المسرح الشعرى أين؟

 المسرح الشعرى أين؟

العدد 772 صدر بتاريخ 13يونيو2022

عدد كبير من الشعراء العرب كتبوا مسرحيات شعرية في مراحل مبكرة، ومنهم أحمد شوقي وعزيز أباظة وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وغيرهم، ولكن المسرحية الشعرية انحسرت في العقود الأخيرة انحسارا شبه تام، فما السبب وراء ذلك؟ هل يعود الأمر إلى اختلاف الظروف الاجتماعية أم إلى تغير ذائقة الجمهور؟ وهل تتطلب المسرحية مهارات خاصة فى الكتابة والأداء التمثيلى؟ طرحنا هذه  التساؤلات على عدد من المسرحيين  علنا نجد الإجابة...                                                          
قبل أن نتطرق إلى موضوعنا أرى أهمية إلقاء الضوء على أهم الإسهامات الإبداعية في هذا المجال، ولذا كان لابد أن نبدأ هذا التحقيق مع الناقد والمؤرخ المسرحي/ د.عمرو دوارة ليحدثنا عن أهم علامات المسرح الشعري في مسيرتنا المسرحية خلال قرن ونصف من الزمان، ذلك باعتباره وكما وصفه المسرحيون»  حارس ذاكرة المسرح» وله  علامات مضيئة فى توثيق تاريخ المسرح المصرى وفى هذا الصدد قال عمرو دواره: 
عدد كبير من المسرحيين والمثقفين يستخدمون ويكررون أن «المسرح هو أبو الفنون»، وهو في حقيقة الأمر خطأ شائع لأن المسرح الإغريقي خرج من رداء الشعر وبالتالي يكون «الشعر هو الأسبق تاريخيا وبالتالي فهو «أبو الفنون» في حين يظل المسرح هو «جماع الفنون». وإذا انتقلنا إلى بدايات المسرح العربي وبالتحديد إلى مارون النقاش في بيروت (1847)، وأبو خليل القباني في سوريا (1865) يمكننا رصد توظيفهم للغناء بعروضهم استجابة لذوق المشاهد العربي، وفي بدايات المسرح المصري من عام 1870 لا يمكننا أبدا إغفال جهود وريادة المبدع عثمان جلال في تمصير مسرحيات موليير زجلا . 
تابع قائلا: وحينما نكون في صدد الحديث عن المسرح الشعري لابد وأن نبدأ من ريادة أمير الشعراء/ أحمد شوقي (1868 - 1932) الذي أثرى المسرح العربي بعدد كبير من النصوص المتميزة بدءا من أول محاولاته في التأليف المسرحي بمسرحية «على بك الكبير» عام 1893، ثم استكمال مسيرته الإبداعية بدءا من عام 1927، فقدم لنا مجموعة مسرحياته الشعرية ومن أهمها: «مصرع كليوباترا»، «مجنون ليلى»، «عنترة»، «قمبيز»،، و»أميرة الأندلس»، بالإضافة إلى مسرحية نثرية كوميدية وهي «الست هدى»، كما نتذكر إسهامات الشاعر الكبير عزيز أباظة ( 1899 - 1973 ) الذي سار على درب أمير الشعراء وقدم لنا عدة مسرحيات تاريخية بصياغة شعرية ومن بينها: «قيس ولبنى» (1943)، «العباسة» (1947)، «الناصر» (1949 )، «شجره الدر» (1951)، «غروب الأندلس» (1952)، «شهريار» 1954، قافلة النور 1959، «زهرة» 1968.
وأضاف قائلا: تجدر الإشارة إلى أن المسرح الشعري قد وصل إلى ذروة الإبداع والتقدم والرقي – من وجهة نظري - بفضل إبداعات شاعرين كبيرين أولهما هو الشاعر القدير/ عبد الرحمن الشرقاوي (1920 – 1987)، الذي يُعَد حلقة مهمة فاصلة وفارقة بين المسرح الشعري القديم والحديث، حتى أننا حينما نقوم بالتأريخ للمسرح الشعري فإننا نسجل الحقائق عن مرحلة ما قبل عبد الرحمن الشرقاوي أو بعده، خاصة بعدما نجح في تحقيق إضافة نوعية بتطوير مرحلة إبداعات الشاعرين الكبيرين/ أحمد شوقي، وعزيز أباظة، وبصفة عامة تتميز لغة الأديب/ عبد الرحمن الشرقاوي بأنها سهلة وعميقة في آن واحد، من أشهر أعماله المسرحية الشعرية: الأسير، الحسين ثائرًا، والحسين شهيدًا، مأساة جميلة، الفتى مهران، النسر الأحمر، وأحمد عرابي. ويحسب له بجميع أعماله المسرحية التزامه بالثورية والفكر التقدمي وكذلك توفيقه في توظيف الشعر الحر بعيدا عن قيود الشعر العمودي القديم الملتزم والمحكوم بالقافية التقليدية، وثانيهما هو الشاعر المجدد/ صلاح عبد الصبور، الذي تجاوز بمسرحياته الشعر المسرحي إلى المسرح الشعري، والذي أثري المكتبة العربية بخمس مسرحيات هي: مأساة الحلاج (1964)، مسافر ليل (1968)، الأميرة تنتظر (1969)، ليلى والمجنون (1971)، بعد أن يموت الملك (1973). والحقيقة أنه حتى الآن لم يأتِ من يضاهي بقلمه إبداعات الشاعر الكبير/ صلاح عبد الصبور الذي نجح في إعادة المسرح الشعري إلى خشبة المسرح، وما زال مسرحه يقدم ويلاقي نجاحًا في الدول العربية، وذلك بالرغم من وجود بعض الإبداعات المتميزة لعدد كبير من الشعراء وفي مقدمتهم الأساتذة: محمد إبراهيم أبو سنة، أحمد سويلم، فاروق جويدة. وحينما نتحدث عن المسرح الشعري يجب ألا نغفل الإشارة أيضا إلى بعض الإبداعات الشعرية بالعامية المصرية للمبدعين الكبار: بيرم التونسي، يونس القاضي، بديع خيري، نجيب سرور ومن بعدهم صلاح جاهين، سمير عبد الباقي، فؤاد حجاج وآخرين.                                                                                                                                           استطرد قائلا: ويبقى السؤال المحوري الذي يطرح نفسه لماذا توارى المسرح الشعري وأصبحنا نفتقد عروضه برغم تعطش وتشوق الجمهور لها، والإجابة باختصار بسبب صعوبة كتابة المسرحية الشعرية التي تتطلب موهبة خاصة بحيث يصبح الشعر جزءا من نسيج النص وليس مجرد قصائد مقحمة (نص يتضمن مجموعة قصائد شعرية ولكنه ليس مسرحا شعريا)، بالإضافة إلى ضرورة وجود نخبة متميزة من الممثلين الذين يجيدون التمثيل باللغة العربية الفصحي ويملكون مهارة الأداء الشعري، وبمنتهى الصراحة أصبح للأسف عددهم قليل جدا يعد على أصابع اليد الواحدة!!

 القصيد المسرحى 
الكاتب المسرحى د. طارق عمار قدم ثلاثة نصوص للمسرح الشعرى وهي «تمن القمر»، «يا عزيز عينى»، «الملك سيف» فرق بين مفهومين هامين وهما «النص المسرحى الدرامى الشعرى» والقصيد المسرحى وأوضح قائلا: قبل الخوض في أزمة المسرح الشعري علينا أولاً أن نوضح الفرق بين مفهومين مهمين وهما النص المسرحي (الدرامي) الشعري والقصيد المسرحي، فالأول يعتمد على مقومات حركة الدراما المعتادة عند كتاب المسرح غير الشعري مغلفاً إياها بغلالة من الشعر الذي تصاغ به الجملة المسرحية، بينما القصيد المسرحي قد يغفل بعض مقومات الدراما المسرحية لصالح الشكل الأقرب للتقديم وهو الشكل الملحمي المعتمد على مجموعة من الرواة أو الكورس، ومن الأمثلة على ذلك مثلاً نص «ياسين وبهية» كنموذج للقصيد المسرحي ونص «أه يا ليل يا قمر» وهو من نصوص المسرح الشعري وكلاهما من تأليف الكاتب الكبير الراحل نجيب سرور، لذلك فإن أغلب ما يقدم حالياً من نصوص درج على تسميتها «مسرحاً شعرياً» تنتمي بالفعل إلى القصيد المسرحي ولعل ذلك السبب وراء عزوف المخرجين عن تقديمها نظراً لخلو أغلبها من الصورة الدرامية القابلة للتحريك على خشبة المسرح فالدراما المسرحية لا يمكن أن تقوم فقط على اللغة حتى وإن كانت شعرية وإنما هناك مقومات أخرى من التفاعل الديناميكي بين الشخصيات والذي يؤدي بدوره إلى تنامي الحدث وتصعيد الخطوط الدرامية وتشابكها بالصورة التي تؤدي إلى إثارة خيال المخرج وتمكينه من إنتاج معادلات بصرية مرئية وقابلة للوضع على خشبة المسرح للتعبير عن الجزء المنطوق من العمل والمكتوب في هذه الحالة شعراً .
فاللغة الجيدة حتى وإن كانت شعرية وحدها لا تكفي لصنع عمل مسرحي جيد كما أن الدراما الجيدة دون لغة معبرة وقوية لا تكفي لصنع حالة مسرحية ممتعة للجمهور.

عبد الله الفيصل 
ومن ناحية أخرى قال الكاتب والشاعر د. سيد عبد الرازق الحاصل على جائزة عبد الله الفيصل للمسرح الشعرى: حين كتب «أرسطو» عن فن الشعر لم يغفل تلك العلاقة المتشابكة بين المسرح والشعر، وحين نقل «أبو بشر متى» كتابات أرسطو إلى العربية فتح ذلك أبوابا للعقل العربي للتأمل في تلك العلاقة؛  التي تربط بين الشعر والمسرح تكاد تثير الشك في نشوء أحدهما وترتب الآخر عليه، لكنها تبرز بجلاء ارتباط إيقاعهما المبنى على اختزال الحياة بجوانبها المتباينة.
واستنادا إلى ما ذهب إليه الفيلسوف اليوناني «هرقليطس» من أنه لا شيء في هذا العالم ثابت إلا التغير؛ فإن النهضة التي شهدها المسرح الشعري العربي بدءا من أحمد شوقي ومرورا بصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي ونجيب سرور وفاروق جويدة آلت إلى واقع هذا اللون الفني الآن من انحسار دائرة الضوء عنه وانصراف عناصر العملية الإبداعية الثلاث، الكاتب، المتلقي، الناقد- عنه، إضافة إلى اهتراء البيئة الإبداعية التي تحققت لأجيال بعينها دون ما عقبها.
أضاف: من الجدير بالإشارة إذن أن تراجع المسرح الشعري يقع على عاتق النقاط الأربع السالفة؛ فكاتب المسرح الشعري يختلف عن كاتب المسرح العادي، رغم التصور المغلوط حول كون المسرح الشعري لا يكتب إلا بالفصحى  إلا أنه وفي كل الأحوال يجب على المتصدر للكتابة في هذا الباب أن يكون ملما بالمسرح والشعر معا وهو ما لا يتوافر للكثيرين، والثانية  ولأن الناس على دين ملوكهم- جل ما اطلعوا عليه من تلك التجارب التي كونت مرجعيتهم المعرفية في كتابة المسرح الشعري كانت تجارب تاريخية، وباستعراض بسيط لأسماء تلك التجارب يتبين أن الخلف يسيرون على درب السلف تماما في اللجوء إلى الكتابة في التاريخ مما أكسب المسرح الشعري لباسا ليس له باعتباره منفصلا عن الواقع، فمطالعة عناوين مثل «مصرع كليوباترا»، «مجنون ليلى»، «قمبيز»، «غروب الأندلس»، «شجر الدر»، «مأساة الحلاج»، «الحسين ثائرا»، «الحسين شهيدا»، «دماء على أستار الكعبة ...إلخ  تشعر المتلقي بأن هذا فن للتاريخ والتاريخ فقط،  ولا أبرئ نفسي من الوقوع في ذات المسألة. كما أن الإفراط في الغنائية واعتبار الشعر هو الجانب الغالب في المسرح الشعري أدى بدوره إلى توقف الحركة على الخشبة والميل للإلقاء لنجد مونولوجات تمتد لصفحات عديدة داخل النص تودي بإيقاع العرض وتحوله لمسابقة في براعة الإلقاء بين الممثلين، بينما لو ترسخ في ذهن كاتب المسرح الشعري أن المسرح الشعري هو مسرح بالأساس يرتبط بإيقاع مسرحي مبني على الحوار الموزون فلن يقع تحت سطوة غنائية الشعر خاصة إذا ما تحدثت بالتاريخ ومالت إلى الوعظية والمباشرة في بعض أحايينها .
وتابع قائلا: اعتقاد الكاتب نظرا لإلمامه بالحدث والشخصية التاريخية التي يسوقها للنص أن المتلقي يعرف عنها بمقدار ما يعرف هو ذاته، أدى إلى وضع إشاري للشخصيات غير مشبع للمتلقي لأنه ربما لم يتماس مطلقا مع الحدث الشخصية المطروحة، كذلك انفصام الكاتب عن الشارع وهمومه وقضاياه لنجد أن المسرحية الشعرية الوحيدة التي ساقها شوقي في إطار مجتمعي هي الست هدى، ربما نجا من ذلك بعض نصوص صلاح عبد الصبور، وتجلت النجاة عند نجيب سرور وهو يقدم نصوصه ببساطة للمتلقي، لكن الأغلب كان يلجأ للقناع التاريخي أو الأسطوري لتمرير قضاياه وهو ما قد تتفهمه النخبة لكن ربما لا يتفاعل معه الجمهور العادي الباحث عن المتعة قبل الدلالة وراء النص وأضاف: أما عن المتلقى، فإن إسهامات كثيرة ابتدعت للترويج عن المسرح الشعرى باعتباره فنا للنخبة المثقفة، كالنحت والأوبرا وغيرها من الفنون، وانصراف المتلقى إلى ثقافة «التيك أواى» التى لم تواكبها الفنون بشكل عام والمسرح بشكل خاص، وإن كانت هناك محاولات فردية فى تقديم سهرات مسرحية إن جاز التعبير يغلب عليها الترفيه دون محتوى حقيقى يقدم للجمهور، لكنها وبكل حال جمعت الناس أمام خشبة المسرح، ربما يمكن استثمار تلك التجارب والسير على نهجها فيما يتعلق بالمسرح الشعرى دون اتجاه المستوى للإسفاف والابتذال. 
وعن النقد فى هذه الاتجاه قال: بمطالعة بسيطة أيضا لنتاج الدراسات الأكاديمية المتعلقة بالمسرح الشعرى سيقود لفهم واضح توقف تلك الدراسات عند نتاج المسرح الشعرى للرواد دون أن يتماس إلا فيما ندر مع الكتاب الشباب وإبداعاتهم طلبا للتقييم والتقويم والتفاعل المستمر بين الإبداع والنقد وهو ما يعد ترسا فى دفع المسرح الشعرى على طريق الانتشار والبزوغ، وفى هذا الصدد أشيد بدور جائزة الأمير عبد الله الفيصل للشعر العربى إذ خصت الشعر المسرحى بإحدى جوائزها الأربع التى تقدمها فى دورتها وأيضا الشارقة لأنها ما زالت تقدم جوائز متعددة للمسرح وبالطبع يدخل ضمنها المسرح الشعرى، والهيئة العربية للمسرح وغيرها من المؤسسات العربية وأود أن أشيد أيضا بمسابقات إبداع لطلاب الجامعات المصرية ومراكز الشباب ومشروعات الورش المسرحية مثل «ابدأ حلمك» ربما تمنح هذه المحاولات الضوء لفرصة تعيد المسرح الشعرى إلى دائرته من جديد.

أزمة إنتاج 
 المخرج الكبير سمير العصفورى قدم عددا من العروض للمسرح الشعرى ومنها على سبيل المثال «الست هدى» على خشبة المسرح القومى و«مأساة الحلاج» وعن سبب تراجع هذه النوعية من المسرحيات قال: الأزمة ليست فى وجود كتاب يكتبون مسرحيات شعرية ولكن تكمن فى الإنتاج القليل، فهناك أزمة إنتاجية ولا توجد جهات إنتاجية سوى مسرح الدولة، وبالنسبة للقطاع الخاص فهو يعافر لتقديم عروض مسرحية، علاوة على أنه لا يوجد كتابة مسرحيات شعرية من الألف إلى الياء، فالأمر يخضع برمته إلى الظرف الاقتصادي، وليس هناك اضطهاد أو موقف ضد الكتاب الجدد الذين يكتبون لهذه النوعية، فالحركة المسرحية مضطربة وليست متسعة والتساؤل يطرح نفسه: كم عدد المسرحيات الشعرية النثرية التى قدمت؟ أجاب: من الصعب أن نرصدها فلا توجد أرقام  علمية واضحة.

 ممثل من نوعية خاصة 
المخرج إيمان الصيرفى له أيضا عدة تجارب للمسرح الشعرى للكاتب نجيب سرور حيث قدم له «منين اجيب ناس»، «كان جدع»، «قولوا لعين الشمس»، «يابهية وخبرينى» وكذلك قدم لصلاح عبد الصبور «مسافر ليل»، وعرض مجمع لمسرحيات صلاح عبد الصبور بعنوان «قراءة فى كراسات صلاح عبد الصبور». وعن أسباب تراجع هذه النوعية من العروض قال إن المسرح الشعرى نوع نادر ومعظم المسرحيات فى تاريخ المسرح العالمى قدمت شعرية، ومنها مسرحيات «شكسبير، سوفكليس، فولتير، لوركا وغيرهم، فالشعر هو لغة المسرح ؛ وبالتالى فهو نوع أصيل ولكنه مكلف فى أمرين: أولهما ارتباطه بالموسيقى، وعالم الموسيقى مكلف، كما أن أدوت التعبير داخل المسرح الشعرى ليست مجرد حركة وأداء فقط، فهناك جانب هام للإيماءة المسرحية ؛ وبالتالى نحن بحاجة لممثل من نوعية خاصة، وهو الممثل الذى يجيد الغناء والتعبير الجسدى، وعلى الرغم من الاهتمام بالجانب الحركى لدى الممثل فى الفترة الحالية، ولكنه يدور فى إطار التعبير أكثر منه فى المسرح الشعرى، باعتبار أن الأداء الحركى حاليا هو جزء من النص المسرحى. 
وأردف قائلا «لا نستطيع اتهام الجمهور بتدنى ذائقته فنحن لم نجرب ردود فعله حول تقديم المسرحيات الشعرية، والدليل على ذلك أن الجمهور الطبيعى كان يستمع إلى أغنيات أم كلثوم باللغة العربية ولا يجد غضاضة أو اغتراب تجاه ما يتلقاه من  الشعر إذن نحن لم نحفز  ذائقته لكى نصدر حكما عليه».

الشعر الدرامى أو الشعر الغنائى 
 الناقد المسرحى احمد هاشم قال: علينا أن نفرق بين نوعين من الشعر وهما الشعر الدرامى المسرحى والشعر الغنائى، معظم شعرائنا حتى الذين حاولوا كتابة نصوص مسرحية اتسم شعرهم بالغنائية فى الشعر على حساب الدرامية، وفى اقل تقدير لم  يمتلك معظم الشعراء الذين حاولوا كتابة نصوص مسرحية للحرفة المسرحية فى الكتابة، نستثنى من ذلك صلاح عبد الصبور فى كتابة المسرحية الشعرية باللغة الفصحى ؛ وذلك لتأثره بالثقافة الغربية حيث قرأ كثيرا فى مسرح العبث وتأثر كثيرا بعيدا عن العبث بالكاتب والناقد الإنجليزى «ت. س . إليوت» مما جعله يمتلك الحرفة المسرحية كتابة، وهو ما جعل نصوصه تتسم باحتوائها على العناصر التى يجب أن يتسم بها النص المسرحى من «صراع وبناء شخصيات وعقده» .... إلخ 
وتابع قائلا : على العكس من ذلك نجد أن مسرحيات عبد الرحمن الشرقاوى «الشعرية « تفتقد إلى تلك الحرفة، وبنظرة سريعة على نصوصه نجدها تميل للغنائية، مثال على ذلك مسرحيتيه الشهيرتين «الحسين ثائرا» و«الحسين شهيدا» وبهما منولوجات طويلة  توقف الحدث الدرامى؛ حيث تدلى الشخصية بمنولوجها الطويل الذى قد يكون بكائيا مثل العديد من المنولوجات التى أدلت بها «السيدة زينب» لوقف اخيها الحسين عن التقدم إلى منصة الصراع فى العراق أو تلك المنولوجات التى تؤديها بعد استشهاد الحسين. 
تابع: كما أن شخصية الحسين نفسه ألقت العديد من المنولوجات التى كانت توقف الحدث الدرامى وتعمل على عدم تقدمه مما يعد نقيصة من نقائص الكتابة الدرامية  وقبل هذين الفارسين، صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوى، نجد أن من حاول كتابة المسرح الشعرى كان لا يمتلك الحرفة فى أصول الكتابة المسرحية ومنهم أحمد شوقى على سبيل المثال الذى كانت مسرحياته تمتلىء بالغنائية وهو نوع مغاير تماما للشعر الدرامى، أما ما بعد صلاح عبد الصبور فقد  أفلت  من تلك الآفة نجيب سرور الذى كان موهوبا شعريا، وفى ذات الوقت فارسا للدراما فى المعهد العالى للفنون المسرحية، ومع  ذلك كانت مسرحياته تتسم بالغنائية فى الشعر وأضاف : إذا اردنا النظر إلى الواقع المسرحى الحاضر سنلاحظ عدم وجود مسرحيات شعرية معروضه فى المشهد المسرحى، وهذا ليس معناه أنه لا يوجد لدينا المؤلف المسرحى الشاعر، إلا أن ذائقة المتفرج المصرى لن تعد قادرة على الاستمتاع بالشاعرية المسرحية أو المسرح الشعرى، حيث أصبحت ثقافة «التيك أواى» هى الغالبة، والمتصدرة لثقافة الشباب الذين يمثلون الجزء الأكبر من جمهور المسرح.

 نتيجة حتمية 
وبوجهة نظر أخرى  أشار الناقد والباحث حسام الدين مسعد إلى أسباب أخرى لاختفاء هذا النوع من المسرح فقال: «يعود السبب الرئيس لاختفاء المسرح الشعري في مصر والوطن العربي إلى فقدان الشعور بالهوية العربية منذ عودة الهويات الهاربة إلي أوطانها والدعوة إلى الاستقطاب الثقافي والارتماء في أحضان الآخر الغربي وتبني حلوله الجاهزة ولا شك في أن ما تبنته المؤسسات التعليمية في وطننا العربي من مناهج وأساليب لدراسة اللغة العربية أدت بشكل أو بآخر إلى نفور الطلاب في مراحل التعليم الأولي من دراسة الشعر الجاهلي بجزالة مفرداته اللغوية واللسانية التي باتت منعزلة عن مجتمع الدارس الحديث .فضلا عن حالة التمزق التي يعيشها الشاعر العربي بين انبهاره بإنجازات العقل الغربي دون البحث في نقائصه، مما أدي إلي تحقير العقل العربي وطمس هويته المتمثلة في لغته ونتاجه الشعري، وأردف قائلا: «إننا نمتلك تراثا شعريا عربيا كبيرا إلا أن تراثنا من المسرح الشعري الذي وفد إلينا وحاكيناه تقليدا للغرب كان قليلا ويعد احمد شوقي رائدا للمسرح الشعري المقفي أو العمودي في مصر، وقد أنتج لنا مسرحيات شعريه عظيمة مثل «مصرع كليوباترا» و«الست هدي» التي كان لها نصيب كبير من الرواج والانتشار، وفي حقبة الستينيات برز صلاح عبدالصبور كشاعر حداثي ينتمي إلى مدرسة الشعر الحر وأنتج لنا العديد من تجارب المسرح الشعري كتجربته الخالدة «مسافر ليل» التي ما زالت تنفذ حتي وقتنا هذا .ويعد «نجيب سرور «ممن اثروا التراث الشعري باستخدام المفردة اللسانية العامية التي تناقش قضايا المتلقي اليومية من خلال العودة إلي التراث الشعبي واستلهام شخصياته في تقديم صرخة ما بعد حداثية في وجه المؤسسات المالكة للخطاب والقوة والمعرفة. فقد أنتج «سرور» تجارب مثل (آه يا ليل يا قمر،ومنين اجيب ناس) بالعامية المصرية وآخر ما تبقي لنا منذ سنوات هو تجربة الشاعر فاروق جويدة التي ظهرت كضوء علي المأزق الذي يعانيه المتلقي العربي من شح النصوص المسرحية الشعرية التي تحقق أفق التوقع الخاص له وتستهدفه بمناقشة قضاياه اليومية، في ظل حالة تسيد التجارب الشعرية النثرية السواد الأعظم من شعراء الوطن العربي.
واستطرد قائلا: أري أن اختفاء المسرح الشعري هو نتيجة حتميه للقطيعة مع التراث والتي هي شرط أصيل لتحقق الحداثة فضلا عن أن موجة وتقليعة التناصات من النصوص والأفكار السابقة لا تتسق مع فكرة الكتابة للمسرح الشعري الذي يعتمد في صنع الدراما علي الحوار المغلف بالموسيقى الإيحائية والأوزان الشعرية وهذا ما جعل الكتاب يعزفون عن تناول الأسلوب الشعري في الكتابة المسرحية بل ولجوا فيما يعينهم علي التناصات الحرفية باستخدام السرد النثري، وفي ظل الواقع الديستوبي الذي نحياه لم يعد للتذوق الجمالي ضرورة، فبات صناع الأعمال المسرحية يعكسون الواقع البغيض بكافة تفصيلاته وهذا ما أدي إلي تراجع وقلة الإنتاجات المسرحية الشعرية.  
وتابع: لا أعفي المؤسسات المنتجة للعروض المسرحية أو صناعها من المسئولية فغياب التخطيط للحفاظ علي الهوية العربية المتمثلة في إعادة عرض العروض التراثية أو تجارب المسرح الشعري كان سببا في الاختفاء وندرة الإنتاج .هذا فضلا عن عدم تشجيع تلك المؤسسات للشعراء علي إنتاج تجارب من المسرح الشعري وغياب المسابقات المتخصصة التي تحثهم علي ذلك.  
وختم بقوله: ولأننا لا نشعر بهويتنا العربية في ظل طغيان الثقافة الغربية علي الثقافة العربية، كان نتاجا حتمياأن  عزف المخرجون والمؤدون عن تقديم مثل هذه النصوص من تجارب المسرح الشعري، نظرا لأن هذه التجارب تتطلب مخرجا لديه ذائقة شعرية ووعي بعلم العروض وبالدلالات اللفظيه التي تقوده إلى عرض وجهة النظر لإيصال رسالة العرض من خلال مؤد يمتلك قدرات خاصة في الإلقاء والتمثيل لمثل هذا النوع من النصوص. 

 بين الشعر المسرحى والمسرح الشعرى 
عدة تجارب مختلفة قدمها المخرج سمير زاهر للمسرح الشعرى ومنها «إليكى يا مدينة الصلاة»، «على باب مصر لسكندرية» لصلاح جاهين، «ياسين وبهية»، «اه ياليل يا قمر»، «منين أجيب ناس»، «ملك الشحاتين» لنجيب سرور «المهرج» لمحمد الماغوط. وعن تراجع المسرح الشعرى قال «يرجع تراجع  المسرح الشعرى إلى افتقاد كتاب النص الشعرى للوعى الدرامى لكتابة هذه النوعية ؛لذلك نرى الكثير من هذه الكتابات منذ الثمانينات كتبت كشعر مسرحى وليست مسرحا شعريا، والشعر المسرحى يتمثل فى كتابة عزيز أباظة وأحمد شوقى وعلى أحمد باكثير والمقصود بالمسرح الشعرى النموذجي مسرحيات صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوى، بذلك ابتعدت المسرحية الشعرية عن تأكيد قيم الدراما الشعرية بقواعدها الفنية وجمالياتها، فأصبحت تلك النصوص التى كتبت شعرا صالحة للقراءة وليست لتقديمها على خشبة المسرح؛ ذلك لابتعادها عن الفعل الدرامى والحبكة والصراع وتحولات الأحداث، وأصبحت الفرجة فى الأونة الأخيرة من اهم عناصر العروض التى تقدم للجمهور، هذا التطور الدرامى القائم على مشاركة الجمهور ساعد على تراجع المسرح الشعرى وأصبحت لغة الحوار فى المسرحية الشعرية تهتم بالتفعيلة الشعرية والحالة الشعورية وجماليات اللغة والصورة على حساب الأحداث وبناء الحبكة الفنية. 
وتابع قائلا : بالنسبة للممثل فهو عنصر أساسى فى هذه العروض وعدم الأهتمام بتعليم اللغة العربية أدى إلى ندرة الممثل المتقن لاداء هذه النوعية من المسرحيات كذلك عزوف المخرجين عن تقديم المسرح الشعرى لمتطلباته الإنتاجية من موسيقى وغناء ومناظر مسرحية، كذلك تراجع المؤسسة الثقافية التى تهتم بالمسرح مثل البيت الفنى والثقافة الجماهيرية عن تقديم هذه النوعية وعمل مسابقات للمسرحية الشعرية. 
واضاف: وبالرغم من أن هناك مكتبة للمسرح العالمى والعربى والمصرى فمن كتاب المسرح العالمى شكسبير، تشيكوف، يوجين أونيل، بيراندللوا  ومعظم التراجيديات اليونانية وفى المسرح العربى كتابا لهذه النوعية ومنهم سعد الله ونوس، ممدوح عدوان ومحمد الماغوط ومن الكتاب المصريين صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوى ونجيب سرور وفاروق جويده وهؤلاء الكتاب لديهم لغة غنية ومكثفة بالدلالات ولها إيقاع.

صيغ جديدة 
 الكاتب المسرحى والدراما تورج والمخرج ياسر أبو العنينين  قدم عروضا شعرية منها  «مسافر ليل» «الوزير العاشق» كما قام بعمل دراماتورج لثلاثة أعمال لصلاح عبد الصبور، قال: الشعر العامى ليس مستحبا فى الدراما لأنه اقرب للغناء، كما أن انتشار الأغنية مقارنه بفترة الستينيات والسبعينات خصوصا الأغنية الدرامية جعل هناك استعاضه عن المسرح الشعرى العامى بالأغنية، فالأغنية أصبحت اكثر درامية وأصبحت تروى حدثا دراميا، بالتالي أخدت مكان المسرح الشعرى، والتساؤل:  لماذا لا تقدم العروض المسرحية بالفصحى لصلاح عبد الصبور وفاروق جويدة الإجابة لأن هذا يرجع لعدم إجادة الممثلين للفصحى؛ وبالتالى يعزف أغلب المخرجين عن تقديم عروض مسرحية شعرية بالفصحى، لأنهم يبذلون جهدا كبيرا فى البحث عن ممثلين يجيدون اللغة، علاوة على أن من الصعب تغيير الشعر أو تعديله، فالمخرج ينفذ النص كما هو لأن التغيير سيكسر الوزن الشعرى، بينما النصوص النثرية اكثر طواعية لأن يتدخل المخرج بالإعداد وحذف الجمل وإضافة مشاهد. 
وتابع : فى الأونة الأخيرة ندرت عروض المسرح الشعرى سوى تجارب قليلة منها مثل عرض «مسافر ليل» للمخرج محمود فؤاد صدقى الذى قدم بتناول جديد وكان هناك تقان للغة وهو ما جذب الجمهور لمشاهدة العرض، وكذلك الثلاثية التى قدمها المخرج محمد طارق لصلاح عبد الصبور «مأساة الحلاج»، و«ليلى والمجنون»، «مسافر ليل» والكولاج الذى قدمه بشكل جاذب وهو ما يحتم علينا تقديم المسرح الشعرى بالفصحى بصيغ جديدة تربط المتلقى الحالى بالأعمال التى قدمت فى السابق.


رنا رأفت