المسرح وسيلة مناسبة لانتقاد الرئيس الأمريكي

المسرح وسيلة مناسبة لانتقاد الرئيس الأمريكي

العدد 583 صدر بتاريخ 29أكتوبر2018

لا يمكن للمسرح بصفته أداة فعالة وقوية للتواصل مع الجماهير أن يظل بعيدا عما يدور في الوطن من أحداث، وما يمر به من أزمات، ولا يمكن أن يظل بعيدا عن هذه الأحداث وإلا أصبح كعازف كمان يعزف على كمانه وهو يرى روما تحترق دون أن يتحرك لإنقاذها.
هذا هو موضوع الجدل الذي يدور حاليا بين عدد من كتاب المسرح ونقاده، فهم يرون أن الولايات المتحدة تمر بأزمة أخلاقية واجتماعية حادة منذ تولى دونالد ترامب مقاليد الحكم فيها قبل نحو العامين ولا يمكن للمسرح أن يقف مكتوف الأيدي إزاءها.
يرى الكاتب المسرحي الأمريكي المعروف روبرت شينكان أن الولايات المتحدة تمر منذ إعلان فوز ترامب برئاستها –وليس منذ دخوله البيت الأبيض - بتحولات وحشية، وتتمثل هذه التحولات في إغفال المعايير المؤسسية وتجاهل القيود الأخلاقية وضرب عرض الحائط بالمبادئ الدستورية بما يمكن أن يقودها إلى نتائج كارثية، ولا يمكن أن يتجاهل أكثر الفنون عقلانية - كما يصف المسرح - نداء الواجب في هذه المرحلة الحرجة من حياة الولايات المتحدة.
وشينكان مشهور في الولايات المتحدة وكندا ككاتب مسرحي رغم أنه أيضا كاتب سيناريو للأفلام والمسلسلات التلفزيونية ويمثل في بعضها، كما أنه في هذه السن (65 سنة) كتب عشر مسرحيات طويلة فقط، إلا أنها تعد من عيون الأدب المسرحي الأمريكي وفازت إحداها بجائزة توني وإحداها بجائزة بوليتز.
نداء الواجب
ويقول شينكان إنه كان لا بد أن يلبي نداء الواجب ويكتب عملا يناقش فيه تلك الأزمة الأخلاقية التي تواجه البلاد فكتب مسرحية تهاجم ترامب وتناقش أبعاد الأزمة، وكتبها واختار لها اسم «بناء الجدار» في إشارة إلى قرار ترامب ببناء جدار عبر الحدود مع المكسيك التي تصل إلى 3 آلاف كيلومتر.
ولم يكن الأمر سهلا أمامه، ذلك أن الأدب إبداع صعب بشكل عام وتزيد الصعوبة مع الأدب المسرحي، ويحتاج الأمر مرور بعض الوقت حتى يستطيع الأديب استيعاب الحدث والتعبير عنه، لكن لم يكن من الممكن أن ينتظر ويترك الوضع يتفاقم بأكثر مما تفاقم، هنا قرر الإسراع في كتابة العمل المسرحي بقدر ما يستطيع التعبير، واختار زاوية محددة من سلبيات ترامب وهي سياساته المعادية للمهاجرين، ويجرى الإعداد حاليا لهذه المسرحية على أن يبدأ عرضها في نهاية الشهر القادم على أكثر تقدير.
ولن يكون ذلك هو العمل الوحيد الذي يوجه النقد لسياسات ترامب، فهناك أيضا مسرحية «شروط الاستسلام» التي بدأت بالفعل على أحد مسارح برودواي، وتدعو المسرحية الشعب الأمريكي إلى الثورة على سياسات دونالد ترامب، وهى للمفارقة العمل المسرحى الأول كتابة وإخراجا للمخرج المتخصص اصلا في الأفلام التسجيلية مايكل مور.
وفي مسرح سنترال بارك سوف يبدأ في ديسمبر القادم عرض مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير ولكن برؤية جديدة توجه نقدا غير مباشر لسياسات ترامب ولممارسات أفراد أسرته.
ويتميز المسرح بأنه أداة تعبير مرنة فيمكن أن يتم معالجة الموضوع الواحد من خلال رؤية كوميدية أو مأساوية، ويمكن تقديمها بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة أو بصورة رمزية.
ويرى الناقد ديفيد أنابل أن هناك مهمة رئيسية للمسرح في الولايات المتحدة بالذات وهي أن يعرض القضايا الجوهرية والرئيسية التي لا يلتفت إليها المواطن العادي في زحمة حياته اليومية، ويستشهد بمقولة الرسام الإسباني بيكاسو الشهيرة «الفن أكذوبة تخبرنا بالحقيقة».
مسرحية الغرائب والأرقام القياسية في كاليفورنيا
وجوه غرابة كثيرة تحفل بها المسرحية الأوبرالية الصينية «نزهة في حديقة صينية» التي يبدأ عرضها في كاليفورنيا في أواخر الشهر الحالي، لكن أهم وجوه الغرابة أن العرض الواحد لن يمكن أن يشاهده سوى 40 مشاهدا فقط، وسوف تجرى المسرحية في الهواء الطلق في حديقة مكتبة هانتجتون في مدينة سان مارينو بولاية كاليفورنيا وهي حديقة ذات طابع صيني، وسوف تجرى الأحداث بين أكثر من مكان فيها بديلا عن الديكورات، وسوف تجرى بعض مشاهد العرض في الحديقة النباتية المجاورة للمكتبة، وكل ما فعله الديكور هو إضاءة المكان وسوف يتعين على المشاهدين – وليس الممثلين – الانتقال بين هذه الأماكن مع العرض، هذا فضلا عن وجوه غرابة كثيرة سوف نتعرض لها.
تقدم المسرحية فرقة شانغهاي كونكو المسرحية الصينية التي تعد من الفرق البارزة في شانغهاي العاصمة الثقافية للصين، وتعد كلمة مسرحية غير دقيقة والصحيح أن يقال المسرحية المختصرة فهي ستبدأ في الخامسة مساء وتنتهي عند منتصف الليل، ورغم هذه الساعات السبع التي تتخللها بعض الاستراحات القصيرة فهي مختصرة لأنها تقدم في الصين على مدى 24 ساعة، وفي العرض الأمريكي يتم اختصار بعض المشاهد.
غير تقليدية
ويقول مؤلف المسرحية ومخرجها وهو الكاتب المسرحي التايواني ستان لاي إنه حريص على تقديم المسرحية بطرق غير تقليدية وإقناع المشاهد بأن هذه الطرق لا غنى عنها لعرض العمل المسرحي مهما بدت غريبة وغير مألوفة، ويمضي قائلا إن عددا من أصدقائه نصحه باختيار جناح واحد من الحديقة لتدور فيه الأحداث، لكنه نظر إلى الحديقة الجميلة كلها كمسرح متكامل، وهو صاحب عدد من الأعمال المسرحية – كتابة وإخراجا – التي تلقى إقبالا كبيرا في الصين والدول والتجمعات الناطقة بالصينية، وقد اعتاد تقديم أعمال مسرحية ناطقة بالصينية للتجمعات الصينية حول العالم.
ويقول لاي إن عوامل الجذب في المسرحية أنها في حقيقة الأمر تجمع بين عدة عروض مع تعديلات تناسب عرضها في الولايات المتحدة، فهي تدور حول قصة أسرة صينية هاجرت إلى الولايات المتحدة في عشرينات القرن الماضي وظلت تتمسك بالتقاليد الصينية الأصيلة، وتمزج القصة بين تجربة الأسرة وأوبرا «جناح الفاونيا»The Peony Pavilion وهي عبارة عن نبات كثير الشجيرات ينمو في المناطق الباردة ويزرع من أجل زهوره الجميلة، وتعود كتابة هذه المسرحية إلى عام 1598 حيث كتبه الأديب الصيني تانج أكزيان سو، وهي كما ذكرنا مسرحية طويلة جدا يمكن أن تستغرق 24 ساعة إذا عرضت بكامل أحداثها.
وتدور المسرحية حول فتاة صغيرة تحلم وهي نائمة بأنها تعيش علاقة حب مع شخص لم تلتق به من قبل، وعندما تستيقظ من نومها تظل تبحث عن هذا الشاب بلا جدوى فتصاب بخيبة أمل وتموت، لكنها تعود إلى الحياة عندما يعلم هذا الحبيب المجهول بأمرها ويحضر إليها ويتبين أنه شاهدها هو الآخر في حلمه ولم يعرف شيئا عنها إلا بعد أن سمع بقصتها، ويقول لاي إنه أراد أن يثبت من مسرحيته أنه لا توجد فواصل بين الحلم والحقيقة وبين الحقيقة والخيال وبين الحياة والموت وبين الفن والحياة.
ويدور الحوار في المسرحية باللغة الإنجليزية بينما تؤدى الأغاني باللغة الصينية حيث تفاعل معها الجمهور الذي لا يعرف الصينية بفضل كتيبات مترجمة إلى الإنجليزية يتم توزيعها مع تذاكر الدخول، وحتى أصحاب الأصول الصينية الذين لا يزال لديهم إلمام بالغة الصينية كانوا يعودون إلى الكتيبات الإنجليزية لأنهم لا يفهمون لهجة الماندرين التي تؤدى بها الأغاني حيث يتم الحديث باللغة الصينية بأكثر من 200 لهجة.
متأصل منذ القدم
ظهر المسرح الصيني كواحد من أعمدة الثقافة الحديثة، حيث يعود تاريخه إلى نحو 3 آلاف سنة، وضم الكثير من الفنون بداخله مثل الغناء والرقص وفن صناعة الأزياء والتجميل، كما خرجت منه أوبرا بكين الشهيرة التي فاق صيتها المسرح الصيني ككل.
وبرز دور المسرح كمؤسسة ثقافية في حياة أهل الصين؛ حيث استعمل لغة راقية وبسيطة أثرت في ذوق الجماهير وتصرفاتهم في الحياة العامة، وقربتهم من الحياة الاجتماعية.
ويشبه المسرح الصيني فن الأوبرا من خلال استخدام الرقص والموسيقى والحركات في سرد القصة، حيث يوجد 360 نوعا من أساليب المسرحيات المقدمة في الصين.
ويُعَد مسرح العرائس ومسرح الظل من أكثر الأنماط المسرحية شيوعا في الصين، ويمتلك المسرح الصيني أعمالا كلاسيكية ذات قيمة أدبية عالية، وهذا ما نجده في بعض المسرحيات المؤلفة في عصر الملك «إيوان».
واهتم النظام الشيوعي بالمسارح الشعبية، فانتعش مسرح خيال الظل أحد المسارح المهمة التي تستهوي جماهير الصين، وفي عام 1953 تم إنشاء مسرح العرائس الحكومي في العاصمة ليجمع كبار لاعبي العرائس ويُعلم الفن العرائسي للشباب والهواة، كما ازدهر فن الرقص الشعبي وخُصصت ميزانية مهمة لتصميم الأزياء وتنفيذها، سواء في الرقص التعبيري أو الرقص.
ويُعَد مسرح الفن الحكومي في بكين أهم المسارح الموجودة في الصين؛ حيث يحظى بمبنى خاص به وتفرعت عنه عدة فرق مسرحية، تتبعه المدرسة العليا لفنون التمثيل بالعاصمة بكين.


ترجمة هشام عبد الرءوف