«غنوة ياسمين» خطـوة جديدة علي طريق الدمـج في مسرح الإعـاقة

«غنوة ياسمين» خطـوة جديدة علي طريق الدمـج في مسرح الإعـاقة

العدد 838 صدر بتاريخ 18سبتمبر2023

علي مسرح قصر ثقافة بورسعيد وتحديدا في الاسبوع الأول من أغسطس 2023م احتشدت جماهير بورسعيد المحبة للفنون والمقدرة لمسرح الطفل والموالية لمسرح الإعاقة الذي أذكر أني شاهدت أول تجاربه علي نفس المسرح منذ عدة سنوات واليوم أشاهد علي نفس المسرح خطوة جديدة علي طريق تقدم وتطور «مسرح فرسان التحدي» كما يطيب لي أن أسميه بدلا من كلمة الإعاقة التي لا شك أن لها أثر سيء علي المعاقين ومن دواعي الرحمة والإنسانية ألا نذكر الأحبة بما يكرهون وقد قدمت هذه التجربة الجيدة بأطفال المدينة الباسلة بورسعيد من تأليف (عاطف عبد الرحمن) الذي كتب نصاً مسرحياً يستوعب أحدث صيحات هذا النوع المسرحي ألا وهو المزج الذي يزيل الفجوة ويضيق الهوة بين ذوي الهمم وغيرهم من الأطفال وهذه أحد التجارب المنتجة من قبل إدارة مسرح الطفل بالهيئة العامة لقصور الثقافة تلك الهيئة التي تقدم أعظم وأهم تجارب في محيط المسرح المصري بسبب توجيه خطابها الدرامي للجمهور والاعتماد علي طاقات بشرية جبارة تبذل أقصي الجهود في سبيل إنارة مسارح الثقافة الجماهيرية من دون النظر إلي العائد لأن المكافئات المالية التي تصل الي المبدعين من الهيئة في ظل الظروف الراهنة لا تساوي شيء ورغم ذلك بسبب إخلاص هؤلاء الرواد تقدم تجارب في غاية الأهمية منها مسرحية (غنوة ياسمين) التي أخرجها للمسرح بجهد كبير ووعي تام (إبراهيم فهمي) الذي اضطر الي جانب الإخراج أن يقوم بتمثيل دور محوري في عرض المسرحية هو دور (المهرج) الذي لم يقتصر دوره في هذا العرض علي إضحاك من يقع تحت يده من أشخاص وإنما أسند إليه في هذه الرواية مهمة إصلاح ما فسد بسبب حمق الوزير وطعمه في الاستيلاء علي الملك من ذلك الحاكم الطيب الذي ترك له إدارة ملف الإعاقة بالبلاد ليتحكم به ويتصرف فيه كيفما يملي عليه هواه ولما كان هواه فاسد ذلك الوزير  الأحمق أراد أن يرجع بتلك المملكة إلي عصر الظلمات حيث كان الناس يتشأمون من رؤية الاختلاف عند ذوي القدرات الخاصة أو يستغربون منهم ويخفونهم عن الإنظار لكي لا يعيرون بهم ولابد أنهم بذلك ضيعوا علي الإنسانية الكثير حيث كان لكثير من المعاقين فضلاً كبيراً علي العالم بكل ملفاته وشتي مجالاته ورغم ذلك لمجرد أن رأي الوزير أن ياسمين صاحبة الصوت الجميل والغنوة المحبوبة بدلاً من أن تغني لابنته ذهبت تصدح بالغناء لشاب معاق يدعي (مازن) ولكي يعاقبها ألقي القبض علي معاقي المدينة ولذلك نراهم في مشهد تالي وقد تم حبسهم في «القاعة المسحورة» وهم لا يعرفون لماذا تم جمعهم علي هذا النحو وبينما هم موقفون بالقاعة يستعرض كل واحد منهم ما أنجز من أعمال تحدي فيها الإعاقة وأثبت أنه شخص صالح مفيد للجميع لا يستحق إلا أن يعامل بإحسان لأنه ليس عالة علي أحد ولأنه يؤدي واجبه نحو المجتمع والوطن علي نحو ما يستطيع.
ومن هؤلاء الموقوفين من أصبح معلماً يعلم الأطفال بكل الحب والصبر وهو غاضب لأنه بسبب الحبس لن يستطيع أن يعلم تلاميذه ممن يسعده أن يعلمهم ومن الفرسان أيضا من أصبح بطلاً رياضياً عالمياً وهو اليوم يدرب غيره من المعاقين وبينما هم يستعرضون نجاحاتهم تقابل المهرج الذي تأخر حضوره بالعرض نسبيا «ياسمين» التي أعلنت أنها سوف تتوقف عن الغناء طالما لم تجد حبيبها وصديقها (شادي مصطفي) الذي يقوم بدور (مازن) وبجديه شديدة وفهم وإحساس عالي وحقيقي يقرر المهرج الذي قام بتمثيله المخرج نفسه أن يساعد ياسمين في الوصول إلي حيث اختفي صديقها وغيره من المعاقين وهكذا يفكر(ابراهيم فهمي) المخرج من وضع المهرج كيف يصل الي معرفة المكان الذي جمع فيه مازن وأقرانه من فرسان التحدي وعندما يصلا إلي القاعة المسحورة يستخدم المهرج خفيف الظل بعض الألعاب السحرية الخفيفة في لفت نظر الحارس الساذج بطبيعة الحال والذي سرعان ما يندمج مع الألعاب حتي يستدرج الي لعبة الحبل الذي يقيده به ثم المهرج حتي يتمكن من اقتحام القاعة وتخليص المحبوسين من قبضة الوزير الذي قام به بشكل جديد (يوسف محمد) والذي كان يخطط لوضع المحبوسين في مركب تالفه لكي يتخلص منهم إلي الأبد ولكن لابد في مسرح الطفل أن يجد الشرير نتيجة أفعاله قبل أن تأتي النهاية التي قرر فيها المعاقين الذهاب الي قصر الملك لمعرفة ما إذا كان الملك متورطا فيما حدث أو أنه لا يعرف مما فعل الوزير وهناك يراوغ (مازن) الملك ويهددة بانهيار ملكة وسحب السلطة منه إلا أنه يعيد له تاجة وصولجانه عندما يعرف أنه لم يقصد ما كان من الوزير الذي تأتي الأخبار بأنه هرباً مما يحدث ركب السفينة التالفة التي كان يخطط أن تغرق بالفرسان وغرق في البحر حيث اعتبر الملك أنه لقي مصير عادل يستحقه جزاء ما فعل وأعتذر الملك لذوي الاحتياجات لينتهي ذلك العرض الجيد بهذه النهاية العادلة ويذكر أن كاتب أغاني هذه المسرحية هو (محمد عبد الرؤوف) بكلمات تعكس مناطق هامة من العرض الذي كانت الأغاني من ضروراته والتي انسجمت معها ألحان (أحمد المعجمي) وجملت باستعراضات (عمرو عجمي) فكانت سيفونية سمعي بصرية جيدة في حضرة منظر مسرحي وديكور مواكب لمواقع تقليدية وأخري خالية شهدت أحداث العرض الذي نظم ديكوره الجميل (أحمد مصطفي) فكانت السينوغرافيا قوية التأثير في العديد من مواقف وأحداث هذا التجربة المسرحية المتقدمة علي طريق مسرح الدمج. 


محمود كحيلة