جولة فى مسارح العالم

جولة فى مسارح العالم

العدد 653 صدر بتاريخ 2مارس2020

كانت   مدينة سان بطرسبرج العاصمة الثقافية لروسيا على  موعد مع مهرجان مسرحى عالمى يطلق عليه عادة «أولمبياد المسرح».   عرضت فيه 104 مسرحية من 22دولة. وكانت منها 78 مسرحية روسية  وشارك فيها عدد كبير من أبرز الممثلين والمخرجين العالميين.
ويقام أولمبياد المسرح مرة كل عدة سنوات فى مدينة مختلفة فى دولة مختلفة ويلقى إقبالا كبيرا من الفرق المسرحية من مختلف دول العالم ومن عشاق المسرح فى العالم.
أقيم هذا الأولمبياد لاول مرة فى اليونان عام 1994 بعد مناقشات واستعدادات استمرت خمس سنوات. واصبح يقام بعد ذلك كل اربع سنوات (غالبا وليس دائما) كما هو الحال مع الالعاب الرياضية. وسبقت اقامته فى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا. وهو يعقد تحت شعار دعم التعاون الدولى والعلاقات الودية بين شعوب العالم وعرض التقاليد والثقافة المسرحية فى العالم فضلا عن اهداف اخرى. ويراس كل «اولمبياد مسرحى»شخصية مسرحية بارزة من الدولة المستضيفة وتعاونها شخصيات مسرحية  مرموقة من دول اخرى. وتضم الجميع لجنة تعرف باسم اللجنة المشرفة.
بلا جوائز
وبسبب طبيعة النشاط المسرحى يعقد الاولمبياد المسرحى  على مدى ستة شهور تقريبا. وهذا العام سمحت بطرسبرج باقامة جزء من فعاليات المهرجان فى مدينة توجا اليابانية  وسط المهرجان. لكن البداية والنهاية كانت فى بطرسبرج.
  ومايتميز به  الاوليمبياد انه لا يتضمن اى مسابقات او جوائز ...مجرد عروض فقط. وشارك فى النسخة الروسية عدد من كبار الشخصيات المسرحية العالمية مثل المخرجة البريطانية «كاتى ميتشيل» وزميلها «روبرت ويلسون» والمنتج المسرحى الفرنسى «جورج لافودا» و المخرج والكاتب المسرحى السويسرى «ميلو راو» والمخرج المسرحى والموسيقار الالمانى «هاينر جوبلز» والمخرج المسرحى اليابانى المخضرم تاداشى سوزوكى (82 سنة)  والممثلة والمخرجة المسرحية الاسبانية القطالونية الشهيرة «نوريا روميرو».
وكانت معظم العروض وحفلا الافتتاح والختام فى مسرح الكساندرنسكى التاريخى فى بطرسبرج الذى يعود تاريخه الى عام 1832 واستغرق انشاؤه 76 عاما.   
وهناك مشكلة مهمة يشير اليها البعض وهى ان حدثا مسرحيا بهذا القدر من الاهمية يتعرض لانتقادات بان معظم دوراته عقدت فى دول تفرض قيودا على حرية التعبير مثل الصين وتركيا وروسيا  وهذا فى رايهم يجعل المهرجان اقل كثيرا فى شهرته من مرجانات يفترض انها اقل شهرة مثل مهرجان افينو فى فرنسا وادنبرة فى اسكتلندا.  وترفض هذه الدول    اتهامها بالاعتداء على حرية التعبير وتقول ان ما يسمى قيودا مجرد اعتبارات تفرضها التقاليد. فتركيا مثلا تمنع المشاهد العارية على المسرح وهى امر شائع فى بعض المسرحيات التجريبية فى اوروبا. وإذا امكن ذلك تظهر مشكلة اخرى تشير اليها مجلة «بيتر بورجيسكى تياترال « المسرحية الروسية فى مقال لرئيسة تحريرها «يوليا كليمان « وهى نقص التمويل. فالحكومة الروسية لم تساهم بأكثر من عشرة ملايين دولار فى المهرجان وهو جزئية يسيرة من التكاليف اللازمة.
شاعر وشاعر
 وكنا نود عرض عدد من الاعمال المتميزة التى عرضت فى الاولمبياد  لولا ضيق المساحة. من هنا سوف نكتفى  بعرض  أحد  الاعمال المتميزة التى لفتت نظر النقاد الذين تابعوا الاوليمبياد.
 ومن المفارقات هنا ان اكثر الاعمال التى لفتت الانظار كانت فى الجزء اليابانى من الاولمبياد ولم تكن من الجزء الروسى الاساسى. ومن هذه المسرحيات «كريانو دو برجيرا» للشاعر والاديب المسرحى الفرنسى  الفرنسى «ادمون روستان « (1868 – 1918 ) وهى من كلاسيكيات المسرح الفرنسى. والطريف هنا انها عبارة عن شاعر وكاتب مسرحى يكتب عن شاعر وكاتب مسرحى. فهى تدور حول حياة الكاتب المسرحى الفرنسى «برجيرا» الذى عاش فى القرن السابع عشر ورحل بعد حياة قصيرة لم تتجاوز 36 عاما فى 1655  لكنها اثارت قدرا كبيرا من الجدل وكانت موضعا لاهتمام عدد من الباحثين والادباء. وكان برجيرا   جنديا فى الجيش الفرنسى يتميز بالشجاعة والاقدام وشاعرا فى الوقت نفسه. وكان انفه كبيرا بشكل ملحوظ مما كان يهز ثقته بنفسه وهذا هو محور المسرحية التى قدمت فى بلدان عديدة وبلغات عديدة وتحولت الى افلام ومسلسلات تليفزيونية وحلقات اذاعية وعروض اوبرالية وحتى افلام الكرتون. وكانت شخصيته احيانا ملهمة للادباء حيث كانوا يكتبون اعمالا ادبية يجعلون منه بطلا لها مثل قصة تخيل صاحبها ان برجيرا صعد الى القمر. وقد توفى  برجيرا بعد ايام من سقوط عارضة خشبية على راسه فى حادث  يرجح المؤرخون ان يكون مدبرا.
لكن ما يميز اخراج سوزوكى لها هو رؤيته التى تعتمد على الحركة بشكل كبير حتى انه لا يقبل فى مسرحياته اى ممثل الا بعد ان يخوض تدريبات قاسية للياقة البدنية.  كما انه يتمتع بقدرات خاصة على المزج بين النصوص الغربية والجماليات اليابانية. وهو يقدم الاعمال المسرحية العالمية باللغة اليابانية مع فقرات بسيطة تقدم باللغة الاصلية للعمل المسرحى.  وقد اخرج المسرحية مرتين الاولى بالنظام اليابانى فى اليابان  ثم عاد واخرجها بالروسية على مسرح الكسندرنيسكى. وفى الحالتين كانت الموسيقى ايطالية.
  ويقول فاليرى فوكين المدير الفنى لمسرح الكسندرسكى ان الاولمبياد تزامن مع سنة «المسرح الروسى»التى اعتمدتها وزارة الثقافة الروسية وتعهدت فيها بمضاعفة تمويلها للمسارح الروسية عدة مرات لكل اللغات وليس للاعمال المسرحية المقدمة بالروسية وحدها.
رؤية جديدة للغة الاشارة على المسرح
تجربة فى اوهايو واللياقة البدنية مطلوبة
المسرح للجميع حتى لو كانوا من اصحاب الظروف الخاصة أو من اصحاب الهمم كما يطلق عليهم حاليا. فهناك مثلا مسرحيات باتت تقدم للمصابين بالتوحد بشكل يتناسب مع حالتهم. وتقدم لهم المسرحيات العادية مع تقليل المؤثرات الصوتية والبصرية والضوئية التى تتسبب لهم فى بعض التهيج.
وقبل ذلك بدات فرق مسرحية عديدة تستخدم بعض المتخصصين فى لغة الاشارة من اجل شرح احداث العروض المسرحية العادية للمصابين بالصمم بعد تدريبات خاصة.  لكن هذه الخدمة  سوف تتخذ فى المستقبل شكلا جديدا غير تقليدى.
تشرح ذلك الدكتورة مارسيل داى استاذة المسرح فى جامعة كولمبس بولاية اوهايو الامريكية. تقول داى ان هناك تجربة تتم حاليا بالتعاون بين القسم وبعض الفرق المسرحية فى الولاية والولايات المجاورة  وقسم السمعيات فى مدرسة الطب بالجامعة.
تقول داى ان المسرح عبارة عن فن يتفاعل فيه الجمهور مباشرة مع الممثل المسرحى وهو احد عوامل الجذب  فى هذا الفن. ومثلما يتفاعل الشخص العادى مع الممثل، يصبح من حق اصحاب الهمم ان يتفاعلوا مع العروض.
 مشاكل
ولايمكن ان يتم هذا التفاعل بمجرد اشارات بل بان يندمج من يقوم بالتفسير بلغة الاشارات فى احداث المسرحية نفسها. وتمضى داى قائلة ان هناك مشكلة تواجه  خبراء لغة الاشارة لا يتنبه اليها كثيرون. انه لايكون مطالبا فقط بشرح الكلام الذى يرد على  لسان ابطال العمل المسرحى بل يكون مطالبا بشرح  المواقف الحركية التى لا تتضمن اى كلام. كما ان هناك مثلا بعض النكات التى يجب شرحها للمشاهدين من الصم ليضحكوا منها مثلما يضحك الاسوياء.
من هنا تعتمد التجربة على عدة عناصر منها ان يشارك اكثر من شخص فى تفسير الاحداث للحاضرين بلغة الاشارة وعدم الاقتصار على شخص واحد.
وسوف يتم الزام خبير لغة الاشارة بقراءة النص المسرحى اولا واستيعاب شخصياته واحداثه وحضور بروفاته ان امكن حتى يكون تفاعله اسهل مع العمل المسرحى.ويفضل ان يرتدى ملابس تتفق مع العرض المسرحى. وسوف يتم ايضا رفع اللياقة البدنية لخبراء لغة الاشارة   ليقومون ببعض الحركات الضرورية لنقل الفكرة كاملة الى المشاهدين ولا يكتفى بمجرد الاشارة فيفقد الصم جزءا كبيرا من متعة العمل المسرحى. وتقول  داى ان النتائج حتى الان   مشجعة لكن لابد من الانتظار حتى النهاية لمعرفة مزايا تحول خبير لغة الاشارة الى ممثل. كما بدا بعض الطلبة الدارسون للمسرح تعلم لغة الاشارات.


ترجمة هشام عبد الرءوف