فينومينولوجيا الأداء المسرحي(2)

فينومينولوجيا    الأداء المسرحي(2)

العدد 824 صدر بتاريخ 12يونيو2023

لقد كان الهدف من التلخيص الموجز لمنهج ليمان وفيشر-ليشت في الأداء المسرحي، هو إظهار كيف فتحت أعمالهما منظورا جديدا في علم جمال العروض المسرحية. وباتباع منهجهما, تبدو مهمة علم الجمال هذا بأنها بالأحرى تأملا لظاهراتية الأداء الحافلة بالأحداث, فضلا عن كونها تفسيرا تأويليا للظاهرات التي تتجلى أثناء مساره. وكما رأينا, سوف تساعدنا المراجعة الفينومينولوجية لبعض مفاهيم ليمان, التي استعارها من التحليل النفسي المنسوب إلى فرويد أو نظرية العلامات بعد البنيوية, في الاقتراب أكثر من هذا الوصف. ولكن لا يزال لدينا إجابة على السؤال عن هدف علم الجمال هذا. 
     المهمة التقليدية للفينومينولوجيا هي العودة إلى الأشياء ذاتها من خلال تعليق المعاني الدوجماتية المعروفة فعلا من أجل اكتشاف حقيقتها الساذجة. وبالتالي, فإن مهمتنا الإضافية هي تناول الأداء المسرحي ليس باعتباره شيئا نفهمه, أو نشاهده بشكل سلبي, بل باعتباره شيئا نصنعه معا. ولكن ما الذي نفعله عندما نقرر أن نعرّض أنفسنا إلى الشك المثير في وضع الأداء المسرحي؟ وما الذي نفكر فيه معا, وما هو القصد, إذا كنا نعني أن التفكير ليس شيئا فكريا, بل كما يقترح ميرلوبونتي, انعكاس لجسدنا؟ وما الذي نتأمله, عندما نصبح جزءا من كيان الأداء المسرحي غير المحدود؟  
      يبدو أن فن الرسم عند ميرلوبونتي هو الممارسة الشبيهة بالاختزال الاستدلالي للعالم المرئي, لأن الرسام يعلق تموضع الإدراك البصري المادي للعالم المرئي من أجل تحويله إلى رؤية حية. وانطلاقا من الإلهام, إذا تتبعنا خيط الأفكار السابقة, فمن المنطقي أن نفترض أن الأداء المسرحي يميل إلى أن يكون مجال الاختزال الاستدلالي للفعل بين الذاتي وعبر الذاتي. وبتعليق بعض الممارسات المعيارية للممارسات اليومية والتفاعلات, يخلق الأداء المسرحي موقفا لإدراك الآخر كشخص آخر غير المعتاد. 
     وفي ضوء هذا, يبدو من المنطقي أن نفترض أن ظاهرة الأداء المسرحي هي فعل انعكاسي يتم أداؤه جماعيا لواقع بين ذاتي وعبر ذاتي؛ إنه انعكاس المعية Mitsein, وكما سنرى, فإنه يحمل إمكانية التأسيس الجمالي aesthetic Stiftung. ولتطوير هذه الفرضية, لا بُدّ لنا أن نقترب أكثر وننظر إلى ظاهراتية تجربة التذبذب الإدراكي المذكورة آنفا, التي لاحظتها إيريكا فيشر ليشت. 
لحظة التسامي الجمعي: من التذبذب الإدراكي إلى تدفق العاطفة: 
يلعب مفهوم التجسيد بمعناه المنسوب إلى ميرلوبونتي دورا أساسيا في علم الجمال عند فيشر ليشت. وكما تشرح, يكمن التغير الرئيسي للتحول الأدائي في تناول الممثلين المتغير تجاه جسمهم. ووفقا لفيشر ليشت, فإن جسم الممثل فيما يُسمى المسرح التمثيلي هو جسم وسائلي ويتأسس في العقل الترانسندنتالي. جسم يجب أن يكون خفيا ومكبوتا لكي يحافظ على الصفة الأدبية للشخصية (الشخصية الدرامية). وبعد الاستكشافات الثورية لصناع المسرح في ستينيات القرن الماضي يصبح هذا الجسم جسدا انعكاسيا, المكان الشبيه بالتجلي, الذي تذوب فيه في النهاية ثنائية الجسم والعقل المعروفة في حقيقتها, أمام الجمهور مباشرة. وكما يقول أحد النقاد المعاصرين عن حضور ريتشارد شيشلاك في عرض جروتوفسكي «الأمير الجلد»: 
لا يكمن الجوهر في الواقع في حقيقة أن الممثل يستخدم صوته بشكل  مذهل, ولا في الطريقة التي يستخدم بها جسده شبـه العاري لنحت أشكال متحركة مثيرة في تعبيرها؛ ولا بالطريقـة التي تشكل بها تقنية الجسد والصوت وحدة خلال المونولوجات الطـويلة  والمرهقـة التي تحـد من الألعاب البهلوانيـة صوتـيا وجسديا. إنها مسألة شيء مختلف.. لقد قبلت حتى الآن مـع التحفظ مصطلحات مثل «القداسة العلمانية», «فعل التواضع» و«التطهير» التي يستخدمها جروتوفسكي. واليـوم أعترف بأنه يمكن تطبيقهم بدقة على شخصية الأمير الجلد. إنه نوع من التنوير النفسي ينبثق من الممثل. ولا أجد له أي تعريف آخر. في لحظات ذروة أداء الدور, يبدو وكأن كل ما هو تقنية مضاء من الداخل.. وفي أي لحظة سوف يحلق الممثل.. إنه في حالة طلاوة. وكل ما حوله هذا المسرح القاسي بكل تجديفه وتجاوزاته يتحول إلى مسرح في حالة طلاوة. 
وبالتالي, كما تجادل فيشر ليشت بأن جسم الممثل في مسرح جروتوفسكي –في لحظات استثنائية– استطاع أن يصبح «عقلا متجسدا», «جسما منيرا» لا يمثل أي معنى سبق إنشاؤه, ولكنه كان أدائيا (في حالة فعل) يولد معاني جديدة ومتوحشة. لقد كان جسم الممثل, من خلال حضوره المتطرف غير العادي يستدعي نوعا من الصدمة للجمهور, ويملك القوة لزعزعة إدراكهم: 
 أتفق مع تعريف ليمان للحضور بأنه عملية وعي – ولكنها العمليـة التي تصاغ من خلال الجسم ويحسها المتفرجون من خلال جسمهم.
 وفي رأي, يمثل الحضور الظاهرة التي لا يمكن فهمها من خـلال هذا الانقسـام كجسـم مقابل العقـل أو الوعي. في الواقـع, يهـدم الحضور هذا الانقسام فعندما يقدم الممثل جسمه حيويا ويولد بالتالي الحضور, فإن الجسم يظهر كعقل متجسد. والممثل الذي الذي يضخم ذلك الجسم والعقل فلا يمكن أن ينفصلا عن بعضهمـا  البعض. فكل منهما مضمر دائمـا في الآخـر (...)  ومن خـلال حضور المؤدي, يعايش المتفرج المؤدي ويعايش ذاته كعقــل متجسد في عملية صـيرورة مستمرة – يفهـم الطاقـة المتداولة باعتبارها طاقة حيوية ومتحولة, وأود أن أُسمي هذا المفهــوم المتطرف للحضور. 
 تجادل فيشر ليشت أيضا بأنه في حالات هذه العروض حيث يستطيع الجمهور أن يجرب الحضور المتطرف للممثل, فإنه يدخل في حالة وجود حدية جديدة, يمكن أن توظف بالمثل إلى حالة مبادرة شعائرية أو طقوس مرور. 
 وبينما نفكر في الأداء المسرحي باعتباره مجالا لممارسة الاختزال الاستدلالي جماعيا, يمكن أن نقول إنه في مسار الظاهراتية الموصوفة آنفا, يخوض المشاركون تغيرا منطقيا في المنظور. فقد استدعى الحضور المتطرف للممثل المتفرج إلى تعليق إعداد الممثل (من خلال وسائطيته, وإعداد ذاته) كعقل ترانسندنتالي (الأنا/ النفس) كشخصية مغلقة متموضعة. إنهم يجدون أنفسهم موجودين معا في التدفق العاطفي لموقف الأداء المثير. 
 وبالإضافة إلى مفهوم حلقة التغذية الاسترجاعية للشاعرية الذاتية, تستخدم فيشر ليشت مفهوم التوازن الإدراكي المتعدد perceptual multistability لكي تصف الظاهراتية التي تناقشها. فالتوازن الإدراكي المتعدد هو مفهوم مستمد من التوازن المنظوري المتعدد perspectival multistability, وهو مصطلح مستخدم في علم النفس الجشطالتي لكي يصف المفارقات البصرية التي تحدث أثناء إدراك الأشكال: 
 يستميل عرض البدنية المستقلة للممثل إدراكا متعددا مماثلا للمنظورات المتعددة, ومفارقات بصرية (....) وأسباب هذا التذبذب الإدراكي غـير واضحة حتى الآن. إذ يدرك المتفرج أولا حركة معينة من الممثل في حيويته المحددة في شدتها واندفاعها واتجاهها وإيقاعها, ثم يفهمها فجأة كنداء رمزي للشخصية أو كتهديد لها. وبرغم الانتقال من المجال الرمزي إلى المجـال المادي,  فلا تـزال بدنيـة الممثل تؤثـر ولا سـيما بطريقة مكثفة. 
طبقا لهذا الوصف, أثناء الظاهراتية المستمرة, فإن جمهور العروض المذكورة آنفا ربما كانوا مواطنين من عالمين منفصلين (رغم تداخلهما), ويمكن أن يتذبذبوا بين مفهوم اللحظة الحاضرة (حيث يتأثرون بالحضور المتطرف للممثل) ومفهوم الزمن الممثل للمعاني الرمزية للشخصية المجسدة, وبالتالي يقعون في الموقف التأويلي المتناقض «ماذا أرى, أرنب أم بطة؟». 
 وعلى الرغم من أن اتفاقي مع فيشر ليشت بأن الظاهرة موضوع السؤال حاسمة في وصف ظاهراتية الأداء المسرحي, فإننا نجد أن النموذج المطبق مضلل. فنموذج التوازن المنظوري المتعدد معني بوصف العلاقة بين الذات الواعية والموضوع المدرك المستقل عن الأول. ومصدر الشك هو في استحالة التطابق الواضح للأخير. وتبعا لذلك, يمكن أن يكون سؤال التوازن الإدراكي المتعدد في حالة مثال حضور ريتشارد سيشلاك المتطرف في عرض «الأمير الجلد» هو: من سأفهم, الأمير الجلد أم ريتشارد سيشلاك؟ ولأن الأمير الجلد شخصية خيالية, فيبدو من الملائم أكثر أن نقول إن المتفرج تخيله على نحو ما, وأنه يمكنه أن يدرك جسم سيشلاك المتصبب عرقا, أو لون شعره, وفي نفس الوقت, إيماءاته وأفعاله والموقف ككل يذكره يشيء أو بشخص ما, وأنه كان يشعر بنفسه على نحو ما في حضوره. وكما نرى, لا ينشأ التوازن المتعدد هنا من استحالة التطابق الخالي من الغموض, ولكنه ينشأ من التجربة المعاشة. وبالتالي، فإن الموقف ليس (أو) حصريا, ولكنه بالأحرى (و) حصريا. 
     وأزعم أن السبب الأول لعدم كفاءة تحليل فيشر-ليشت للظواهر يمكن العثور عليه في الافتراض الأنطولوجي الذي تستخدمه كأساس للتحليل: كل من فلسفة ميرلوبونتي ونظرية الجشطالت يعتبران الإدراك هو أقدم سجلات التجربة في العالم. 
 وأفترض أننا إذا أعدنا تقويم هذه الظاهراتية من منظور وصف ريتشر فيما يتعلق بالتحول المعماري للتجربة, عندئذ يمكننا أن نرى هذه المشكلة بطريقة أخرى أكثر وضوحا: 
 هنا, يجب أن نتأمل الانعكاس المعماري الكامل للمنظور المعـماري الكلاسيكي. وهذا الانعكاس الذي لا يزال مضمرا في أعمالنا السابقة ينشأ  من عكس  أسبقية الإدراك على الخيال داخل أسبقية الخيال على الإدراك. وهذه هي النتيجة لحقيقة أنه, بالنسبة لنا, يتكون السجل الفينومينولوجي المهجور من الخيال الخالص المخطط في تخطيط اللغة ومن خلال الخيال  الإدراكي المخطط في اللغة, التي تنتقل إلى التخيلات عن طريق النقل المعماري من موقف (أشبه) قصدية. 
 وكما نرى في أعمال ريتشار الأخيرة, فإن الأساس المعماري لمعايشة العالم هو المجهول, «الخيال المحض». ولأن العاطفة تستدعي الحركة في المادة التي لا شكل لها في هذا الخيال, فإنها تجمد الإدراك والخيال والتذكر, وتترسب كتأسيس رمزي وخيالي. ويمكن أن تساعدنا الاستعارة المأخوذة من الطبيعة أن نفهم بشكل أفضل هذه البنية المعمارية. فالخيال المحض مثل الرطوبة في الهواء: موجود في كل مكان, ولكن بكثافة مفككة ليس لها أي شكل, إنه حضور الشيء الخفي الذي يحيط بنا. وربما كان كثيفا جدا, لدرجة أننا إذا لم ننتبه فسوف نفشل في ملاحظة حضوره. ولكن إذا ركزنا على جسمنا, يمكننا أن نفهم هذا الحضور على جلدنا, برغم عدم قدرته أن يكون محددا. وبتأثر الحرارة, تصبح هذه الرطوبة أكثف وتتشكل في صورة سحاب يمكن أن يكون مرئيا. وإذا رمشنا أثناء مشاهدة السحب وهي تمر, وهي صورة مفصلة وذات طابع أسلوبي لما شاهدناه باقيا معنا, ولكنه يبدأ في التحلل تدريجيا, وتفقد المزيد من تفاصيله. وإذا فتحنا عيوننا ثانية, نلاحظ أن شيئا من الصورة المتحللة بقي معنا, لأننا لا نستطيع الآن أن نشاهد السحاب كما هو ببساطة, وبذلك نلاحظ أيضا أن شيئا قد تغير. واعتمادا على كيفية جعل الصورة أسلوبية, نستطيع أن نتذكر بعض التفاصيل المتطابقة والمتغيرة. وإذا أغلقنا عيوننا ثانية, سوف نرى صورة أخرى. ولكن إذا قررنا هذه المرة أن نحافظ على انتباهنا مركزا على الصورة (أو إذا غفونا فجأة), فسوف تنفصل هذه الصورة جزئيا من السحاب وتبدأ في أن يكون لها حياة خاصة. فمثلا, إذا قررنا أن نخطو وعيوننا مغلقة, فسوف نلاحظ أن هذه الصورة تتكسر إلى عدة أجزاء وتبدأ في أن يكون لها حياة ومع كل خطوة نخطوها ندخل إلى مكان من الصور الأكثر وحشية لم نرَها من قبل. 
     وفي حالة الأداء المسرحي, فإن العنصر هو حضور غامض في كيان الأداء المسرحي غير المحدود. فالوجود العنصري elemental presence ليس مقصورا على الممثل أو المتفرج, بل إنه يوضع بين كيانهما: إنه التوتر العاطفي في ذاتية الكيان الخيالي الذي يعايشه الجميع. وعلى هذا النحو لا يكون الروح الترانسندنتالية الواضحة, بل إنه الحضور الجسدي الأولي الذي يمكن أن يُفهم جرأته. هذا الحضور المكثف يستدعي رد فعل جسدي, يتجسد ويثبت في إيماءات الممثل عن طريق استدعاء أسس التخيل المشترك (مثل العرض المسرحي “الأمير الجلد”). نظرا لأن هذه الإيماءات تؤثر في عاطفة الجمهور, فإن خيالهم وتذكرهم يصبحان ناشطين, بينما يتم استدعاء الشغف غير المحدود من خلال الحضور المبدئي للمشاركة بين الذاتية. ولا يمكن أن يحدث تجميد للإدراك بشكل مثالي مع الأشياء الواضحة, بسبب الدوران الفعال الذي يذيب هذا التجميد ويضخم من تجربة الحضور الأساسية. ويتم استدعاء إيقاع مشابه –ولكنه أكثر كثافة ومشاركة بين ذاتية– التي تحدث عنها ميرلوبونتي في كتابه “العين والعقل Eye and the Mind” في حالة الفنان التشكيلي: 
 نتحدث عن الإلهام, ويجب أن نتناول الكلمة صراحة. فهناك فعـلا إلهـام للكينونة وانتهـاء لها, وهنـاك روح في الكينونة, وفعل وعاطفة يمكن التنبؤ بهمـا لدرجـة أنه مـن المستحـيل أن نميز بين الرائي والمرئي, ومن يرسم ومن يتم رسمه. ونقول إن الإنسان يولد في اللحظة التي كان شيء ما مرئيا بالفعل في داخل جسم الأم ويصبح مرئيا لنا ولذاته في الحال. ولذلك، فإن رؤية الفنان التشكيلي ولادة مستمرة. 
وبأخذ هذا في الاعتبار, يمكننا أن نقول إنه في تلك اللحظة نفسها, عندما يصبح إيقاع هذا الإلهام وهذا الانتهاء حالة تنفيس مفرط (أو تكيف مفرط) غير محتمل, فإنها تسمو إلى تجربة العلو الانتشائي اليوتوبي: 
في الواقع, أفسر الموقف بأن أقول إن فشل التخيل ليضم  ما يفيض به لتجاوزه, لا يهتم كثيرا بالخيال نفسه بقـدر مـا يتعلـق بالعاطفـة التي تجـد بطريقـة ما نقطـة التراكـم والتكثيف المفرط. وبالنسبة لي, إنها العاطفة التي يتــم وضعهـا في لحظـة السـمو. في الحقيقـة, هـناك لحظـة تتجاوز فيها العاطفة ذاتها –إنها  ما يسميه  ديجـاي «البروز»–  وذلك يتطابق مع اللحظة التي يسميهـا كانط الجاذبية. فالعاطفة تتجاوز ذاتها في الشيء الذي لم يعد ذاتها, والذي هو في الواقع التسامي المطلق في تسريب لا نهائي, يقدم فجوة داخل فرط الكثافة العاطفية بحيث يبدأ تخطيط الفجوة فيما أسميه الانبساط.  
وفي حالة الأداء المسرحي, يمكن أن يعني هذا أنه بعد تجربة مليئة بالحيوية والنشوة بين الحضور المجهول والذوات الموجودة في شغف الأداء غير المحدود, هناك تجربة معاشة جماعيا وخالصة (كتخطيط لهذه التجربة). إنها لحظة العلو اليوتوبي, عندما يتم تعليق التخطيط المعمول به في الإدراك والخيال والتذكر, ويمكن تجربة الحضور الترانسندنتالي المشترك في التخطيط بدون مفهوم للشغف بالخيالي. ولكن كما نرى أيضا, وفقا لريتشر, في انبساط تجربة السمو اليوتوبي, يوجد بداية لنوع جديد من التخطيط للفجوة التي أدخلها التسامي المطلق. وفي حالتنا، هذا يعني أن الآخر يفصح لي عن نفسه باعتباره شخصا ما مختلفا عما سبق, أو بدقة أكثر, يكشف وضعنا بين الذاتي نفسه باعتباره تحولا للذات: إذ يحدث نوع من التأسيس الرمزي. ولحظة العلو هنا هي تجربة جماعية وتكشف فعل التأسيس باعتباره يوتوبيا الاجتماعي: 
بمعنى آخر, إن يوتوبيا الاجتماعي هي الذي ينشئ في نفس                  الوقت «جسده» و»حيويته», وهو ما نسميه في الألمانيـة                  «الجسدية» التي تسكن في أي مكان, ولكنها منتشرة فــي                  كل مكان, وتتجمع وتميز أجسام الأفراد المختلفين في وحدة                  غير مندمجة وجماعية غير مشتتة.


ترجمة أحمد عبد الفتاح