المخرج أنس العاقل: «خالتي هولندا» يعالج تيمة الهجرة والحب بلغة تعبيرية فنية مغايرة

المخرج أنس العاقل: «خالتي هولندا» يعالج تيمة الهجرة والحب بلغة تعبيرية فنية مغايرة

العدد 715 صدر بتاريخ 10مايو2021

على وقع ما فرضته جائحة كورونا من عزلة،وعلى المسرح خصوصا ذلك الفن الذي لا يحيا إلا بالجماعة وفي الجماعة.
وبعيدا عن أسئلة المسرحيين العديدة حول واقع المسرح وما ينتظره وكيف فرضت الجائحة بشروطها على أبي الفنون وكيف سيكون بعد غيابها.
بدعم من وزارة الثقافة والشباب والرياضة-قطاع الثقافة قدمت فرقة جمعية ألوان للثقافة والفنون بشفشاون عرضها المسرحي الجديد الموسوم ب:”خالتي هولندا” وذلك بقاعة المركز الثقافي المنوني بمدينة مكناس على الساعة 12 زوالا.
وهو عرض من تأليف وإخراج:أنس العاقل،وسينوغرافيا وملابس:أحمد بن ميمون
تيمة العرض: الهجرة والحب من يهرب إلى الآخر؟
“عمل مسرحي راهن،يتطرق لمفارقات العيش بين الضفتين،والتناقضات التي أفرزتها هجرة الجيل الثاني والثالث من مغاربة الريف المغربي نحوهولندا.إنها أيضا قصة حب بين عازف ساكسفون مغربي ومغنية جزائرية بالديار الهولندية”.يصرح المخرج في حوارنا معه.
يعالج العرض موضوع الهجرة في سياقها المعاصر التي أصبحت “موضة” للشباب العربي حانق على ظروفه الخانقة بعد الجائحة.ما بين الهجر ة والحب الذي يوحد شعوبا فرقتها الحكومات.
الهجرة إذن كفعل انتقال فرد أو جماعة من موطنهم الأصلي إلى بلاد أخرى بقصد الاستقرار الدائم أو المؤقت.تتنوع أسبابها بين البحث عن عمل أو بسبب الحروب أو الاضطهاد أو بحثا عن الدراسة أو غير ذلك.
ولا ننسى سلبياتها التي تتنوع بين تشتت الفرد والتأثير على حياته الشخصية وعلاقته بمحيطه في بلده الأصلي والبلد المضيف.وفقدان الهوية مع مرور الوقت حيث مع اطالة أمد الهجرة ستتغير عادات وتقاليد مثيرة لدى المهاجر.كما أن الاصابة بالاضطرابات النفسية المستمرة نتيجة الضغوط المتراكمة على المهاجر،تؤثر على مستوى الاندماج أحيانا بالمجتمعات المستضيفة بسبب طبيعة اللغة المتداولة أو اختلاف العادات والتقاليد.يغرق المهاجر في خسارة المزيد من الوقت بسبب متطلبات الاندماج التي تحتاج لسنوات بالنسبة للمهاجرين حتى يتعلموا لغة البلد المستضيف وثقافتهم ويندمجوا بالمجتمع.
التصور الإخراجي:أستيتيكا الموسيقى والغناء للتعبير عن هموم الحياة
تصور إخراجي لأنس اعتمد التعبير عن الحب بوسيلتي الموسيقى والغناء.عرض يوظف فن الأداء،والموسيقى والغناء،وفن الحكي مع بعض المواقف الدرامية التي يعيشها بطل المسرحية بين طفولته في الريق المغربي،وبين نشأته وشبابه في هولندا.يردف العاقل متحدثا عن عمله الجديد.
“لقد وظفنا في العرض المسرحي مختلف أنواع الفرجة،وعدنا بالمسرح إلى عالم الحكي،حيث نتيح للمتفرج أن يرسم مسار الأحداث من خلال مخيلته.فالعرض يستجيب جماليا لأفق انتظار المتفرج الراهن سواء من خلال الموضوع وطريقة التناول،أو من خلال الشكل الجمالي.”مبرزا الجماليات التي ارتكزها العاقل في عمله الجديد.
استعلمت آلة الساكسفون باعتبار قيمتها الفنية والتعبيرية وتاريخها.هي آلة نفخ أسطوانية تصويرية تنتمي لعائلة آلات النفخ الخشبية،يحتوي جسمها على عشرين ثقبا يتم التحكم بها عن طريق مفاتيح،ويتم التحكم بالمفاتيح على شكل مجموعات بواسطة الأصابع الثلاث الأولى من كل يد وهناك أيضا ثقبان أخران يستخدمان لرفع الأصوات الناتجة عن الآلة “أوكتافا” إلى الأعلى أو إلى الأسفل من الطبقة العادية.
تختلف أنواعها بحسب الطبقة الصوتية التي ينتجها مثل:(ساكسفون سوبرانو) و(ساكسفون ألتو) و(ساكسفون تينور) وغيرها ولجميع الأنواع مجال صوتي يبلغ “الأوكتافين” أو “نصف الأوكتاف”.
انتشر استخدام الآلة في القرن العشرين وخصوصا في الولايات المتحدة وتزامن انتشارها مع تطور موسيقى الجاز وصار ملازما لها وظهر عازفون مرموقين مثل “شارلي باركر” وغيرهم و”سمير سرور” في الشرق الأوسط.
يغوص العرض عبر آلة الساكسفون بمقاطع موسيقية في عوالم نفسيات المهاجر والعاشق والشك الذاتي والأحلام والصراع الداخلي بين الأمل وفقدانه في توليفة سمعية بصرية يختلط عزف الساكسفون والغناء.
التشابك بين المؤلف والمخرج:حنكة التدرج عبر كواليس الخشبة لتسهيل الفصل
تطور دور المخرج المسرحي من مجرد منتج لتناسق متكامل من المعلومات،إلى نسق دلالي يفيض بالإبداع والخلق المرتبط بمتغيرات المجتمع ارتباطا وثيقا.هو”الساحر” الخفي عن المتفرج الذي يملك خيوط ماكينة المسرح المعقدة،”الفنان” الذي يعطي العرض المسرحي طابعه ولونه ونغمته الخاصة.
وبالرجوع إلى التأريخ الكرنولوجي لوظيفة المخرج أو ما يعرف بمرحلة”ماقبل ظهور فن الإخراج” نجد أسماء بعينها كسوفوكليس بمسرح أبوللو وشكسبير ومسرح الجلوب وموليير ومسرح القصر الملكي وجوته ومسرح فايمر وغيرهم.
وتبلور الدور الحيوي للمخرج في القرن التاسع عشر بعد اقتناع بضرورة وجود شخص متحكم بخيوط العرض لمنحه عناصر التناغم والتناسب والوحدة ومساعدة كل مشارك بالعرض لاخراج أفضل ماعنده من إبداعات واضافات ليشمل نظريات وضعها كبار المخرجين عبر دراسات وممارسات مستفيضة ومتجددة.
وبالنظر إلى دور المخرج بالعمل مع الكاتب للغوص أكثر في قراءات أخرى دلالية للنص،وتشابك محتمل بين المؤلف والمخرج أكد العاقل””أما عن تداخل دور الكاتب مع المخرج فنحن تعاملنا مع كل صفة على حدة.فحينما كنا نكتب تصورنا العرض المسرحي بطريقة محددة،لكننا عند الإخراج اشتغلنا على شروط الركح وما تتطلبه الفرجة المسرحية المعاصرة.بل وتعاملنا مع النص كأنه لشخص آخر،فأعدنا قراءته بطريقة مختلفة.للإشارة فقط فإن الكتاب من كانوا يخرجون نصوصهم قبل ظهور دور المخرج في المسرح المعاصر،ولأنني ممثل اشتغلت في تجارب مسرحية معاصرة مختلفة،راكمت ما يكفي من التجربة كي أخرج نصا مسرحيا.وحتى الكتابة أتيت إليها من الركح.”
المسرح والجائحة:من ينتصر أخيرا؟
قامت العديد من الفرق المسرحية المغربية في الفترة الأخيرة بتقديم عروضها المتلزمة بها مع وزارة الثقافة،من دون جمهور وفي مختلف المدن والجهات بالمغرب،وذلك بسبب الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا،وبسب سياسة الدعم المسرحي،التي لم تراع هذا الظرف،وأغلقت المسارح في وجه الجمهور،وأصابت أبو الفنون في مقتل.
“يجب أن نقر بأن أكبر مجال تضرر بأزمة كوفيد 19 مجال الفنون الحية بعد السياحة طبعا.لكننا لم نفكر في حلول لهذه الأزمة،بل كان الفنان آخر من تم الالتفات إليه.حتى الحق في الحصول على تعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لم يحصل عليه.كأننا نقول لكل الفنانين لا حاجة لنا بكم ولا بفنكم.كأننا نهيش بالخبز وحده ولا حاجة لنا بالفرح والفرجة الحية والاحتفاء.لقد عرف المسرح المغربي انهيارا خلال أزمة كورونا،جعل العديد من المسرحيين يتساءلون عن الجدوى من الاشتغال بالمسرح،لولا هذه المبادرة”اليتيمة”لوزارة الثقافة والتي خلقت ضجة باعتبارها نوعا من “الريع”،لكن الأمر كان يتعلق بالدعم المسرحي العادي الذي تقدمه وزارة الثقافة للعروض المسرحية،وإنقاذ المسرح المغربي من”السكتة القلبية”.يمنع فقط اسثنائيا الظرفية التي فرضتها الأزمة،وشغل ظرفيا العديد من ممتهني الفن المسرح.”ينقل العاقل حرقته بالتخبط في السياسات العمومية التي تعتبر المسرح والفن خارج حساباتها التشريعية.
المسرح الرقمي بالمغرب:أي مستقبل؟
اعتمدت المديريات الجهوية لوزارة الثقافة البث المباشر للعروض،أو صفحات الفرق المسرحية والمسرحيين على وسائل التواصل الاجتماعي.هي فرجة افتراضية أثارت الكثير من النقاشات واعتبرها المسرحيين أنها لا يمكن أن تكون بديلا عن اللقاء المباشر مع الجمهور الذي يعد مكونا رئيسيا في الفرجة المسرحية.وهل المسرح المغربي قادر على النهوض رقميا برغم صعوباته قبل الكورونا؟ 
يقول أنس:”شئنا أم أبينا فالمسرح فن حي،ولا يمكن للوسائط أن تنقل تجربة الفرجة داخل المسرح.ليس هناك مسرح افتراضي،فالمسرح كان دوما مكان اللقاء والاحتفاء،أن تذهب إلى المسرح معناه أنك تعشق اللقاء الإنساني في زمن أصبح كل شيء فيه رقميا،فلنترك للمسرح على الأقل طابعه الحي.وثمة فرق كبير بين أن تشاهد العرض حيا أو منقولا من خلال الوسائط.حينما تعشق الحياة فإنك تذهب إلى السينما،لكنك تذهب إلى المسرح لأن الحياة تستحق أن تعاش مع تجربة الفرجة المسرحية.إنه نوع من مشاطرة التجربة يجعل للفرجة المسرحية  خصوصيتها المتفردة.”
قمة العبث الاعتقاد بأن هذا الفن يمكنه العيش في غياب الجمهور،لأنها وسيلة لقتله وتدميره.هي فترة تدريبات وتسخينات في انتظار عودة الجمهور إلى الخشبة باعتباره الجوهر الحقيقي للمسرح،ومتعته لا تضاهيها أي متعة.لا شك أن تدبير هذه الأزمة آني ويومي وعشوائي،مما يؤكد غياب رؤية مسبقة وواضحة لمثل هذه الأزمات مهما كان حجمها.والثقافة والمسرح لا تجد من يدافع عنها كما ظهر جليا مع السياسات الحكومية المتعاقبة والتي أبانت عن فشل ذريع في تدبيرها للشأن الثقافي والفني بالمغرب.  
شفشاون بالمغرب


عزيز ريان