المسرح الألمانى أيضا يعانى بسبب كورونا

المسرح الألمانى أيضا يعانى بسبب كورونا

العدد 692 صدر بتاريخ 30نوفمبر2020

لم تكد الفرق المسرحية  وممثلو المسرح وعشاقه فى المانيا  يسعدون بقرار الحكومة انهاء اغلاق المسارح بسبب كورونا والسماح لها باستئناف نشاطها مع تطبيق قواعد التباعد  وكافة الاجراءات الوقائية  مثل ارتداء الاقنعة حتى عادت القيود من جديد مع موجة كورونا الثانية. وكان ذلك بعد شهرين فقط من السماح للمسارح باستئناف نشاطها واعلنت القرار بنفسها المستشارة انجيلا ميركل..
ادى هذا القرار الى وقف عدد من المسرحيات التى تعرض بالفعل رغم تكلفة العروض مما يهدد بمزيد من الخسائر للفرق المسرحية لتضاف الى الخسائر التى تكبدتها بالفعل بسبب كورونا.
ورغم ان هذا القرار  ينتهى مطلع الشهر القادم ، الا أن المسئولين فى الفرق المسرحية يشعرون بالتشاؤم من امكانية ان يستمر الاغلاق الى ما بعد الموعد المحدد لنهايته .  وربما امتد الى اجل غير مسمى.
حملة
وبدأ مديرو الفرق وعدد اخر من المعنيين بالمسرح حملة يؤكدون فيها ان العروض المسرحية الحية التى يتفاعل فيها الجمهور مع الممثلين خدمة ضرورية وليس مجرد ضرب من ضروب الترفيه.
وجاء فى خطاب وجهه اعضاء مجلس الفنون بولاية بافاريا (عاصمتها ميونيخ) الى اعضاء البوندستاج (البرلمان الالمانى) انه لا يوجد فى المسارح الالمانية اية مخاطرللعدوى حيث تطبق كافة الاجراءات الوقائية التى تطلبها الدولة. فهناك تهوية جيدة فى المسارح سواء فى مقاعد المشاهدين او على خشبة المسرح نفسها. كما يتم تطبيق قاعدة التباعد حيث لاتقل المسافة بين اى مقعد واخر عن 180 سنتيمترا. ولم تسجل فى المانيا حالة كورونا واحدة نتجت عن حضور عرض مسرحى.
  وجاء فى ختام الخطاب ان اى اجراءات وقائية تطبقها الدولة لا يجب ان تحرم الشعب الالمانى من حياته الثقافية. والمؤسسات الثقافية لست مجرد مواقع للترفيه بل هى مدارس للتثقيف والتنوير والحوار والتفاعل.  واى مجتمع ديمقراطى يزدهر ويثقف نفسه  من خلال المشاركة الثقافية.
أضرار
وينضم ناقد فرانكفورتر الجماينة الى المطالبة بانهاء غلق المسارح من زاوية غريبة . يقول ان مخاوف الفرق المسرحية من الغلق وما يمكن ان تتحمله من خسائر من جراء تقديم اعمال جيدة جعل بعض الفرق لاتهتم بالاجادة  لانها ستكون مكلفة وتكتفى بعروض ضعيفة.
 مثال ذلك مسرحية  “ اوريستيا “ المأخوذة عن الثلاثية المأساوية الشهيرة للشاعر اليونانى اسخيلوس التى عرضت على احد مسارح برلين . وجد المسرحية ضعيفة من  كل الوجوه تقريبا ،الاخراج والتمثيل والديكور والاضاءة وغيرها. واكتشف حتى انها بلامخرج حيث سافر المخرج الى ايسلندا فجاة وترك المسرحية دون استكمال اخراجها فقامت بالمهمة سارة فرانكى احدى بطلات المسرحية وقامت باخراجها بخبراتها المحدودة للغاية لان الفرقة لم تستطع دفع اجر مخرج بديل. وحاولت التغطية على ضعف الاخراج ببعض المشاهد الساخنة حتى ظن انها تكرار للمسرحية الامريكية الشهيرة “من يخاف من فرجينيا وولف”للكاتب المسرحى الامريكى الراحل ادوارد البى (1928 -2016).
ليلة واحدة فقط
ومن العروض التى تاثرت بالاغلاق ايضا – وربما من الحالات الطريفة ،مسرحية “النسانيس” التى عرضت لليلة واحدة فقط فى مارس الماضى قبل صدور القرار باغلاق المسارح..المسرحية من تاليف الكاتب المسرحى الالمانى “ماريوس فون ماينبورج”. ولاسباب غير معروفة لم تعرض المسرحية عندما رفع الحظر لمدة شهرين . وتنوى الفرقة المنتجة اعادة عرضها عندما ينتهى الغلق الثانى.
وتدور احداث المسرحية  وهى من نوع الفانتازيا حول اسرة غنية ينوى عائلها وهو من رجال البترول  فجأة التحول الى قرد  بعد ان وجد انه لايستطيع الحياة كانسان فى العالم الطبيعى الذى يعيش فيه. ويناقش هذا العرض ماذا يعنى ان يكون الانسان انسانا. واعتبر النقاد العرض من العروض الجيدة وان كان الحوار ضعيفا بعض الشئ.
الغرب ان بعض الاصوات بين المعنيين بالمسرح خرجت عن هذا الاجماع وطالبت بالعكس. من هؤلاء على سبيل المثال توماس اوستيرمر مدير فرقة شوبان المسرحية  الذى رأى من الافضل ان يستمر اغلاق المسارح للموسم الشتوى الحالى وربما للموسم الصيفى القادم اذا لم تنته مشكلة كورونا. وبرر بأن اعادة الفتح تتطلب اجراءات وقائية صارمة تختلف من ولاية الى اخرى .ففى بافاريا (عاصمتها ميونيخ) التى تمارس فيها فرقته نشاطها بشكل اساسى يتم اجبار المسارح على شغل ربع مقاعدها فقط . ومن الناحية الفعلية لن تستطيع الفرق تحقيق ايراد معقول – ولن نقول ارباحا – الا اذا رفعت اسعار التذاكر اربعة اضعاف لتعويض المقاعد الخالية. وطبيعى هنا ان يجد الجمهور السعر مرتفعا للغاية فينصرف عن العرض. ولا تستطيع الفرقة ان تعمل بنفس الاسعار العادية والا كانت الخسائر مؤكدة خاصة ان المسرح فن مكلف فضلا عن اجراءات التعقيم. كما ان قلة عدد المشاهدين ينعكس سلبا على اداء الممثلين ويفقدون جزءا كبيرا من حماسهم لادوارهم تماما مثل لاعب الكرة الذى يلعب بدون جمهور.
واحد ضد الجميع
وياتى ذلك رغم ان الفرقة انتجت بالفعل عرضا مسرحيا متميزا توقف بسبب كورونا وهو “واحد ضد الجميع “ وهو عرض يدين الحروب لما تلحقه من دمار بالبشرية للكاتب المسرحى الكسندر ايزناش. والمسرحية مأخوذة عن  قصة “الذئب “ للأديب الالمانى الامريكى “اوسكار ماريا جراف”(1893 -1967) التى كتبها عن تجربته الشخصية بمشاركته فى الحرب العالمية الاولى حيث يتحدث عن جندى عاد من الحرب تطارده الكوابيس من جراء ما شهده فيها ومصرع زملائه. وقد عالج جراف هذه الفكرة باسلوب كوميدى التزمت بها المعالجة المسرحية فى اطار الاسلوب المسرحى المعروف باسم المرح المزعج discombobulating romp مثل فيلم ارض النفاق فى مصر .
ويهتم النقاد بهذه القصة التى كتبها جراف عام 1932 باعتبار انها تنبأت بالحرب العالمية الثانية حيث تعرض فيها الكاتب للمظالم التى فرضت على المانيا فى نهاية الحرب العالمية الاولى التى ادت الى ظهور الحزب النازى ووصوله الى الحكم بعد ظهور الرواية بعام وما تبعه من احداث.
وهناك مسرحية اخرى هى “وفاة دانتون” للاديب الالمانى جورج بوكنر صاحب بعض الاثار الادبية المهمة فى الادب الالمانى رغم انه عاش حياة قصيرة لم تتجاوز 24 سنة بين عامى 1813 و1837. وقد كتب المسرحية قبل وفاته بعامين . وتمنح جائزة ادبية باسمه كل عام منذ 1923 .  تصور المسرحية الصراع الدامى بين قادة الثورة الفرنسية بعد نجاحها فى الاطاحة بالنظام الملكى. ولا ندرى كيف يهتم عشاق المسرح فى المانيا بموضوع تاريخى من هذا القبيل. لكنها حققت اقبالا لاباس به فى عدة اسابيع من العرض. 


ترجمة هشام عبد الرءوف