التمثيل بدون معنى أو دافع (2-2)

التمثيل بدون معنى أو دافع (2-2)

العدد 663 صدر بتاريخ 11مايو2020

 في الجزء الأخير من “ تمثيل بدون كلمات “ يجلس البطل علي حافة المكعب الذي يظل مرئيا في البيئة ولم يختف أن ينسحب منها . وبشكل غير متوقع يتم سحب المكعب من تحته . فيسقط . ويختفي المكعب من علي خشبة المسرح .
 البيئة التي أقيم فيها في هذه اللحظة في الأداء هي بيئة خالية، فيما عدا حضور المكعب الثالث . أجلس علي المكعب، وأضع مرفقي علي ركبتي، باستخدام التركيز الخارجي غير المباشر – وعيناي إلي أسفل قليلا جهة اليسار باتجاه الأرض. صمت . علي الرغم من أني أشعر بوجود المساعد علي خشبة المسرح من خلفي مباشرة، لا أبالي بحضوره . يتركز انتباهي علي متابعة التنفس وعندما أفتح وعيي السمعي علي خلو الفراغ . يتم سحب المكعب الذي أجلس عليه فعلا من تحتي، وفجأة أشعر بنفسي ملقى بعيدا عن المكعب بينما أسقط إلي الأمام . فأسقط علي يدي وركبتي في مواجهة المشاهدين وهم ينظرون الي . عيناي مفتوحتان، ويبدو نظري من منظور المشاهدين الي الأمام، رغم أن تركيزي البصري غير مباشر . فأنا لا أنظر إلي أي شيء في المكان . وبدلا من ذلك أشعر بالفراغ من حولي – الفراغ من خلفي، أعني من الاتجاه الذي سقطت منه، وباتجاه المحيط ومن فوقي . ينفتح وعيي السمعي، أصغي بانتباه، وأفتح وعيي الحسي لما يمكن أن يوجد في هذه البيئة . واذا كان وعي اللمس مفتوحا علي راحتي /يدي فإنهما في تلامس مع الأرض .
 أبقي في هذا الوضع، أبدأ مباشرة، حركاتي الأربعة التالية يكون كل منها استجابة لما يحدث في البيئة الحالية . واستجابة لكل صفارة، كما يدون (بيكيت) الحدث “ لا يتحرك “ . أجسد تماما كل إرشادات “ لا تتحرك “، بمعنى في نبضة السكون بعد كل صفارة، وبداخلي باعث ينشأ من أن لا أتحرك . ويكون باعث “لا تتحرك “ هذا محسوسا كموجه دينامية / حيوية أو تيار يتحرك داخل عقل جسمي – أنها محسوسة في راحتي وأطراف أصابعي وقدمي، وخلال عيني وخلالهما . ففعل “ لا تتحرك “ هذا يحركني من الداخل علي الرغم من أنه لا توجد حركة مادية صريحة . وعندما يختفي الشيء الأخير من خشبة المسرح – الشجرة – أظل ناظرا علي يدي وركبتي مباشرة . شخصية وحيدة في بقعة ضوء . يصدر من قلبي دقتين . وحركتي الأخيرة وهي “ ينظر إلي يديه “ . وفي الدافع لتجسيد “ينظر إلي يديه”، ينتقل ثقلي إلي الخلف باتجاه قدمي لكي تتحرر يداي من حمل وزني . ومع إحساسي براحتي حيث كانا في حالة اتصال بالأرض، يتغير تركيزي البصري الخارجي من مساحة خالية خلف ظهري ويدي . بينما أبدأ ببطء في الجلوس علي قدمي في وضع الركوع تدور راحتا يدي لكي أنظر الي باطن يدي اليسرى ثم أغير تركيزي علي راحة يدي اليمنى . يظل تركيزي علي راحة يدي اليمنى . يشعر جسمي كله وكأنه يهتز . تبدأ الإضاءة في الخفوت تدريجيا خلال عشرة ثوان حتى تظلم تماما . ينتهي الأداء . لا يوجد ضحك .
• التأمل (1) : ما هو هذا الجسم الذي أسميه جسمي
ما هو الجسم الذي وصفته آنفا ؟ . يواجه أداء عرض (بيكيت) “ تمثيل بدون كلمات” الممثل بسؤال أو مشكلة الجسم . يجب أن يتضح من السرد السابق بضمير المتكلم أن الجسم، أو جسمي ليس سوى جسم واضح . فالجسم الذي تدحرج علي خشبة المسرح هو بالطبع جسمي، ولكنه أصبح في نفس الوقت جسم آخر – جسم تتم مشاهدته، معاش،ومقروء، موجود في موقف، مستجيب . وكما هو الحال مع أي سجل لعرض، فان بنية السجل والسجل الفرعي، الذي وصفته آنفا تم التدريب عليهما جيدا بحيث يتوفر كل منها علي هامش شعوري ووعيي . في التدريبات تعلمت تدريجيا أن أفتح انتباهي ووعيي الحسي باعتباره ملائما لكل لحظة في الدراماتورجيا . لم أتوقع أبدا ما سيحدث فيما بعد أو ما كان ينبغي أن يحدث، ولكني بالأحرى في حالة استعداد للاستجابة أو التفاعل مع الصفارة من خارج يمين خشبة المسرح، أو استجيب لباعث ينشأ من داخلي مثل النهوض من علي الأرض .
 في الأداء الحي، إما أن يكون جسمي هو جسمي اليومي المعتاد الذي أسكن فيه أو لا يكون كذلك . أنه جسدي اليومي لأن إدراكي وحواسي وعاطفتي، وانتباهي، ووعيي خبرتي  يشاركون في هذه المواجهة ويتشكلون من خلالها .  علي قدم المساواة، هذا هو عقل جسمي الذي يجب أن يراه المشاهد لأنه في إطار ذلك باعتباره أداء .
 من منظور كممثل داخل الأداء، فان جسمي مدرب ومستعد لعقل جسمي الحي/المعاش الذي تعلم أن يتأثر ويتحرك . وهذا ببساطة ليس جسمي المادي باعتباره بدن، ولكن عقل جسمي الحي/المعاش المتناغم باهتمام ووعي حسي مفتوح خلال سنوات طويلة من التدريب النفسي وتدريبات التمثيل . ويؤسس سجل الأداء والسجل الفرعي اللذان تطورا في التدريبات عالمي الحي لأن مدة كل أداء لعرض “ تمثيل بدون كلمات” هي أحد نقاط انطلاق (هوسرل) في التطور الأدائي للفينومينولوجيا باعتبارها عملية استفسار . وعندما نتحدث بشكل فينومينولوجي، يتم تفسير العالم الحي بأنه العالم كما نعايشه، أو هو الأشياء نفسها . ولكن العالم الحي ليس ساكنا، انه دينامي بدلا من ذلك ومتغير باستمرار وفقا لك بيئة نسكنها ونشارك فيها ونستجيب لها .
 وعالم الممثل الحي هو علي حد سواء مزدوج وجدلي . فهناك عالمي الحي الدينامي، وهذا العالم الحي الدينامي يتشكل ويتحدد بدراماتورجيا معينة، وأداء جمالي وأسلوب ينشأ ويتم بناءه خلال التدريبات/ العملية الإبداعية لعرض “ تمثيل بدون كلمات “ . فعند الأداء،  تحدث معايشة عالم الممثل الحي باعتباره “كليهما/بمصاحبة Both/And”، بمعنى أن انتباهي وحواسي ووعيي وتجربتي هم علي حد سواء ملكي، وملك الآخر الذي أقيم بداخله . وهذا يمكن وصفه بأنه امتلاك ظل ذات حيث يوجد معنى مستمر للصدى بين الذات والآخر خلال مدة الأداء .
 كما يجب أن يكون واضحا من هذا السرد بضمير المتكلم أن عالم الممثل الحي كمؤدي يتم بناءه وتحديده وتشكيله بواسطة سجل الأداء والسجل الفرعي، بمعنى أنه يتحدد بواسطة البنيات والحدود والانتماءات دراماتورجية محددة والجماليات التي تشكل أداء بعينه . ويتشكل عالم الممثل الحي أيضا بالتدريب الذي حصل عليه المؤدي، وبخبرات العروض السابقة وخبرة الأداء . بساعد كل تدريب محدد يمارسه الممثل في صياغة مفهومه لعمله كممثل / مؤدي بالإضافة إلي تجربته فيما يتعلق بالأداء .
 ففي العرض، أكون فعالا/خاملا علي نحو مثالي تجاه هذا العالم الحي المزدوج/الجدلي في لحظة الأداء . فمثلا، عندما أستجيب للصفارة، أكون سلبيا بمعنى أنني أسمع الصفارة ولكني أكون فعالا في استيعاب الصفارة حركيا . وبالاستجابة، أكون فعالا/خاملا عندما التفت جانبا لأول مرة، وعندئذ أتأمل بشكل فعال . خلال أداء للسجل والسجل الفرعي أكون خاملا حركيا لأنني أستوعب كل شيء يقدم نفسه لي علي حدة في البيئة وعندئذ أكون فعالا – وأصغ الي داخلي بينما ينشأ كل دافع، مثل الباعث للتأمل . أمارس الترابط الدينامي الذي يربط كل فعل في السجل والسجل الفرعي . فهناك شكل وإحساس بهذا السجل لأنني تعلمت التأثر به، مع أنه يٌؤدى في كل مرة بحركة دينامية في هذا الأداء .
• التأمل (2) : التمثيل في حاضر قبل تعبيري قبل الكلمات، وبدون معنى أو دافع  .
مثلما يؤدي الممثل “ بدون كلمات” في مسرحية (بيكيت )، أود أن أصف مهمتي الأساسية ظاهراتيا بأنها تقيم دائما في لحظة ما قبل التعبير الحالية “قبل الكلمات”، بمعنى، نمط الوعي المتجسد الذي يصفه ( تايلور كارمان Taylor Carman) نوع من التواصل مع اللاواعي مع العالم الذي هو بالضرورة عالم الإحساس والعاطفة . ويمكن أن أجادل بأن العمل في الحاضر قبل التعبيري بدون كلمات، أعني، بدون فكر مسبق أو دافع، وبدون بحث عن معنى أو تعريف يسمح للممثل لأن يسكن أو يقيم في اللحظة الحاضرة المعاشة / الحية في المواجهة مع البيئة الفورية . فمن خلال عدم الحاجة الي الفهم الكامل، أو المعرفة، أو الوصول إلي استنتاجات للعالم الذي أعايشه وأقيم فيه، فان غرابة مواجهتي مع هذا العالم التي لا أستطيع أن أفهمها في النهاية تتأكد في المواجهة لحظة بلحظة مع غرابتها . ومن خلال عدم العمل مع النوايا أو الدوافع المعدة مسبقا، فأنا أكون حرا في أن أعيش تصوري الحسي المجسد في لحظة المواجهة ذاتها .
 ويصف مفهوم “ الحالة المزاجية Befundlickeit” عند ( هيدجر ) المنظور المقدم عندما نعيش في عالم ما قبل التعبير عن الإحساس والعاطفة قبل ظهور الكلمات في في الحياة اليومية وعلي خشبة المسرح . فالحالة المزاجية هي أحد المفاهيم الأساسية التي تطورت في بحث (هيدجر) للشرط الوجودي للانسان ( أو ذلك الموجود هناك) – الموجود في العالم (مجبرا) . وجذر كلمة Befundlickeit هو الفعل Funden – بمعنى “ يجد أو يكتشف “ . وقد لاحظ (ماكواري) و (روبنسون) – وهما اللذان ترجما كتاب (هيدجر ) “ الوجود والزمان  Being and time” الي اللغة الانجليزية – أن كلمة Befundlickeit تعني صراحة “ الحالة التي يمكن أن نوجد عليها “ . ولاحظا أيضا كيف أنها كلمة شائعة الاستخدام في التعبير الألماني . فمثلا “ wie befunden sie sich?” تعني “ كيف حالك ؟ أو “ ما هو شعورك ؟ “ . ولكن (هيدجر) لا يستخدمها بهذه الطريقة المبتذلة / الشائعة لسؤال شخص “ كيف حالك “. ف (هيدجر) بالأحرى يبحث عن طريقة للتعبير عن العملية التي نصل فيها وضع أو إيجاد أنفسنا في أكثر الحالات أساسية، وهي الحالة التي نجد أنفسنا فيها .
 تلتقط اللغة الألمانية العملية الأساسية المتمثلة في في المحاولة المستمرة لتحديد الموقع أو الموضع أو توجيه أنفسنا إلي حيث نكون فيما يتعلق ببيئتنا، ووضعنا داخل بلك البيئة ومع ما نوشك أن نقوله ولكنه لم يوضع في كلمات بعد . فنحن في نفس الوقت في حالة استجابة لبيئتنا ومعرفة أو اكتشاف أين نحن وكيف نحن علي حد سواء. فاكتشاف أين نحن وكيف نحن في اللحظة هو عملية ضبط للنفس مثل، الآلة الموسيقية die Stimmung، أو التناغم das Gestimmsein مع أين / كيف .
 ويعبر (اي تي جيندين E.T. Gendin)  عن خاصية ما قبل التعبير المحسوسة لمشاركتنا أو مواجهتنا للعالم كالتالي : “ نحن لا نصل إلي المواقف كما لو كانت مجرد حقائق، فإننا في الحاضر قبل التعبيري :
 لا نمر خلال الأشياء غير الواضحة بل المعقدة . والكلام بالتأكيد يتعلق بفهم معنى موقفنا، ولكن المعنى، ببساطة، هو محصلـة الكلمات. فالمعنى موجود بالأحرى في شكل خام ولكنه يحتــاج التنقية والعمل .
ويمكن أن توصف الحالة المزاجية بأنها نوع من “الإصغاء الذاتي “ أو “ الإصغاء اليقظ “ – ضبط الذات باتجاه أين / كيف نكون في اللحظة . واذا أخذنا الحالة المزاجية كعملية للاستفسار الذاتي المجسد الذي يحدث في لحظة الإصغاء التأملي للداخل، فلن نعرف كيف أو أين نحن حتى نستغرق الوقت في اكتشاف أين /كيف نحن في اللحظة .
 وضعت عملية التدريب علي “ تمثيل بدون كلمات” وعرضه مواجهتي الفورية الحسية/ المجسدة مع كل لحظة حالية في المقدمة . وكما ظهر سجل الأداء والسجل الفرعي خلال عملية التدريب، كان لدي الوقت الكافي لتكرار السجل عدة مرات أكدت ما يمكن وصفه بأنه شكل للإصغاء العميق – حالة الوجود في إصغاء عميق التي وصفتها الفيلسوف ( جان-لوك نانسي Jean –luk Nancy) باستخدام الكلمة الايطالية “ الاستماع العميق ascoltando” . وفي حالة الاستماع العميق هذه، أكون منتبها للشيء نفسه الذي يتردد صداه داخلي، وألمس مخزون ما قبل وما لم يأت بعد . فكل فعل أو استجابة في سجلي تنشأ علي نحو أفضل من الجسم، وتخرج في نفس الوقت من الجسم وتوضح عقل الجسم بطريقة تجعل الجسم يخرج من نفسه . ففي الإصغاء اليقظ، أفتح وعيي السمعي علي صوت البيئة الفورية . وفي مقاله “إصغاء Listening” يسأل ( جان لوك نانسي) سؤال : “ ما معنى أن ينغمس كائن تماما في الإصغاء، أو يتشكل في الإصغاء، أو يتشكل من خلال الإصغاء، أو الإصغاء بكل كيانه ؟ . ومهمة الممثل هي أن يترك ذاته ويتخلى عنها تماما إلي حالة الإصغاء العميق حيث كل ما يوجد هو سؤال . ويسأل ( نانسي) ما هو السر في أن نصغي، وبالتالي نواجه الصوت بدلا من الرسالة ؟ . فنحن نصغ، ولكن ما الذي هناك ليبقى سرا – غير معروف لكل منا . فلا توجد رسالة . ولا يوجد شيء، ولا يظهر شيء كإجابة علي السؤال السيكولوجي المطروح . وعي / شعور الممثل المجسد يكون دائما علي حافة المعنى، ومع ذلك فان المعنى والفهم لا يظهران أبدا. وتوضح نانسي :
     الاستماع دائما علي حافة المعني، معنى متوتر، وكأن
     الصوت ليس سوى هذه الحافة .
هذا النوع من الإصغاء الذي أصفه هنا ليس فعلا معزولا أو خاملا للأذن التي تسمع، فهو بالأحرى فعل استيعاب كامل وتام لدرجة أن وعينا المجسد متداخل في لحظة المواجهة / التجسيد . وبشكل أمثل، فان عملية الضبط المجسد للأذن هذه تستوعب طاقتنا ثم تعيد توجيه طاقتنا ووعينا في عملية الاستيعاب والبحث والاستفسار . أن خصوصية وشده انخراطنا في هذه المهام النفسية داخل سجل الأداء والسجل الفرعي تعني أنني كمؤدي أشعر بالحيوية والتفاعل من الداخل – وهذا ليس بالمعنى النفسي أو التحفيزي – حيث أنني أضبط وعلي المجسد وفقا لما يمكن أن يكون موجودا في البيئة . ونتيجة هذا الانخراط النفسي الداخلي المكثف تعديلات دقيقة وطفيفة في مجال الاحتمالات .
     والمفهوم الآخر الذي يمكن أن يساعدنا في فهم حالة اتصال الوعي المجسد في الحاضر قبل التعبيري هو مفهوم “ ذاكرة ريلكه “  عند ( مارك رولاندز Mark Rowlands) . اذ يبدأ (رولاند) بالإجابة علي سؤال يبدو بسيطا طرحه ابنه “ أين تذهب ذكرياتنا عندما نفقدها ؟ . ويهتم ( رولاندز) بحدود وفشل وفقدان الذاكرة . وجادل بأن فقدان الذاكرة ليس سلبيا دائما علي الرغم من أن هذا الافتراض نحمله عادة . ويؤكد رولاندز) أن :
 يمكن أن بتقي أفعال التذكر بعد فقد المحتوى، حيث يمكنها أن
 تعيش بشكل متحور ومتحول ومتغير المظهر . وهذه الأفعــال
 المتحــولة تلعــب دورا مهـما مثل أي شــيء آخــر في بناءنــا
 كأشخاص ... وحتى عندما يتم فقد محتوى الذاكرة – نسيانه-
 يمكن أن يشكنا فعل التذكر وفقا لهذا المحتوى .
وبدلا من تفضيل المحتوى علي الأفعال، يجادل ( رولاندز) أن الأهم هو :
  فعل التذكر . بمعنى أنه برغم أن محتوى الذاكرة قد اختفى،
  يعيش فعل التذكر في شكل متحول جديد .
وبمتابعة قراءته لتأملات الشاعر الألماني ( ريلكه) حول الذاكرة، يقترح ( رولاند) مصطلح “ ذاكرة ريلكه” لتمييز حدود ذاكرة لا حصر لها .
   تحدث ذاكرة ريلكه عندما تضمحل ذاكرة من نــوع معياري .
   بمعنى أنه علي الرغم من أن محتوى الذاكرة قد اختفى، فان
   فعل التذكر يعيش في شكل متحول جديد .
وفي عرض “ تمثيل بدون كلمات “ أعمل باستمرار بشكل ذاكرة ريلكه لأن هناك تكثيف وتراكم للتجربة المحسوسة/المعاشة التي ليس لها محتوى . وأحاول أن ألمس الذاكرة، ولكن لا يوجد فيه شيء، مثلما لا يوجد شيء مرئي ( بالنسبة لي ) في البيئة المسرحية التي أدت الي تدحرجي وسقوطي .. الخ .
     ما الذي يحدث للأفكار والذكريات والتجارب عندما ننساهم، أو عندما نكون في وضع أو حالة أننا لا نستطيع، أو لا يكون لدينا، أو لا نحتاج أن نكون قادرين علي فهم وتشكيل التجربة في كلمات ؟ . كل أبعاد هذا المنسي، وغير المعروف، أو ليس من الضروري أن يكون معلوما، في تجربتنا يصبح جزءا من مخزون الاتصال اللاواعي في الحاضر قبل التعبيري ويكون متاحا للممثل باعتباره مصدرا قويا للمسكوت عنه .
     علي الرغم من أنه يمكن وصف “ تمثيل بدون كلمات” بأنه متطرف لأنه أذاء لسجل غير شفهي حيث لا يقوم الممثل بعمل تنقية ما يمكن أن يأخذ شكله ككلمات، فيمكنني أن أجادل بأن الحالة المثالية للممثل/ المؤدي حتي في حالة التمثيل المبني علي الشخصية هي دائما حالة الإقامة في حاضر قبل تعبيري حتى تأتي الكلمات، أن كانت هناك، فانها تأخذ شكلها في الفم في لحظة قولها . ولكنها دائما حالة أننا فقدان للكلمات .
........................................................................................
• فيليب زاريللي يعمل استاذا للتمثيل في جامعة اكستر بالمملكة المتحدة
• نشرت هذه المقالة في الفصل الرابع عشر من كتاب “ Performance Phenomenology  الصادر عن دار Palgrave Macmilan  عام 2019


ترجمة أحمد عبد الفتاح