سيدنا سقوط المخلص

سيدنا سقوط المخلص

العدد 568 صدر بتاريخ 16يوليو2018

على مسرح قصر ثقافة نجيب الريحاني قدمت فرقة عين حلوان العرض المسرحي “سيدنا” تأليف محمد أمين عبد الصمد، إخراج على خليفة، الذي تدور أحداثه في بلدة مجهولة المكان لا تختلف عن سائر البلاد التي يمتلك معظمها السيد، والذي يعرفه الفلاحون بأنه “سيدنا” الذي لا يرى وجهه أي شخص، عدا مندوبه المرسل على الدوام، لسكان هذه البلدة الفقيرة التي يعمل فيها الفلاحون بجد وبشكل مستمر، لكن كل عملهم لا يكفي لسداد ديونهم للسيد، فيظلون في تلك الدائرة المغلقة التي لا تنتهي، عملهم مثل فعل سيزيف اللامنتهي، سيزيف الذي تثقل الصخرة كاهله فما إن يصعد بها أعلى الجبل حتى تسقط من جديد، وهكذا عليه الصعود بها بشكل لامنتهٍ وبمجهود مضاعف مرة بعد أخرى.
في خضم ذلك القهر الذي يخيم على المكان تظهر بارقة أمل حيث ذلك الحب ما بين “ساندرو” و”برياسكا” وبزواجهما يخيم الفرح على القرية، لكن المؤامرة على الدوام هي طريق الأسياد في القضاء على أي فرح أو اتحاد، ذلك أن ساندرو فتى القرية المنتظر يأملون مساعدته في التخلص من سطوة السيد، إنه “ساندرو” المُخلص الذي يرجوه الجميع، ولا سبيل في استمرار سطوة السيد كما هي إلا بقضائه على ذلك الشاب المُخلص.
عبر وسيط السيد في القرية يتم استغلال أحد الكارهين لهذا الحب ما بين ليساندروا وزوجته، فيزرع الشك في قلبه تجاه زوجته، ويسمم زراعات أهل البلدة عدا زرع “ساندرو” فيتسرب الشك في قلب أهل القرية، بأن مخلصهم هو من سمم مزروعاتهم وخانهم، وكما يمكن لأي شعب أن يرفع الأشخاص إلى مصاف الآلهة يمكنه أن يهبط بهم إلى عمق القاع، تلك المؤامرة يقع في حبائلها الجميع بما فيهم الزوجة “برياسكا” التي تحاول إنقاذ زوجها بالذهاب لمندوب السيد وإعطائه حُلي زواجها وفاء للدين، إلا أن ذلك الفعل يجعل الشك يزداد في قلب الزوج المحب، ويصدق بأن الطفل الذي أنجبته ليس ابنه بل ابن مندوب السيد.
كم كبير من التراث المسرحي المصري والعالمي عرض لهذه التيمة الدرامية “حيث ذلك الصراع بين السيد الظالم والعبيد منتظري المُخلص” إلا أن الصياغة ورؤية المخرج تستطيع أن تغير من وقع أثر تلك التيمة في نفوسنا كمتلقين، هذا ما يبدو واضحا في عرض سيدنا.
فمن العنوان يمكن إدراك صيغة السيد والعبيد، إلا أنه وفق ما يكمن في ثقافتنا الشعبية بأن سيدنا قد تطلق على الأتقياء والصالحين، وهو ما يرهص له المخرج منذ بداية العرض حيث يتم وضع شكل لمأذنتين في مقدمة خشبة المسرح على الجانبين.
فتعرف أن سيدنا تعتبره تلك القرية من الأولياء الصالحين، وتخضع دائما لأي أوامر يقال إنها من قبل «سيدنا»، في نهاية العرض يتم الكشف عن شخصية سيدنا، فنجده فاقدا للبصر ولأحد أقدامه ويجلس على كرسي أشبه بكرسي العرش وكأنه ملك على تلك البلدة، وتنتهي المسرحية بهروب ذلك المخلص بوازع من سيدنا وذلك بعد قتل زوجته “برياسكا” التي ظن خيانتها له، ولأن الأمل يظل كائنا ما دام في الأرض حياة. 
يختتم المخرج أحداثه بأن الابن يغني كما كان الأب يغني لتعرف كمتلقٍ أنه مُخلص جديد يأمل فيه الشعب، يمكن إدارك أيضا أن الحبكة هنا دائرية فستعيد نفسها من جديد، وعليك تخيل حياة الطفل في القادم أشبه بحياة والده.
الديكور لـ«أحمد فتحي» يؤكد ويدعم الرؤية الإخراجية بشكل واضح، ففي مقدمة خشبة المسرح تجد بارتفاع بسيط عصا صغيرة لأقفاص خشبية وكأنه السجن الذي يحيا فيه أهل هذه البلاد إلى جوار، تلك التكوينات الموجودة على خشبة المسرح وجميعها من نفس الخامة الخشبية، يتم تجميعها بما يتناسب مع المشهد المؤدي، تجد اهل القرية وقت النوم ينامون في داخلها أو يقفون صامتين متى أمر لهم بذلك، وكأنهم يحيون داخل سجون صغيرة هي بيوتهم، تلك الحالة من استلاب الحرية التي يؤكد عليها العرض المسرحي تدعم من فكرة أن السعي الدائم في سبيل لقمة العيش وسداد الديون بالتأكيد يجعل من صاحبه مُستلب الحرية، يحيا في سجن دائم.
الأغاني والأشعار لـ”أيمن حافظ” وقد عبرت تماما عن الحالة الدرامية المطلوبة، خصوصا في لحظات القهر التي يعيشها أهل القرية.
عبد الرحمن صلاح، محمد مصطفى، محمد صلاح، حازم طه، تميزوا في تقديمهم الأدوار الموكلة إليهم.
مريم ناظم قدمت شخصية العجوز بشكل ينبئ عن موهبة حقيقية. حسام الدين محمد، دينا حسني قدما دوري ساندرو وبرياسكا، واستطاعا تجسيد شخصياتهما بشكل موفق.
أهل القرية “آية ماهر، علاء خيري، طارق وائل، رضوى عادل، محمد سمير، عنان عاطف، إبراهيم عاطف، هاجر مصطفى، منة الله أباصيري، عاطف ناظم، تامر محمد، محمد محمود، هاجر عادل، أشرقت عبد الرحمن، عبد الله إبراهيم، سيد سعيد، أحمد ياسين، فرج فتحي، إبراهيم محمد”، قدموا أدوارهم بشكل موفق وبإيقاع منضبط ساهم في إضفاء الجو العام على العرض المسرحي. عرض سيدنا من العروض ذات المجهود الواضح من قبل المخرج خصوصا مع تفاوت أعمار الممثلين، وبالتالي تفاوت خبراتهم التمثيلية.
 


داليا همام