من دفتر أحوال المسرح المصرى مسرحية «ثأر الله» والأزهر الشريف

من دفتر أحوال المسرح المصرى مسرحية «ثأر الله» والأزهر الشريف

العدد 822 صدر بتاريخ 29مايو2023

في موسم «1971» بدأ المسرح القومي تدريبات عرضه «ثأر الله» من إخراج: (كرم مطاوع) (1936 – 1996) عن نصي الشاعر (عبدالرحمن الشرقاوي) ]10 نوفمبر 1920 – 8 نوفمبر 1987[ “الحسين ثائرا” و”الحسين شهيدا” اللذين تحولا إلى عرض “ثأر الله”، ديكور (رؤوف عبدالمجيد)، موسيقى: (كمال بكير)، وتمثيل الراحلين [عبدالله غيث، أمينة رزق، يوسف وهبي]، والفنانة القديرة (فردوس عبدالحميد)، وآخرين.. حيث تابع التدريبات عدد كبير من الجمهور من المهتمين بالمسرح، واستمرت التدريبات لفترة طويلة وأصبحت موضع اهتمام الكثيرين، وفجأة تم إغلاق العرض؟! علما بأن النص قد حصل على موافقة الرقابة على المصنفات الفنية. فلماذا تم إلغاء العرض إذن؟ قيل إن الأزهر الشريف اعترض عليها ]مع أن لوائح الرقابة تقرر أن رأي الأزهر فيما يتعلق بالمصنفات الفنية هو رأي استشاري وليس مُلزما[!! ورغم أن المخرج تحايل على قرار الأزهر الذي يمنع ظهور الأنبياء والصحابة وآل بيت النبي (صلعم)، على خشبة المسرح أو في السينما، وكانت مصر في ذلك الوقت قد بدأت عهدا جديدا بشعار الرئيس (أنور السادات) ]25 ديسمبر 1918 – أكتوبر 1981[ رافعا شعار (العلم والإيمان)، ورغم أنه بعد ذلك بسنوات سمحت الرقابة بعرض فيلم “الرسالة” 1976 إخراج: مصطفى العقاد الذي شارك في تمثيله الفنان عبدالله غيث بدور (حمزة) عم الرسول، وشارك قبل ذلك في عرض “ثأر الله” بدور (الحسين) – حفيد الرسولي (صلى الله عليه وسلم) حيث يبدأ حوارات الحسين -رضي الله عنه- في النص المسرحي بقوله (يقول الحسين)؛ أي أنه ينقل على لسان الشخصية وليس هو الشخصية المقدسة الممنوعة كحفيد للنبي كي يتجنب ممنوعات الأزهر، ورغم اقتراب (الشرقاوي) من (السادات) وحظوته عنده، فإن (السادات) رأي ألا يغضب الأزهر، فتقرر إداريا إلغاء العرض الذي تكلف ميزانية باهظة في ذلك الوقت.
ويظل هذا (النص) حبيسا لا يجرؤ أحد على تقديمه حتى الآن!! رغم أن الأزهر لم يستطع إيقاف عرض فيلم “الرسالة” رغم ظهور عم النبي (حمزة) بن عبدالمطلب! ورغم أن أشعار عبدالرحمن الشرقاوي في نصه “الحسين ثائرا” لا يزال يتردد على ألسنة الجميع وتلهب وجدان الجماهير، وهو رفضه لبيعة (يزيد بن معاوية) في كلماته الشهيرة: 
    مفتاح الجنة في كلمة
  دخول النار في كلمة
  وقضاء الله هو الكلمة
  الكلمة لو تعرف حرمة
  زاد مذخور
  الكلمة نور
  وبعض الكلمات قبور
  بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها.... البشر
  الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي
  بالكلمات تنكشف الغمة
  الكلمة نور
  ودليل تتبعه الأمة
  عيسى ما كان سوى كلمة
  أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين
  ساروا يهدون العالم
  الكلمة زلزلت الظالم
  الكلمة حصن الحرية
  إن الكلمة مسئولية
  إن الرجل هو الكلمة
  شرف الرجل هو الكلمة
  شرف الله هو الكلمة

ونتساءل الآن؟
 لماذا تم حصار ودفن مثل هذا النص المهم الذي تسبب في الكثير من المشاكل والصدامات لمؤلفها؟ -رغم أن جزئي هذا النص اللذىن ضمهما المخرج في عرض واحد، فالجزآن يتضمنان سيرة الحسين من الاستشهاد والتضحية عند رفضه مبايعة (يزيد بن معاوية)، وعرف أن الموت هو نتيجة هذا الرفض، وليس عقابا لهذا الرفض، ]وأن بطولة الحسين في هذه الواقعة التي اختارها (الشرقاوي) لا تنتهي عند حد التمرد بالرفض أو السلبية وعدم الإعلان عن المشاركة في إعلان الموافقة على بيعة يزيد، وإنما تبلغ درجة الثورة والفعل المادي، مما يؤدي إلى تلاحم طرفي الصراع تلاحما جسديا عنيفا، وما بصحب ذلك من القتل والقتال والطعن والضرب، وأخيرا الموت والاستشهاد[.. كما يشير الناقد (د. يحيى عبد الله) في مجله الفنون ويظل هذا (النص) محظورا وحبيسا بين دفتي الكتب! ويكون الضحية هو ]المسرح الجاد[!! فالقضية جادة والحدث مهم في تاريخنا، ومسرحنا في حاجة إلى القضايا الجادة بدلا من الدراما المستهلكة وانتشار التفاهة والسطحية في قضايا عابرة تلهو بالعقول وتشغلها بقضايا عابرة، ولا تتيح إعادة النظر في الأمور ويتبدى ذلك في انصراف بعض المسرحيين إلى تقديم عروض الترفيه والتسلية، وانصراف الجادين من المسرحيين إلى تقديم الأعمال العابرة لتسود التفاهة في كل الأرجاء.. أو الأعمال التي تنحو نحو الإلغاز والغموض والتلاعب بالأفكار التهويمية والمنغلقة والاستبطانية.
 وأتصور أن الشاعر (عبدالرحمن الشرقاوي) بعد صدمته في “ثأر الله” قد عاد إلى بدايته عام 1958 ومسرحيته الأولى “مأساة جميلة” التي تتناول قضية تحرير الجزائر، الذي استطاع أن يقدم فيه نصا شعريا متمردا على وحدة القافية وأن يحطم روتينية التقطيع البيتي العمودي في تدفق لا يكاد السمع يُحس، وأن يقدم (التفعيلة) باعتبارها تلوينا نغميا بديلا عن وحدة åتامة من حيث التآلف اللفظي، واستطاع أن يضع يده على لغة سهلة بسيطة تعبر عن الشخصيات وتصور المواقف، وهو الأسلوب الذي سار عليه الشعراء الذين جاءوا بعده وكتبوا للمسرح وعلى رأسهم الشاعر الكبير (صلاح عبدالصبور) ]1931- 1981[ وغيره من الشعراء من أمثال (محمد إبراهيم أبو سنة)، و(محمد مهران السيد)، و(محمود نسيم) وغيرهم، وهذه التجربة كان رائدها الشاعر (علي أحمد باكثير) ]21 ديسمبر 1910 – 10 نوفمبر 1969[ عندما ترجم مسرحية شكسبير “روميو وجولييت” بالشعر المُرسل الحر –وبدأ بهذا الأسلوب الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي في مسرحيته الأولى “مأساة جميلة” لكنه اهتم بالجانب الخطابي.. كما يشير (د.محمد غنيمي هلال) في كتابه “في النقد المسرحي”– بل هو على الأخص خطابي في كثير من مواقف الشخصيات)، ويرجع قصوره في الحوار إلى إدراكه الدرامي الضعيف)، ويرى أنه ]إذا كان الأستاذ (المؤلف) أراد أن يرينا مقدرته على نظم الشعر الخطابي– فقد أخطأ قطعا في موقفه الدرامي، لكنه تدارك هذا الخطأ –إلى حد ما– في مسرحيته الثانية “الفتى مهران” 1966 فاستطاع أن يضع يده على أسلوب التعبير في الدراما الشعرية، وهي المسرحية التي كانت تكشف موقفه في تلك الفترة أثناء حرب اليمن وقبل هزيمة يونيو 1967 بعام واحد، وقد ظل عبدالناصر غاضبا عليه –بعد أن كان في صحبته ومن معاونيه في مؤتمر باندونج (1954)، وهو المؤتمر الذي كان نواة تكوين (كتلة عدم الانحياز)، واتجه (الشرقاوي) بعد ذلك إلى كتب تقدم رؤية تقدمية للإسلام وأبرزها “محمد رسول الحرية” 1962.. ثم عاد إلى المسرح مرة أخرى عام 1969 بمسرحية “وطني عكا” التي تتناول القضية الفلسطينية– لكنه عاد فيها مرة أخرى إلى أسلوبه الخطابي الفخم يصور فيه سلبيات المؤسسة العسكرية في إسرائيل.
وتأتي إلى (مسرحيتنا المشكلة) التي نرصدها في دفتر أحوال المسرح المصري، والتي حكم عليها ألا تقدم على خشبة المسرح إلى الأبد! إذ توالت مسرحياته بنفس وأساليبها الخطابية: التي تخدم شعارات العهد الجديد بعد رحيل عبدالناصر وهي: “النسر الأحمر” 1971 –والتي تتمحور حول الحملة الصليبية ودور صلاح الدين الأيوبي، وانتهى بعد أكثر من عشر سنوات ليقدم آخر مسرحياته “عرابي.. زعيم الفلاحين” 1982 بنفس الأسلوب المباشر الذي يعتمد على المادة التاريخية التي كانت كما يقول الناقد (محمد فتحي التهامي) في مجلة “المسرح” وبأنها كانت (نبعة الأثير)، وبالإضافة إلى السرد الإخباري المقتضب المليء بالفجوات والفقرات والاختصار..).
ويظل عرض “ثأر الله” علامة استفهام في تاريخ مسرحنا المصري الذي يمتليء دفتره بالوقائع!!!    


عبد الغنى داوود