سليمان البسام: فرقتي حالة خاصة داخل منظومة المسرح الكويتي والعربي

سليمان البسام: فرقتي حالة خاصة داخل منظومة المسرح الكويتي والعربي

العدد 747 صدر بتاريخ 20ديسمبر2021

الفنان سليمان البسام ولد في الكويت عام 1972، وتخرج من جامعة إدنبرة عام 1996، حائز على الدكتوراه من جامعة هيرتفوردشاير بالمملكة المتحدة، ومشارك كأستاذ ضمن برنامج الأستذة العالمية في كلية Gallatin بجامعة نيويورك NYU. صنع «البسام» مسرحا كويتيا عالميا معروفا على نطاق واسع، حصد العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية عام 2004، وتم تكريمه من مهرجان الكويت المسرحي الخامس عشر عام 2014.
يُعد أحد أهم الكتاب المسرحيين والمخرجين العرب على المستوى العالمي، وهو يكتب باللغة الإنجليزية ويقدم أعماله بالعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية، وقد نُشرت أعماله بعدة لغات عالمية، كما أصبحت دراسة أعماله تُشكّل جزءًا من مناهج التعليم العالي في عدد من جامعات الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط. نُشرت أعماله «كليلة ودمنة: مرآة الملوك» باللغة الإنجليزية و»مؤتمر آل هاملت» بالإنجليزية والعربية، كما صدرت ثلاثيته الشكسبيرية العربية باللغة الإنجليزية عن دار بلومزبيري، كما نُشر نص «محطة الوقود» عن دار أوبيرون عام 2017، ونص أور عن ذات الدار عام 2018، وتتضمن قائمة أعماله كمخرج «طقوس الإشارات والتحولات»، وكمؤلف ومخرج: « أور»، «في مقام الغليان.. أصوات من ربيع مختطف»، «محطة الوقود»، «ودار الفلك»، «حيال بوطير»، «ريتشارد الثالث: مأساة معربة»، «مرآة الملوك: كليلة ودمنة»، «مؤتمر آل هاملت»، «المقايضة»، «ذوبان الجليد»، «هاملت في الكويت»، «ماكبث تحت فانوس 60 واط»، «اللعبة الكبرى» و»كل رجل»، تقلد «البسام» العديد من المناصب الهامة منها، أنه عمل عضوًا بمجلس أمناء المراكز الثقافية في الديوان الأميري، ورئيسًا للجنة المسرح فيه، وكان مستشارًا لمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي التابع لشركة آرامكو السعودية. 
يعيش سليمان البسام ويعمل بين باريس ولندن ونيويورك والكويت، حيث يدير «مسرح سبب» SABAB Theatre  وهي فرقة مسرحية كويتية دولية تأسست عام 2002 وتضم مجموعة من الفنانين والممثلين والتقنيين الكويتيين والعرب والأجانب، كما ينظم بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ودار الآثار الإسلامية سلسلة من ورش العمل المسرحية للشباب، ويعمل بصفة أستاذ فنان مشارك ضمن برنامج الأستذة العالمية في كلية Gallatin بجامعة نيويورك NYU وهو عضو الجمعية العمومية لمؤسسة المورد الثقافي Culture Resource، كما ينظم ورشا تدريبية بالتعاون مع  The Sundance Institute Theatre بالولايات المتحدة. كما يتعاون مع معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأمريكية بيروت ضمن المجلس الاستشاري، كما يشارك بصفة محكم في مؤسسات ثقافية عربية ودولية مستقلة. شارك «البسام» منذ أيام فى المسابقة الرسمية بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثامنة والعشرين، بعرض «آي ميديا»، عن العرض وهذه المشاركة في المهرجان، أجرت «مسرحنا» معه هذا الحوار.
-حدثنا عن كواليس مسرحية «آي ميديا»؟
أسطورة «ميديا» أمر كان يثيرني من زمن طويل، وطريقتي في الكتابة، تعبر معي مراحل مختلفة، أكتب صيغة وأجربها وأخذ خلاصة التجربة ثم أكتب صيغة أخرى، والكتابة معي تأخذ وقتا حتى لو كانت لنصوص قائمة، ولكن شغفي في البحث والكتابة، يجعل النص يتراكم عبر مراحل، في بدايات هذا المشروع الذي يعود لـ2018، كان لدى تصور مختلف، وحتى اليوم لدى رؤية متطورة للنص، ولدى صيغ كاملة للنص تختلف شخصياتها، ففي هذه الدورة من المهرجان التجريبي قدمت صيغة لخشبة المسرح، و على الصعيد الإخراجي كان التوجه مختلف وملحمي، كان فى العرض فريق يتكون على الأقل من خمسة ممثلين وموسيقيين، مع باقي العناصر ، وكنا على وشك أن نقدم هذا الشكل في مارس 2020، ثم جاءت الجائحة وأوقفت كل شئ، وأثناء فترة الإغلاق والركود، قدمنا تجارب أخرى، منها تجارب إذاعية، حيث قمت بتسجيل صيغ إذاعية مع الفريق والموسيقيين، وبدأت أفكر أكثر تجريدًا، و عندما عدنا لننتج العمل، قررت أن أُدخل شخصية الكاتب فى سياق النص، وهي شخصية مبتكرة في هذه الصيغة الأخيرة بعد أزمة كورونا، قدمنا عرضين فى مهرجان قرطاج ثم هذا العرض الثالث على خشبة مسرح الهناجر بالمهرجان، وفي المجمل هناك تغيرات طفيفة تتم بحكم ظرف العرض، و دخول شخصية الكاتب جعلني ألعب الأدوار الذكورية في الحوارات، ما عدا شخصية أغاديز التي قدمها الزميل أسامة جامعي، وهكذا توصلنا لصيغة مكثفة جدًا.
-حدثنا عن فريق عمل العرض ومقاييس اختيارك لهم؟
حلا عمران ممثلة في غاية الأهمية، ونعمل معًا منذ فترة كبيرة، وقدمنا معًا مشاريع عديدة، وهى زميلة بحث في مجرى البروفة وخلق العمل، والموسيقيين عبد قبيسي وعلي حوت، ولهم اسم فني هو «التنين» وهما من لبنان، تعرفت عليهما من خلال الممثلة حلا، ورأيت أن أعمالهم رائعة، فدعيتهم للانضمام لورش العمل منذ بدايته في 2018، ثم في السينوغرافيا إيريك سواييه، و هو نجم سينوغرافيا في بلده فرنسا، وهذا ليس التعاون الأول بيننا بل قدمنا مشاريع فنية كثيرة قبل ذك، ربما هذا العرض هو المشروع الرابع أو الخامس الذي نقدمه معًا.
-حدثنا عن رؤيتك للعرض؟
كان يهمني أن تكون شخصية المرأة «ميديا» شخصية عامة مثقفة، تعيش في المهجر، عندها هم سياسي، تجد حالها في ضيق كبير داخل حياتها الشخصية، تأخذ سلسلة قرارات متطرفة نوعًا ما، تثور على النظام القائم حولها، ومن هنا يصير تقاطع القوات المضادة وينتج عنها النهايات التراجيدية أو الكارثية، على الصعيد الداخلي في بيتها، تدخل في زمن الأسطورة، وتدخل مرة أخرى وهى تقوم بالفعل الذي ليس له منطق، أن تقتل أطفالها، هذا الانتقام الذي يمتد إلى أن تحرق المدينة، و هناك تقاطعات متعلقة بأمور أخرى، منها مقاربة حكاية الكاتب مع الأسطورة «ميديا» ووسائل التواصل الاجتماعي، وكيف تقوم باستعمالهم، و بالطبع هناك الأخبار الكاذبة إلى أخره.
- سينوغرافيا العرض كان لها طابع خاص، حدثنا عن ذلك؟ ولماذا استخدمتم «البرتقال» كعنصر أساسي في هذا التكوين؟
الحقيقة البرتقال جاء بالصدفة أثناء البروفات، كُنا في جزيرة فيلكا، و لدى مقر بروفات في تلك الجزيرة التاريخية شمال الخليج العربي، وكان في المنزل الذي نعمل فيه برتقال، ففكرت فيه  وأعجبتني الفكرة وأدخلته  في النص، والشخصية الأنثوية في النص «ميديا» تحكي عن حلمها وصورة عائلية وتستبدل بالزهور البرتقال، وطبيعة الحال في هذا الفضاء المجرد من كل عنصر مبني كانت دخلة البرتقال أشبه بـ»عرس بصري». إن عملي مع أيريك جعل بيننا ثقة، أنا أقدم له النص وهو يقترح صعيد الفضاء الذي من الممكن أن يساعد في التفكير، واتفقنا بعد أن كُنا قد انتهينا بالفعل من الصيغة الكبيرة، على هذه الصيغة وأن تكون ناصرها صافية، وكانت الفكرة أن نعمل على موسيقى وحفلات الروك، تواجد فرقة حية على المسرح بميكروفونات مع حضور الإيقاع، وهذا التوجه كان بدون نحت في الفضاء عبر الإضاءة.
-حدثنا عن اختلاف موسيقى العرض واستخدام آلات وترية وإيقاعية بسيطة مع الاعتماد على السكين كأداة صوتية؟ 
حاولنا بقدر المستطاع أن نبتعد عن الموسيقى التصويرية، والسكين كان رمزا آخر فى العرض، سيدة السكين الهمجية في الأسطورة «ميديا»، والسكين يرمز إلى هذا العنف الناتج عن حالة البؤس والفقر وفكرة المهاجرين والظلم الواقع عليهم، والموسيقيين يخلقون فضاءات صوتية وموسيقية تعطي أبعادا هائلة للنص وللفعل التمثيلي. عملنا في مرحلة على الإيقاعات الخليجية، والأغاني البحرية وألوان من هذا الفن مثل الفريسي والأحدادي، كلها ألوان بحرية تأتي من أغانى البحار.
-وماذا عن مشاركة العرض في مهرجان قرطاج وحصوله على ثلاث جوائز؟ 
مشاركتي بهذه المهرجانات والدورات العربية الدولية التي تنظمها الدولة، بسبب رغبتي الحقيقية في تقديم هذا الفن لجمهور هذه المدن، علمًا أن المدن العربية بدون استثناء تقع تحت ضغط اقتصادي وتنظيمي، وكل ما يتعلق بأجهزة الدولة نرى فيه الفوضى بشكل مبالغ فيه، وأنا على علم أن تقديم عملي في هذه الظروف هو تحدي كبير، مع العلم أني بفرقتي آتي إلى هذه المهرجانات، لا اعتمد على دولة الكويت ولا تمدني بدعم للحضور ، ومن المفارقات المضحكة أن منظمي هذه المهرجانات لديهم إصرار على أن  يحولوها إلى مبارزات بين الدول، وهى ليست كذلك، إنني فنان لدى رؤية ولدى رغبة في التواصل مع الجمهور العربي، وشكرًا للإدارات المختلفة محاولتها إتاحة ذلك.
-هذه المشاركة الثالثة لك فى المهرجان التجريبي؟ حدثنا عن المشاركات السابقة ومشاركة هذا العام؟ وعودة التسابق من جديد؟
أول مشاركة كانت عام 2002 بعرض «مؤتمر هاملت» الذي حصل على جائزتي أفضل عرض وإخراج، أما المشاركة الثانية فكانت عام 2003 بعرض «ذوبان الجليد»، وهو أول صياغة لرد فعل فني على الغزو الأمريكي للعراق، وحظى بترحيب كبير، وفي نفس الوقت رفض كبير من بعض اليساريين وقتها،لأسباب خاصة بهم، وكان أول عمل مسرحي يجمع ما بين فنانين عراقيين وكويتيين،  ثم  شاركت في دورة العام الحالي، الثامنة والعشرين، بعرض «آى ميديا»، وملامح التجريب فيه تظهر في إعادة وتحديث الأسطورة، و إدخال دور الكاتب، ورفع الستار عن فكرة الخلق المسرحي.
-حدثنا عن المسرح الكويتي وتأسيسك لفرقة البسام؟ 
فرقة «سليمان البسام» حالة خاصة داخل منظومة المسرح الكويتي، أو الخليجي، وحتى المسرح العربي، حالة استثنائية، وهذا نابع من إصراري على استقلاليتي ورفضي التام لأى محاولات استقطاب من قِبَل أيديولوجيات لا اتفق معها، بالإضافة إلى إصراري على مشاركة فنانين من دول أخرى عربية أو أجنبية، من مبدأ أن الفنان ليس له حدود وطنية، وأتقاطع مع أصدقاء وزملاء رفاق في المسرح الكويتي، ولكن لدى بعض المواقف الواضحة والمُعلنة اتجاه المسرح الكويتي، فلدينا أزمة حقيقية استحقاق ثقافي كويتي، وهذا ليس خاص بالكويت فقط.
-من وجهة نظرك ما الذي يميز كُلُ من المسرح الكويتي والمصري؟
المسرح المصري له فضل كبير على المسرح الكويتي، فزكى طليمات من مؤسسي المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وعلم أجيالا وكذلك المسرح الإذاعي والمدرسي، كل هذه الأشياء جاءت للكويت من مصر. وبشكل عام ما عدا الاستثناءات التي تُعد مبادرات شخصية تُمثل أصحابها، من منطلق رغبتهم في التجريب، فإن  المسرح الكويتي للأسف في وضع سيئ وتعيس، ولكن هناك تعاسة حقيقية على صعيد الأفق والمضمون والتكوين، حتى موقع الفن داخل المجتمع الكويتي، نتيجة الإهمال المُمنهج أدى إلى بؤس الحال.
-هل نحتاج أن نعود لطرح فكرة الهوية في النصوص المؤلفة في البلاد العربية؟
أعتقد أن الأمر في مسألة التعاطي مع الواقع، وإيجاد طرق سواء عن طريق النص المكتوب الكلاسيكي، كما هو الحال في هذا العمل، وتشجيع النصوص المعاصرة الملفتة، التي تدخل في وجدان اللحظة الحالية، والنص جزء من منظومة متكاملة، وأكرر هناك ضعف في كل العناصر فى المسرح الكويتي وليس النص فقط، وفكرة خلق مدرسة ينتج عنها نصوص، مشروع هام ولكنه يحتاج إلى وقت لا يقل عن ست أو سبع سنوات، ونفس الشئ في مفهوم السينوغرافيا ومفهوم الممثل والإخراج، نحن فى حاجة للاطلاع والاهتمام بالعناصر المسرحية والتكوين، والتعلم والاطلاع على تجارب العالم الأخرى، ومفهوم المسرح في العالم، بدون ذلك لا نستطيع أن نبني فنيًّا ومسرحيًّا بشكل صحيح.
-نصيحة من المبدع  الكويتي الفنان الشامل سليمان البسام للمخرجين والممثلين والمؤلفين الشباب المصريين والعرب؟
المشاهدة والاطلاع والقراءة، لتجارب وثقافات أخرى، وتجارب معاصرة، الإنترنت بوابة هائلة لذلك، اصنع بحسب المعطيات المتاحة و حاول أن تكون تجاربك متقنة وصادقة، حتى لو كانت بسيطة.


إيناس العيسوي