مسرح الجنوب بين الشغف والقيود.. صرخة إبداع في وجه المركزية والإنهاك الإداري.

مسرح الجنوب بين الشغف والقيود.. صرخة إبداع في وجه المركزية والإنهاك الإداري.

العدد 955 صدر بتاريخ 15ديسمبر2025


يبدو المسرح فى الصعيد اليوم كطاقة هائلة محاصرة بجدران من البيروقراطية، وضعف الإمكانات، وغياب الرؤية الإدارية، رغم ما يختزنه من مواهب لافتة وتجارب قادرة على مضاهاة أهم ما يُقدَّم فى القاهرة. فى هذا التحقيق، نقترب من قلب الأزمة عبر شهادات صانعيها: مخرجين وكتّابًا وممثلين ونقادًا يحملون على عاتقهم شغف المسرح ومرارته فى آن واحد.
ما بين “ظاهرة المورّد” ونقص المسارح والتجهيزات، ومشكلات الإدارة، والقيود الرقابية، وضياع الجهود وسط مركزية خانقة… تتشكل صورة مسرح الصعيد بوصفه إبداعًا يقاوم ظروفًا قاسية، ويسعى – رغم كل العوائق – إلى البقاء.
هنا، فى الأقصر وأسوان وسوهاج وقنا والمنيا وبنى سويف، لا يزال المسرحيون يغزلون أحلامهم “برجل حمار” كما يقول أحدهم، ليقدّموا عروضًا تتنفس بروح البيئة وتواجه التطرف وتحتضن الناس. يؤمنون أن الصعيد قادر على أن يكون مركزًا مسرحيًا موازيًا للقاهرة، وأن جمهور الجنوب – برغم الضغوط – ما زال عاشقًا للمسرح ومستعدًا لملء القاعات حين يجد العرض الذى يمسّ حياته.
هذا التحقيق يجمع أصواتًا متعددة: عماد عبدالعاطى، أحمد عبدالفتاح، بكرى عبدالحميد، د. محمد عبدالله حسين، محمد موسى، وأحمد خليفة ود. عمر فرج… أصوات تكشف وجهًا آخر للمسرح بعيدًا عن الأضواء، وتطرح تصورات واضحة لما يجب أن يكون.
إنه كشف لحقيقة واحدة: المسرح فى الصعيد ليس أزمة موهبة، بل أزمة إدارة وإنتاج ورؤية. ومع ذلك، يظل الحلم قائمًا… ينتظر فقط من يحرره.
 

عماد عبدالعاطي: “ظاهرة المورّد” دمّرت المسرح فى الصعيد
يؤكد المخرج عماد عبدالعاطى - فرع ثقافة الأقصر - أن أخطر العقبات التى تواجه المسرح فى الصعيد تتمثل فى ما يسميه بـ «ظاهرة المورّد»، موضحًا أن اعتماد شراء خامات الديكور والتجهيزات الفنية عبر مورّدين لا علاقة لهم بالمجال الفنى أدى إلى كوارث حقيقية. يقول إن خامات التشغيل التى وصلت لعرضه العام الماضى جاءت جميعها غير مطابقة للمواصفات المطلوبة، ورغم ذلك رفض المورّد تغييرها، بل إن المأساة الأكبر – على حد تعبيره – أن المقايسة الإنتاجية كانت معتمدة منذ السادس من نوفمبر، بينما لم تصل الخامات إلا فى التاسع عشر من مايو، متسائلًا: «هل هذا معقول؟» ويضيف أن إقليم جنوب الصعيد دمّر الأنشطة المسرحية بسبب هذا الأسلوب غير الاحترافى فى الإدارة.
ويشير إلى أن أكبر التحديات التى تواجههم اليوم هو إلغاء المورّد العام، لأن استمرار هذا النظام ـ كما يقول ـ «دمّر المسرح تمامًا». فالمسرح عمل فنى دقيق، و»لون القماش وحده قد يصنع فارقًا كبيرًا»، بينما يتعامل المورّد مع الأمر وكأنه يشترى خامات لمستشفى أو مؤسسة إدارية لا علاقة لها بالفن.
ويرى عبدالعاطى أن الشروط التى تفرضها الجهات الرسمية على الفرق هى فى مجملها معقولة ولا تعطل العمل الفنى، لكنه يؤكد أن المشكلة الحقيقية ليست فى الشروط، بل فى الآليات التى تتم بها عمليات الإنتاج.
أما عن علاقة الجمهور الصعيدى بالمسرح، فيقول إنها علاقة عشق حقيقى، فالجمهور هنا ـ كما يصفه ـ «ذوّاق للمسرح»، وتزداد درجة تفاعله عندما يكون العرض من تراثه وبيئته ويعبر عن حياته اليومية ويمسّ روحه.
ويشدد على أن الإقليم بوضعه الحالى هو العقبة الأكبر أمام تطوير المسرح فى الصعيد، وأن الحل الحقيقى يكمن فى إعادة هيكلة المنظومة بالكامل، وإلغاء نظام المورّد الذى لا يناسب طبيعة العمل الفنى.
ويضيف أن إقامة مهرجان ختامى لفرق الصعيد من شأنه أن يكشف عن «العظمة الحقيقية» للمواهب الموجودة فى المحافظات الجنوبية، مشيرًا إلى أن لدى الصعيد طاقات فنية مدهشة لكنها محاصرة بالبيروقراطية وضعف الإمكانات.
ويثمّن عبدالعاطى أهمية المهرجانات الإقليمية، معتبرًا أنها على الأقل تتيح للفرق فرصة مشاهدة أعمال بعضها البعض، لكنه يلفت إلى ضرورة ضبط التوقيت وتوفير الإقامة المناسبة، لأن استدعاء الفرقة لعرض عملها ثم إعادة سفرها فى اليوم نفسه هو ـ على حد وصفه ـ «بهدلة» غير مقبولة.

بكرى عبدالحميد: المسرح فى الصعيد.. صناعة محاصرة بالمركزية والرقابة وغياب الإنتاج
يرى الكاتب المسرحى بكرى عبدالحميد – الأقصر - أن العمل بروح الهواية يظل أكثر صدقًا وجدوى من السعى لتقديم أعمال مسرحية بصورة احترافية شكلية. فالاحتراف الحقيقى فى رأيه هو التمكن من صنعة الكتابة، لا شكل تقديمها. ويؤكد أن الوصول إلى الاحتراف المؤسسى فى مصر يظل بالغ الصعوبة، لأن أبواب العمل داخل المركزية مغلقة تقريبًا على الأكاديميين وخريجى المعهد العالى للفنون المسرحية، وهو ما يحجب الفرص عن كثيرٍ من كتّاب الصعيد. لذلك يؤمن بالهواية التى تقود مع الوقت إلى الاحتراف، رغم ما تحمله من متاعب، لأنها تمنح الفنان متعة العمل وحرية الإبداع.
ويشير عبدالحميد إلى أن التحديات الكبرى التى تواجه المسرح فى الصعيد هى تحديات إنتاجية بحتة؛ فوجود صالة عرض، وخشبة مسرح، وإنتاج مستقر، يظل أساس الصناعة المسرحية. لكن القيود المفروضة على الإنتاج، خاصة من وزارة المالية، تجعل العملية شديدة التعقيد. ويؤكد أنه حاول مرارًا نقل صوت المسرحيين للمسؤولين: «عملنا مختلف عن التجار والمستثمرين»، لكن لا أحد يستجيب، قائلًا بمرارة: «لا حياة لمن تنادي… وأظن أنه لن تكون هناك حياة لمن ننادي».
أما عن حرية الإبداع، فيرى أن الجهات الرسمية لا تفرض موضوعات بعينها، لكنها تملك سلطة الرفض، ووجود الرقابة بتبوهاتها العديدة يجعل الفنانين غير قادرين على التعبير الكامل عن رؤاهم. وبهذا يصبح الرفض المتكرر شكلًا من أشكال التدخل فى حرية الفن، حتى وإن لم تكن هناك قرارات منع مباشرة.
ويتحدث عبدالحميد عن علاقة الجمهور فى الجنوب بالمسرح، موضحًا أن الإجابة تختلف من محافظة لأخرى، لكنه يصف وضع الجمهور فى الأقصر- حيث يعيش -بأن الشغف بالمسرح تراجع تحت ضغوط الحياة اليومية. وبرغم أن الثقافة الجماهيرية تقدم عروضها مجانًا، فإن الحضور لا يزال ضعيفًا للغاية. ويرجع ذلك إلى أسباب اقتصادية، لكن أيضًا إلى تكرار عروض نمطية لا ترتبط بقضايا الناس، ما يدفع الجمهور للعزوف دون أن يعنى ذلك قطع العلاقة بالكامل. ويؤكد: «نحن نحب ونرغب أن يحضر الناس عروضنا، لكن من يحضر الآن هو أقل القليل».
ويرى عبدالحميد أن إنقاذ المسرح فى مصر، وليس فى الصعيد فقط، يبدأ بوقف تدخل وزارة المالية ورفع القيود الضريبية عن المبدعين، وإلغاء الفاتورة الإلكترونية المفروضة عليهم كما لو كانوا تجارًا. كما يدعو إلى تخفيف الرقابة على الموضوعات، مؤكدًا أن المسرح يحتاج إلى «قلوب مؤمنة بدوره، ووطنيين يحبون هذا البلد ويهتمون بقضاياه».
ويؤكد عبدالحميد بثقة أن الصعيد قادر على أن يشكل مركزًا مسرحيًا موازيًا للقاهرة، بل يمكن أن يضم عدة مراكز: الأقصر، سوهاج، أسوان، أسيوط، المنيا، وبنى سويف. ويشير إلى أن الثقافة الجماهيرية يمكنها لعب دور كبير فى تحويل المسرح من موسمى إلى مستمر، لولا العوائق المالية التى تعوق حتى انتقال العروض من موقع لآخر. ويأسف لأن المادة تتحكم بقوة فى شكل المسرح فى مصر كلها، «بغير وعى من المتحكمين فى طرق ضخ الأموال لصناعة التجارب المسرحية».
ويعتبر عبدالحميد أن المهرجانات الإقليمية لم تحقق مكاسب تُذكر؛ فهى فى النهاية ليلة عرض للتحكيم، وليست فعلًا ثقافيًا يخاطب الجمهور أو يدعم صناع المسرح. ويقتصر نفعها على كونها فرصة للمسرحيين لمشاهدة أعمال بعضهم البعض، لكنه لا يرى أنها تخدم الحركة المسرحية بشكل حقيقى.
ويختتم مؤكّدًا أن المسرح فى الصعيد فعل موسمى، ولا يمكن أن يصبح مستمرًا دون معالجة المشكلات البنيوية نفسها التى يعانيها المسرح المصرى كله. فالمشكل واحد: من أسوان إلى البحيرة إلى مطروح، والهمّ واحد، والجميع فى القارب نفسه.

د. محمد عبدالله حسين: مسرح الصعيد.. إبداعٌ يغزل برجل حمار
يرى الأستاذ الدكتور محمد عبدالله حسين- جامعة المنيا، من منظور أكاديمى، أن الحركة المسرحية فى الصعيد حركة مائزة حقيقية، مليئة بتجارب فنية متنوّعة، سواء على مسرح العلبة أم فى العروض المفتوحة. تاريخها واسع ورائد، وتزخر بأسماء وتجارب لا تُعد ولا تُحصى. ويعتزّ بأنه كان أول من كتب أكاديميًا عن إبداعات الصعيد فى كتابه “النقطة المتحوّلة فى الإبداع الدرامى فى الصعيد”، الذى طُبع ثمانى عشرة مرة منذ 2002 حتى 2023، إضافة إلى إشرافه على أربع رسائل ماجستير ودكتوراه تناولت إنتاج مبدعى الصعيد دراسةً ونقدًا.
ويتابع رغم نقص الإمكانيات وغياب اهتمام المسؤولين وهيئاتهم المعنية بالمسرح، فإن فنانى الصعيد – كما يصفهم – “أبطال حقيقيون”، ينطبق عليهم المثل الشعبي: “الشاطرة تغزل برجل حمار”. فهم نفذوا أعمالهم على مسارح المدارس، ومسرح المحافظة، ومسرح جمعية الشبان المسيحية، بينما خرجت باقى عروضهم إلى الهواء الطلق، فجاءت أكثر واقعية وعمقًا وتأثيرًا، من خلال مسرح الجرن، والمقهى، والساحات المفتوحة، ومدارس القرى، وملاعب مراكز الشباب. وهو واقع يصفه بـ“المثير والمذهل”، لكنه فى المقابل يفتقد حركة نقدية حقيقية تتابع هذه الإبداعات التى تنتظر – على حد تعبيره – “القمر الساطع من طمى النيل”.
ويستعرض الدكتور حسين بعض رموز الإبداع المسرحى فى الصعيد، معتذرًا مقدمًا عن أى اسم قد يسقط من الذاكرة. فى مجال التأليف يبرز: درويش الأسيوطى، رمضان الشوكى، سمير عبدالعظيم، محمد عبدالله حسين، نعيم الأسيوطى، أشرف عتريس، محمد سيد عمار، محمد سيد عمر، محمد عبدالمنعم زهران، جلال عابدين، أحمد فرغلى، طنطاوى عبدالحميد، ومروة فاروق، وغيرهم كثير.
وفى الإخراج يذكر: جمال الخطيب، بهائى الميرغنى، حمدى طلبة، صديق مهنى، محمد طلبة، حافظ الشوكى، طه عبدالجبار، أسامة طه، أحمد عبدالوارث، على سيف، ربيع سيد عطية، مروة فاروق، وغريب مصطفى.
أما التمثيل فالقائمة تطول، وفيها: فؤاد فرغلى، صارفين الدقن، صلاح رشوان، حمزة العيلى، محمد عبدالله حسين، جمال محروس، ربيع سيد عطية، على سيف، وغيرهم العشرات.
ويؤكد أن مسرح الصعيد قد لعب دورًا مهمًا فى مواجهة التطرف والإرهاب، مستشهدًا بالحادث الشهير الذى تعرّض له المخرج المنياوى الراحل حسن رشدى أثناء عرض “منين أجيب ناس” لنجيب سرور فى مطلع الثمانينيات، حين جرى تكسير المسرح بسبب جرأته، وهو ما يعكس الدور الحقيقى للمسرح فى مواجهة الظلام.
وعن واقع أقسام المسرح فى الجامعات بالصعيد، يوضح أنها لا تؤدى دورها كما ينبغى، لأنها نفسها تعانى من ضعف الدعم وعدم التعاون المؤسسى، باستثناء نشاط محدود فى بعض الجامعات مثل بنى سويف بفضل رئيس القسم النشيط د. عمر فرج، وأحيانًا فى الإسكندرية. أما بقية الأقسام – على حد وصفه – “فهم مساكين يعانون من قلة الإمكانيات وضعف الاهتمام وغياب الحماس للتفاعل مع بيئتهم المحيطة”.
ويختم بأن الهواة يظلّون هم الطاقة الفعلية للمسرح فى الصعيد، “يغزلون برجل حمار رغم كل ما يحيط بهم من ضعف مادى، وعجز نقدى، وغياب دعم مؤسسي”، موجهًا تحية وتقديرًا لكل من ظلّوا يحملون شعلة المسرح رغم الظروف.
 د. عمر فرج: المسرح فى الصعيد يمثل طاقة كامنة تحتاج فقط إلى من يزيح عنها غبار الإهمال.
وبرؤية أكاديمية حدثنا الأستاذ الدكتور الفنان عمر فرج – أستاذ الدراما والنقد المساعد ورئيس قسم المسرح والدراما بكلية الآداب – جامعة بنى سويف - مؤكدا على أهمية المسرح كفضاء ثقافى شديد التأثير فى المجتمع المصرى، مشيرًا إلى أن الاهتمام به يجب أن يمتد خارج العاصمة ليشمل كل ربوع مصر. ويؤكد أن الدولة مطالبة بإنتاج المزيد من العروض المسرحية وتشجيع الجامعات فى سوهاج وأسوان والأقصر وغيرها على إنشاء أقسام متخصصة، باعتبارها حجر الأساس فى بناء حركة مسرحية قوية.
ورغم حصول قسم المسرح فى آداب سوهاج على ترخيص منذ أربع سنوات، فإن غيابه عن التفعيل يعكس ـ بحسب رؤيته ـ أزمة عامة فى توافر الكوادر المتخصصة داخل جامعات الصعيد، إذ تعتمد أغلبها على أعضاء هيئة تدريس منتدبين من القاهرة، وهو حل مؤقت وغير مستدام. ويأسف لعدم وجود أقسام مسرح فى أغلب كليات الصعيد، رغم وجود مواهب لافتة، مستشهدًا بتجربة طالب مثل مصطفى إبراهيم الذى تمكن من تقديم عرض شارك فى مهرجان دولى بجهد فردى.
ويشير إلى أن التحديات الأكاديمية لا تتوقف عند نقص الأساتذة، بل تمتد إلى فجوة واضحة بين ما يتعلمه الطلاب نظريًا داخل الجامعة وما يجدونه من فرص محدودة على أرض الواقع. فالعلاقات العامة – كما يرى – تتحكم فى فرص الظهور أكثر من الموهبة، بينما الموهوبون الحقيقيون فى الصعيد يفتقرون غالبًا إلى منصات إعلامية تُبرز أعمالهم. ويرى أن قصور الثقافة بميزانياتها المحدودة لا يمكنها وحدها أن تكون حاضنة لمئات المواهب، داعيًا وزارة الثقافة إلى استثمار وسائل التواصل الاجتماعى لتسليط الضوء على هذه الطاقات.
ويُحمِّل د. عمر فرج غياب التخطيط الثقافى مسؤولية تعطيل الحركة المسرحية فى الصعيد، مؤكدًا أن الفنون ليست رفاهية بل حاجة مجتمعية ضرورية لمواجهة التطرف وبناء وعى جديد. ويطالب بعودة الاهتمام المؤسسى بالمسرح فى الجامعات، عبر مسابقات رسمية وميزانيات تُخصص للنشاط الفنى، مع تغيير النظرة السلبية السائدة لدى بعض الإدارات تجاه الفن.
ويبرز د. عمر أهمية البنية التحتية كعنصر حاسم فى تطور الحركة المسرحية؛ فالمسارح المجهزة – كما يشدد – ليست ترفًا بل ضرورة تعليمية وثقافية، يجب أن تتوافر فى كل مدرسة وجامعة ومحافظة. ويرى أن وجود كوادر فنية محترفة داخل هذه المحافظات، إلى جانب حوافز مادية وتدريب متواصل، يمكن أن يحول المسرح إلى مشروع استثمارى وثقافى ناجح يدعم نفسه ذاتيًا.
ويؤكد د. عمر فرج أن بناء حركة مسرحية حقيقية فى الصعيد لا يتم إلا عبر انتشار أقسام المسرح فى الجامعات، وتخريج أجيال من المتخصصين يعودون للعمل فى محافظاتهم. ويوضح كيف يبذل جهدًا شخصيًا كبيرًا لدعم طلاب من محافظات بعيدة عبر استخدام التعليم عن بُعد وتنظيم لقاءات ومحاضرات خارج الكلية لتسهيل دراستهم، باعتباره مشروعًا وطنيًا لنشر الثقافة المسرحية فى كل مكان.
وفى رؤيته للنهوض بالمسرح، يطرح مجموعة من المقترحات العملية تبدأ بتوفير مسارح مجهزة وتمويل كافٍ للنشاط المسرحى فى الجامعات وقصور الثقافة، وتعيين الكوادر المؤهلة فى تخصصاتها، إضافة إلى تشجيع رجال الأعمال والمؤسسات على رعاية الفنون وإحياء تجربة «مسارح الشركات». كما يشدد على أهمية دعم المهرجانات الإقليمية وتوفير فرص عادلة للموهوبين.
ويختتم د. عمر فرج بالتأكيد على أن النهضة المسرحية فى الصعيد لن تتحقق إلا بتكامل الأدوار بين الجامعات ووزارة الثقافة والفرق المستقلة، فى إطار رؤية حكومية واضحة تُعيد للمسرح مكانته وتمنح شباب الصعيد فرصة عادلة لصنع مستقبل فنى لا يقل قيمة عن أى مركز ثقافى فى العاصمة.

محمد موسى: الصعيد قادر على أن يكون مركزًا مسرحيًا موازيًا للقاهرة
يؤكد الشاعر والمؤلف والمخرج المعتمد بالهيئة العامة لقصور الثقافة، محمد موسى محمد - قنا، أن أولى العقبات التى يواجهها المخرج فى الصعيد تتمثل فى غياب الكوادر الإدارية المحترفة القادرة على استيعاب طبيعة العمل الفنى. فبرأيه، معظم العاملين موظفون يسيرون بمنطق الروتين، حتى وإن كانوا ينتمون إلى مجالات الإخراج أو التمثيل، باستثناء قلة قليلة.
ويشير إلى أن الروتين الإدارى ينعكس أيضًا على عملية الإنتاج، حيث يأتى الإنتاج متأخرًا، فتضيق المساحة الزمنية المتاحة، وينتهى الأمر بجدول عروض مزدحم يضم عرضين فى الليلة الواحدة، ما يترك أثرًا سلبيًا واضحًا على جودة العروض، بخلاف ما يحدث فى الأقاليم الأخرى.
ومن المشكلات المتكررة أيضًا عدم توفر أماكن للبروفات، خصوصًا مع استمرار تشغيل السينما يوميًا داخل المواقع التى من المفترض أن تكون مخصصة للنشاط المسرحى. ورغم هذا، يرى أن جمهور الصعيد ما زال شغوفًا بالمسرح ويستقبله بحب، بدليل امتلاء القاعات تمامًا عند حضور العروض الخارجية.
ويعتبر أن أول خطوة لإنقاذ المسرح فى الصعيد هى توفير مساحات حقيقية للبروفات، وهو ما لن يتحقق – بحسب قوله – إلا بإعادة تنظيم حفلات السينما وتقنينها بما يسمح للنشاط المسرحى بأن يأخذ مساحته الطبيعية.
ويرى موسى أن الصعيد قادر على أن يكون مركزًا مسرحيًا موازيًا للقاهرة إذا ما توفرت له الظروف المناخية نفسها من إمكانات ودعم ورؤية إدارية واعية. كما يؤكد أن المهرجانات الإقليمية تشكل المتنفس الحقيقى والأقوى للمسرحيين فى الصعيد، ونافذة مهمة تطل على البيئات الثقافية المتنوعة، خاصة إذا كانت مصحوبة بلجان ندوات تسهم فى تبادل الخبرات وتعميق الفهم المسرحى.

 أحمد خليفة: دعوة إلى عقد مؤتمر وطنى شامل للحوار الثقافي
يرى الناقد والمخرج أحمد خليفة أن المسرح المصرى – بنى سويف، رغم تاريخه العريق، يواجه اليوم مجموعة واسعة من الإشكاليات يمكن جمعها تحت بندين رئيسيين: مشكلات تتعلق بأماكن العروض، وأخرى ترتبط بإنتاجها. هذه التحديات مجتمعة باتت تؤثر بشكل مباشر فى جودة المنتج المسرحى وفرص وصوله إلى الجمهور.

أولًا: مشكلات أماكن العروض
يشير خليفة إلى أن أبرز العقبات فى هذا الجانب تتمثل فى اشتراطات الأمن والسلامة، أو ما يعرف بالموافقات الأمنية الخاصة بسلامة المبانى المسرحية. فبعد كارثة حريق قصر ثقافة بنى سويف عام 2005، أصبحت اشتراطات الدفاع المدنى أكثر صرامة، وتشمل ضرورة وجود ستارة حريق، ومواد غير قابلة للاشتعال لتغليف الحوائط، ومنظومات متكاملة للكاميرات والإنذار والإطفاء الذاتى. ورغم معرفة المسؤولين بهذه الاشتراطات، فإن تنفيذها يتعرض للمماطلة فى كثير من الأحيان، ما يؤدى إلى تعطيل تسليم وتشغيل المسارح لسنوات، أو إيقاف ما يعمل منها عند غياب الصيانة المستمرة.
ويضيف أن الجانب التقنى فى خشبات المسرح يمثل بدوره أزمة متصاعدة. ففى الوقت الذى تشهد فيه المسارح العالمية تطورًا هائلًا يواكب الإيقاع السريع لحياة الجمهور عبر أنظمة هيدروليكية متحركة وتكنولوجيا متقدمة فى الإضاءة والصوت، ما تزال العديد من دور العرض المصرية تعتمد على تجهيزات متقادمة لا تتيح تغيير المناظر سريعًا ولا تقدم تجربة بصرية تواكب توقعات المتلقى المعاصر.
كما يؤكد أن غياب الإتاحة الكافية للعروض غير التقليدية، مثل عروض الفضاءات المتعددة ومسرح الشارع، يعد أحد أسباب انحسار رقعة المشاهدة المسرحية. فالقيود المفروضة على حرية العرض والتناول المباشر لقضايا المواطن الاقتصادية والاجتماعية، أدت إلى إبعاد المسرح عن نبض الناس، وبالتالى تراجع إقبال الجمهور.
ومن بين المشكلات كما أشار أيضًا ضعف انتشار المسارح المتنقلة القادرة على الوصول إلى القرى والمناطق البعيدة. فبرغم تجربة «مسرح المواجهة»، إلا أن تأثيرها يظل محدودًا مقارنة باتساع رقعة مصر وعدد سكانها، ما يستلزم زيادة عدد العروض الجاهزة للانتقال إلى هذه المناطق.

ثانيًا: مشكلات الإنتاج المسرحي
يعتبر خليفة أن أولى المشكلات الكبرى فى الإنتاج هى الارتفاع الضريبى على خامات تنفيذ العروض، والذى يصل إلى نحو 40% من ميزانية المستلزمات، ما ينعكس سلبًا على جودة المنتج المسرحى، خصوصًا فى الأعمال ذات الإنتاج الضخم.
ويشير أيضًا إلى خلل إدارى واضح فى الثقافة الجماهيرية، يتمثل فى فصل جهة التخطيط للإنتاج عن جهة الصرف والمتابعة. فالإنتاج يُسند إلى الأقاليم المسرحية بينما تبقى الإدارات المركزية، التى وضعت الخطة الزمنية، خارج العملية التنفيذية. هذا الازدواج يؤدى فى كثير من الأحيان إلى تعطيل المواعيد وخضوع الإنتاج لأهواء الموظفين، مما يترتب عليه عرض الأعمال فى توقيتات غير مناسبة، كفترة الامتحانات، وهو ما يحرم الجمهور من مشاهدة العروض، ويهدر المال العام فى أعمال تُعرض ليوم واحد فقط أمام لجنة التحكيم.
أما فكرة «التسابق» نفسها، فيرى خليفة أنها انحرفت عن هدفها الأصلى كوسيلة للتحفيز، لتتحول إلى غاية فى حد ذاتها، ما أدى إلى تضخم عدد المهرجانات وإنفاق ميزانيات كبيرة على لجان التحكيم والتجهيزات، على حساب دعم الأنشطة المسرحية نفسها. ويعزو جزءًا من هذا الخلل إلى ما يسميه «الشلالية والتحزب» داخل الوسط الثقافى، حيث انقسم المسرحيون بين تيارين: أحدهما قومى اشتراكى، والآخر حداثى وما بعد حداثى، وهو ما خلق حالة من الاستقطاب والإقصاء المتبادل.
ويختتم خليفة رؤيته بالدعوة إلى عقد مؤتمر وطنى شامل للحوار الثقافى يجمع كل التيارات، لوضع أسس واضحة للعمل الثقافى فى مساحة من الحرية، باعتبار أن النهضة الحقيقية للإبداع – والمسرح فى القلب منه – لن تتحقق إلا بإزالة هذه الانقسامات وإعادة تنظيم منظومة الإنتاج والعرض بما يخدم الفنان والجمهور معًا.

كرم نبيه: مسرح الصعيد يملك المواهب.. لكنه ينتظر الفرصة والرؤية والدعم الحقيقى
يرى المخرج كرم نبيه – إقليم جنوب الصعيد - أن الصعيد يزخر بمواهب مسرحية حقيقية وطاقات فنية واسعة لا تقل فى احترافيتها وإمكاناتها عن تلك الموجودة فى العاصمة. ويؤكد أن أبناء الصعيد يمتلكون كوادر قادرة على تحقيق إنجازات كبيرة لو وجدت فرص تنمية جادة ومخلصة من الجهات الحكومية والأهلية والخاصة.
ويشير إلى أن المخرج أو الكاتب فى الصعيد يواجه سلسلة من العقبات، أبرزها قلة الفرق المسرحية وابتعاد مواقع العمل عن العاصمة، بالإضافة إلى الروتين المرتبط بإجراءات العروض والتراخيص. ويضيف أن غياب الكوادر المساعدة للمخرج يمثل عبئًا كبيرًا، إذ يضطر للتعامل مع تفاصيل كثيرة يفترض أن يتولاها فريق معاون غير متوفر فى أغلب الفرق. كما أن العديد من المواقع غير مهيأة لاستقبال العروض، فضلًا عن عقبات إدارية من بعض الموظفين تجعل المكان طاردًا للمواهب لا جاذبًا لها، إلى جانب غياب رؤية واضحة للمسرح سواء فى الجهات الرسمية أو فى الأقاليم.
ويؤكد كرم نبيه أن الفنان فى الصعيد لا يحصل حتى على «أنصاف الفرص» مقارنة بنظيره فى العاصمة، ويرجع ذلك أساسًا إلى غياب الفعاليات والمهرجانات الحقيقية فى الجنوب.
وفى ما يتعلق بإنتاج عرض مسرحى محلى، يوضح أن التحديات الكبرى تتمثل فى غياب جهات الإنتاج، وغياب الفرق المستقلة أو الخاصة، بالإضافة إلى ندرة المسارح المجهزة. ويلفت إلى أن الجهات الرسمية لا تفرض موضوعات معينة، لكنها قد تمنع بعض النصوص.
كما يشدد على أن غياب المسارح المجهزة ينعكس مباشرة على نوعية الإخراج والتقنيات المستخدمة، إذ يعتمد المسرح الحديث على أدوات أساسية كالإضاءة والصوت والوسائط التى تساعد فى خلق سينوغرافيا تعبر عن رؤية المخرج وروح العرض.
ويرى كرم نبيه أن إنقاذ المسرح فى الصعيد يحتاج إلى تبنى جهة حكومية أو أهلية أو خاصة لمشروع ثقافى وفنى حقيقى يخدم أبناء الصعيد دون مصالح أو أجندات خفية، مع ضرورة الاهتمام بإقامة فعاليات ومهرجانات مسرحية فى الجنوب، متسائلًا: «لماذا لا تُقام المهرجانات الختامية فى الصعيد؟».
وفى ختام حديثه، يؤكد أن مبادرات المهرجانات الإقليمية لم تحقق أى مكاسب حقيقية حتى الآن، وهو أمر يصفه بالمؤسف والمحزن.

أحمد عبدالفتاح: المسرح بالنسبة لنا حياة… ونحن نصنع عروضنا بالمجهود الذاتي
يؤمن أحمد عبدالفتاح حمزة، الممثل المسرحى من إقليم جنوب الصعيد الثقافى – فرع الأقصر، بأن المسرح ليس هواية عابرة، بل حياة كاملة يعيشها بكل ما فيها من شغف وتحديات. يقول إن الخشبة هى المتنفس الوحيد الذى يمنحه الإحساس الحقيقى بوجوده، وإن كل تجربة مرّ بها فى مسارح الصعيد كانت مصدر سعادة خالصة لا تزال ترافقه حتى اليوم.
ورغم هذا الشغف، يواجه الممثل الشاب سلسلة من العقبات التى تبدأ بتوقيت المواسم المسرحية، والتى تأتى غالبًا فى فترات دراسية، الأمر الذى يحدّ من مشاركة الطلاب ويعرقل حركة البروفات. كما يشير إلى أزمة التعامل مع الموردين المسؤولين عن شراء الملابس والديكور والخامات، موضحًا أن غياب الخلفية الفنية لديهم يؤدى إلى تعطيل العمل وتكبيد الفرق مشكلات إضافية.
ويكشف أحمد عن معضلة أكثر تأثيرًا: نقص التجهيزات المسرحية. ففى غرب الأقصر لا يوجد مسرح مغلق واحد يحتضن العروض، بينما المسارح المتاحة تفتقر إلى الإضاءة والصوت والتجهيزات الأساسية، ما يجعل الفريق عاجزًا عن تقديم عرض متكامل، ويؤثر سلبًا على موهبة الممثل وأدائه.
ومع ضعف الدعم والإنتاج، يجد أعضاء الفرق أنفسهم مضطرين للاعتماد على إمكانياتهم الشخصية. يقول أحمد: «نستكمل ما ينقص العرض بالمجهودات الذاتية، فقط من أجل أن يقف العمل على قدميه»، مؤكدًا أن استمرار العروض فى مثل هذه الظروف يعتمد على إصرار الفريق أكثر من أى دعم رسمى.
وعن الجمهور، يرى أحمد أن الاختلاف بين الصعيد والقاهرة لا يتعلق بالشغف، بل بالبيئة الفنية. فالقاهرة تمتلك إمكانيات تجعل تجربة المشاهدة أكثر اكتمالًا، بينما يواجه الجمهور فى الصعيد عروضًا بمعايير أقل رغم محبته العميقة للمسرح.
ويشدد على أن الحركة المسرحية لن تتطور دون ورش تدريبية حقيقية للشباب، يقدمها متخصصون، معتبرًا التدريب أساسًا لصقل المواهب ورفع مستوى العروض. وفيما يخص قصور الثقافة، يرى أن دورها يجب أن يبدأ بتهيئة المسارح والقاعات فنيًا، ودعم العروض، وإتاحة الفرص للفرق للتجوال داخل الإقليم وخارجه لعرض مواهبها أمام جمهور أوسع.
كما يطالب بأن تُدار لجان التحكيم بعيدًا عن أى خلافات شخصية، حتى لا يدفع الممثل وحده ثمن صراعات لا شأن له بها.

مصطفى إبراهيم : الصعيد.. طاقات متفجرة تبحث عن مسرح وسُلَّم ضوء
يؤكد المخرج الفنان مصطفى إبراهيم – سوهاج - أن الجنوب يختزن طاقات مسرحية هائلة تظهر بوضوح فى العروض التى تُقدَّم عبر أنشطة الشباب والرياضة، والجامعات، والمدارس، وقصور الثقافة. هذه المسابقات القليلة – والتى تُقام غالبًا مرة واحدة فى العام – تمثل النافذة الوحيدة لاكتشاف المواهب فى التمثيل والغناء والإخراج والشعر، إذ لا تتوفر منصّات أخرى تسمح بظهور هذه الطاقات على نحو أوسع أو أكثر احترافًا.
ويشير إبراهيم إلى أن العقبات التى تواجه المخرج والكاتب فى الصعيد ترتبط قبل كل شيء بـ المركزية القاهرية؛ فكل الأضواء مسلطة على العاصمة وحدها، بينما يفتقر الجنوب إلى البنية الأساسية من مسارح وتجهيزات وفرص عرض. بعض المحافظات – كما يقول – لا يوجد بها مسرح واحد بالمعنى الحقيقى، مما يجعل حلم تقديم عرض احترافى قد يستغرق سنوات قبل أن يصطدم بواقع “لا مكان ولا دعم ولا فرصة”.
ويؤكد أن الفنان فى الصعيد يشعر فعلًا بأن فرصه أقل بكثير من نظيره فى القاهرة، ليس فقط لغياب المسارح، بل لأنه لا توجد أقسام مسرحية فى الجامعات، ولا فروع لأكاديمية الفنون، ولا خطط لافتتاحها رغم المطالبات المتكررة. ووسط هذا الفراغ، يبقى سفر الفنان إلى العاصمة هو الطريق الوحيد ليُرى ويُقدَّر.
أما التحدى الأكبر – فى رأيه – فهو الحصول على مكان مجهز أو مسرح يعمل دون عوائق، إضافة إلى الحاجة إلى دعم مادى مناسب يتيح تنفيذ العرض ثم عرضه بشكل يضمن مشاهدته ونقده وتقييمه. ورغم ذلك، يؤكد أن الجهات الرسمية لا تفرض موضوعات بعينها على المبدعين، وأن مساحة الاختيار لا تزال مفتوحة أمام الجميع.
لكن غياب المسارح المجهزة يترك أثرًا خطيرًا على لغة الإخراج وأساليب الكتابة والتقنيات المستخدمة؛ فحين يُضطر الفنانون لاستخدام فضاءات غير مهيأة – وهى ليست مسارح أصلًا – دون تدريب كافٍ، يحدث ما يسميه “تشوّهًا فى العملية المسرحية”. لا يوجد مسرح، ولا تدريب على استخدام بدائله، فيتحول الإبداع إلى محاولة للبقاء أكثر منه سعيًا للابتكار.
ورغم كل ذلك، لا يزال جمهور الصعيد – كما يصفه – محبًا للمسرح وذوّاقًا، يحتفظ بشغف أصيل تجاه الفن الجاد والمحترم، ويستقبل العروض الجيدة باهتمام كبير. هذا الشغف يدفعه للتساؤل: لماذا لا يكون الصعيد منارة فنية؟ ولماذا لا يتحول إلى مركز مسرحى حقيقى لو توفرت الإمكانات التى يستحقها؟
وعن مبادرات المهرجانات الإقليمية، يراها إبراهيم خطوة إيجابية، لأنها أعادت الإحساس بالقيمة، وسمحت للفرق بأن ترى أعمال بعضها البعض وتتبادل الخبرات، وأثبتت قدرة الجنوب على تنظيم فعاليات كبرى.
لكن أزمة الفرق المستقلة تبقى الأصعب. فالإنتاج هو المعوق الأول، والدعم المادى نادر، وحتى إذا توفر، يبقى العائق الأكبر هو غياب أماكن العرض. فالصعيد يعتمد بشكل شبه كامل على مسارح قصور الثقافة، وإن توقفت أو لم تتعاون، تتوقف الحركة بالكامل. لا توجد مسارح مستقلة، ولا تنسيق فعلى بين الفرق، ولا فرص حقيقية للنمو مقارنة بوجه بحرى الذى يمتلك بدائل وأدوات.
ويختتم مصطفى إبراهيم مؤكّدًا أن العمل المستقل فى الصعيد «فكرة مرعبة» لندرة الموارد وصعوبة التنفيذ، لكن رغم كل التحديات، تبقى الطاقات موجودة وشغف الناس حاضرًا… وما ينقص فقط هو أن يُفتح الباب ليصبح الجنوب جزءًا أصيلًا من خريطة المسرح المصرى، لا مجرد هامش مظلوم منسى.

أشرف النوبي: المسرح فى الصعيد يواجه إهمالًا ويفتقد للدعم الاحترافى
يشير المخرج أشرف النوبى إلى أن المسرح فى صعيد مصر يعانى إهمالًا على المستوى الاحترافى، تمامًا كما تعانى العديد من الأنشطة الإبداعية فى مجالات الثقافة والفنون والرياضة. ويؤكد أن عدم وجود إرادة حقيقية لدعم المسرح الاحترافى يجعل من الصعب تقديم أعمال تعكس الواقع الاجتماعى وتعالج قضاياه الراهنة.
ويضيف النوبى أن أى محاولات لخلق بيئة فنية وثقافية فى الصعيد تواجه تحديات متشابكة تبدأ بالإنتاج والجهات المنتجة نفسها، التى غالبًا ما تفتقر إلى الإيمان الكامل بدور المسرح ورسالة الفن، مرورًا بضعف تجهيزات دور العرض، وظروف العمل الصعبة التى يعيشها فريق العمل فى ظل واقع اقتصادى يلهث الناس فيه وراء لقمة العيش. ويرى النوبى أن تفعيل دور المسرح وخلق حراك فنى حقيقى يتطلب دعم مؤسسات متخصصة تعمل على إزالة هذه العقبات.
وعن العروض المحلية لمسرح الثقافة الجماهيرية، يشيد النوبى بالجهود التى تبذلها الهيئة العامة لقصور الثقافة، ممثلة فى الإدارة العامة للمسرح، للارتقاء بمستوى هذه العروض، لكنه يشير فى الوقت نفسه إلى تحديات متعددة تواجه العاملين، بدءًا من بعض الموظفين الإداريين والماليين الذين لا يؤمنون بدور المسرح، مرورًا بسلوكيات قد تعيق المبدعين، وصولًا إلى ضعف جاهزية دور العرض فى كثير من المواقع.
ويؤكد النوبى أن جمهور الصعيد يتمتع بذائقة خاصة، وأن العروض المسرحية التى تتناول الواقع المحلى وقضاياه تلقى صدى حميميًا وتجذب الاهتمام، بينما يؤدى إهمال نوعية العروض إلى عزوف الجمهور. ويضيف أن الصعيد يمتلك من المبدعين والمواهب ما يمكنه تحويل بعض المدن إلى مراكز ثقافية وتنويرية، إذا توافرت لهم الإمكانات والدعم اللازم.
وفيما يخص المهرجانات الإقليمية، يرى النوبى أنها حققت بعض المكاسب من خلال خلق حراك مسرحى وتفاعل مع الجمهور، إلا أن بعض هذه المهرجانات تحول إلى وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية، من خلال تكرار نفس الفرق وأعضاء اللجان، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدواها. ويشير إلى التعليقات الساخرة على مواقع التواصل التى انتشرت مؤخرًا، مثل «مهرجنى وأمهرجك، مصلحنى وأمصلحك»، كمؤشر على الواقع الذى يحتاج إلى إصلاح لضمان نهضة مسرحية حقيقية فى مصر.
ويختم أشرف النوبى بالتأكيد على أن المسرح فى الصعيد طاقة هائلة قادرة على الإبداع والتميز، لكنه بحاجة إلى إرادة حقيقية ودعم مؤسساتى يحقق التوازن بين الإمكانات والموهبة، ليصبح الصعيد مركزًا مسرحيًا موازيًا للقاهرة ويشارك فى نهضة المسرح المصرى على مستوى الوطن.


سامية سيد