المحور الفكري: كيفية إعداد الممثل المسرحي المصري

المحور الفكري: كيفية إعداد الممثل المسرحي المصري

العدد 836 صدر بتاريخ 4سبتمبر2023

أقام المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الساسة عشر (عام 2023) والتي أطلق عليها اسم الفنان عادل إمام, عددا من المحاور الفكرية. والتي رأس لجانها وأعدها الناقد والمؤرخ المسرحي د. عمرو دوارة, وهو أيضا قام بإعداد  الكتاب الخاص بها وهو كتاب «الممثل المسرحي المصري والتوثيق”, نستعرض منها هنا القسم الثاني لتلك المحاور الذي اشتمل عدد ستة دراسات من الدراسات التوثيقية لكيفية إعداد الممثل سواء عن طريق الدراسة الأكاديمية بالمعهد العالي للفنون المسرحية أو أقسام المسرح ببعض كليات الآداب، أو من خلال بعض الورش الفنية سواء كانت رسمية بإشراف الدولة أو ورش خاصة تستهدف الربح المادي.
الدراسة الأولى بعنوان «فن التمثيل والمنهج العلمي” أعدها  د. مدحت الكاشف وهو يبدأ هذا الفصل بالحديث عن أهمية الدراسة الأكاديمية للممثل باعتبار أن الموهبة وحدها لا تكفي وأنه لابد من الاستعانة بالعلم والتنظيم الفكري والنظري والتدريب العملي المنظم لصاحب الموهبة. ويجيب د. مدحت الكاشف عن لتساؤلات الخاصة بهذا الموضوع من خلال توضيح ماهية مدرسة ستانسلافسكي ومنهجه في التعليم والتدريب. ويبين أن السمة الأساسية لمنهج أو لنظام ستانسلافسكي  كعلم إن جاز لنا وصفه بالعلم، هي موضوعية القوانين التي تكونها، والسمة الفائقة الأهمية، حيث أن أي علم قد ظهر لإشباع حاجات الممارسة الإنسانية، وهو ما يمكن أن نصف به عمل ستانسلافسكي الذي ولد من احتياجات الممارسة الإبداعية والتعليمية، وبالرغم من ذلك كان ستانسلافسكي  واعيًا بأنه لا يمكن لمعايير الممارسة في العلم أن تكون هي الحقيقة الوحيدة، التي تؤكد أو ترفض في المطلق القوانين المكونة لذلك العلم، فالعلم بطبيعته جامد ومحدد الأسس الثابتة التي لا تتغير، بينما الفن بطبيعته متغير ولا ينبغي أن يخضع لقواعد العلم الصارمة. مما جعل ستانسلافسكي  حتى آخر حياته يكرر للممثل في كل زمان ومكان: “اصنع منهجك “ !! حيث إن كل شخص - كل ممثل لديه - معطياته الفردية المميزة من القوانين الطبيعية للإبداع.
ويرى د. مدحت الكاشف أن فن التمثيل هو نشاط مهني، يرتكز على الموهبة كأساس وعلى العلم كوسيلة لتهذيب وتنظيم عمل هذه الموهبة، التي بدون التعلم تظل مجرد شيء رمزي داخلي لا يمكن الإمساك به، وعندما تتحول إلى مهنة عبر أسس علمية فإنها تصبح شيئًا ماديًّا يمكن تمييزه، ويجعلنا نطلق على ممثل ما بأنه موهوب وأن الآخر غير موهوب، الأمر الذي يثير قضية من هو الشخص الذي يمكن تعليمه التمثيل؟ كيف يمكن الحكم على موهبته؟
ثم يحدد د. مدحت مجموعة مؤشرات تكون بمثابة وسائل لقياس هذه الموهبة لأي شخص يتقدم لتعلم التمثيل، منها على سبيل المثال وضوح تعبيراته بشكلٍ كافٍ عن الانفعالات المطلوبة، وقدرته على التفاعل مع هذه الانفعالات، وحيويته في تعامله مع التمثيل خاصة أثناء محاولاته في الأداء، أو بمعنى آخر قدرته على الإيحاء بأنه أثناء الأداء لا يقوم بمجرد إيصال معلومة، ولكنه يقدم فعلً واضح المعنى والدلالة، وبالإضافة إلى ذلك أفكاره حول الفن، حول المسرح، حول التمثيل، حول إيمانه بالدور الاجتماعي للتمثيل.
ويؤكد د. الكاشف على  أن تكون عملية التعليم  نابعة من مشروع محدد ينطلق من مجموعة من
الأسئلة المتعلقة بطبيعة المتدربين أنفسهم من جانب، وبتصورات القائم على تدريبهم عن فن الممثل وابتكاراته لوسائل تفجير الطاقات الخلاقة لهم من جانب آخر، وينطلق المدرب بداية من الآثار المحتملة من عملية التدريب ارتكازًا على أسس ثقافية ومعرفية وتقنية فكر فيها مسبقًا، مع الوضع في الاعتبار أن عمليات التدريب تتم بمعزل عن عمليات الأداء، أو بمعنى آخر فالتدريب لا يسعى للوصول إلى أداء أمثل لعمل فنى بعينه بقدر ما يسعى إلى إكساب الممثلين طُرقًا لاكتشاف ذواتهم وقدراتهم ومهاراتهم.
وأخيرا يوضح فكرة أن التدريب لا يخص فقد المبتدئين الذين يشرعون في ممارسة التمثيل، بل إنه  فرض وواجب أيضًا على المحترفين، بغرض تجديد أو إنعاش أدواتهم وإعادة اكتشافها، حيث تتضمن عمليات تدريب الممثل إشارات وتوجيهات تسعى نحو إطلاق طاقات التعبير التلقائية والمتدفقة عند الممثل.

***
ويتحدث بعد ذلك د. محمد عبد المنعم عن «تطوير قدرات الممثل المسرحي بين ورش التمثيل المسرحي والمقررات الأكاديمية”. وفيها يوضح د. محمد عبد المنعم في البداية تحت عنوان جانبي « فلسفة عمل الممثل وحتمية تطوير قدراته”  عن قضية الممثل،  حيث أنه محك التجربة الفنية الذى يقوم بالممارسة العملية التي تتم في صورة حدث ينبض بالحياة والحركة داخل منطقة التمثيل، فهذه التجربة تتحدد عن طريق عمل الممثل أكثر من كلمات المؤلف أو خيال المخرج. ثم يواصل متحدثا عن أهمية ورش التمثيل التي تسعى إلى تخليص الممثل من العوائق التقليدية للإبداع - تلك العوائق أو قوالب الأداء المكتسبة عن طريق الممارسة المسرحية داخل النسق المسرحي التقليدي - كما تسهم في بناء لغة تعبيرية خاصة بوساطة مجموعة من التدريبات العضلية، والعصبية، والذهنية، والنفسية، الأمر الذى يجعل الطريق مفتوحاً أمام تطور العرض المسرحي وتحديثه عبر أساليب الأداء التمثيلي الحديثة. كما تتبدى أهمية ظاهرة ورش التمثيل؛ لما تقوم به من دور جاد ففي البحث عن أساليب تعبير جديدة على مستوى الأداء التمثيلي، وما يتبع ذلك من تدريب الممثل، وتنمية قدراته الصوتية والحركية والذهنية كافة، وانعكاس ذلك على تطوير الفراغ المسرحي، واستخدامات الموسيقى، والضوء، وغيرها من العناصر الفنية الأخرى.
ويضع بعد ذلك عنوان « الأسس الفنية لورش التمثيل”, موضحا فيه أن ورش التمثيل تختص بتأهيل كوادر بشرية في التمثيل المسرحي عن طريق تطوير الإمكانات التقنية الأدائية للممثل عبر سلسلة طويلة من التدريبات النفسية، والتمارين العضلية، والجسدي؛ وذلك بهدف إعداد الممثل إعداداً جيداً صوتاً، وحركة، وإيماءة، بحيث يتمكن من أداء ألوان جديدة في التمثيل المسرحي غير مطروحة. ثم يسهب د. عبد المنعم في شرح تلك الأسس الفنية, فيبين أن المعمل المسرحي يعد  بوتقة أو مختبراً تمر عن طريقه لحظات الابتكار، وعمليات التأثير والتأثر، وأدوات التعبير المختلفة وغيرها، لتخرج في شكل فنى جديد، عبر حلقات البحث الفني المعملي التجريبي. وبالنسبة إلى الأداء التمثيلي يسعى المعمل المسرحي إلى إنضاج الممثل عبر البحث عن مكامن الطاقة لديه، وتخليص جسده من التوتر المعيق للإبداع، وتدريبه. أما المختبر المسرحي  فهو معمل تجريبي يقوم بإجراء بعض التجارب الصوتية والجسدية، وتجارب أخرى على الديكور والإضاءة وغيرها - من دون سابق معرفة بالنتائج النهائية - ثم تقويم هذه النتائج عن طريق الحذف أو الإضافة أو الرصد أو التحليل أو غيره، على توظيف إمكاناته النفسية، والجسمانية؛ لتظهر بشكل طيع.
ويرى د. محمد عبد المنعم أنه ليست هناك قواعد ثابتة ومحددة تحكم سير العمل داخل ورش  التمثيل جميعها، إذ أن التدريبات التقنية تختلف من ورشة إلى أخرى وفق منهج الأداء التمثيلي الذى يتبناه المدرب، أو يود أن يقدمه للمتدربين عن طريق ورشته، فتقام الورش تبعاً للمنهج الذى يتأتى من رؤية رائد الورشة، ومن الممكن أن يتعرف المتدربون في الورشة على مناهج الأداء التمثيلي المختلفة إلى أن يصلوا إلى المنهج الذى يبتدعه رائد الورشة.
ثم يتحدث عن ورش التدريب المصرية, بداية بورشة المجموعة لدكتور نبيل منيب , ثم ورشة عبد الرحمن عرنوس, ثم ورشة مسرح الشباب, وورشة مركز الهناجر للفنون, كنماذج لأهم الورش المصرية.
وأخيرا يوضح أن للمقررات العلمية الأكاديمية المتخصصة دور كبير وحيوي فى تنمية قدرات طالب التمثيل، حيث يحظى الممثل المصري بكل تأكيد برعاية تقنية تتأسس على فلسفة معملية واضحة ومحددة منذ أن يتوجه لدراسة فن الأداء التمثيلي في إحدى المؤسسات المصرية الأكاديمية المتخصصة، والمعنية بتخريج ممثل أكاديمي واع يجمع في عمله بين النظرية والتطبيق، لكى يتأهل إلى سوق العمل الإبداعي باحترافية مدروسة تسهم في سد الاحتياجات الفنية في الأعمال المسرحية والتليفزيونية والسينمائية.
****
وفي دراسة بعنوان «محاولة لفهم مناهج التمثيل بالجهات الحكومية وبمراكز التدريب” للناقد أحمد خميس يبدأها بالحديث عن كيفيات التناول الذكي للشخصية الدرامية من قبل الممثل عندما يقول له «أحب التمثيل في نفسك لا نفسك في التمثيل”. ثم يطرح الأسس التسعة التي اعتمد عليها ستانسلافسكي في توجيه الممثل التي يرجى أن يستوعبها لاعبو الأدوار المختلفة كي يكونوا متمكنين من شخصياتهم الدرامية وهى: (الفعل المسرحي- الإيمان والإحساس بالصدق-  استرخاء العضلات- الواقع التخيلي للشخصية-     تركيز الانتباه  – الذاكرة الانفعالية-  التكيف – الوحدات والأهداف – الاتصال الوجداني).
وتحت عنوان (ماير هولد ونظرية العناصر الأربعة لإقامة العرض المسرحي), يوضح أحمد خميس أن ماير هولد جاء ليطور من منهم أستاذه ستانسلافسكي, وأنه كان مهمومًا بكيفيات تخلص الأداء من الاندماج الكامل. وأن منهج “البيوميكانيك “ الذى سعى إليه بكل قوة اجتذب أكثر قدر من الاهتمام وأثر في المسرحيين بكل أرجاء العالم، خاصة تلك الأفكار تجعل المتلقي منتبه وفاعل. وأن من بين الأشياء النظرية والتطبيقية الجديدة الأولى، التي أدخلها مايرهولد  في كتاباته التي تتعلق بالإخراج إعادة هيكلة المشهد، وتقسيم الفضاء المسرحي، ونبذ مسرح العلبة. وأن من أهم العناصر التي عمل عليها ماير هولد العلاقة بين الدراماتورجيا والخشبة ولعب الممثل في ذلك الإطار.
ثم ينتقل خميس للحديث عن جروتوفسكى ومسرحه الفقير والمشبع بأهمية الممثل , وتوجهه
بأن الممثل هو صاحب الإمكانات المتطورة والذى يمكن الاعتماد عليه كلية دون زوائد، واعتباره أن تكتيك الممثل هو جوهر الفن المسرحي.
ويتساءل الناقد أحمد خميس حول أي ممثل نرجوه في بلادنا؟ ويبين أنه من خلال بحثه عن الإجابة توجه للمتخصصين والمسئولين في المعاهد والكليات المتخصصة بسؤال يتعلق بماذا بعد “ستانسلافسكي “ ؟ هل تعتمدون مناهج مثل “البايوميكانيك “ أو “جروتوفسكى “ في مسرحه الفقير، و “بريخت “ و “أوجينو باربا “، و “بيتر بروك “ وبعض مفاهيم الكوميديا ديلارتى في تدريب الممثل؟ أم ماذا تفعلون بالضبط على نحو دقيق؟ وكنت في كل مرة أنتظر نتيجة موثقة عن المنهج أو أسلوب التدريب وما يرجى أن يراعيه في بناء الممثل وهى مسألة لا يحيد عنها أي منهم، ولكن كانت الإجابات مغايرة كل حسب ما يريده من الطالب أو المتدرب وحسب فلسفة المكان سواء حكومي أو خاص. كما توجه بنفس السؤال إلى البعض في الدول العربية  ويشرح الإجابات المتنوعة التي حصل عليها منهم.
وبعنوان (خالد جلال وأهمية الممثل الشامل(,  يتحدث عن المنهجية المتبعة في تدريب الممثل في مركز الإبداع من خلال حواره معه, ويعقب موضحا أن الأهمية القصوى لمنجز “خالد جلال” تكمن فى حرصه الشديد على أن يكتمل تعليم الطالب في المركز بالمنطق الذى يصنع منه فنانًا شاملً يمكنه القيام بالعديد من الشخصيات الدرامية، كما يمكنه كتابة بعض الحوارات والأفكار التي تساعد في بناء النسيج النهائي للعرض المسرحي.
ويتحدث بعد ذلك بعنوان: محمد عبد الهادي والتعامل مع ممثل الميديا, حيث توجه إليه بسؤاله وأفاده بأنه على دراية بكل المناهج الحديث منها والقديم، ولكنه يتعامل مع كل ممثل كوحدة واحدة يمكن تطويرها حسب الحاجة مع اعتبار أنه فقط يدرب الممثل المتجه للمهنة كي يلعب الأدوار أمام الكاميرا )سواء في التليفزيون أو السينما ( ومن ثم الكادر السينمائي، فهو هنا القائد في عملية التدريب، كيف يربى الممثل انفعالاته وردود فعله وفق الدور الذى سيمنح له ؟ وكيف يفهم طريقة تدوير التيمات داخل نسيج الحكاية وكيف يتوافق مع كل تلك العناصر المكونة للمشهد ؟
*** 
وفي دراسة تفصيلية بعنوان «الورش المسرحية في مصر” يوضح الباحث فيصل الطحان في نبذة تاريخية أنه قد ظهرت الورش المسرحية - عالميًّا ومحليًّا- كنوع من التجريب المسرحي القائم على رفض المسرح التقليدي الأرسطي، وهو التيار الذي بدأ في أوروبا في أوائل القرن العشرين، ويرصد أولى تجارب الورش المسرحية لدى المخرجة الإنجليزية/ جوان ليتلوود ) 1914 - 2002 ( في ورشة المسرح عام 1953 ، والمخرج الأمريكي/ جوزيف تشايكن ) 1935 - 2003 ( في مسرحه المفتوح...إلخ.
ويبين أنه في مصر والوطن العربي ظهرت الملامح المختبرية في المرحلة الأكاديمية، حينما أسس المخرج/ زكي طليمات والممثل “جورج أبيض معهد التمثيل الحكومي - المعهد العالي للفنون المسرحية حاليًّا - عام 1930 ، ثم قيام المخرج/ سعد أردش بتأسيس مسرح الجيب - مسرح الطليعة حاليًّا - عام 1963 وهو طليعة التجريب المسرحي، ثم يستطر الباحث في رصد تاريخي لهذه الظاهرة بمصر.
وتحت عنوان (تعريف الورشة المسرحية المعياري ) يشرح أنه هو صيغة للعمل المسرحي يشترك فيها كل من المخرج وأعضاء الفرقة من الممثلين وغيرهم - بشكل متساوٍ- فهي عمل وإبداع جماعي تفاعلي يجمع المخرج - قائد الورشة - والممثلين المشاركين بالورشة، كما يتم
الاهتمام بتدريب وإعداد الممثل ورفع قدراته ومهاراته الفنية، ويقومون معًا بالتجريب المسرحي أي بالاهتمام بعنصر ما - مفردة واحدة( - وتقديمه بصورة جديدة اعتمادًا وانطلاقًا من فكرة أساسية “تيمة “ ما، وليس نصًا مسرحيًّا تقليديًّا مع قيام الممثلين بالارتجال الجماعي حول تلك الفكرة، ويقوم المخرج بالصياغة الدراماتورجية لارتجالات الممثلين، كما يتم استخدام لغة مسرحية تعبيرية جديدة، وهي بذلك ورشة مسرحية إبداعية. 
ثم يوضح الباحث فيصل الطحان أنه يوجد لدينا نوعان للورش المسرحية المنتجة للعرض المسرحي وهما: ورش مسرحية إبداعية قائمة على التدريب والارتجال والتأليف الجماعي من قبل الممثلين على تيمة ما، أو قائمة على التدريب والارتجال حول نص أو كولاج من عدة نصوص، وورش تدريبية تأسيسية ونوعية للتدريب على مفردة أو عدة مفردات لتقديم عرض مسرحي تجريبي يقوم على نص مسرحي جاهز أو معد من وسيط غير مسرحي.
ويستكمل بحثه بعد ذلك متحدثا عن الورش المسرحية في مصر مثل ورشة مركز الهناجر وورشة مركز الإبداع وورس المسارح الحكومية والمسرح المستقل من خلال التقنيات واساليب تدريب الممثل. ويتناول في النهاية بشكل تطبيقي ورشة مركز الابداع الفني  بدار الأوبرا المصرية )نموذجًا( متحدثا عنها بالتفصيل.
****
الدراسة التالية بعنوان «تجارب مميزة في إعداد الممثل” للباحث عيد عبد الحليم يتحدث فيها الباحث في مقدمته عن المحاولات الجادة للخروج عن الشكل التقليدي للمسرح من أجل الوصول بذائقة الجماهير إلى حالات من المغايرة والدهشة, ويتبعها بسرد التجارب الرائدة في مجال تدريب الممثل وإعداده، بما يتناسب مع فكرة التجريب المسرحي، موضحا أنه لهذه التجارب روافد في مسرح الستينيات، خاصة عند مخرجي “مسرح الجيب” خاصة المخرج الراحل كرم مطاوع، الذي اهتم بفكرة تدريب الممثل، بدأ ذلك عام 1964 م، مع عرض” ياسين وبهية “ لنجيب سرور، وكذلك في عرض “الفرافير” تأليف يوسف إدريس، فقد اهتم “مطاوع” بشحذ طاقات الخيال وتكثيف العاطفة لدى الممثل.
ثم يذكر عيد عبد الحليم تجربة إرسال “زكريا الحجاوي” إلى الريف المصري، في الوجه البحري والصعيد بحثا عن الفنانين الشعبيين, ثم يمر بتجربة “مسرح دنشواي” للمخرج هناء عبدالفتاح، حيث كان هناك توجه نحو المسرح الشعبي، خاصة مع ظهور بيان “نحو مسرح مصري ليوسف إدريس.  ثم يذكرنا بتجربة الورشة التي أقامها د. نبيل منيب بالمسرح القومي عام 1978 م، تحت إشراف الفنانة سميحة أيوب بنادي المسرح المصري، وقد استمرت الورشة لسبع سنوات حتى عام 1985 م. ويتحدث بعدها عن بعض التجارب المستقلة في الثمانينيات حيث ظهرت مجموعة من الفرق المسرحية المستقلة، التي اعتمدت على فكرة “الورشة المسرحية “ وقامت بعمليات تدريب للممثلين على طرق الأداء، ومنها فرقة الورشة، وهي واحدة من أهم الفرق المسرحية المستقلة في مصر، التي ساهمت – بشكل واضح – في تطور حركة المسرح الحر، على مدار أكثر من خمسة وعشرين عامًا.
ثم يتناول فرقة المسحراتي  التي أسستها المخرجة عبير علي ، فقد بدأت كورشة لإعداد المبدع سواء في الإخراج أو التمثيل أو التأليف المسرحي، وقدمت فرقة المسحراتي حتى الآن أكثر من عشرين عرضًا مسرحيًّا. وتحت عنوان الهناجر فضاء مختلف يبين عيد عبد الحليم أنه تمثل تجربة مركز الهناجر للفنون، والذي تأسس عام 1992 م، حالة مهمة وخاصة في مسألة الورش المسرحية الخاصة بتدريب الممثل، من خلال إقامة مجموعة من الورش النوعية والتي حاضر فيها وأشرف عليها عدد من روّاد المسرح التجريبي في الوطن العربي مثل قاسم محمد وجواد الأسدي وعز الدين قنون وروجيه عساف.

ويرى الباحث أن الأستوديو المسرحي يعد أحد الظواهر المهمة في المسرح الجديد في العالم، فهو المكان الذي يتم من خلاله إعداد الممثل وفق منهج محدد في التمثيل، يتم تدريبه عليه، ولا ينتج عنه بالضرورة إنتاج عرض مسرحي. وتعود جذور الفكرة إلى “ستانسلافسكي (1863 – 1938) منشئ “مسرح الفن “ في موسكو. ويبين الناقد عيد عبد الحليم أن في مصر كان أول ظهور لهذه الفكرة مع المخرج سمير العصفوري من خلال “استديو 79 “، ثم الفنان محمد صبحي والذي أنشأ “استوديو الممثل “ عام 1971 م. وقد أسس الفنان الراحل “منصور محمد “ فرقة “ستوديو “90 الذي كان من نتاجها العرض المسرحي “اللعبة “ الذي قدم في افتتاح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1991 ،وفي عام 2005 م. ثم يذهب الباحث إلى المخرج أحمد العطار الذي أسس “ستوديو عماد الدين”، كما يعدد من تلك التجارب تجربة ستوديو 83 لفنون الأداء، وهو أولى نشاطات مؤسسة “السرادق “ للتدريب وتنمية المواهب الفنية ومشتملاتها، ويخبرنا أنه يوجد حاليًّا بمركز الإبداع الفني بالأوبرا” استوديو مسرح مركز الإبداع” والذي يشرف عليه المخرج “خالد جلال “، ومن خلاله أعطى صندوق التنمية الثقافية التابع له المركز الفرصة للدراسة العلمية لأصحاب المواهب الذين لم تتح لهم فرصة التعليم الأكاديمي.
يذهب الباحث عيد عبد الحليم بعد ذلك إلى مصطلح  المختبر المسرحي ويوضح أنه يطلق “المختبر المسرحي “ على “التجمع في إطار مغلق وخاص يأخذ فيه طابع التجريب دون أن يؤدي بالضرورة إلى عرض مسرحي. ويرى أنه قد ظهرت في الوطن العربي بدأ منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي  مجموعة من المختبرات المسرحية كان من أهمها “محترف بيروت للمسرح 1968 “ م، للمخرج اللبناني “روجيه عساف “ في بيروت. ويذهب بعدها إلى المخرج عبد الرحمن عرنوس الذي أسس “مختبر جامعة اليرموك المسرحي” في الفترة بين ) 1983 – 1987وقد استخدم “عرنوس” في مختبره المنهج النفسي في تدريب الممثل خاصة أسلوب “السيكو دراما” لمساعدة أعضاء المختبر لاكتشاف مفردات لغتهم التعبيرية، من خلال التدريبات المسرحية، والتدريبات على الاستجابات الصوتية للمؤثرات الخارجية والداخلية.
**** 
وفي الدراسة الأخيرة التي وردت بعنوان «منهج أداء الممثل أكاديميا )مختبر عبد الرحمن عرنوس نموذجاً”( للناقد د. عصام الدين أبو العلا يرى فيها أن البداية الحقيقية التي يمكن أن يحسب فيها وقت بدء “الورش الأكاديمية “ في فن التمثيل في مصر يمكن حسابها منذ أواسط السبعينيات مع ما قدمه الدكتور/ نبيل منيب، الذي قدم أشهر ورشة أكاديمية لفن الممثل خرج منها مدربون أكفاء قاموا بعدها بتكوين ورش مماثلة في أماكن متفرقة لتدريب الممثل .  وقد اهتم د. نبيل بعد عودته من بعثته بعمل منهج خاص به لتدريب الممثل؛ حيث قدم في المسرح القومي ما أسماه “معمل الممثل “ عام 1978 ، ومن المتدربين - خلال هذا المعمل -كل من: محمد عبد الهادي، أحمد مختار، أحمد كمال، علي خليفة، ناصر عبدالمنعم، أحمد فؤاد سليم، زين نصار، عمرو دوارة، محمود حميدة، عادل قشيري، وغيرهم. و يركز منهجه على تدريب الممثل وليس الممثل الشامل، خلال مدرسة المخرج الروسي/ ستانسلافسكي المعروفة باسم الواقعية النفسية والمدرسة الفرنسية في إعداد الممثل.
 ثم ينطلق د. عصام أبو العلا إلى الدكتور/ عبد الرحمن عرنوس ومختبره في تدريب الممثل  ويوضح أنه بدأ الدكتور/ عبد الرحمن عرنوس ) 1934 – 2009 ( الاهتمام بمختبر الممثل عندما عمل مدرساً للمسرح بإحدى الجامعات بالأردن منذ عام1983 ، وقدم خلال أربع سنوات متتالية منهجًا متكاملاً لتدريب الممثل وهو منهج يراعي – كما سنرى - تدريب الممثل من خلال مجموعة من التدريبات بهدف تطوير امكاناته النفسية إلى جانب إمكاناته الجسدية للممثل.
ويضيف د. عصام أن منهج الدكتور عبد الرحمن عرنوس ينطلق من التدفق الحر المباشر وذلك لكسر الخجل الذي قد يصيب الممثل عند الاستعانة بمنهج “السيكو دراما “ ولكن يجب أن يكون تحت مراقبة واعية وهو ما سوف يعين الممثل على التخلص من الكليشيهات التي قد يكون اختزنها بداخله نتيجة اعجابه بممثل آخر مما يجعله يكتشف أدواته الخاصة الصوتية والحركية.
يؤكد أن منهج الدكتور/ عبدالرحمن عرنوس يمثل إضافة حقيقية لمناهج تدريب الممثل المعروفة وليس نسخاً لإحداها؛ خاصة أن منهج أداء الممثل عنده كان يمثل هما من همومه التي عاش حياته لتحقيقها.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏