وداعا راجي عنايت .. مؤسس مسرح العرائس الذي رحل في صمت

وداعا راجي عنايت .. مؤسس مسرح العرائس الذي رحل في صمت

العدد 691 صدر بتاريخ 23نوفمبر2020

توفي الأسبوع الماضي إلى رحمة الله تعالى رائد مسرح العرائس الفنان  راجي عنايت، الخبر الذي استقبله الوسط الفني والثقافي بمزيد من الألم والحزن. تخرج  عنايت في كلية العلوم، ثم درس فن النحت  في كلية الفنون الجميلة. نحت أو تمثال أثناء دراسته بكلية العلوم بعنوان» أمومة» . عمل مدرسا بالسودان لمدة ثلاثة أعوام. يعد  أحد مؤسسي مسرح العرائس، وقد شهد المسرح وقت إدارته ازدهارا كبيرا، كما تولى إدارة الفرقة القومية للفنون الشعبية .. مفكر موسوعي كانت له آراؤه الخاصة منها  أنه ليس علينا الاكتفاء بالوصول للمعلومات لأنها ليست كافية بل يجب معالجتها حتى تتحول إلى معارف. من أوائل الذين كتبوا في الخيال العلمي، وله العديد من الكتابات الهامة منها سلسلة»عجائب بلا تفسير»، المناورات الخفية ، أسرار حيرت العالم، وغيرها، ودائما كانت له رؤيته المختلفة للمستقبل.

اعتبره امتداد لمحمود مختار
قال د. جمال الموجي عن عنايت إنه قامه كبيره جدا، التقيت به في الشهر الأخيرة لكونه مديرا لمسرح القاهرة للعرائس، وكنت حديث التعين بالمسرح، لمسته رجل عظيم ، اصبحنا قريبين فيما بعد، وحضر حفل تخرجي وكان حاضرا كل من الشاعر أحمد رامي و د. ناجي شاكر والفنان كمال الطويل ومحمد الموجي، كانوا جميعا بمنزلي وتعرفت عليه بشكل أكبر. وأضاف “الموجي” سمعت عنه الكثير داخل المسرح كمدير وكيف استطاع تشغيل هؤلاء الرواد لمسرح العرائس، وقام برحلة تقرب من الثلاثة أشهر في الكتلة الشرقية من أوربا، كانت أفكاره جميلة، ويشجع الموهوبين سواء من داخل المسرح أو خارجه، بالإضافة لكونه كاتب قدير، رأينا له الكثير حين كان يكتب في دار الهلال ونشر له كتب جميلة في دار الشروق، هو إنسان عظيم جدا، كان يزورنا أحيانا في المسرح بعد خروجه على المعاش لحضور بعض العروض، وكان لدينا مدرسة للعرائس زارنا فيها وكان يبدي دائما أراءه ونستفيد منها ومن علمه وفكره وإدارته الحكيمة، كما أنه فنان تشكيلي رائع له أعمال خاصة في النحت، نحت تماثيل جميلة كان فيها جزء من مدرسة مختار، أرى أنه كان امتداد جميل للفنان محمود مختار.
قال عنه د. جمال الموجي:  كان  قامة كبيره جدا، التقيت به حين كان مديرا لمسرح القاهرة للعرائس، وكنت حديث التعيين بالمسرح، رأيته فيه رجلا عظيما، وأصبحنا قريبين. أضاف «الموجي» سمعت عنه الكثير كمدير لمسرح العرائس وكيف استطاع إدارة رواده الكبار. سافر في رحلة إلى الكتلة الشرقية حوالي الثلاثة أشهر، كانت أفكاره جميلة ويشجع الموهوبين داخل المسرح و خارجه، كما كان كاتبا قدير، كان يكتب في دار الهلال ونشر كتبا جميلة في دار الشروق، كان يزورنا أحيانا في المسرح بعد خروجه إلى المعاش لحضور بعض العروض، وكان يبدي دائما آراءه ونستفيد منها ومن علمه وفكره وإدارته الحكيمة، وهو أيضا فنان تشكيلي رائع له أعمال خاصة في النحت، نحت تماثيل جميلة كان فيها جزءا من مدرسة مختار، ويعد امتدادا للفنان محمود مختار.
أسس مسرح العرائس
أما الشاعر زين العابدين فؤاد فقال: ما قبل مسرح العرائس شيء وما بعده شيء آخر، هناك فارق كبير أحدثه هذا المسرح في حياتنا وأفكارنا، فالأجيال الجديدة لن تعرف قيمة ذلك ولن يتخيلوا أنه لم يكن لدينا مسرح للعرائس، كما لن يتخيلوا أنه لم يكن هناك هواتف محمولة أو انترنت أو ماكينات للتصوير، وسوف يستغربوا تخلفنا الشديد، فما قبل الانترنت والهواتف كان عالم آخر، وكذلك بالنسبة للأطفال والكبار في هذا الوقت مسرح العرائس كان يمثل اندهاشا ومتعة ومعرفة .
وأضاف «زين العابدين» : هو  أحد فناني جيل لعب دورا أساسيا في تكوين الوعي الجمعي والمكون الجمالي للأمة بأكملها، و أحد من أسسوا لمسرح العرائس، وهو سابق لظهور أول مسرحية عرائس، فهناك أولا التجهيز للمسرح واختيار الفنانين وتدريبهم، والسفر لرومانيا والدول المتقدمة في فن العرائس في هذا الوقت خاصة، كان  لأن الفنانين الذين لعبوا هذا النوع لم يكونوا متخصصين ولم يكن هناك تخصصات كما الآن حيث أصبح لدينا قسم للعرائس في كلية الفنون الجميلة، كانت إدارة المسرح من أكثر التحديات التي استمتع بالتصدي لها ،وكانت تزداد متعته مع كل عمل جديد يقدمه.
تابع : لم يقتصر دوره على إنشاء مسرح العرائس،  بل أمتد للفرقة القومية للفنون الشعبية ، وقد استعانوا به مديرا لها مع بداية نشأتها فكان دوره الجديد هو الحفاظ على الفن الشعبي واستمراره وتطويره وتقديم نماذج وأغاني عن المسرح، و تجول بالفرقة لمدة ستة أشهر في ما يقرب من 11 دولة وعلى مسارح 52 مدينة من أنقرة بتركيا وألبانيا وبلغاريا ورومانيا والاتحاد السوفيتي وبولندا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا والمجر وغيرها.. كتب للدراما التليفزيونية «طائر الأحلام» الذي تم تصويره في الاستوديو الخاص بشارل شابلن، بطولة نور الشريف وإخراج محمد فاضل.
، كما كان دائما يدعو للتفكير العلمي الجاد المنظم، والقدرة على فهم الأشياء من خلال التفكير الناقد، الذي يهتم بمراجعة الافتراضات والسياقات والاستعداد لممارسة التفكير الابتكاري الذي يخلصنا من سيطرة الفكر التقليدي على عقولنا.. كتب أول دراما ثقافية نفسية وهي «نزوة» بعد أن قرأ كتابا لإريك بيرن بعنوان «ألعاب يمارسها البشر» ولعب صلاح جاهين دور المفسر للبعد النفسي في كل لعبة، أيضا كان له دور في تقديم كتب العلم  و «تبسيط» المعلومة، فقدم العلم بشكل مختصر وبسيط للناشئة وهو دور ريادي ..  كان مفكرا مثقفا متشعبا، أما عن الجانب الإنساني  فكان يتصف كل ما يتصف به الفنان العظيم  من التواضع الشديد وإنكار الذات، بالإضافة لكونه صديقا لكل الأجيال، لا يملك تلك الأنا المتعالية.
صديق والدي
مصمم الجرافيك هشام بهجت عثمان قال: كان صديقا لوالدي فنان الكاريكاتير بهجت عثمان ولوالدتي فنانة العرائس بدر حمادة، فبعد أن تخرج والدي أرسل له ليعمل معه مدرسا في السودان ، وبعد زواج والدي سكن في نفس العمارة التي يقطنها الراحل راجي عنايت، وحين شاهد عمل والدتي وكيف أنها مميزة وتهتم بشكل كبير بالعرائس، طلب منها خوض الاختبارات التي كانت تعقد لضم أعضاء جدد لمسرح العرائس من المتميزين، وبالفعل اجتازت الاختبار وبدأت العمل عام 1962،لكنه لم يتدخل في اختيارها حتى أنه لم يحضر الاختبارات لأنه كان يبحث عن الكفاءات وإن كانت تستحق فبالتأكيد ستختارها اللجنة دون تدخل منه، كإداري للمسرح أعتبره من أنجح المديرين الذي تولوا إدارة هذا المسرح حتى الآن ،وما يميزه أنه كان حرا، ويتابع الجميع في قسم التصميم واللاعبين، وحين كان يرى أنهم في حاجة لتدريب يتواصل مع أفضل المدربين من رومانيا ويوغسلافيا ويحضرهم ، كما قام برحلات لأوربا وشارك  في مهرجان في تشيكوسلوفاكيا وحصل على جائزة عالمية فكانت تلك الفترة هي الأكثر ازدهارا لمسرح العرائس.
وأوضح «بهجت» :استعان عنايت بالدكتور ناجي شاكر فكانت النتيجة هي «الليلة الكبيرة» تلك الأسطورة التي لم يلق غيرها ما حققته من نجاح حتى الآن، وكان قد استغل علاقاته الواسعة فكان يعرف سيد مكاوي وصلاح جاهين ما سهل  مشاركتهما في العمل وخروجه بهذا الشكل، أيضا قدم عروضا أخرى مثل حمار شهاب الدين التي ألفها أيضا صلاح جاهين ولحنها سيد مكاوي وصمم شخصياتها المبدع د.ناجي شاكر، بالإضافة لأعمال مثل دقي يا مزيكا، ولشدة نجاح الأولى اقترح عليه د. عبد القادر حاتم تقديمها بشرية على مسرح الأوبرا فرد عنايت «مش ممكن دي فيها حمار» .
أكمل: تولى إدارة الفرقة القومية للفنون الشعبية، وأرى أن مسرح العرائس خسره تلك الفترة حيث كان في قمة ازدهاره ، ولم تحل محله الكفاءة التي تحافظ على هذا النجاح، لكنه أيضا حقق نجاحا كبيرا مع الفرقة القومية،  حيث نقلها من مجموعة تتدرب في حديقة مسرح الأوبرا القديمة بالعتبة إلى أن فرقة  لها مسرح، ثم يأخذ الفرقة في جولة لبعض البلدان الأوربية، كما شارك بها بمهرجان الشباب في برلين، ومما يدل على مدى حرصه واهتمامه بأدق التفاصيل استعانته بعبد الغني أبو العينين ليكون مسئولا عن تصميم أزياء الفرقة وتكون الفرقة منافسة لفرقة رضا التي سبقتها بفترة طويلة. أما على المستوى الإنساني -  يواصل عثمان - أذكر أنني تعرضت لإجهاد شديد نتج عنه حالة لم افهمها، وحين قصصت الأمر على والدي طلب أن أرويها لعنايت فقال لي: «انت كنت مروح» وهذا موضوع كتاب اعمل عليه حاليا عن الأشخاص الذين كانوا في طريقهم للرحيل وعادوا مرة أخرى مثلما يحدث مع بعض الأشخاص في غرف العمليات، ومنذ ذلك الحين أصبحت واحدا من قرائه المتابعين لكل ما يكتبه، وخاصة  كتاباته عن المستقبل. وأتساءل: كيف لا يستفيد الناس من كتاباته في ظل الأحوال التي نمر بها، فحين يقول أننا أصبحنا ننتظر الغرب ينتج لنا ثم ندفع ثمنا أكبر من قيمة الشيء التي حصلنا عليه كان صاحب رؤية.
استشراف المستقبل
أما الناقد والروائي محمود قاسم فقال: توقفت في مسيرتي عند الشخصيات المتعددة العطاء، فهم ندرة، يتسمون بالتفرد والعطاء والتميز, كان منهم  راجي عنايات. أوضح قاسم : إن تاريخه يؤكد نجاحاته وتفوقه في المناصب التي تولاها, بالإضافة إلى كتاباته المتنوعة، وقد كان متجددا متفردا , ليس له مثيل, أتذكر مثلا تجربته في رئاسة تحرير مجلة الكواكب التي حولها من سبقوه أو جاءوا بعده إلى مجلة نجوم  وممثلين تخلو من الفكر, وعندما تسلم إدارتها هو منحها قوة الفكر وقربها من ذوق الناس, غير أسلوب المجلة إلى التعامل الجاد مع الفنون، وشهدت المجلة في عصره تطورا ملحوظا في التبويب, خاصة فيما يسمي بالمتابعات, وهو أمر بالغ الأهمية للقارئ, إذ عليه قراءات المقالات النقدية في كافة الفنون.
وأضاف «قاسم»: لم أعمل مع راجي عنايات، ولكني كنت أسمع الحكايات عنه كرئيس لهيئة المسرح من زميلي أحمد رأفت بهجت الذي كان مخرجا في مسرح العرائس، فكان يقول إنه إداري وثاب, يدفع الفنانين إلى الابتكار بشكل دائم، وكانت فترته هي الأفضل علي الإطلاق، يكاد يكون الكاتب الأفضل في استشراف المستقبل, وقد استفاد من دراسته في ذلك  للعلوم فكانت كتاباته عن المستقبل تأمل فيم سوف ينجزه العلم, وفي الوقت الذي اهتم فيه كتاب مشهورون بالخرافات، عاد هو إلى العلم وأنجز كتبه ومقالاته الكثيرة, وكان في حاجة إلى قارئ واع ومؤسسات عملية تتابع، و أن يأتي من  يسيرون علي دربه.
حماية النجاح
فيما كتب الناقد والباحث د.سيد علي تحت عنوان الموت يحصد رموزنا المسرحية! : مات أحد رواد مسرح العرائس في مصر راجي عنايت، عن عمر يقارب الـ 92 عاما!! مات قبل أيام معدودة من صدور كتابي «مسرح العرائس في مصر»، وفيه وثقت بعض أعماله، وتحديداً أول كلمة ينشرها المرحوم عن فوز عرض «الليلة الكبيرة» في مهرجان بوخارست، وكانت الكلمة بعنوان «حماية النجاح» نشرها في جريدة الجمهورية عام 1960، وفيها قال: «حدث ما توقعت، وفاز مسرح عرائس القاهرة الذي لم يتم العامين بالجائزة الثانية في مهرجان بوخارست، فاز على دول عدة مضت عليها سنوات طوال في ممارسة هذا الفن ،والفضل في هذا لحسن اختيار برنامج «الليلة الكبيرة» للمجهود الجبار الذي بذله العاملون في المسرح لتنفيذ هذا العمل في الوقت الضيق،والجندي المجهول وراء هذا النجاح هو الفنان الشاب «ناجي شاكر»، فقد كانت آراؤه ولمساته الناضجة وراء كل خطوة من خطوات العمل، ووزارة الثقافة التي اهتمت بتوفير منح التفرغ لعدد من الفنانين، لن يصعب عليها في هذا المجال أن تسمح بتفرغ الفنان «ناجي شاكر» من عمله كمعيد في كلية الفنون الجميلة، لن يصعب عليها أن تمنحه بعد هذه التجربة الناجحة كافة السلطات في الشطر الفني من العمل حتى يستطيع أن يتابع تقديم برامجه الناجحة، كما لن يصعب عليها إيفاده وبعض العاملين في المسرح، في بعثات قصيرة إلى الدول ذات التاريخ في هذا الفن حتى يضاعفوا خبرتهم الفنية، وحتى يطلعوا على أحدث الأساليب الآلية في تقديم البرنامج واستغلال إمكانيات هذا الفن المتطورة، كما أرجو أن يستفيد المسئولون من الثنائي «صلاح جاهين» و«سيد مكاوي» في إعداد أعمال أخرى يقومون بها خصيصاً لمسرح العرائس، على أن تتضمن هذه الأعمال خيطاً درامياً خفياً يجمع الصور الغنائية التي يقدمانها». رحم الله راجي عنايت.

سيد مكاوي
أميرة سيد مكاوي تحدثت عن ذكريات والدها مع الفنان الراحل فقالت:
كان صديقا لوالدي الذي طالما افتخر بهذه الصداقة، ومازالت والدتي أيضا تفخر أنه مر في حياتها شخص مثل عنايت، كنت على تواصل معه حتى الأشهر الماضية وفي كل مرة يحادثني بنفس الود والنبل، و رغم أنه كان رجلا مثقفا عظيما فقد كان يشجعني ويشيد بما أكتب. كان هو الصديق الجدع الأمين الذي ظل منزله مفتوحا أمام الجميع، الكريم وصاحب النكته والمثقف الموسوعي الذي  يقرأ في كل شئ ويتصل إبداعه بروافد كثيرة ، فهو كاتب ومفكر مستشرف للمستقبل ومحلل سياسي واجتماعي وفلسفي ، هو أول من كتب في المستقبل والخيال العلمي ،بالإضافة لكونه نحات قدم أعمالا رائعة، وكاتب رائق حتى وإن انتقد فهو لا يكتب بفجاجة وعصبية، دمس في نقده.
وأضافت «مكاوي»: حين كان د.ثروت عكاشة وزيرا للثقافة وقرروا أن يكون هناك نهضة مسرحية في مصر، كان د.ناجي شاكر قد سافر وتعلم فن التحريك وعاد. ومع قرار إنشاء مسرح العرائس تولى عنايت إدارته وكان ينتقي النصوص الذي يقدمها بنفسه،وهو الذي بحث عن صلاح جاهين وقرر أن الملحن يكون سيد مكاوي فقدموا الليلة الكبيرة، وهي ليست العمل الوحيد فهناك أعمالا أخرى مثل «إيراد حورية»،و «الفيل النونو الغلباوي»، و «حمار شهاب الدين» التي حين انتهى صلاح جاهين من تأليفها و سيد مكاوي من تلحينها، بدأوا التفكير فيمن يؤدي الأدوار  ومنها  بطل الأوبريت المغني حسن، الذي لحقته اللعنة فتحول حمارا، لا يعود لصورته البشرية إلا بشروط، وكان مكاوي قلقا يبحث عمن يؤدي ألحانه فقال له الراحل عنايت لماذا لا تغنيها أنت يا أبو السيد؟..ومع تشجيع من جاهين وعنايت وافق مكاوي وسجل بصوته أول موال «حسن المغني أنا ..وإيش غيرك يا زمان» .

نهضة المسرح
وقال الكاتب عادل سعد: رحمه الله  كان شخصية متزنة إلى أبعد الحدود وموسوعية، درس العلوم في كلية العلوم، والنحت في كلية الفنون الجميلة، على يديه نبتت بذرة مسرح العرائس، وقدم أشهر أعماله الخالدة مثل الليلة الكبيرة وغيرها، وهو أحد أبناء أسيوط أضاف:   كنت أبحث عنه خاصة  وأنه شقيق الراحل هبة عنايت» رحمه الله» الذي أسس كل ما يتعلق بالثقافة في أسيوط من مسرح لفرق موسيقية وفنون شعبية وتشكيلية، هؤلاء أقاموا أعمدة للثقافة المصرية، ورحلوا في صمت.
 تابع : حين التقيت به في دار الهلال كان قد دخل في مرحلة أخري حيث قرر نقل أخبار العلوم والمستقبل للناس، وأنا شخصيا عرفت الكثيرين يحرصون على شراء «المصور» لقراءة ما يكتبه راجي عنايت، فقد كان يكتب بلا خزعبلات ولا إثارة مفتعلة عن مستقبلنا ومستقبل العالم، كان نموذجا لرئيس التحرير الواسع العقل الذي يتسع صدره للجميع، وهو فضلا عن ذلك  من الشخصيات الإنسانية التي لا تنسى من حيث التعامل الإنساني، و قد ظل يحظى باحترام وتوقير كبير في نفوس الصحفيين والمثقفين ورجال المسرح، وسوف يبقى دوره في نهضة المسرح ودور شقيقه هبه في ثقافة الصعيد علامة لا تنسى رحمهما الله.
عقلية مبتكرة
فيما قال المخرج والفنان محمد فوزي: هو أحد رواد فن العرائس والعقلية المبتكرة في فنون الكتابة، كانت فترة إدارته لمسرح العرائس مزدهرة، فمن ينسى الليلة الكبيرة وغيرها من الأعمال التي تعاون فيها مع صلاح جاهين وسيد مكاوي ،فقد جمعته الصداقة بجاهين وصرح راجي من قبل أن من احلي الذكريات لديه فترة تأليف أوبريت حمار شهاب الدين لمسرح العرائس، كما تولى عنايت إدارة الفرقة القومية للفنون الشعبية التي شهدت إزدهارا فترة توليه،رحمه الله المفكر والرائد راجي عنايت.


متعدد النشاطات وغني بالخبرات
أما الفنانة التشكيلة منى راجي عنايت فتحدثت عن الأب والزوج والإنسان والفنان: لقد أسعدني الحظ أن أنشئ في عائلة هي بمثابه حلم ونموذج لعالم ومستقبل أفضل. أسرة عمودها الاحترام المتبادل..التنوع .. الثقافة ..الفردية.. الحرية .. وكم كبير من الأبتكار لدي الجميع من أفراد الأسرة، بداية من أبي راجي عنايت الذي نشأ في جو فني، فكان والده من اوائل خريجين كليه الفنون الجميله قسم تصوير، وعمي هبه عنايت الذي لحق طريق والده ودرس أيضا في كليه الفنون الجميله قسم تصوير، ثم اتيت أنا لأكمل مشوار جدي الذي وعدته أن يظل اسم عنايت بعد وفاته في عالم الفن و دخلت ايضا نفس الكليه و نفس القسم لأكمل المشوار الفني للعائله، كان جدي يريد ان يلتحق والدي أيضا بفنون جميلة، و لكنه فضل الدراسه في كليه العلوم قسم رياضه بحته، ثم التحق بالقسم الحر في كلية الفنون الجميله لدراسه النحت، ووالدتي الفنانه الراحله شويكار عكاشه درست التربيه الفنيه وكانت تربطها صداقه بعمتي هدي عنايت وبالتالي تأثرت بالجو الفني لعائله عنايت و درست تربيه فنيه وقامت بالتدريس بعد تخرجها و تدرجت في الوظائف المختلفه فكانت مديرة متحف أوبرا القاهرة القديمة وللأسف احترق حلمها قبل الافتتاح فانتقلت كمديرة قسم التسجيل الفني في الفرقه القوميه للفنون الشعبية، كانت والدتي من أوائل من أدخل فن المنمات و الرسم بالتطريز علي لوحات من الحرير و أقامت معارض في معظم دول العالم وعشنا انا و أخي جمال عنايت الصحفي و المذيع المعروف و أختي ليلي عنايت التي تعمل في مجال اللغات و التربيه الأبتكاريه لدي الأطفال في كندا وأكملت انا دراستي الفنية في المانيا وأقوم ايضا بالعمل في مجال التدريس للفنون و اللغات بجانب ممارستي للفن التشكيلي واقمت اكثر من 90 معرض بخالف الغناء و التلحين و العزف علي آلة العود.
وأضافت «عنايت» بدأ أبي حياته مع صديق عمرة صالح جاهين و عندما سألت والدي ليحكي لي عن علاقته بصلاح جاهين كان رده “ياااه دي مش صداقه عاديه”،  صلاح صديق علي مدي الزمان ! من روضة الأطفال إلى ثانويه أسيوط، إلى حياة مصر الفنية و السياسية و العاطفية !! غريبة هي المصادفات التي جمعتني بصلاح جاهين من الطفولة حتي اخر العمر!! بحكم عمل والده في القضاء ووالدي في التعليم , زاملني في روضه أطفال أسيوط ثم رحلنا نحن إلى الإسكندريه وهم إلى القاهرة وبعدها عدنا إلى أسيوط وجلست بجانب صلاح في “تخته” واحدة في السنه الثانيه الثانوية، كنا دائما نحلم، نتحاور، نختلف، ونبدع سويا، وبعد تخرجي من كلية العلوم عملت كمدرس رياضيات في المنصورة ثم السودان ودخلت بعدها عالم الكتابة و الصحافه بداية من الجمهورية , روزاليوسف ثم الجمهورية إلى ان شجعني د. علي الراعي و أحمد حمروش نظرا لخلفيتي في مجال النقد التشكيلي لدخول مجال المسرح للمشاركه في الصحوة الثقافيه حينذاك.
واسترسلت “راجي” عندما كان والدي يعمل مديرا لمسرح القاهرة للعرائس كتب عن هذه المرحله وقال : عندما تولى د.حاتم عبد القادر وزارة الثقافة , نشأ بينه و بين مؤسسة المسرح صراعا ممتدا لاختلاف الأهداف و التركيب العقلي و الثقافي بينه و بين عدد كبير من الفنانين العاملين في مؤسسه المسرح، وسط هذا الطقس و بعد خروج د. ثروت عكاشه من وزارة الثقافة، واحتدام الصراع، أدرت ظهري له, وغرقت في تطوير العمل بالمسرح, والاعتناء بأنتاجه، و قد ساعد علي هذا الغرق التركيز علي تقديم أول أوبريت كامل معاصر في مصر ‘‘ حمار شهاب الدين ‘‘ الغريب أن العمل الجاد المخلص ساعد علي نوع من التهدئة المؤقته للمعركه الدائمة، لقد دعوت د.حاتم لحفل الافتتاح, فحضر مع جمع من قيادات وزارته، و أبدي إعجابا و اندهاشا لمستوي العرض, و أمر بصرف راتب شهر مكافأة للعاملين بالمسرح وفي صباح اليوم التالي, زارني مدير عام هيئة الاستعلامات لينقل لي رغبة الوزير في تقديم الأوبريت بشريا علي المسرح، صمت قليلا ثم قلت له : كيف ؟ ده بطل الأوبريت حمار !! ضحكنا.. و انتهت الزيارة.
“حمار شهاب الدين ‘‘ من أشعار صالح جاهين و ألحان سيد مكاوي, مصمم العرائس و الديكور و مخرج العرض الفنان الكبير ناجي شاكر، وأصر راجي عنايت أن يغني سيد مكاوي بأوبريت ‘‘ حمار شهاب الدين ‘‘ تردد الشيخ سيد في البدايه في قبول فكرة الغناء لكنه قبل أمام إصرار راجي عنايت و شارك بنجاح في الأوبريت بالتلحين و الغناء و منذ ذلك اليوم قرر أن يستمر في الغناء بشكل رسمي، ثم تتابع التعاون بين الأصدقاء، ناجي شاكر, صلاح جاهين, سيد مكاوي، وراجي عنايت، أقترح ناجي علي صلاح جاهين و سيد مكاوي تحويل المسلسل الإذاعي الغنائي ‘‘ الليله الكبيرة‘‘ إلى أوبريت لمسرح العرائس و قام بأخراجه صلاح السقا تحت إدارة راجي عنايت، و اشترك العرض في مهرجان بوخارست الدولي للعرائس، وفاز الفنان ناجي شاكر بالجائزة الثانية عن تصميم العرائس و الديكور، و قال الفنان ناجي شاكر في أحد الحوارات: وجدتني علي مدي سنوات عمري و تجاربي أبحر في هذه العروسة الساحرة فاجدها هي مدخل للمتعه و الخيال ، وسيلة للتربية و التوجيه أحيانا، تلك العروسه التي تسكننا و نسكنها في آن واحد, زورق يسبح بنا في عوالم سحريه ، زورق مفتوحا غير مشروط لا بسن معين و لا بجنس ولا بلون ولا بدرجة وعي و لا بطبقة اجتماعيه و لا بايديولوجية فعالم العرائس عالم رحب، عالم يتسع عن عالمنا بتصنيفاته عالم حيويته تفوق جمود عالمنا ورتابته، عالم ينتصر للحياة في واقع ملأته الحروب و الهزائم و القتل المجاني.
وتابعت كانت نشاطات والدي متعددة و غنيه بالخبرات المختلفة، فلقد انتقل بعد مسرح العرائس لإدارة الفرقه القومية للفنون الشعبية وكتب و ترجم أكثر من مائه كتاب و هو أول من كتب في علوم المستقبليات في الشرق الأوسط و خاض تجارب في كتابه المسلسلات للتلفزيون المصري و كانت من أكثر الأعمال التي توجت علاقة راجي عنايت و صلاح جاهين كان فيلم تسجيلي باسم ‘‘ صور شخصيه ‘ قدم فيها راجي عنايت صديق عمره جاهين و اشترك مع راجي عنايت في حلقات تلفزيونيه باسم ‘‘ لعبة كل الناس ‘‘ وهي نوع مختلف من المسلسلات عن العلاقات البشريه و محاوله تفسيرها عن كتاب المناورات الخفية لراجي عنايت.
وانهت حديثها بقصيدة رثاء لوالدها قالت فيها: أبويا حبيبي بقولك سلام
خلاص ياحبيبي خلص الكلام
حتفضل في قلبي
وروحي وحياتي
منور طريقي وقلبي يوماتي
حكمل رسالتك واحارب صقور
وكتبك وعلمك حتفضل دهور
حبيبي لايمكن حقول الوداع
حتفضل معايا سفينه وشراع
حتفضل في قلبي ودمي وعروقي
واسمك معايا بيحمي دروبي
ياراجي ..يافخر وقيمة وقامه
وحافر في وطنط مليون علامه
حفرت في وشي جميل لابتسامه
ولا عمري منك عرفت الملامه
لايمكن حقولك في يوم الوداع
حتفضل في قلبي حبيبي الشجاع.


روفيدة خليفة