فرقة أتيليه المسرح وإعادة قراءة تاريخ مصر الحديث

فرقة أتيليه المسرح  وإعادة قراءة تاريخ مصر الحديث

العدد 694 صدر بتاريخ 14ديسمبر2020

ترجع الجذور الأولية لفرقة أتيليه المسرح إلى مواسم كلية الفنون الجميلة منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، ففي عام 1972 تأسست كمجموعة مسرحية داخل كلية الفنون الجميلة بالزمالك مقدمة أول عروضها “إدارة عموم الزير” للمخرج سمير العصفوري.
وقد تواصل عمل هذه المجموعة المسرحية من خلال طلبة الكلية طوال هذه السنوات معتمدة على تقديم ما يمكن أن يسمى بالبعد التشكيلي البصري وتوظيفه داخل إطار العرض المسرحي على اعتبار أن أعضاء الفرقة هم بالأساس فنانون تشكيليون.
وأثناء هذه الفترة كانت الفرقة أكثر فرق الجامعة المصرية ـ حصولا على درع جامعتها وكذلك كانت أكثر فرق الجامعات ـ على الإطلاق ـ فوزا ببطولتها السنوية، فقد احتفظت الفرقة بكأس المسرح بجامعة حلوان بعد فوزها لثلاث مرات متعاقبة بالدرع، وقد تكرر هذا الإنجاز ثلاث مرات بالإضافة إلى فوزها 20 مرة بلقب بطل الجامعات المصرية. وقد أنشأت الفرقة في مرحلها الأولى بدعم من الفنان الراحل د. صلاح عبد الكريم مسرحا خاصا بها تقدم من خلالها عروضها طوال العام، وبحضور جماهيري كان هو المصدر الحقيقي لتمويل تلك العروض، رغم كونها داخل إطار الجامعة وهو ما منحها استقلالية كبيرة سواء في طريقة اختيار النصوص أو إنتاجها. وقد عملت الفرقة كذلك على مساندة مجموعات مختلفة من طلبة كليات جامعة “حلوان” على تأسيس فرقة مسرحية داخل إطار كلياتهم.
التكوين الثاني
ويعد تخرج مجموعة الفرقة من الجامعة ظل يراودهم هاجس تكوين فرقة مستقلة تواصل ما بدأته أثناء فترة الدراسة وبالفعل تم تجميع الفرقة عام 1990 وتم تكوين مجلس إدارة لها مكون من كل من محمد عبدالخالق وحسن عبده وبيومي فؤاد.
وفي تلك الأثناء كان قد بدأ يظهر مفهوم الفرق الحرة فكانت من المجموعة الأولى وواحدة من الفرق المؤسسة لأول تجمع مسرحي لها، كما شارك أعضاؤها في تنظيم وإدارة فعاليات مهرجانات المسرح الحر وفي تكوين اتحاده، فقد قام محمد عبد الخالق ـ أول مدير لفرقة اتيليه المسرح الحرة منذ تأسيسها وحتى 1993 بمسئولية إدارة لجنة المهرجانات في الاتحاد إلى أن أعيد تأسيس هيكله عام 1994، وكذلك كان أحد مسئولي إدارة المهرجان الرابع، ومسئول المكتب التنفيذي للمهرجان الحر الخامس ومسئول المكتب الفني للمهرجان الكوميدي.
وقد حصلت الفرقة على جائزة لجنة التحكيم في المهرجان الثالث عن عرض “حفلة للمجانين” تأليف خالد الصاوي وإخراج حسن عبده، وهو نص يدور من خلال مصحة عقلية في إطار درامي يتم من خلاله مناقشة أشخاص تسبب الفساد الاجتماعي ـ إما من بعضهم أو مورس ضد البعض الآخر ـ في وصولهم إلى هذا المكان.
كما يطرح فكرة الصراع والصدام داخل عنبر المجانين في إطار من الفانتازيا التي تحمل قدرا كبيرا من المفارقة. ثم جاء عرض “الماريونيت” إخراج تامر حسن وهو نص جماعي يطرح هموم مجموعة من الشباب في إطار واقعي يعتمد على رصد الحالة وتوصيفها بأبعادها المختلفة حيث الربط بين الخاص والعام في شكل فني أشبه بالميلودراما، وإن جاء في صورة حكي فردي يعطي في النهاية دلالة عامة على سياق جماعي. أما عرض “وقت بدل ضائع” والذي قدم بالتعاون مع مسرح الشباب فتدور أحداث، في “مخزن قديم” ومكان لإلقاء الفضلات، طرح من خلاله شكل العالم الجديد، وسؤال وجودي خاص بالهوية العربية مفاده: إلى متى نظل مفعولا به في النظام العالمي الجديد؟ وهل عندنا القدرة على المواجهة؟ طرح العرض ـ إذن الجانب السلبي للسياسات العربية، وإن كان هناك جانب إيجابي فقد جاء طرحه بصورة مقهورة داخل العرض. أما عرض “قلة أدب” وهو عبارة عن نص كتب بطريقة جماعية فيناقش التابوهات الاجتماعية والمسكوت عن في الحياة المصرية، ومناقشته من خلال رصد أسباب وجود مثل هذه التابوهات كسلبيات التعليم، دليل ذلك تقديمه لنموذج “مدرس العلوم” الذي رفع شعار التحريم الديني، دائما، في كل حوارته دون أن يدري عن الأحكام الشرعية شيئا، وقد قدمت هذه الصورة وغيرها في إطار فانتازي كوميدي.
وكذلك طرح عرض “بطة والجدي” قضية المرأة في المجتمع الآن مقارنة بمجتمع العشرينيات الذي كان أكثر ليبرالية وتحررا بما فتحه من مجالات حياتية أمام المرأة وما ناقشه من قضايا تخصها بشكل يتسم بالعقلانية بعيدا عن أي تعصب أعمى. وفي عام 1996 قدمت الفرقة العرض المسرحي “ماراصاد” عن نص “بيتر فايس” إخراج محمد عبد الخالق برؤية عاكسة ليس لتاريخ الثورة الفرنسية ـ كما في النص الأصلي ـ ولكن كنوع من الإسقاط الدلالي على ثورة يوليو 1952 وكقراءة فنية للواقع المصري إبان وخلال هذه الثورة.
وفي عام 1998 أقامت الفرقة ورشة مسرحية للبحث في حقيقة ثورة القاهرة الثانية بمناسبة “مئوية العلاقات المصرية ـ الفرنسية” وأعدت نصا مسرحيا تحت عنوان “القاهرة 1800” مستفيدا من النص المسرحي “سلميان الحلبي” لألفريد فرج، ولم تجد الفرقة جبهة تقبل تمويله فقدمته بجهود ذاتية لأول مرة في لقاء شباب الجامعات.
ويعد هذا العرض نقطة التحول الكبرى في مفهوم فرقة “الأتيلية” للنص المسرحي، فقد أخذت على عاتقها تقديم مشروع فني وجماهيري ذي صبغة خاصة للغاية يقوم على إعادة قراءة تاريخ مصر الحيدث، وكان من نتائج هذه التوجه أن قدم المخرج محمد عبد الخالق بالتعاون مع مركز الهناجر للفنون مشروع وثيقة مسرحية للتاريخ الحديث ما بعد ثورة يوليو 1952، تحولت هذه الوثيقة إلى ورقة عمل دقيقة ترصد هذا النوع الشائك والشائق من الفن المسرحي وضرورته في إعادة إنتاج الوعي السياسي والتاريخي وربطه بأبعاد جماهيرية.
وقد القت د. هدى وصفي ـ رئيس مركز الهناجر للفنون ـ هذه الوثيقة كورقة عمل في فعاليات مهرجان قرطاج عام 1999.
وسعيا وراء تحويل هذا المشروع إلى إطار تطبيقي قامت الفرقة بعمل حلقات دراسية ساهم فيها مركز الهناجر للفنون ـ بالمسرح القومي ـ تناولت تجربة “مسرح الشمس” لإريان مونوشكين كنموذج لهذا النوع المسرحي “مسرح التاريخ” ثم أقيمت “ورشة مسرح الناس” التي تم من خلالها جمع ما يقرب من 32 ساعة من التسجيلات الصوتية لأشخاص عاصروا حريق القاهرة من رؤى وتوجهات فكرية مختلفة ضمت نماذج لـ”شيوعيين وإخوان ووفدين ورجال ثورة ومواطنين ليس لهم توجه فكري واضح” وقد قدمت الفرقة هذه التسجيلات في عرض “الحريق” من خلال طرح كل الحقائق والأكاذيب بتفنيد الشهادات الصوتية مع المشهد المسرحي. وقد طبق هذا المنهج ـ أيضا ـ على عرض “الساعة” إخراج محمد عبدالخالق، وقد شاركت به الفرقة في المهرجان الحر الخامس ثم مهرجان افتتاح الموسم المسرحي لمكتبة الإسكندرية ثم المهرجان المستقل الأول. ثم سعت الفرقة لتقديم العرض المسرحي “الربيع الأخير” الذي يتناول أزمة مارس 1954. وفي إطار تفاعلها مع الفنون الأخرى خاض أعضاء الفرقة العديد من الورش التدريبية والبحثية منها إقامة ورشة تدريبية وبحثية للفنان د. ناجي شاكر لتصميم وتحريك العرائس، وقام بالتدريب فيها نخبة من كبار فناني العرائس في مصر، وكذلك إقامة “ورشة المسرح البصري” التي قام بالتدريب فيها ـ أيضا ـ د. ناجي شاكر ثم “ورشة مسرح الناس” للتدريب على مهارات الحكي والجمع التاريخي.
وكان الهدف من ورائها جمع المواد التاريخية ذات الطابع الشفاهي وإعادة إنتاجها في شكل حكايات.
كما قامت الفرقة بتجربة للعمل المسرحي ـ بمفهوم تجاري ـ خاضها ما يقرب من 20 فنانا من الفرقة لمدة عام ونصف بتمويل من “دريم لاند” لإنتاج عدد من العروض الكوميدية القصيرة، وعرض مسرحي للطفل ومجموعة من عروض العرائس قدمت جميعها على مسارح مدينة دريم لاند منها “جمجم طلع الصبح عليه” و”جمجم والتليفزيون” و”جمجم والمدرسة، وفي مسرح العرائس عرض “قمر شتوي” و”علي بابا”.

 


عيد عبد الحليم