السيد طليب ونضال بورسعيد!

السيد طليب ونضال بورسعيد!

العدد 950 صدر بتاريخ 10نوفمبر2025

كانت مفاجأة كبيرة عندما علمت أن الممثل السينمائى البسيط، والذى يقوم بأدوار صغيرة لا تستغرق عدة ثوانٍ، هو نفسه الكاتب المسرحى - العظيم من وجهة نظرى - والمجهول تمامًا لمعظمنا «السيد طليب»! أما لماذا هو عظيم من وجهة نظرى، ومجهول بالنسبة لأغلبنا، فهذا راجع إلى مخطوطات نصوصه المسرحية التى أملكها بما فيها من موضوعات ووثائق رقابية، كانت ستذهب إلى الفناء، لولا إنقاذى لها ولأصحابها، ومنهم «السيد طليب»! وقد حاولت أعرف أية معلومات مفيدة عن «السيد طليب»، وللأسف لم أنجح سوى فى معرفة بعض أدواره السينمائية البسيطة مثل «معلم القهوة» وتاجر المخدرات فى فيلم «حتى لا يطير الدخان». أما أية معلومات عنه بوصفه مسرحيًا فكان ضربًا من المستحيل، وهذا ما جعلنى أخصص له مجموعة مقالات أكتبها ضمن هذه السلسلة.
أحتفظ بملف رقم «693» به مخطوطة مسرحية «حكاية بلدنا»، قُدمت إلى الرقابة يوم 28/5/1967 – أى قبل النكسة بأسبوع - ومكتوب على الصفحة الأولى الآتي: فرقة بور سعيد المسرحية، من واقع معركة بور سعيد «حكاية بلدنا» مسرحية تسجيلية تأليف سيد طليب إخراج سمير العصفورى، المخرج المساعد حسين جودة. أما «الشخصيات»، فهي: ملك الفقر، أم صلاح، الحاج عيد، صلاح، الحاج القاضى، أم السعيد زوجة حمزة، حمزة القاضى، محمد القاضى، حندق، حكشة، السعيد وإبراهيم أبناء حمزة، السيدة الممرضة، الأخرس، أم محمود، محمود، أم الشربينى القابلة، الشاويش مصطفى، أبوعبدة، حمد لله، سليمان وطاهر وهلال المجموعة التى نفذت خطف مورهاوس، بائع اللبن، السيد عصران قاتل وليامز، وليامز قائد المخابرات، مورهاوس ضابط، الميجور ضابط مهندس، ستوكويل قائد القوات الإنجليزية الفرنسية، جنود إنجليز، الأهالى البورسعيديين.. مجموعة من الرجال والنساء والأطفال.
والمسرحية تبدأ بظهور «المجموعة» ليشرحوا للجمهور العرض أو ليمهدوا له تمثيل حكاية بلدنا أو حكاية بور سعيد أمام العدوان الثلاثى، قائلين: «سالخير.. سالخير.. سالخير على الجدعان.. بعد ما رمينا المسا عليكم.. نحب نتعرف.. إحنا عارفينكم.. لكن أنتم ما تعرفوناش.. ما يعرفوناش إزاى.. هو فيه حد ما يعرفش نفسه.. يا عم روق.. الحكاية مش عاوزة فلسفة.. مظبوط اللى قاله.. طبعًا وإحنا اثنين لكن واحد.. وثلاثة.. لكن واحد.. وأربعة.. لكن واحد.. وإحنا وأنتم واحد.. لكن ولا مؤاخذة يعنى.. فيه حاجات كتير بتحصل فى الدنيا.. مش كل الناس تعرفها.. يعنى إحنا.. لمؤاخذة برضه.. نعرف حاجات أنتم مش عارفينها.. وفيها إيه يا جماعة الحكاية مش عايزة مؤاخذة.. الجدعان عارفين لكن مش فاهمين.. واللى حصل لازم نكون إحنا فاهمينه عشان إحنا من زمان مراقبينه.. وفاهمينه كويس وعارفينه.. ولعل اللى حصل ده حصل من زمان.. من زمان.. من زمان قوى.. من قبل ما تدولدوا.. من قبل جدودكم كمان.. نقولهم من إمتى.. من أيام عرابى.. لا دا أنت طيب قوى.. دى من قبل عرابى بزمان.. من حملة فريزر.. أبعد أبعد.. أبعد أبعد قوى.. نحكى الحكاية من أصلها.. ياريت ينفع.. وإيه قلة نفعه.. دى تبقى عايزة مليون ليلة.. هى الناس فاضية.. والمسرح وقته محدود.. والرواية لازم تخلص الليلة.. أيام اليونان كانوا يقعدوا تلات ليالى فى المسرح.. كانوا بيحبوا العملية وفاضيين كانوا بيجيبوا الأكل والشرب وحتى الشلت يقعدوا فوقها.. نقدم طلب للوزير نقعد ثلاثة أيام.. نطلب يرجع أيام زمان.. حا يوافق.. لأنه بيحب اليونان.. أهى حكايتنا دى كانت عايزة أيام زمان.. عشان نأخذ راحتنا فى الرواية.. إحنا فى الليلة.. اللى فى سنين وشهور وأيام.. لازم يتحكى الليلة.. فى ليلة واحدة.. فى ليلة واحدة.. لكن.. إزاى.. إحنا الليلة حا نحكى حكايتنا برواية.. نسيب الرواية تقول شوية.. وإحنا شوية.. وأنتم شوية.. وبالطريقة دى.. اللى حصل فى سنين.. نقوله فى ثوانى.. والباقى نسيبه على الممثلين.. يعنى حا يحصل تمثيل.. مجرد تمثيل.. المهم عندنا إن الحكاية توصل زى ما إحنا عاوزين.. يعنى حا نقول ونحكى.. أيوه حا نحكى.. تبقى محرواية.. أو مسرحكاية.. حكايتنا كلنا.. حكايتنا إحنا.. حكايتكم أنتم حكاية الناس.. حكاية الإنسان.. حكاية الخير.. حكاية الشر.. الحكاية اللى بدأها قابيل لما قتل أخوه هابيل.. حكاية الشر فى نفوسنا من زمان.. قصدنا طول ما فيه على الأرض إنسان.. يعنى حا نبتدى.. من الأول.. من أصل الحكاية.. من أصلها.. من يوم ما فكر الإنسان أنه يوصل ما بين البحرين.. من أمتى.. أيام الفراعنة.. واللى بعدهم.. والعرب.. ألف سلامة.. واللى بعدهم.. الأتراك.. أخى.. قصدكم سبس.. أعوذ بالله.. فردناند دى لسبس.. الإنجليز احتلوا مصر.. عن طريق القناة.. فردناند قال لعرابى.. قناة محايدة.. وحط البوم على بيوتنا.. ما قدرناش نبعده عن بلدنا.. ملك خاين.. أحزاب خاينة.. وقامت المحروسة بمهمتها الثانية.. والثورة عاشت.. الثورة عاشت.. خرجت الإنجليز.. بعد اثنين وسبعين سنة خرجت.. وابتدينا نبنى بلدنا.. مدارس.. مصانع.. سد عالى.. البنا عايز مونة.. والمونة مش فى إيدينا.. وعلى شان البنا يعلى.. لازم نطاطى.. نطاطى.. نطاطى.. قالوا عندنا المونة بس.. بشروط.. شروط.. استعمار تانى.. نعمل إيه.. نعمل إيه.. المونة عندنا.. وموش عندنا.. يعنى إيه.. عايزين البنا يعلى من غير ما نطاطى.. يعنى إيه.. القناة.. القناة.. القنال فى أرضنا والرزق رزقنا والبنى لازم يعلى ويعلى من غير ما نطاطى.. زى ما ريسنا قال.. ألف سلامة.. حياتنا.. سد عالى (يذاع إعلان التأميم).. هاجت الدنيا.. ناس معانا.. وناس ضدنا.. دا حقنا.. حقنا حقنا حقنا.. أمريكا.. إنجلترا.. فرنسا.. ملوك.. طظ.. رؤساء.. إسرائيل.. ألف إخص.. الكل هاى.. ضربة معلم.. ألف سلام.. مؤامرات.. اجتماعات.. عك.. والنتيجة.. إسرائيل عندنا على سيناء.. قصدهم ما نرجع من سيناء.. انسحاب.. انسحاب.. ضربة معلم.. أجدع سلام.. حنحكى الحكاية.. أيوه.. وتسيبوا إيه للرواية.. من حماسنا نسينا الرواية.. كويس لغاية كده.. ونسيب الرواية تكمل.. وكفاية إحنا لحد كده.. سالخير.. سالخير على الجدعان.. ألف سلام.. إحنا الوقت فى بور سعيد.. على حارة بالتحديد.. على قرنة شارعين.. على فكرة قرنة يعنى ناصية.. شارع روس وشارع بنى سويف.. ولسه الناس نايمة.. ما نقدرش نقول نايمة.. الحياة حا ترجع تانى بعد شوية.. البيت ده ساكن فيه الحاج القاضى.. ساكن تحت فى المندرة.. وفوقه ساكن ابنه حمزة.. ومراته وأولاده.. إبراهيم والسعيد.. عيال عفاريت كدا يعملوا عمايل فى الإنجليز.. كبروا الوقت وبقوا حلوين قد كده.. ومعاهم كمان محمد.. محمد القاضى.. خذوا بالكوا منه.. بيقولوا إنه كان خاين.. لكن الحقيقة حانعرفها.. وفى الرواية حا نشوفها.. هنا قهوة صادق الألفى.. وفوقها ساكن الأخرس ومراته.. والأخرس أخرس صحيح مش اسمه ولا نأبه.. وابنهم محمد ومراته.. ومراته حامل.. فى شهرها الأخرانى.. فى الرواية حا تولد وتموت وهى بتولد.. شوفوا حياة من موت.. وهنا الفرن.. فرن الحاج عيد فاتح من بدرى زى ما أنتم شايفين.. آل إيه دى حارة.. المخرج عايز كده.. ودى بلكونة.. حبل الغسيل يشهد وده بيت وده بيت.. أول حاجة بتصحى فى البلد.. صيح يا جدع.. والحاج عيد ساكن هنا فى البيت اللى على الشمال ده.. ومعاه مراته وابنهم صلاح.. والشارع من هنا مودى على المناخ ومحطة اللنش.. ومن الناحية دى على السكة الحديد والمعدية.. دى حارتنا.. دى حتتنا.. دى بلدنا.. دى بلدنا.. من هنا حا نبتدى والنهار لسه بيطلع.. والنيرس لسه بيصحى.. اللى على عجلته واللى فى أتوبيس الثلاثينى.. واللى فى أتوبيس كشرى.. الكل سارح على رزقه.. وحيرجع تانى على بيته.. ويفوت على الحميدى أو التجارى.. يجيب حاجة للعيال.. على العجلة يحطها.. وماشى على البيت وهو بيفكر.. ياخد العيال وأمهم ويروح السيما.. بس المشكلة.. إنهى سيما.. مصر وألا الأهلى.. ويرجع يبات مرتاح.. لا مشاغل ولا هموم.. ومن تانى يرجع يسرح.. وندور وندور وتدور يا فنار.. صندوق الدنيا شغال.. وماشى تمام.. قرب وشوف.. لكن.. لكن.. صندوق الدنيا اتعطل اتعطب وقف.. والحكاية.. والرواية.. والناس دى حا تتفرج على إيه.. حا يتفرجوا حا يشوفوا حا نبتدى قبل الصندوق ما يتعطل».
نص هذه المسرحية ظل داخل أروقة الرقابة ما يقارب من الشهر، وهى فترة طويلة جدًا فى هذا الزمن، ولكن المبرر الذى وجدته - من وجهة نظرى – أن النص قُدم إلى الرقابة قبل النكسة مباشرة، فتم إرجاء البت فى التصريح بتمثيله حتى تتضح الأمور، وعندما تأكدت «النكسة أو الهزيمة» صرحوا بالنص رقابيًا، كونه يتحدث عن نضال أهالى بور سعيد ضد العدوان الثلاثى، وهذه البطولة ترفع من روح الشعب المصرى أمام النكسة، لأن إظهار البطولة وتماسك شعب بور سعيد أمر مطلوب إظهاره لتخفيف وطأة الهزيمة!
وجاء فى نص التصريح الرقابى الآتى: «لا مانع من الترخيص بتمثيل هذه المسرحية، بشرط تنفيذ الملاحظات الآتية: تنفيذ الحذف فى الصفحات 7 من الفصل الأول، و4 من الفصل الثانى. إخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول [توقيعات وخاتم] تصريح رقم «171» بتاريخ 25/6/1967».
جدير بالذكر أن موضعى الحذف جاء فيهما الآتي: الأول وهو «ص7» من الفصل الأول، طالبت الرقابة بحذف قول أحدهم للمثل الشعبى «بور سعيد موعودة يا بحارقة.. يا بغارقة»! أما الموضع الآخر «ص4» من الفصل الثانى، فكان حذف كلمة «الشفخانة» من هذا الحوار بين حمزة ومحمد وإخلاص:
حمزة: محمد؟ كنت فين يا راجل.. ما حدش شافك ليه؟ 
محمد: كنت فى الشفخانة اللى فى شارع السواحل مع بتوع الإسعاف بأحاول أعمل حاجة للناس اللى انصابت. 
حمزة: هما الناس يحولوهم على الشفخانة؟ 
محمد: روح شوف بنفسك.. الشفخانة فى الأيام اللى ما فيهاش حرب بيعالجوا فيها الحمير والحصنة والذى منه.. أما فى الأيام اللى إحنا فيها دى.. بيعالجوا فيها البنى آدمين. 
إخلاص: أنا حاروح على الشفخانة يا محمد.. عن إذنكم.. (تخرج إخلاص).
فى العام التالى 1968 كتب «السيد طليب» مسرحية أخرى بعنوان «الموقع 23» أحتفظ بنصها المكتوب بالآلة الكاتبة تحت رقم «320/أ»، ومكتوب على صفحته الأولى: وزارة الثقافة، الإدارة العامة للثقافة الجماهيرية، مديرية الثقافة ببور سعيد. فرقة دار الثقافة المسرحية تقدم من وحى المقاومة الشعبية بمعارك 1956 – 1967 مسرحية «الموقع 23»، ذات فصل واحد، تأليف السيد طليب، إخراج عباس أحمد». وقُدمت إلى الرقابة يوم 3/2/1968، ونالت تصريح رقم «25» بتاريخ 12/2/1968.
أما «شخصيات المسرحية» فهى كالتالي: خضير.. صياد 45 سنة، عبد السلام.. موظف 30 سنة، أبو الكلوح.. بمبوطى 25، هلال.. عامل 30، العربى.. طالب 18 سنة، العربى الصغير.. ابن خضير 7 سنوات، إحسان.. صديقة العربى 16 سنة، السيد.. زميل أبو الكلوح 25 سنة، حسن.. زميل أبو الكلوح 25 سنة، حسن وحمد لله وسليمان وطاهر.. خطفة مورهاوس. طفل، شخصيات أخرى، أصوات خارجية.
هذه المسرحية تحتاج إلى دراسة متأنية، يقارن فيها الباحث بين النص السابق «حكاية بلدنا»، وين هذا النص، كونه استكمالًا للمسرحية السابقة، أو كونه ملخصًا لها مع مد الأحداث لتشمل النكسة بعد العدوان الثلاثي! والدليل على ذلك آخر حوار فى المسرحية، وجاء هكذا: 
خضير: آدى حكاية موقعنا.. حكاية كل واحد من موقعنا.. الموقع 23.
عبد السلام: ولو رحتم لأى موقع تانى.. حتلاقوا حكايات كتيرة.. كل واحد فى بلدنا له حكاية.. كل واحد فى بلدنا له ذكرى من 56 معركتنا اللى عشناها.. معركة بلدنا.. معركة بور سعيد اللى فى نفس اليوم بدأت.
هلال: معركة بورسعيد اللى فى نفس اليوم بدأت.. يوم الإثنين.. يوم الخميس خمسة زى النهاردة.. نفس اليوم.. يوم الإثنين.. يوم خمسة.. زمان كان الاثنين.. خمسة نوفمبر 56 والنهاردة الاثنين.. خمسة يونية 67.
العربي: نفس الأيام.. نفس الأحداث.. نفس الرجالة.. نفس الجدعان.. الجدعان اللى فى المواقع.. علشان كده لو رجعنا للموقع 21 و22 حتلاقى حكايات أغرب وأعجب وبطولات أكبر من اللى قلناها.. لأن مش كل حاجة قلناها.. وبرضه لو مشينا مع الموقع 24 و25 لغاية 100 وأكتر كمان حتلاقى حكايات.. حكايات أغرب وأعجب.. وأبطال أعظم م اللى شفناهم.. وآدى كل واحد فى موقعه.. وآدى كل صابع على الزناد.. وآدى إحنا مستنيين.. مستنيين بفروغ صبر.. علشان نعيد اللى كان.. ونفكرهم إذا كانوا نسيوا.. بأيام زمان.. من كل مكان.. من تحت البواكى.. من التراسينات.. من زيت السرح.. من زيت المكن.. من كل موقع.
أبوالكلوح: موش بس الموقع 23.. سالخير.. سالخير على الجدعان (يعودون إلى مواقعهم مع خفوت فى الضوء وقدوم نزول الستار مع أصوات تحفيز السلاح وتفريغه).


سيد علي إسماعيل