وخمسون رواية مصرية. وأترك الحكم للتاريخ والجزاء عند الله».
قامت مجلة «الصباح» بدورها المهني أمام هذا الاعتزال، وبدأت تنشر البرقيات والكلمات التي تأتيها من كل مكان، دعماً ليوسف وهبي وتاريخه. ومن هذه الكلمات، نشرت المجلة كلمتين من فلسطين، الأولى من حيفا، كتبها (ع.م) قائلاً: قرأنا مقالاً بإمضاء ممثل الشرق الكبير الأستاذ يوسف وهبي، جاء فيه إنه عزم على اعتزال المسرح .. وأنها لخسارة فادحة للشرق العربي أن يحرم من فن الأستاذ يوسف. لقد أخذ الأستاذ يوسف وهبي على عاتقه أن يؤسس مدرسة عملية لتدريس الأخلاق الفاضلة، وقد نجحت هذه المدرسة كل النجاح، وكتب لها التوفيق في كل خطوة، وكانت سبباً في نشر الفضائل، وفي سن القوانين المجدية .. وبما أنني فلسطيني لا أستطيع أن أحكم على الأستاذ يوسف وهبي إلا بما تشعر به فلسطين، أقول إن الأستاذ يوسف وهبي محبوب من الشعب الفلسطيني بمختلف طبقاته وأعرق العائلات، التي اشتهرت بمحافظتها ورجعيتها كانت تحث بناتها على مشاهدة روايات الأستاذ وهبي وأفلامه. ويكفي أن اسم الأستاذ يوسف وهبي أصبح لقباً يُطلق على النهضة الفنية الحديثة في فلسطين، فيقال «يوسف وهبي يافا» و«يوسف وهبي القدس» كألقاب للممثلين النابغين في هذه المدن. أما الأستاذ يوسف وهبي في مصر فلا أستطيع أن أحكم عليه إلا بما قالته الآنسة أمينة رزق في مقالها على صفحات «الصباح» العزيزة بأن رواياته، كانت سبباً في سن القوانين الصالحة، وفي الدعوة إلى المشاريع الإصلاحية الخيرية في مصر.
والكلمة الأخرى المنشورة، كانت من ضابط في يافا اسمه خالد سليم، قال فيها: «بينما كنت أتصفح جريدة «الدفاع» الغراء التي تصدر في مدينة يافا، لفت نظري ما نشرته تحت عنوان «يوسف وهبي يعتزل التمثيل» نقلاً عن جريدة «الصباح». وقد وقع هذا الخبر على نفسي وقوع الصاعقة؛ لأن اعتزال الأستاذ يوسف وهبي للمسرح، يفقد الشعب الفلسطيني والعالم العربي قاطبة ممثلاً قديراً، أنتج مئات الروايات التي تبحث في صميم الحياة الاجتماعية سواء لمصر أو للشرق. وقد قرأنا سبب هذا الاعتزال فإذا هو احتجاج على ما قالته لجنة ترقية التمثيل من أن نوع روايات الأستاذ يوسف وهبي لا يتفق مع واجب المسرح في الإصلاح الاجتماعي! فما هي الفائدة من الروايات المسرحية التي تعرض على المسرح ولا يوجد من يشاهدها؟ لنا وطيد الأمل أن يثابر الأستاذ يوسف وهبي في جهاده، وأن تشمله اللجنة بما يستحقه من التقدير».
الزيارة الأخيرة
فكرة الاعتزال المؤقت، وما أثارته من ضجة إعلامية، كانت خير دعاية لفرقة رمسيس قبل أن تأتي إلى فلسطين في زيارتها الأخيرة!! ففي يوليو 1943 نشر «أكرم الخالدي» كلمة في جريدة «فلسطين» بمناسبة قدوم يوسف وهبي وفرقته إلى فلسطين، قال فيها: يوسف وهبي ملء السمع، ملء البصر، ملء القلوب جميعاً، هذا هو يوسف وهبي زعيم المسرح العربي لهذا الجيل ولأجيال مقبلة. ولكنها قد لا تنجب للشرق والعرب «زعيماً» مثله و«معلماً» مثله، يفرض عليك فهم الحياة كما هي من غير ألوان ولا رتوش، ويلقنك الدرس فتتقبله راضياً مختاراً، على الرغم مما فيه من أشواك وأنّات وعظات قاسيات، هي جماع هذه العبقرية التي تملأ رأس هذا الرجل يقدمها إليك في سهولة ورفق تارة، وفي عنف وشدة تارة أخرى، ولكنك تبلغ بها في النهاية إلى القصد الذي أراده لك، وليس هذا القصد إلا أن تكون أنت أيها الشرقي العربي، الرجل الذي خلصت نفسه من شرور الدنيا وآثام المجتمع، فقد يعمل لخير أسرته ووطنه ومواطنيه، ونفسه، أي الرجل النافع الكامل، ولعمري أن من «يصنع» مثل هذا الرجل «يصنع» الأمة من بعد، وأكرم به من صنع يبقى على الدهر ويخلد على الزمن. لقد قالوا إن يوسف يلجأ إلى «العاطفة» يستفزها ويستثير كوامنها، لينتزع لنفسه إعجاب الجماهير وتصفيقهم، وأنه تبعاً لذلك قد هوى «بالمسرحية العربية» بدل أن يرتفع بها إلى المكان اللائق والغاية المرجوة، ولكننا نسأل هؤلاء: متى كان الشرقي أو العربي بوجه خاص «غير عاطفي»؟ لقد عرف الرسل والقادة في القديم هذه الميزة فيه فاستغلوها لمصلحة مجده وفخاره، وخرج هذا الأعزل من كل سلاح، إلا سلاح – العاطفة والإيمان – من بطن الصحراء إلى العالم المتخبط في اليأس والاستبداد وجهالات العصور، يعلمه «بعاطفته» المجلوة، وإيمانه القوي النقي ماهية الحياة وقيمة الخير ونبل الشعور .. فهل كثير على يوسف وهبي أن يجئ في هذا العصر الذي أخذ منه العربي بالقشور وترك اللباب، وتمرس فيه بالظلام وأشاح بوجهه عن النور – هل كثير على يوسف وهبي أن يجئ في هذا العصر، ويلمس هذا النقص فيعهد إلى «المسرحية» التي نبغ فيها واختاره الله لها رسولاً، يستثير بها العاطفة ومكامن الشعور، فينبه الجاهل الغافل والمتعلم النائم إلى الواجب نحو الله والأسرة والوطن والنفس؟ ليس هذا كثيراً على يوسف وهبي لأنه واجبه الذي اختير له واصطفى لأداء يؤديه، ونرجو أن يظل يؤديه، ولكنه كثير من هؤلاء الذين يقفون في طريق العاملين «معوقين». وما هم – لو علموا – سوى أنفسهم معوقين .. لأن القافلة تسير، ولأنها ستظل تسير إلى أن تأخذ مكانها تحت الشمس والنور.
وفي مكان آخر داخل عدد الجريدة نفسه، وتحت عنوان «الإقبال على حفلات الأستاذ»، جاء الآتي: زارنا أمس الصديق الوفي الأستاذ يوسف وهبي، يرافقه متعهد سينما الحمراء والسيد محمد الإسكندراني، وقد تناول الحديث مع الممثل العالمي الكبير شتى الموضوعات ومختلف الأحاديث، ونذكر بهذه المناسبة أن حفلات الأستاذ وهبي وفرقته تلقى إقبالاً منقطع النظير من الجماهير، التي تقدر للممثل العالمي عبقريته ونبوغه في فن التمثيل، وما تفتأ تبادله كلما قدم إلى هذا البلد حباً بحب وإعجاباً بإعجاب، وقد قدم الأستاذ وهبي لجهوده في سينما الحمراء أمس رواية «الجحيم»، وكان كعادته موفقاً مع بقية الممثلين من أفراد فرقته كل التوفيق.
وتحت عنوان «وفد من جمهور فلسطين يقابل الأستاذ يوسف وهبي»، نشرت مجلة «الصباح»، قائلة: «جاءتنا رسالة من فلسطين نقتطف منها ما يلي: تكوّن وفد من أدباء فلسطين وفنانيها والبارزين في هيئاتها، وقابل الأستاذ يوسف وهبي وطلب إليه في إلحاح ألا يعتزل المسرح بأي حال .. وإذا لم يجد في مصر آماله التي يطمح فيها فإن فلسطين ترحب به ليتزعم النهضة الفنية فيها».
وفي الصحف الفلسطينية انتشرت إعلانات يوسف وهبي وفرقته، وكانت الإعلانات تحدد أماكن التمثيل، ومنها: سينما الحمراء بيافا، ومسرح سينما عين دور بحيفا، ومسرح سينما ركس بالقدس. أما أسماء المسرحيات، فمنها «الجحيم، والمائدة الخضراء، والشهيدة»!
وبعد انتهاء زيارة فرقة رمسيس إلى فلسطين لآخر مرة، ظل أهالي فلسطين يراسلون يوسف وهبي على أمل الرجوع عن فكرة اعتزاله المسرح! وآخر ما وجدته منشوراً بهذا الخصوص، كلمة بتوقيع «جميل حطاب» من «طول كرم»، نشرتها له مجلة «الصباح» في أكتوبر 1943، قال فيها: سجلت الأقلام الأدبية والفنية تلك الكلمات، التي كان لها دوي عظيم، درجة كبرى في عالم الفن التمثيلي، وكلها جاءت إثر ذلك التصريح الذي أعلنته باعتزالك التمثيل المسرحي، لأسباب عرفنا بعضها وجهلنا بعضها الآخر، وقد وجهت جميع تلك الكلمات إليك، راعياً المسرح وشاملة بعنايتك وبمجهوداتك الفنية العظيمة. إن جميع عشاق فنك الجميل قد طالبوك برعايته والعناية به والبقاء فيه، ووجهت إليك الخطابات والبرقيات على صفحات «الصباح» الغراء من كافة الأقطار الشقيقة لمصر، وكلها تدعوك دعوة واحدة تطالبك بطلب واحد، وهو أن تبقى عميداً للمسرح تضفي عليه من روحك القوي وتغذية ببيانك السحري، وبذلك تنتهي من تأدية رسالتك الفنية على الوجه الذي يرضي ضميرك من جهة، وضمير الشعب المصري خاصة والشعوب العربية عامة من جهة أخرى. وقد انتظرت وما زلت أنتظر صدور بيان عنك تنشره في مجلة «الصباح» الغراء رداً على تلك الخطابات المتعددة، وشاركني ويشاركني ولا شك في انتظاري هذا كل من تفضل وبعث إليك بخطابه أو ببرقيته. ولكنك أيها الأستاذ كنت ضنيناً على الجميع، ولم تطفئ اللهب المتوقد في نفوس محبيك بعبارات تعلن فيها بقاءك راعياً للفن الذي ما زال بحاجة إلى العناية والرعاية. فهل آن لك أن تسجل ما فيه فصل الخطاب؟ ولك في الختام مني ومن أحباب فنك وشخصك في فلسطين أسمى التحيات وأطيب التمنيات.


سيد علي إسماعيل