إدورد بوند وكسر مبدأ اللياقة في لير شكسبير

إدورد بوند وكسر مبدأ اللياقة في لير شكسبير

العدد 807 صدر بتاريخ 13فبراير2023

الغضب مصطلح يستخدمه الكثيرين في محاولة للتعبير عن سخطهم وانفعالهم تجاه موقف ما أو حدث معين، وعند تحول هذا المصطلح اللغوي من مجرد مصطلح إلي حركة أدبية مسرحية، فمن الطبيعي أن يتوقف البعض عند هذه الحركة الأدبية بالدراسة والتحليل، فبحلول عام 1956 خرج نص انظر إلي الماضي في سخط للكاتب الإنجليزي جون أوزبورن، كصرخة علي الأوضاع في المجتمع الإنجليزي عقب الحرب العالمية الثانية، فدائما ما ارتبطت الحروب بالتدهور المجتمعي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فثمن الحروب دائما ما يكون باهظا بصرف النظر عن كونك الطرف المنتصر أم المهزوم فدائم ما تلاحقك الخسائر وإن خفت وطئتها، ولذلك رفض جون أوزبورن المألوف من القيم والأعراف والتقاليد والأخلاقيات والتي لم تمنع قيام الحروب العالمية بل ونتج عنها ملايين الجرحى والقتلي بعد الحرب
كانت الثورة علي التقاليد في الكتابة والتمثيل وكل عناصر العمل الفني، وكنتاج طبيعي لهذه الحروب عاش جيل من المبدعين طفولته في الحروب وتداعياتها وكنتيجة منطقية لهذه التوترات نجد أنفسنا أمام عدد لا بأس به من النصوص المسرحية المنتهجة للعنف ضاربه عرض الحائط بمبدأ اللياقة الذي اتسمت به العروض المسرحية التي تجسد مشاهد عنيفه فدائما ما نلاحظ الحرص في النصوص القديمة علي عدم الخروج عن اللياقة في عرض المشاهد الدموية تجنبا للإيذاء البصري للمشاهد، ونجد أن اشهر من كسر قاعدة اللياقة في عرض العنف علي خشبة المسرح هو الكاتب الانجليزي إدوارد بوند فإذا قمنا بتسليط الضوء علي نص لير للكاتب إدورد بوند كنموذج للعنف في فترة مسرح ما بعد الغضب التي وضع جون ازبورن نواتها الأولي سنجد انفسنا دون قصد نتعرض لنص الملك لير لشكسبير والمأخوذ عنه النص وإن كان اختيار بوند لكتابة هذا النص يرجع لمحاولة لمغالطة فكرة أن نص الملك لير لشكسبير يصلح لكل عصر وزمان فمن وجهة نظر لير أن الأوضاع السياسية والاجتماعية في إنجلترا في تلك الفترة مغايرة تماما عن زمن كتابة نص شكسبير، فاستكمالا لموجة السخط والغضب نجد أنفسنا أمام إسقاطا سياسيا واضحا خلال أحداث النص علي الوضع الانجليزي في فترة كتابة النص. فمسرحية إدوارد بوند والتي تدور أحداثها حو لير الملك الذي يرغب في بناء سور حول مدينته ليحميها من الأعداء وسط معارضة ابنتيه بوديس وفونتينيل واللتان تحبان الأميران أعداء والدهما وتتزوجا منهما رغم رفض أبيهما لهما وتساعدا زوجيهما علي الانتصار علي أبيهما ويؤل مصير لير إلي السجن وفقد عينيه نهاية بالقتل بعد قتل ابنتيه علي يد كورديليا زوجة ابن حفار القبور المقتول من جنود ابنتى لير.
هذه  المسرحية التي كتبها إدوارد بوند بهذا الشكل تتشابك مع مسرحية الملك لير في بعض التفاصيل وتختلف عنها في تفاصيل أخرى كثيرة . فهي تتشابه مع أن أبا تخونه ابنتاه جونريل وريجان لكن إدوارد بوند يضع اسمين آخرين لهما . وتصل هذه الخيانة إلى حد التخلص منه بفقأ عينيه ثم يموت رميا بالرصاص من أحد عمال بناء السور . أن إدوارد بوند يجعل للير ابنتين فقط بينما نجده عند شكسبير لديه ابنة ثالثة هي كورديليا الرقيقة الصادقة و يجعل بوند كورديليا شخصية ضمن شخصيات المسرحية لكنها ليست ابنة لير .
 إذا كانت مهمة الملك لير عند شكسبير هي توزيع مملكته الكبيرة على بناته الثلاثة فإنه عند بوند تكون مهمته هي بناء سور حول مدينته ليدفع الشر عنها، وبكون ابنتا الملك لير شكسبير يحركهما الطمع في الاستحواذ على أرض المملكة فإن دافعهما الدرامي هو إرضاء حبيبيهما و محاولة مساعدتهما عند إدوارد بوند، وحين كانت كورديليا شكسبير فتاة وديعة تحب أباها فإنها عند إدوارد بوند زوجة حفار القبور و هي تكرهه منذ اللحظة الأولى .
ويظهر الاتفاق بين النصين  لير و الملك لير في موت لير على خشبة المسرح في نهاية المسرحيتين . ومع ذلك يختلف ادوارد بوند مع مسرح شكسبير بشكل عام و ليس مسرحية الملك لير في أن مسرحية إدوارد بوند قد جسدت العنف على خشبة المسرح مثل فقأ عيني لير على خشبة المسرح وقتل ابنتي لير على خشبة المسرح وقتل ابن حفار القبور و قائد الجيش على خشبة المسرح . كما أن إدوارد بوند مع يختلف مع شكسبير في مسرحيته لير من حيث البناء فمسرحية بوند ذات ثلاثة فصول بينما مسرحية الملك لير لشكسبير خمسة فصول .
يكشف الكاتب الإنجليزي الحديث إدوارد بوند خلال مسرحيته لير عن بعض صفات مسرحه و أهمها إظهار العنف على خشبة المسرح حيث استعار بعض تفاصيل مسرحية الملك لير لشكسبير مثل عنوانها وموقف ابنتيه منه ومحاربتهما له و موته في نهاية المسرحية . إلا أن مسرحية إدوارد بوند تعتبر مسرحية مختلفة تماما من حيث موضوعها بتفاصيله و تفرعاته .
إن صفة التزمت والتشبث بالرأي وعمل شيئ مخالف للعقل في بداية المسرحيتين يؤديان في النهاية إلى أن يلقى لير حتفه بعد أن عاش حياة صعبة بسبب اختياراته و سوء تفكيره . فالملك لير عند شكسبير يخطئ في تقسيم مملكته على بناته الثلاثة ويضع معيار التعبير عن حبهم له بالكلمات وهو مقياس خاطئ حتى أن من تكرهانه تجيدان التعبير عن حبهما الزائف لأبيهما طمعا في الملك بينما لا تستطيع كورديليا الابنة الصغرى أن تعبر عن حبها الحقيقي بالكلمات مخالفة الواقع فهي تقول: أحبك كما ينبغي أن تحب البنت أباها . و هو رد أضعف من أن يوزن في معيار الملك لير أمام الكلمات الرنانة الجوفاء التي تقولها ابنتاه جونريل وريجان، وفي مسرحية لير إدوارد بوند يخطئ لير حين يفكر في بناء سور حول المدينة. وفي المسرحيتين لا يدرك لير خطأه إلا في نهاية المسرحية. لذلك فأن انتصار كارديليا في مسرحية إدورد بوند لير بوصولها إلي الحكم هي إشارة إلي الثورة علي الأوضاع السياسية والاجتماعية فوصول كارديليا إلي الحكم رغم عدم انتماءها إلي الطبقة الحاكمة هي ثورة في الهرم الاجتماعي الانجليزي المعروف منذ القدم سخطا علي الأوضاع الاجتماعية التي يراها بوند غير مناسبة واستكمالا لثورة مسرح الغضب التي بدأها جون إزوبورن، مع الاختلاف فقد خلق بوند مسرحا عنيفا دمويا ولم يتوقف عنفه عند هذا النص فأن إدوارد بوند - المولود عام 1934 م - يعد أهم كاتب مسرحي بريطاني معاصر، ودائماً ما تثير مسرحياته ردود فعل تتجاوز مجال المسرح . والأصول الطبقية لبوند بسيطة، فهو ابن لأسرة عاملة، وهو لم ينل قسطاً عالياً من التعليم، ومع ذلك فهو بهذا لأنه يعتبر التعليم نوعاً من القولبة والوقوع في الأسر . إلا أن بوند دأب على تثقيف نفسه بنفسه بعد أن أنهى خـدمـتـه العسكرية . وقد وصل إلى مكانة فكرية مرموقة في مجال الفكر الماركسي وقدم بعض الإسهامات التي يعترف بأهميتها النقاد الماركسيون، من أمثال تيرى إيجلتون.
اعتقد في رأي أن بوند كان ينتقم من المجتمع البريطاني من خلال نصوصه المسرحية وهذا التفسير الأنسب لما احتوته المسرحيات من مشاهد دمويه قاسية للغاية ولم يعتد عليها رواد المسرح قبل بوند الذي كسر مبدأ اللياقة وضرب به عرض الحائط .


1)  د. ياسمين عبد الحسيب، محاضرة بعنوان مبدأ كسر اللياقة بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد, 2019


محمد أحمد كامل