هاني عفيفي: «تسجيل دخول» سخرية من العالم الافتراضي وبحث عن الواقع المفقود

 هاني عفيفي: «تسجيل دخول» سخرية من العالم الافتراضي وبحث عن الواقع المفقود

العدد 588 صدر بتاريخ 1ديسمبر2018

هاني عفيفي مخرج مسرحي، قدمت أعماله على مسرح الهناجر ودار الأوبرا المصرية ومركز الإبداع الفني والمراكز الثقافية، أغلبها من إنتاج وزارة الثقافة المصرية، وأهمها: (زي الناس – عن العشاق – أنا هاملت - أنا دلوقت ميت – ولد وبنت وحاجات). تخرج من كلية دار العلوم جامعة القاهرة 2002، ومن قسم الإخراج بمركز الإبداع الفني الدفعة الثانية 2006 – 2010. درس الإخراج والتمثيل والإضاءة في عدد من الورش المسرحية على يد مدربين من فرنسا وإسبانيا والسويد وتونس ومصر في المراكز الثقافية الأجنبية، وفي المركز القومي للمسرح، ومسارح الدولة، والجامعة الأميركية بالقاهرة، وجيزويت الإسكندرية، ومكتبة الإسكندرية، وفي مؤسسة سيميا (أفينيون– فرنسا). مثل مصر بترشيح من المجلس الثقافي البريطاني بالقاهرة في ورشتي عمل لمخرجين عرب مع مدربين من مسرح رويال كورت بإنجلترا (دمشق يونيو ويوليو 2008 – بيروت يناير وفبراير 2009). عضو لجنة مشاهدة وتطوير عروض مهرجان الشباب المبدع (أفانسين) بالمركز الثقافي الفرنسي 2016، كما اشترك في عضوية لجنة التحكيم 2012. وحصلت أعماله على عدد من الجوائز الدولية والمحلية. وكانت أحدث تجاربه الإخراجية عرض «تسجيل دخول» الذي يقدم على خشبة مركز الهناجر للفنون، تحاورنا معه عن فكرته للعرض، ورؤيته الإخراجية، والصعوبات التي واجهته في التحضيرات، ورأيه في الحركة المسرحية مؤخرا.
 - نود التعرف على رؤيتك الإخراجية والرسالة التي يقدمها عرض «تسجيل دخول»
في كل مسرحية أفكر فيما أقوله للجمهور، وطريقته، وفي مسرحية «تسجيل دخول» كنت أفكر في التشويش الذي نعيشه على السوشيال ميديا، وكيف اتخذت حجما أكبر من حجمها في حياتنا، وكيف أثر العالم الافتراضي بالسلب على الواقع الحقيقي من خلال مواقف وعلاقات افتراضية، حتى الأخبار والحقائق جميعها مشوشة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأننا لا نتقبل الآخر باختلافاته، لذلك جمعت مجموعة من أصدقائي الموهوبين في الارتجال، وتجمعنا لشهور نرتجل اسكتشات ونطرح أفكارا، ونبحث في أهم التريندات التي شغلت الرأي العام الشبابي في الـ7 سنوات الأخيرة، وارتجلنا عددا كبيرا من المشاهد، وتوصلنا للمنتج النهائي وهو عبارة عن ساعة وربع متواصلة للعرض المسرحي «تسجيل دخول».

 - كم المدة التي استغرقها التحضير للعرض؟
المسرحية استغرقت أكثر من 8 أشهر نتجمع فيها بشكل منتظم، أنا وفريق العمل، لنطرح أفكار المشاهد، ونرتجل الاسكتشات، ولكن التنفيذ العملي استغرق نحو 4 أشهر.

 - كيف ترى تأثير السوشيال ميديا على الشباب؟
السوشيال ميديا لها تأثيرات مختلفة، ليس فكرة أنه مرض نعاني منه، وإنما كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ومدى اهتمامنا بهذه المواقع في حياتنا، فمن الممكن أن يستخدمها الإنسان بطريقة خاطئة، أو بشكل غير مفيد، بالإضافة إلى أن السوشيال ميديا عمقت إحساس الأنا لدى كل شخص لديه مساحة يكون من خلالها هو (البطل)، وأن كتاباته على السوشيال ميديا هي التي سوف تغير العالم، ولكن هذا غير حقيقي لأننا في دائرة ضيقة في نطاق عالم افتراضي، ليس له تأثير على الواقع، فالواقع الحقيقي لا يتأثر بالتريندات.

 - هل ترى أن السوشيال ميديا أصبحت مسيطرة على المجتمع (خاصة فئة الشباب)؟
بالتأكيد، فالجميع يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي فهي تؤثر علينا جميعا، لكننا لا نستطيع الاستغناء عنها.

 - العرض فكرتك.. فلماذا اخترت السوشيال ميديا محورا لأحداث المسرحية؟
أنا مهتم بالشباب (معظم جمهور المسرح في مصر)، وأبحث دائما عن ما يهم الشباب ويشغلهم، حتى توصلت إلى أن السوشيال ميديا أصبحت واحدا من أهم الموضوعات التي يهتم بها جمهورنا حاليا، خصوصا أنها كانت دائما تطرح بزوايا مختلفة، أو سخرية على المصطلحات التي يتم استخدامها على «الفيسبوك»، ولكن لم يفكر فيها أحد من جوانب مختلفة، فجميعها كانت أطروحات ساخرة للضحك فقط.

 - لماذا تعرضت المسرحية لأحداث 25 يناير وما أعقبها؟
بحثت عن أكبر حدث مر علينا كشباب منذ ظهور السوشيال ميديا، فأهم الأحداث كانت (أحداث يناير وما بعدها)، فهي حدث كبير جدا في التاريخ المصري، واعتقدنا كشباب أن الحياة ستتغير بعده، واعتقدنا أيضا أن أحاديثنا على السوشيال ميديا هي (الثورة)، ولكن أحداث يناير بأحلام، وإحباطات، وتضحيات، واختلافات الشباب، خفتت بمرور الوقت، فالحياة لم تقف عند هذا الحدث الضخم في تاريخ مصر، ولم يكن قصدنا أن نتحدث عن أحداث يناير نفسها، أو نبين موقفنا من كل الأحداث، أو من طرف في مواجهة طرف، وإنما رصدنا أهم القضايا التي شغلت الشباب في السنوات الماضية، وأهمها أن ثورة يناير أوضحت أننا لا نقبل الاختلاف، وأن أبطال مسرحية «تسجيل دخول» يلتقون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا)، ولم يلتقوا بسبب اختلافهم سواء سياسيا، أو آيديولوجيا، أو رياضيا، أو المظهر، وهذا الاختلاف يمنعهم من التلاقي، فأحداث يناير فرقتنا لأنها كشفت أننا لا نقبل الآخر ولا اختلافاته.

 - كيف تؤثر السوشيال ميديا على حياتنا بعدما أصبحت خصوصياتنا مباحة أمام الجميع؟
بالنسبة للمسرحية، قدمنا إشارة في الأزياء، وأيضا في شخصية (الساحر)، وقد ارتدوا مشمعا شفافا كأجزاء من ملابسهم، بمعنى أنهم مخترقون وخصوصيتهم مكشوفة، وكذلك مراقبتهم طول الوقت، والإشارة إلى سرقة العمر والوقت، وتأثير ذلك على حياتنا.

 - لماذا اخترت المنهج العبثي في إخراج أحداث المسرحية؟
لم يكن هدفي السير على المنهج العبثي، أو غيره من المناهج، ولكننا نقدم ارتجالات كوميدية ساخرة أكثر، لنقول إن الواقع الذي نعيشه عبث، ورأيت أن هناك تماسا بيننا ومنهج العبث، فنحن مشغولون بتقديم مسرح لأنفسنا، وكل شخص يقدم مسرحا يستفيد من أدواته، ويحاول المزج بين المدارس، وتجريب شيء جديد، فمفهوم التنظير هو البحث والنقد والتحليل والفرز لتكنيك ومحتوى العرض، وهذا الشيء ليس مهمة الفنان، وإنما مهمة الباحثين والنقاد.

 - هل واجهتك أي صعوبات أثناء التحضير للعرض؟
لا، فعلى المستوى الإنتاجي قابلت الترحيب والتشجيع من إدارة مركز الهناجر للفنون، ومن قبل الأستاذ محمد الدسوقي، استقبلنا وتحمس للمشروع، ولبى طلبات الإنتاج بشكل إيجابي جدا، فكل المتطلبات الإنتاجية كانت متاحة سواء أماكن البروفات، وجدول العرض، بالإضافة إلى أن الإنتاج غير منفصل عن العمل الفني، فهو جزء مهم جدا منه، فمن الممكن أن يعرقل مسيرة العمل الفني، أو تشجيعه ومساعدته لظهوره في أفضل صورة.

 - ماذا كانت آلياتك في التسويق للعرض؟

الآليات المتاحة في حدود الإنتاج، لأن مركز الهناجر ليس من المسارح صاحبة الإنتاجات الضخمة، فقد استطعنا التسويق للعرض في حدود المتاح، مثل: إعلانات مدفوعة الأجر على مواقع السوشيال ميديا وصلت لأكثر من 250 ألف مستخدم، بالإضافة إلى البوسترات الدعائية، والنقاد والصحفيين المهتمين بالكتابة عن العرض، فهذا يساعدنا كثيرا ويسلط الضوء على العمل المسرحي.

 - ما الجديد في العرض الذي يجعل الجمهور حريصا على مشاهدته؟
المتلقي يجد نفسه في المسرحية، ويجد نفسه في مواقف تشبه التي يقع فيها أبطال المسرحية، أو يجد أصدقاءه يقعون فيها، وأهم شيء في العمل الفني أن يمس المتلقي، ويتحدث عنه، ويطرح قضايا تشغله وتهمه، ولا بد أن تكون عناصر العرض المسرحي مكتملة، لأن مفردات العمل المسرحي تكمل جودة العمل.

 - رأيك في الدور الذي تقوم به الفرق المسرحية المستقلة؟
وجود الفرق المستقلة مهم وضروري جدا لتحريك العجلة، والمياه الراكدة في المسرح، وهي متنفس مهم جدا لمئات، وربما لآلف الشباب الذين يجدون في أنفسهم الموهبة، سواء في التمثيل، أو الديكور، أو الإضاءة، أو الإخراج وخلافه، ولا يجد فرصة لأن الفرص محدودة، فالفرق المستقلة تمنحه الفرصة، بالإضافة إلى أن لها نصيبا من الحرية في تناول العرض المسرحي، وهي فرق مهمة جدا في تقديم تنوع في الإنتاج، والتجارب، وعمل ثراء مسرحي.

 - ما الذي تحتاجه هذه الفرق لمواكبة تطورها ومسيرتها المسرحية؟
كل الفرق المسرحية تحتاج للدعم المادي، الذي يتمثل في أماكن البروفات، والعرض، ومساعدات الإنتاج، ولكن الأهم هو أننا بحاجة للتطلع على تجارب الآخرين في الدول المتقدمة، وأن نتدرب ونتعلم أكثر لنصل إلى حلول فنية بميزانيات قليلة.

 - ما رأيك في المهرجانات المسرحية التي تقدم في مصر؟
المهرجانات المسرحية مهمة جدا لتشجيع الفنانين، ودعمهم، وحثهم على المزيد من الإنتاج، وتكريم المجهودات التي قام بها الفنانون خلال عام، وأتمنى أن تكون هذه المهرجانات داعمة أكثر، وتخلو من المجاملات والحسابات غير الفنية، وأن تكون موضوعية أكثر، وأن تجذب عددا أكبر من الجمهور العادي لمشاهدة العروض المسرحية، ولا تقتصر على المسرحيين فقط.

 - رأيك بالحركة المسرحية في الوقت الحالي؟
تفتقد الحركة المسرحية لكثير من التجديد خاصة في مصر، تفتقد لكثير من التنوع في أشكال المسرح، والتواصل مع تجارب الدول الأخرى، وافتقادها للخيال الفني، فما زالت العروض تشبه بعضها في السابق، لا بد أن يكون لدينا تنوع في الأشكال والتقنيات، وجرأة في الطرح، وكسر التقليدي والمألوف، والتمرد على السائد.

 


ياسمين عباس