فردوس حسن الموهوبة

فردوس حسن الموهوبة

العدد 547 صدر بتاريخ 19فبراير2018

تنتمي الفنانة فردوس حسن إلى الجيل الأول للفنانات المصريات اللاتي احترفن التمثيل، فهي من أوائل الفتيات المصريات اللاتي عملن بالتمثيل خلال النصف الأول من القرن العشرين (والمقصود بالتحديد هو التمثيل بالمسرح بوصفه القناة الفنية الوحيدة المتاحة قبل ظهور السينما والإذاعة والدراما التلفزيونية)، ولم يسبقها بالتمثيل سوى عدد قليل من الفنانات وفي مقدمتهن: لطيفة عبد الله، منيرة المهدية، زكية إبراهيم، دولت أبيض، زينب صدقي، فاطمة رشدي وشقيقتاها رتيبة وأنصاف؛
حيث كانت البطولات النسائية في ذلك الوقت محصورة على مجموعة صغيرة من الفنانات الشوام (من بينهن: ملكة سرور، هيلانة بيطار، مريم سماط، ميليا ديان، وردة ميلان، ماري صوفان، أبريز استاتي، ألمظ استاتي، فاطمة اليوسف، بديعة مصابني، ماري منيب، ثريا فخري)، أو على مجموعة من المصريات اليهوديات (ومن بينهن: أديل ليفي، صالحة قاصين، إستر شطاح، نظلة مزراحي، سرينا إبراهيم، هنريت كوهين، فيكتوريا كوهين، فيكتوريا موسى).
والفنانة فردس حسن من مواليد 17 نوفمبر 1905، وقد درست في المدارس الفرنسية، كما عملت في مجلة «الدنيا المصورة». كانت بدايتها الفنية بالمسرح في عام 1922 من خلال مشاركتها للفنان محمد بهجت في تقديم بعض عروضه بكازينو «دي باري»، ثم انضمت إلى فرقة الفنان علي الكسار (أمين صدقي - علي الكسار)، وبعد ذلك وبالتحديد عام 1924 التحقت بفرقة «رمسيس»، التي أسسها الفنان يوسف وهبي عام 1923، أي بعد عام واحد من تأسيسها لتتلمذ على يد مخرجها القدير عزيز عيد، وتنجح في إثبات وجودها الفني لتصبح إحدى نجمات الفرقة مع كل من الفنانات: روز اليوسف، فاطمة رشدي، زينب صدقي، وبعد ذلك مع أمينة رزق وروحية خالد. وقد أسند لها الفنان يوسف وهبي البطولات المطلقة مع أمينة رزق منذ عام 1930 بعد انفصال كل من نجمات الفرقة الثلاث (روز اليوسف، فاطمة رشدي، زينب صدقي).
وجدير بالذكر أنها قد تميزت بقدرتها على تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية، وخصوصا التاريخية، وذلك نظرا لأن أداءها التمثيلي بصفة عامة قد اتسم بالأداء المسرحي الكلاسيكي، وكذلك لإجادتها الإلقاء باللغة العربية الفصحي بصوتها الآسر المميز المعبر ومخارج ألفاظها السليمة وحروفها الواضحة والتزامها الدقيق بجميع قواعد النحو والصرف، بالإضافة إلى جمال صوتها، وخصوصا في إلقاء الشعر، حتى إن الشاعر الكبير عزيز أباظة كان يحرص على سماع أشعاره بصوتها، لقدرتها على توظيف صوتها المعبر القريب من القلب وامتلاكها لمهارات الأداء والتلوين الصوتي، حيث أجادت وتميزت في تلوينه طبقا للمتطلبات الدرامية للدور، فيصبح كالآلة الموسيقية وبالتحديد كالقيثارة التي تعزف لنا ألحانا شجية ذات طبقات متعددة، مما أهلها للقيام ببطولة المسرحيات الشعرية، ومن أهمها - على سبيل المثال - مسرحية «العباسة» للفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى عام 1945، من تأليف عزيز أباظة ومن إخراج فتوح نشاطي، وهو العرض الذي شاركها بطولته كل من الفنانين: زوزو حمدي الحكيم، حسين رياض، حسن البارودي، وقامت هي بتجسيد شخصية «العباسة» الأخت الكبرى للخليفة هارون الرشيد.
ويجب التنويه إلى أن الفترة من عام 1935 إلى عام 1953 تعد من أزهى فترات تألق الفنانة فردوس حسن مسرحيا، وهي الفترة التي بدأت بتأسيس «الفرقة القومية» - بوصفها أول فرقة حكومية - لتضم نجوم الفرق الثلاثة (جورج أبيض، رمسيس، فاطمة رشدي)، ثم إعادة تشكيلها تحت مسمى «الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى» عام 1942، وأخيرا إعادة تشكيلها مرة أخرى تحت مسمى الفرقة المصرية الحديثة عام 1953 (بعد دمجها مع فرقة “المسرح المصري الحديث”)، فخلال تلك الفترة تقاسمت أدوار البطولات النسائية مع الفنانات: أمينة رزق، زينب صدقي، عقيلة راتب، روحية خالد. ولكن بعد عام 1953 وضم أعضاء فرقة «المسرح المصري الحديث» - وجميعهم من خريجي «المعهد العالي للتمثيل» - واكب ذلك ظهور جيل جديد من المخرجين الأكاديميين (نبيل الألفي، حمدي غيث، عبد الرحيم الزرقاني، نور الدمرداش، سعيد أبو بكر، كمال يس)، وبالتالي فقد منح هؤلاء المخرجون فرصة التألق لجيل جديد من نجمات المسرح، وفي مقدمتهن: نعيمة وصفي، ملك الجمل، عفاف شاكر، سميحة أيوب، سناء جميل، فكانت النتيجة هي تقلص فرص البطولات أمام الفنانة فروس حسن وبقية نجمات جيلها.
وللأسف الشديد، فإن معظم جمهور السينما العربية الآن لا يتذكرون الفنانة القديرة فردوس حسن ولا أدوارها السينمائية، وذلك رغم أنها تعد الممثلة الثانية التي ظهرت على الشاشة الفضية بعد الفنانة الرائدة عزيز أمير. وقد اشتهرت «فردوس حسن» بصفة عامة بجمالها اللافت للنظر، ويكفي أن نذكر أنه قد تم اختيارها لتجسيد شخصية «ليلى» حبيبة الشاعر العربي قيس، تلك الشخصية المحورية التي قامت بالأداء الصوتي والغناء لها الفنانة آسمهان، وذلك خلال أحداث الأوبريت الشهير «مجنون ليلى» لأمير الشعراء أحمد شوقي وألحان وغناء الفنان محمد عبد الوهاب، الذي تضمنته الأحداث الدرامية لفيلم «يوم سعيد». ويجب التنويه إلى أنه ورغم امتداد المسيرة الفنية للفنانة فردوس حسن من عام 1921 إلى عام 1974، فإن مسيرتها السينمائية قد استمرت فقط خلال الفترة من عام 1923 إلى عام 1954، وهي الفترة التي قدمت خلالها عددا لا بأس به من الأفلام الغنائية المعروفة - رغم عدم مشاركتها بالغناء - من بينها فيلما: «دنانير» و«عايدة» مع كوكب الشرق أم كلثوم، وأيضا أفلام: نرجس (مع محمد فوزي ونور الهدى)، طلاق سعاد هانم (مع عقيلة راتب وأنور وجدي)، ليت الشباب (مع رجاء عبده وسراج منير). وتضم قائمة أفلامها المهمة كذلك: «برسوم يبحث عن وظيفة» (أول فيلم روائي صامت)، «السوق السوداء» (إخراج كامل التلمساني وبطولة زكي رستم، عقيلة راتب، عماد حمدي).
هذا ويعد فيلم «سعاد الغجرية» إنتاج عام 1928، من أهم الأفلام التي شاركت فيها الفنانة فردوس حسن، خاصة وأنه الفيلم الوحيد الذي قامت ببطولته المطلقة، وهو فيلم صامت من تأليف وإخراج جاك شوتز، وقد شاركها البطولة فيه كل من الفنانين: عبد العزيز خليل وأمينة رزق وشرفنطح (محمد كمال المصري). ولكن للأسف، فقد قوبل الفيلم بهجوم شديد وتعرض لحملة شرسة من الصحافة بدعوى أنه يسيء إلى «مصر» ويشوه صورتها، وقد يفسر ذلك سبب عدم مشاركة الفنانة فردوس حسن بأدوار البطولة المطلقة أو تألقها سينمائيا بعد ذلك. والفيلم تدور أحداثه الدرامية حول الحب الذي يجمع بين قلب الفتاة الغجرية سعاد (فردوس حسن) وبين عمدة شيخ العرب جويدة (عبد العزيز خليل)، وذلك عقب اختطاف الغجر لها وضمها إلى قبيلتهم، فتضطر للعمل معهم في السيرك، وهناك يقوم «سمعان» - وهو أحد الشباب المستهترين - بمضايقتها والتحرش بها ثم بمحاولة الاعتداء عليها إلا أن «جويدة» ينقذها من براثنه ويتقدم لطلب الزواج منها.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لاختلاف القنوات المختلفة (سينما، مسرح، إذاعة) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا: السينما:
لم تستطع السينما للأسف الاستفادة من موهبة وخبرات الفنانة القديرة فردوس حسن وتوظيفها فنيا، فعلى الرغم من مشاركاتها السينمائية المبكرة فإن تلك المشاركات لا يمكن مقارنتها إطلاقا بحجم مشاركات نجمات جيلها أو حتى بمشاركاتها المسرحية الثرية سواء على مستوى الكم أو الكيف، حيث لم يتجاوز حجم مشاركاتها السينمائية عن أداء بعض الأدوار الرئيسية المساعدة أو الأدوار الثانوية في عدد ما يقرب من عشرين فيلما فقط، وذلك باستثناء قيامها ببطولة فيلم «سعاد الغجرية»، وتضم قائمة أعمالها السينمائية الأفلام التالية: برسوم يبحث عن وظيفة (1923)، سعاد الغجرية (1928)، الدفاع (1935)، يوم سعيد (1938)، دنانير (1939)، عايدة (1942)، حبابة (1944)، قتلت ولدي، السوق السوداء، حرم الباشا (1945)، الغيرة، ضحايا المدينة (1946)، هدى، عدل السماء، ليت الشباب، طلاق سعاد هانم (1948)، جنون الحب (1954).
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي ورواد السينما العربية، وفي مقدمتهم الأساتذة: محمد بيومي، محمد كريم، أحمد بدرخان، يوسف وهبي، كامل التلمساني، أنور وجدي، نيازي مصطفى، أحمد كامل مرسي، حسن حلمي، حلمي رفلة، جمال مدكور.
ثانيا: المسرح
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة فردوس حسن، فقد تفجرت هوايتها لفن التمثيل من خلاله، كما أثبتت وأكدت موهبتها بعدما تعلمت أصول التمثيل بفضل أساتذته (عزيز عيد، جورج أبيض، علي الكسار، يوسف وهبي، زكي طليمات)، ومن خلاله أيضا شاركت في تجسيد عدد من أهم الشخصيات الدرامية، حتى أصبحت نجمة متوجة من نجمات كل من فرق: «رمسيس»، «اتحاد الممثلين» و«القومية». ويمكن تصنيف مشاركاتها المسرحية طبقا لاختلاف طبيعة الفرق (جهة الإنتاج) مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
1 - فرقة «رمسيس»: راسبوتين، انتقام المهراجا، قتيل الوهم (1924)، الرئيسة، حانة مكسيم، كرسي الاعتراف، مستشفى المجاذيب، (1925)، توسكا، نائب رغم أنفه، وراء الستار (1926)، اثنين يساوي واحد، الجحيم، الحب المسكوفي، الشرق والغرب، صاحب البيت، عذراء سيسليا، الولدان الشريدان، عمة شارل، يوليوس قيصر (1927)، الأرستقراطي، البرج الهائل، الجريمة والعقاب، في ظلال الحرية، المائدة الخضراء، أميرة بغداد، شجرة الدر، بريد ليون، تاجر البندقية، كاترين دي مدسيس، يوليوس، القضية المشهورة (1928)، البخيل، العرائس، إيفان الهائل، بنت الخيال، شارع عماد الدين، نجم هوى، أولاد الذوات (1929)، المرأة الكاذبة، أنا أحبك، خفايا القاهرة، نار ورماد (1930)، بنات الهوى، صندوق الدنيا، أولاد الفقراء (1931)، العقاب (1933)، ملقن القطرين (1938)، الشرف الياباني، مقتل راقصة (1940)، ضحك ودموع (1941)، أما ليلة (1943).
2 - فرقة «اتحاد الفنانين»: الحلاق الفليسوف، الست درية، العصامي، جميل وبثينة، صرخة الطفل، الإسكندر الأكبر (1934).
3 - فرقة «المسرح القومي»: مجرم (1935)، الفاكهة المحرمة، نشيد الهوى (1936)، بناتنا 1937 (1937)، الخطاب، العواطف، الفتاة المسترجلة، إسماعيل الفاتح، شمشون ودليلة، طبيب المعجزات، طيف الشباب، مجنون ليلى (1938)، المال والبنون، امرأة تستجدي، أنتيجونا (1939)، المهرج، لويس الحادي عشر (1940)، إلكترا، التائبة (1942)، أدم وحواء، شارع عماد الدين، الشيخ متلوف (1943)، تاج المرأة، العباسة، دموع المهرج، راسبوتين (1945)، بناقص واحد، حواء الخالدة (1946)، ثلاثة رجال وامرأة (1947)، اللعب بالنار، الغيرة (1948)، النسر الصغير، ليلة من ألف ليلة (1949)، شجرة الدر، غلطة طبية (1950)، الذهب (ديفيد كوبر فيلد)، أسرار القصور، بنات الهوى (1951)، سر شهرزاد (1953)، شهريار (1955)، ابن عز، شاعر الشعب (1956)، زواج الحلاق زواج فيجارو (1957)، مجنون ليلى، قهوة الملوك (1958)، صنف الحريم (1959)، المحروسة (1961)، السبنسة (1962)، الندم (1965)، زيارة ممنوعة (1972)، أقوى من الزمن (1974).
ويمكن من خلال المسرحيات السابقة أن نرصد لها مشاركتها بأداء أدوار البطولة المطلقة في عدد كبير من المسرحيات المهمة وتجسيدها لعدد من الشخصيات الدرامية المتميزة، ومن بينها على سبيل المثال - وليس الحصر - شخصيات: قوت القلوب (ليلة من ألف ليلة)، العباسة (العباسة)، الملكة بدور (سر شهرزاد)، وكذلك عدة شخصيات متميزة من المسرحيات العالمية ومن بينها: كلمينسترا (الذباب الندم)، الكونتيسة (النسر الصغير)، كاريتللي (راسبوتين). ويحسب لها أيضا بخلاف ما سبق تميزها في تجسيد عدة شخصيات اجتماعية ببعض المسرحيات المعاصرة، ومن بينها على سبيل المثال: عبلة (حواء الخالدة)، درية (الفاكهة المحرمة)، أم خليل (قهوة الملوك)، إنصاف هانم (المحروسة)، فردوس أم سلمى الغجرية (السبنسة)، عائشة (زيارة ممنوعة).
ويجب التنويه في هذا الصدد إلى أنها ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها، قد تعاونت مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل، ومن بينهم: عزيز عيد، جورج أبيض، يوسف وهبي، زكي طليمات، فتوح نشاطي، عمر وصفي، عمر جميعي، المخرج الفرنسي فلاندر، أحمد علام، نبيل الألفي، حمدي غيث، كمال يس، سعد أردش، محمود عزمي.
وجدير بالذكر أن الفنانة القديرة فردوس حسن قد امتد بها العمر إلى ما يناهز تسعة وثمانين عاما، حيث رحلت عن عالمنا في 14 أبريل عام 1995، وإن كانت قد قضت سنوات طويلة من عمرها بعيدا عن الأضواء، وبالتحديد أكثر من عشرين عاما (منذ آخر مشاركاتها المسرحية عام 1974). حيث قررت اعتزال الفن بصورة نهائية مبكرا، وذلك بعدما حرصت بعض القيادات الفنية بالفرقة «المسرح القومي» على تقييد وتهميش مشاركاتها المسرحية، حتى إنها لم تشارك خلال ستينات القرن الماضي إلا في ثلاث مسرحيات فقط، وخلال السبعينات في مسرحيتين فقط، وقد يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى شخصيتها المسالمة التي ترفض دخول الصراعات وتفضل تجنبها والابتعاد عنها، وأيضا إلى اعتزازها بكرامتها الإنسانية والفنية وعزة نفسها التي لا تقبل مطالبة المسئولين بحقها في توفير فرص العمل.
رحم الله الفنانة القديرة فردوس حسن التي عشقت الفن ومهنة التمثيل بكل الصدق فبذلت قصارى جهدها وأخلصت في جميع أعمالها، وبالتالي فقد نجحت بالفعل في وضع بصمة متميزة لها بجميع أدوارها وخصوصا في المسرح. ويحسب لها بصفة عامة صدق محاولاتها الجادة - قدر استطاعتها - لتنمية مهاراتها الفنية وتطوير طريقة وأسلوب أدائها بما يتناسب مع طبيعة العصر.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏