سعيد سليمان: النص يحمل أبعادا مختلفة تظهر فيما وراء الكلمات والمشاهد

سعيد سليمان: النص يحمل أبعادا مختلفة تظهر فيما وراء الكلمات والمشاهد

العدد 825 صدر بتاريخ 19يونيو2023

خشبة المسرح ليست ذات بعد واحد بل هي كاميرا حية ترصد واقع الإنسان وتناقضاته وصراعاته النفسية، ومما لا شك فيه أن الإنسان في حالة بحث دائم عن سلامه النفسي. فالرحلة شاقه وهناك تغيرات وتحولات تمر بها الذات البشرية وقد يكون أصعب ما تمر به هو هذه الفجوة بين روحه وجسده وعقله ومشاعره .. فكيف يكون هناك تصالح مع الذات والكون هذا ما طرحه العرض المسرحي «شتات» الذي قدم بمركز الهناجر للفنون، قطاع الإنتاج الثقافي،  تمثيل، ياسر أبو العينين، ومصرية بكر، عمرو نخلة، وحسن عبد العزيز، إضاءة أبو بكر الشريف، ديكور وملابس نهاد السيد، إعداد موسيقي مريم سعيد، هيئة الإخراج عليا عبد الخالق، فاطمة عصمت، تامر عثمان،  تأليف رشا فلتس وإخراج سعيد سيلمان.
 المخرج سعيد سليمان خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، أسس فرقة «احتجاج» المستقلة عام 1989 وعضو مسرح الغد منذ 1991 .  شارك في العديد من المهرجانات العربية ومنها مهرجان المسرح التجريبي، وأخرج العديد من العروض المسرحية من أهمها «أوديب ملكاً»، «هاملت»، «أوبرا ياسين وبهية»، «ماكبث»، «شيخ محضر»، «طقوس الحرية»، «هكذا تكلم ابن عربي»، «كرنفال الطيور» وغيرها من أعمال مميزة.. التقينا به وأجرينا معه هذا الحوار لنتعرف على تفاصيل تجربته الجديدة «شتات».
- تقوم بكتابة معظم أعمالك ..فما الذي دعاك لتقديم نص ليس من كتابتك ؟
بالفعل أقوم بكتابة معظم أعمالي المسرحية، ولكن عندما عرض علي هذا النص من المؤلفة رشا فلتس بدأت في قراءته، ولأن نظرتي مختلفة نظرا لميلي الشديد للاتجاه الصوفي الباطني، فمن الممكن أن أجد على السطح أشياء قد تكون مخفية عن الآخرين، وقد وجدت بالفعل في النص أبعادا مختلفة تظهر فيما وراء الكلمات والمشاهد وتلاقي الشخصيات الأربعة ،وحدث بيني وبين النص تماس شخصي، وهو أقرب لنظرية فرويد: الأنا والأنا العليا والغرائز والضمير والفكر والعقل الذي يحاول أن يقوم بعملية توازن بين الاثنين معاً، ووجدت في النص هذا الجانب المخفي، وحاولت أن أناقش هذا الاتجاه  وهو «التشتت الداخلي» الذي يصبح شتاتاً عاماً، وهو قريب من فلسفتي في الحياة، وهي «اليوجا» فطالما ليس هناك اتحاداً داخلياً وتوازنا نفسياً داخل الإنسان، بين فكره وروحه وعواطفه ومشاعره؛ بالتالي ستصبح هناك تركيبة مشتتة ستظهر على الآخرين، وهو ما دعاني لتقديم هذا النص.

- نود أن نتحدث عن بداية التجربة وكيف وقع اختيارك على أبطال العمل ؟
اختياري لعناصر العمل واجه صعوبات شديدة، فهناك عدد كبير من الممثلين اعتذروا، البعض لم يفهم النص، والبعض لا يصلح لهذه الأدوار لأنها كما يطلق عليها أدوار «جماعية» فليس هناك بطل «مفرد»، والبطولة رباعية، حتي عثرت على ممثلين من قصر ثقافة السويس سبق وأن قدمت تجربة هناك، وجدت أنها فكرة جيدة وجود تعاون بين ممثلين من القاهرة ومن السويس؛ ليكون هناك احتكاك أكبر لفناني السويس، خاصة  أن الممثلين حسن عبد العزيز وعمرو نخلة لم يسبق لهما تقديم تجارب في القاهرة ،وتواجدهما مع ممثلين مثل الفنان ياسر أبو العينين ومصرية شيء جيد لهما، وكذلك وقع اختياري على هذه المجموعة لأن الممثل في تجاربي يجب أن يكون مرناً؛ لأن هناك أوضاع حركية ثابتة، وهناك ما يسمى بالتحكم العضلي الجسدي؛ وبالتالي قمنا بعمل عدة تدريبات على هذا الجانب، وكان فريق العمل مستجيبا لهذا الأمر، وكان هناك تعاون كبير بين أبطال العمل ،وتمثلت الصعوبات في الشخصيات، في أبعادها السيكولوجية، فليس لها بناء تقليدي أو تطور ،ولكن هناك حالات ثابتة حتى في معاناتها، وكانت الصعوبة تتمثل في كيفية عثور الممثل على حالة أكثر من عثوره على تطور للشخصية، في ثباتها وتشظيها وصمتها وحركتها، وهو ما يعرف «بالتوحد مع الحالة».

- دائما تسعى لتقديم أعمال تحمل عمقا إنسانيا فما السبب ؟
بالفعل أحب هذا الأعمال، ولكن دعيني أقول أن طبيعة الفنان نفسها لا تنفصل عن ثقافته وتأملاته وطريقة تفكيره، فالفنان لا يستطيع أن يفصل بين عقله وبين العمل الفني الذي يقدمه، فهما متوحدان  بشكل كبير، وأنا أميل في توجهاتي وتأملاتي وتفكيري إلى هذا العمق الإنساني، فأنا عاشق للفلسفة وعلم النفس والعلوم الأخرى أعشقها كثيراً، وكذلك الصوفية والأبعاد الإنسانية وعمقها، وهي تركيبة خاصة بي، وما جذبني للنص هو وجود بعض هذه الأبعاد الإنسانية؛ وبالتالي قمت بتأكيدها بشكل أكبر من خلال العرض، فهناك أبعاد سيكولوجية وروحية ووجودية واجتماعية،  والتجربة تخضع لجميع هذه التأويلات لجميع هذه الأبعاد، وقد اعتمدت على التنوع في الأبعاد الذي ينتج عنه تأويلات مختلفة، أحاول أن أجعل المتفرج يفكر ويتساءل، فهدف التجربة هو وجود تأويلات متنوعة ومتباينة ومتناقضة  فلا أحد يتفق على معني الوجود أو الإنسان أو الحياة.
- الكاتبة رشا فلتس تميزت بكتابة عروض تقترب من «السيكودراما» فما الذي يميزها في هذا الاتجاه ؟
بالفعل لها أسلوب واتجاه معين، ولكنه ليس منهج السيكودراما، فهو يختلف عما تقدمه، فهي كاتبة لها أسلوبها الخاص وتكتب عن الأمراض النفسية الذاتية ،وعلاقتها بالمجتمع أما «السيكودراما» فهو منهج مختلف له شكل وقالب ومحتوى مختلف عن الأمراض النفسية التي تصيب الفرد والمجتمع مثل الشيزوفرينيا والبارانويا والقلق النفسي وما يشبهها من أمراض، وهي تعمل عليها بشكل أساسي وتقوم بربطها بحالة وجودية، وذلك يتضح في كتابتها للشخصيات وعلاقاتها داخل البيئة المجتمعية ؛ وبالتالي فالشخصية لديها تعاني من الكبت الجنسي، وعدم التواصل مع الأخر والكون ومع ذاتها فهناك طاقة مكبوتة داخل الشخصيات التي تكتبها تؤدي إلى أمراض نفسية، وتقوم رشا فلتس بالتقاط هذه الأمراض النفسية كما تعتمد في كتابتها على اللازمان واللا مكان .

- ما تحديات التجربة وكيف تغلبت عليها ؟
كما نعلم المسرح فكر ومتعة، ليس محاضرة فلسفية، ودورنا هو تقديم معادلة صوتية مرئية لكلمات ونص فلسفي، وهو ما كان يمثل التحدي الأكبر لي في هذه التجربة، كيف يكون هناك نص موازي للنص المكتوب؟ وما البيئة والسينوغرافيا التي أفكر في وضع الشخصيات بها ؟ وما الصورة السمعية والمرئية والحركية التي تقدم؟  شيئان هامان أن تقدم صورة مرئية مسموعة تعادل النص الفلسفي وصورة و تحقق نوعا من أنواع الجمال الفني الذي يطرح عدداً من الأسئلة.

- لماذا لا توجد دار عرض ثابتة تقدم عليها مشاريعك ..خاصة أنك قدمت مجموعة من العروض في مسرح الغد والطليعة ومركز الهناجر للفنون وهذا الأمر تطلب منك مجهوداً كبيراً ليتناسب العرض مع هوية المسرح؟
 يعد هذا الأمر أحد أحلامي، وكذلك هو حلم لأي فنان لديه مشروع خاص أو لا يقدم عروضه متبعاً المنهج التقليدي وانتظار دوره في خطة ما، فالمخرج صاحب المشروع يحتاج إلى ثابت ليس على مستوي دور العرض فحسب وإنما أيضا على ثابت الفرقة التي يعمل معها؛ ذلك لأن هناك تدريبات طوال الوقت وتطور وأبحاث جسدية وصوتية وأدائية؛ بالتالي وجود فرقة ثابتة ومكان ثابت شيء جيد للغاية، وأتمنى أن يكون هناك مكان ثابت لأصحاب المشاريع المتميزة، التي تحاول أن تطور مشاريعها أو تطور حالة المسرح بشكل عام، ومعظم الأسماء العالمية تملك مكاناً ثابتاً لفرقتها مثل مسرح الشمس لمنوشكين، ومسرح الموت لكانتور وغيرها من فرق عالمية.

- في ختام العرض لاحظنا دوران الساقية فهل هذا يعني استمرار الحياة ؟
بالنسبة لدوران الساقية في ختام العرض يمكن تأويله وتفسيره إلي العديد من الأفكار ووجهات النظر، ولا أستطيع أن أوضح تفسيراً واحداً له،  فهل هي دوران الحياة أو كما فسرها البعض هي الآلة التي تفرم الإنسان؟ أم هل هي دوران الكون؟ واستمرارية الإنسان في المعاناة؟ أم هي تصالح مع الشخصيات ودورانهم في اتحاد دائري؟  الحقيقة لا أستطيع أن أفسر، ولكن على المتفرج أن يؤول ويفسر هذا الأمر وفقاً لوجهة نظره وتلقيه لفكرة العرض.

- كيف حققت السينوغرافيا رؤيتك؟
أتمني أن تكون سينوغرافيا العرض حققت صورة مميزة للجمهور، وقد قدمت بالتعاون مع مصممة الديكور نهاد السيد ومصمم الإضاءة أبو بكر الشريف مع تقديم  حركتي المسرحية التي تعتمد على ملء الفضاء المسرحي بأصواته وتحركاته، وهو ما حقق شكلا سينوغرافيا جيدا .

لعب التراث دوراً كبيراً في مشروعك المسرحي فما سر انجذابك لهذا الاتجاه ؟
نشأت منذ صغري على التراث الصوفي والشعبي والذهاب للموالد والطرق الصوفية والزار وحلقات الذكر، وتربيت على تراث الرواد أمثال عبد الرحمن الشافعي ويسري الجندي وزكريا الحجاوي ورواد الوطن العربي ، وكذلك على التراث الصوفي العالمي مثل «اليوجا الهندية» و»الهندوسية» و»الزرادشتية» وحتي يتطور هذا الأمر ويقدم من خلال تجارب تترجمه فإن الأمر يتطلب مجهوداً فائقاً، والتساؤل لماذا أميل لهذا الاتجاه ؟   إجابته تترجم من خلال عمل فني أقدمه، ويشاركني الجمهور في حب هذا الاتجاه من المسرح،  وأكثر ما يميز هذا الاتجاه هو المجهود المبذول به، سواء كان مجهودا فكريا أو نفسيا أو روحيا.. فعلي سبيل المثال لا استطيع مناقشة أو تقديم ما يسمى ب «وحدة الوجود في الصوفية» دون أن  أكون كفنان ممارساً لهذا الحس، فهو إنتاج حسي أكثر من كونه ثقافة نظرية ،وكذلك الممثلين المشاركين معي في التجربة يجب أن يكون لديهم هذا الحس .

تختلف درجات التلقي الخاص بالجمهور فهل تفكر في الأمر عند الشروع في تقديم تجربة جديدة ؟
تصنيف التلقي الخاص بالجمهور وتقييمه لا أفكر به، فأنا أؤمن بفرضية أساسية وهي أننا نحمل نفس العمق الإنساني والجوهر، واختلافنا في السطح فقط، وليس العمق فجميعنا واحد في العمق الإنساني والروحي، ونشترك في روح واحدة من الداخل وليس الخارج، وأحاول أن أصل بالمتفرج إلي الجانب الروحي؛ ولذلك لا أناقش في عروضي قضايا تخص الزواج أو قضايا سياسية أو اجتماعية أو مشكلات المرأة  فجميعها مشكلات على السطح، ولكني أصل لعمق الإنسان والجوانب الروحية به، فمن الهام أن يفهم الإنسان هذه الجوانب، ومن المهم إلقاء الضوء على نفسه وأعماقه وعليه أن يعيها بشكل جيد، وهو بدوره ما يجعله يتغلب على جميع مشكلاته الخارجية والسطحية .


رنا رأفت