ياسين وبهية.. سر أيام تصرخ من القهر

ياسين وبهية.. سر أيام تصرخ من القهر

العدد 827 صدر بتاريخ 3يوليو2023

كانت الليلة مثيرة مبهرة،  والحالة الفنية استثنائية نادرة،  مسرح الشباب يمنح مشاهديه سحرا وسعادة وجمالا بعد الجمال،  رؤى مدير المسرح الفنان سامح  بسيوني تثير ردود فعل عارمة يشهدها المسرح المصري الآن حيث الفن والفكر والإبهار ووثائق العشق والرونق والبهاء،  والميلاد الصاخب لأجيال تعرف معنى الوطن والحب والانتماء . 
هذه التجربة من إنتاج مسرح الشباب،  التأليف للعظيم نجيب سرور، والإخراج للفنان الواعد يوسف مراد،  الباحث عن سر الهوى  - هوى الفن والحرية والإنسان،  قدم عرضا مبهرا يدين وقائع الزيف والاستلاب،  تحول إلى مفارقة صادمة تكشف بلاغتها الأثيرة عن بشاعة الخلل والجنون في مجتمع فقد وعيه ونبضه،  لنصبح أمام لحظة فارقة،  ظل بريقها ساطعا مسكونا بالوعي واليقين والإرادة والأحلام،  وهكذا يدخل المخرج يوسف مراد عالم نجيب سرور،  الذي بعث موجات من العشق المشحون بوهج الشمس الجريحة وعذاب التساؤلات الحزينة،  الباحثة عن سر أيام تصرخ من القهر،  وليال اشتاقت لضوء القمر،  فقد كانت بهية أجمل صبايا بهوت،  فهي كالتينة في الغصن طرية ندية حارة وشهية،  المؤلف لم يكتب مجرد حكاية حب،  لكنه انطلق ليعانق الحرية والوطن والأرض،  الجوع والعطش،  التسلط والقهر،  والحياة حين تشبه الموت،  الدلالات المطروحة تشتبك بقوة مع عذابات زمننا الحالي،  ياسين يعيش حلما ذهبيا تجاوز حدود كيانه،  فحين أحب بهية أرادها مشرقة نقية،  لذلك رفض أن يزرع ولا يحصد،  وتمنى الرحيل عن بهوت التي تأكل أولادها،  لكن بهية ابنة الشمس والأرض والنخيل لا يمكنها الرحيل،  فبقى الفتى وظلت التساؤلات تطارده - -،  أبناء قريته مسجونون بأمر الباشا والسماء صامتة،  أبوه الجدع مات في السجن والسماء صامتة،  الأرض تأتي بالخير لكن الناس جوعي والسماء أيضا  صامتة . 
يبدو أن بهوت كانت غبية،  لأنها لم تدرك كم هي قوية،  لذلك لم يستمر الصمت طويلا فقد قرر ياسين أن يطلق شرارة الغضب،  رفض أن تدخل بهية قصر الباشا،  فتحولت بهوت إلى غابة وأصبح البشر كالأمواج الهادرة،  ورغم موته تحقق حلمه،  وعرفت بهية مغزى الشال الأحمر،  الذي راودها في أحلامها،  وعندما يأتي القطار في الفجر يصفر،  كان يسألها عمن قتل ياسين ؟ فتقول - - قتلوه من فوق ظهر الهجين،  ولا تزال الشابة العاشقة تنتظر ميلاد مليون ياسين . 
تتخذ الأحداث مسارها في إطار تشكيل سينوغرافي يموج عشقا وجموحا وحنانا ودلالات،  الخلفية الزرقاء تروي عن النخلتين المتعانقتين،  والبانوهات الخشبية المضاءة تحكى عن الليل والنيل والحب والعذاب،  المطرب الجميل يشغل يمين المسرح،  والفرقة الموسيقية تشغل اليسار،  الراوي يحكي للفلاحين وللجمهور عن ياسين الذي أحب النيل حبا كالعبادة،  لم يكن يحلم بالقصور - -،  فقد كان يعشق ويحب،  بهية هي منية النفس وحنة العين،  أحداث الحكايات تتجسد حية عارمة،  يستدعيها الفن من قلب الماضي لتشاغب الحاضر،  الرقص والغناء يتقاطعان مع الحركة والسكون،  صراع السلطة ورجال الباشا مع ياسين والفلاحين،  يبدو ناريا مخيفا متصاعدا،  بهية ترتدي الفستان الأبيض وتنتظر أجمل الليالي،  المخرج يوسف مراد يواجهنا بحالة مسرحية فريدة خلابة تخطف القلب والعقل،  حيث جماليات العرض الغنائي الموسيقي الاستعراضي،  والمزج الساحر بين التراجيديا والكوميديا والميلودراما،  وإيقاعات الثورة والحب والوعي،  عرفنا أن الجوع يصنع الوحوش،  والناس في بهوت جاعوا وتحولوا لوحوش،  الأحلام وعذابات الأعماق تشتبك مع اللاشعور الجمعي، التشكيلات الحركية اللاهثة تبعث جدلا وجوديا مثيرا،  والكوريوجرافيا تبدو في أبهى صورها،  الثريات  شموس في نوافذ قصر الباشا،  والفلاحون يموتون ظلما وقهرا،  العدل يغيب والفقراء آمنوا أن رغبة الباشا قدر،  لكن ياسين اندفع ليعن بقوة أن قطرة ماء قد تطلق الإعصار،  وهكذا يظل الضوء في اشتباك مع الغناء والحركة والموسيقى،  وينطلق الإعصار حيث ياسين والفلاحين يواجهون ظلم الباشا والانجليز والقهر المرير،  بهية في قلب جموح الحب والمواجهات تحتدم،  الدماء تروي عن الثورة بينما يسقط الفتى والفلاحون،  ليصبح الموت ميلادا جديدا لمليون ياسين،  سوف يغيرون وجه الحياة . 
شارك في المسرحية النجم القادم حازم القاضي صاحب الحضور البهي والموهبة الخصبة،  والنجمة الجميلة إيمان غنيم،  التي بعثت طاقات من الوعي والحب والإبداع والجمال،  بمشاركة الفنان المتميز يوسف مراد،   مع آية أبو زيد صاحبة الأداء الساحر الخلاب،  والجميلة ليلى مراد،  كريم طارق،  بهاء سليمان ومجموعة من الشباب المتميزين .
كان الديكور لعمرو الأشرف،  والموسيقى لمحمد علام،  والأزياء لرحمة عمر . 


وفاء كمالو