المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (4) نجيب الريحاني.. كشكش بك في فلسطين

المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (4) نجيب الريحاني.. كشكش بك في فلسطين

العدد 682 صدر بتاريخ 21سبتمبر2020

في المقالة الثانية من هذه السلسلة، تحدثنا عن عروض أمين عطا الله في فلسطين، التي عرضها تحت اسم «كشكش بك»، لذلك أطلقنا عليه اسم كشكش بك البديل! وفي هذه المقالة، سنتحدث عن نجيب الريحاني وعروضه المسرحية، التي عرضها في فلسطين؛ بوصفه «كشكش بك الحقيقي»! وربما كانت مفاجأة لأهالي فلسطين أن يعرفوا أن هناك شخصين يحملان اسم «كشكش بك»، لذلك تولت هذه المهمة جريدة «مرآة الشرق» الفلسطينية – التي تصدر في القدس – فنشرت إعلانا كبيرا في أوائل سبتمبر 1921، كتبت بالخط الكبير في بدايته: “لأول مرة في مدينة القدس الشريف .. بناء على طلب أهالي فلسطين الكرام .. نجيب الريحاني كش كش بك الحقيقي”!
أما تفاصيل الإعلان فهذا نصه: “في منتصف شهر سبتمبر، يحضر إلى القدس نجيب أفندي الريحاني «كش كش بك الحقيقي» مع جوقه المشهور، المؤلف من 50 ممثلا وممثلة، فيقدم ثلاث حفلات، يمثل فيها روايات «أنت وبختك، حَمَار وحلاوة، أفوتك ليه، ريا وسكينة، هزّ يا وزّ» وذلك في «سينما القدس الكبير». والجوقة مؤلفة من رقصات شرقية وأوروبية ومطربين ومطربات ومغنية وأركستر. ولا شك أن هذه بشرى عظيمة نزفها لأهالي مدينة القدس، وهي ولا شك ستقضي على الأجواق الصغيرة التي تجول في البلاد باسم كش كش بك للاحتيال على أهالي تلك البلاد. والتذاكر تطلب يوميا من الآن من سينما القدس الكبير بباب العامود. فاحجزوا محلاتكم قبل نفاذ التذاكر”. والملاحظ أن الغمز واللمز واضحان في الإعلان؛ حيث إن عبارة: “الأجواق الصغيرة التي تجول في البلاد باسم كش كش بك للاحتيال على أهالي تلك البلاد”، المقصود بها أمين عطا الله وفرقته!
وفي اليوم التالي من نشر هذا الإعلان، كتبت جريدة «فلسطين» كلمة تحت عنوان «نجيب أفندي الريحاني كشكش بك الحقيقي لأول مرة في يافا» - مع ملاحظة أنها الجريدة الفلسطينية الثانية التي تؤكد على عبارة «كشكش بك الحقيقي» - أما تفاصيل الكلمة المنشورة، فهذا نصها: “ يوم الأربعاء في 7 أيلول يحضر نجيب أفندي الريحاني إلى مدينة يافا لأول مرة، وهي بشرى عظيمة نزفها لأهالي فلسطين. فيقدم في «قهوة البلور» مع جوقه المشهور برواياته الجميلة، التي أدهشت الجمهور المصري خمس سنوات متوالية في التمثيل: في الليلة الأولى رواية «أنت وبختك»، ويقدم في الحفلة الثانية رواية «حَمَار وحلاوة»، ويقدم في الحفلة الثالثة ثلاث روايات: «أفوتك ليه، وريا وسكينة، وهزّ يا وزّ». وسيقوم بالدور المهم في تلك الروايات نجيب أفندي الريحاني شخصيا، وهي مفاجأة غريبة نقابلها بالابتهاج والسرور؛ لأن حضور نجيب أفندي الريحاني لهذه الأقطار يقضي على الأجواق الصغيرة التي استعملت اسمه مدة طويلة. والجوق مؤلف من خمسين ممثلا وممثلة، ومن مشاهير مطربي مصر. ومعه موسيقى لتوقيع ألحان رواياته، التي لم يشاهدها للآن أحد من أهالي هذه البلاد. التذاكر تُطلب يوميا من «قهوة البلور».
ومن الواضح أن كلمة جريدة «فلسطين» تتفق في معناها ومضمونها وغمزها ولمزها مع ما جاء في إعلان جريدة «مرآة الشرق»، والاختلاف الوحيد كان في مكان العرض، حيث إن الإعلان قال إنه سينما القدس الكبير، بينما جاء في الكلمة إنه قهوة البلور! والجدير بالذكر إن الإعلان والكلمة تم تكرار نشرهما في الجريدتين في عددين متتاليين، ولم نقرأ خبرا فيهما عن وصول فرقة الريحاني! وبعد يومين من الموعد المحدد للتمثيل، نشرت جريدة «فلسطين» خبرا قالت فيه: “تأخر وصول جوق كشكش بك للثغر اليوم، وقد جاءت منه برقية تنبئ بقرب وصوله وابتداء التمثيل في 10 الجاري”. وفي اليوم الموعود نشرت الجريدة أيضا خبرا، تحت عنوان «كشكش بك الحقيقي نجيب الريحاني»، قالت فيه: “يمثل الليلة جوق كشكش بك الحقيقي رواية «أنت وبختك». فعلى محبي التمثيل اغتنام فرصة وجود هذا الجوق الشهير وحضور جميع رواياته”.
وبدأت اتصفح باهتمام وشعف صفحات جريدة «فلسطين» - التي اختصت بأخبار الريحاني في هذه الفترة - لأقرأ في أعدادها - بعد يوم العاشر من سبتمبر 1921 - أثر مسرحيات الريحاني في أهالي فلسطين، وما هي ردة فعلهم عندما اكتشفوا الفرق بين كشكش بك الحقيقي وبين بديله أمين عطا الله! فكانت الصدمة!! لم أجد خبرا واحدا في أعداد الجريدة طوال عدة أشهر – بعد يوم العاشر من سبتمبر - به اسم «الريحاني أو كشكش بك»، يفيد إنه جاء إلى فلسطين أو مثّل بها، مما يعني أن الريحاني لم يأتِ إلى فلسطين ولم يُمثل فيها، بالرغم من الدعاية التي سبقته، وإعلانات الصحف التي مهدت لقدومه!
وعندما عدت إلى مذكرات نجيب الريحاني المنشورة في مجلة «الاثنين والدنيا» - على حلقات – عام 1937، وجدت قصة غريبة، تثبت أن الريحاني جاء فعلا إلى فلسطين عام 1921، ومثّل مسرحية «ريا وسكينة»! فقد قال الريحاني في مذكراته: في سنة 1921 رُوعت مصر من أقصاها إلى أقصاها، حوادث استدراج بعض النسوة إلى مكان معين، وسلب حليهن ثم قتلهن أشنع قتلة، وكان أبطال هذه العصابة امرأتين «ريا وسكينة». وقد عولت على اقتباس موضوع من هذه الحوادث الدامية وإخراجه على المسرح .. فأعددت رواية «ريا وسكينة» وأخرجتها في مسرح برنتانيا، ففاق نجاحها كل حد. “حدث عندما كنا نمثل هذه الرواية في يافا، أن كان أحد المَشاهد حاميا بيني وبين بديعة، وكان الحوار بالغا أشده، حين تقدمت من الفريسة وأطبقت أصابع اليدين حول عنقها وهي تتلوى .... وأنا أقوم بمهمة الخنق خير قيام، إذ بي أسمع صوتا يدوي من أقصى الصالة صائحا: «دشرها ولاك... العمى بعينتينك». وأتبع حضرته هذا القول بطلقة من غدَّارته، كادت ترديني على خشبة المسرح، لولا أنني أخدتها من قصيره، وبرطعت إلى الخارج تاركا الفريسة تعرف شغلها مع صاحب هذا الاحتجاج العملي الغريب في نوعه!”.
هذا الكلام يثبت وجود الريحاني في فلسطين عام 1921، وأنه مثّل مسرحية واحدة من خمس مسرحيات تم الإعلان عنها! مما يعني أن الريحاني فشل فشلا ذريعا في أول ظهور له في فلسطين في هذه المسرحية، ولم يكمل مسرحياته المتفق عليها!! كما أنني أشك في حقيقة ما كتبه الريحاني حول قصة إطلاق النار هذه! وأشعر بأنها قصة وهمية اختلقها الريحاني في مذكراته ليبرر فشل زيارته الأولى إلى فلسطين! لأنني، إن لم أجد خبرا واحدا عن تمثيله في الصحف الفلسطينية، فعلى الأقل سأجد الصحافة كلها تتحدث عن حادثة إطلاق النار في المسرح، حيث إنها مادة إعلامية غنية ومشوقة، ويجب تغطيتها صحافيا! ولكن للأسف لم أجد شيئا من هذا!
وتفسيري لهذا الأمر، أن الريحاني جاء إلى فلسطين وهو يعلم أن أمين عطا الله هو كشكش بك المعتمد والمعروف في فلسطين، وإنه – أي الريحاني - سيكون بديلا عنه، ومقلدا له أمام الجمهور الفلسطيني، مما يعني الفشل المؤكد لعروضه! وهذا الفشل لاحظه الريحاني وتأكد منه منذ قدومه إلى فلسطين، فاختلق قصة إطلاق النار وكتبها في مذكراته، كما اختلق أي عذر آخر حينها ليخرج من فلسطين سريعا، ولا يعترف بفشله وانتصار كشكش بك البديل عليه!
الريحاني عدوا للصحافيين
من المؤكد أن زيارة الريحاني الأولى إلى فلسطين، ستظل لغزا كبيرا إلى أن تكشفه بعض الوثائق أو الصحف الفلسطينية المفقودة في هذه الفترة!! وهذا الاعتقاد ينطبق أيضا على زيارة الريحاني الثانية إلى فلسطين في العام التالي 1922! فهذه الزيارة أيضا غامضة جدا، فلم تسبقها أية إعلانات أو أخبار! بل ولم يذكرها الريحاني في مذكراته، ولم أجد عنها سوى كلمة واحدة نشرها أحد المشاهدين في جريدة «فلسطين» في ديسمبر 1922، تحت عنوان «دروس الريحاني». وأرجو منك عزيزي القارئ أن تُدقق في كل كلمة، وفي كل جملة، وفي كل عبارة؛ لأن ما كتبه هذا «المشاهد» يحمل في باطنه الكثير مما أباح في ظاهره .. حيث قال:
“ زار يافا منذ أسبوع حضرة نجيب أفندي الريحاني مع جوقته المعروفة، وأخذ يلقي دروسه الاجتماعية التي يشكرها البعض، ويصفها البعض الآخر بالغلو، وينظر البعض إلى فصول رواياته نظرة الاستهجان. ولقد قادني سوء الحظ ليلة الثلاثاء الماضية لحضور إحدى رواياته، فرأيت حضرته وقد أنزل الصحافيين في حفلاته، وأخذ يقلب جنوبهم بزيت الانتقاد المُرّ، حتى أحرق أطرافهم دون شفقة أو مرحمة!! لم أدرك الدافع الذي دفع حضرته إلى ذلك في بلدة كيافا، لا عهد لها، ولا لكل فلسطين بأمثال أولئك الصحافيين الذين مَثّلهم! هذا إذا ضربنا صفحا عن كونه جعل بينه وبينهم سدا منيعا في قدومه للبلاد وخروجه منها مرارا! فلم يعرفهم ولم يتشرف بمعرفته أحد منهم. ولا أستطيع أن أعذر الأستاذ بما انتحله له البعض من أنه يُمثل بعض طبقات الصحافة المصرية، لأن فلسطين غير مصر. ولو عرف حضرته موقف صحافة فلسطين الحرج، ومقدار مفاداتها في سبيل المصلحة العامة، لأنصفها ولرفع لها راية بيضاء، وحبب بها الشعب، بدل أن يجعلها في نظره آفة شريرة، ولا يضيرها أو يحط من قدرها حشرة نزلت القدس، وليست من فلسطين، فكانت نقطة سوداء في جسمها الناصع. هذه كلمة عتاب بسيطة أرفعها للأستاذ الريحاني على صفحات هذه الجريدة الغراء، راجيا أن تحل من نفسه محل القبول فيصلح في الغد ما أفسده اليوم والسلام. [توقيع] «مشاهد»”.
بعد غياب ثماني سنوات
في عام 1930، ظهر نجيب الريحاني بصورته الفنية المصرية المعروفة في فلسطين، وذلك بفضل متعهد حفلاته «الفريد خوري» صاحب مكتب خوري التجاري بالقدس! فهذا المتعهد كان وراء الدعاية لقدومه الناجح، ووراء حفلاته الناجحة لأول مرة في فلسطين بعد غياب ثماني سنوات! ففي يونية 1930، نشرت جريدة «النفير» - التي تصدر في يافا – كلمة مطولة، مهّدَت بها قدوم الريحاني، فكانت خير دعاية له، جاء فيها: “ فرقة الأستاذ الريحاني وعلى رأسها الأستاذ النابغة نجيب الريحاني كش كش بك الحقيقي، مبدع تمثيل الأوبريت كوميك والفرانكو أراب والفودفيل والريفو في الشرق بعد أيام قليلة. فانتظروا البروجرام!”.
ثم استشهدت الجريدة – في كلمتها - بما قاله «ديني دينيس» رئيس فرقة الكوميدي فرانسيز، عن الريحاني، عندما زار دينيس مصر، قائلا: “ لقد شاهدت التمثيل بأنواعه وزرت عموم الفرق المصرية أثناء تمثيلها، فلم يلفت نظري، ويوجب اهتمامي إلا الأستاذ نجيب الريحاني بصورة خاصة، وأفراد فرقته بصورة عامة. ذلك البطل الفذ الذي أشهد له بحق بأن مسرحه هو المسرح الوحيد الذي يتخرج منه المسرح المصري؛ لأنه لا يعتمد على تأليف الغربيين، ولا يعتمد التقليد شأن الكثيرين من بقية الفرق، التي شاهدت تمثيلها! بل على العكس فإنه يعتمد على تأليفه، ويخرج الروايات المحلية الشعبية، التي يمثل بها أخلاق قومه وعوائدها، لدرجة أنني مكثت بمصر مدة أسبوعين، وتجولت بشوارعها وأزقتها وكل ما شاهدته أثناء تجولي، شاهدته عيانا على مسرح الأستاذ الريحاني! وأنني إذا جاهرت فإنما أقول الحقيقة إن مسرح الريحاني هو المدرسة التي يتخرج منها الممثل، وإلا فكل من يعتمد ويتعمد التقليد فهو بنظري باطل”.
واختتمت جريدة «النفير» كلمتها، قائلة: “ هذا هو الأستاذ الريحاني الذي سيمكث بين ظهرانيكم أياما قليلة، يعرض خلالها ثلاثة أنواع من أنواع التمثيل الفكاهي. علاوة على ما يشاهده المتفرج من مناظر تأخذ بمجامع القلوب، ويشنف أسماعه بأنغام شجية، وآلات وترية، ويمتع ناظريه بأنواع الرقص القديم والحديث، إذن فالفرقة تجمع بين الطرب والفكاهة والرقص والمجون والنقد والضحك .. الموعد قريب وإلى اللقاء”.
وفي منتصف يوليو نشرت جريدة «الحياة» - التي تصدر في القدس - خبرا، قالت فيه: “ستحيي قريبا فرقة الأستاذ نجيب الريحاني ثلاث ليال في «مرسح حديقة بريستول»، وهذه الفرقة غنية عن التعريف، ورواياتها لا تحتاج إلى وصف. فمن شاء أن يُروّح عن نفسه عناءها اليومي فليبادر إلى اغتنام هذه الفرصة النادرة”. وبعد أسبوع نشرت الجريدة نفسها إعلانا به بعض المعلومات، جاء فيه: “حفلات الأستاذ نجيب الريحاني «كشكش بك الحقيقي» لثلاث ليال فقط على مسرح حديقة بريستول بالقدس، ابتداء من يوم الثلاثاء 22 تموز سنة 1930 لغاية يوم الخميس الموافق 24 منه الساعة التاسعة مساء. دائما اطلبوا التذاكر من مكتب خوري التجاري بشارع مأمن الله فوق محل سبينز تليفون 818، المقاعد منمرة فاحجزوها من الآن”.
وجاء الريحاني، وبدأ في عرض مسرحياته، فلاقت نجاحا كبيرا، حيث نقلت لنا جريدة «الحياة» رأيها في مسرحية «ليلة في بغداد»؛ بوصفها العرض الأول، قائلة: “ كانت ليلة أمس حافلة في مسرح حديقة بريستول، حيث مثلت فرقة الريحاني الشهيرة أولى رواياتها المضحكة المسلية «ليلة في بغداد»، فجلت عن القلوب بعض ما بها من كآبة، ومسحت ما بالنفوس من عناء. ولقد أجاد الممثلون والممثلات كل الإجادة، وكانت موسيقى الفرقة تطرب الجمهور بألذ الأنغام. وستقوم الفرقة بإحياء ليلتين قادمتين يتجلى فيهما السرور والطرب، تمثل الفرقة في إحداهما رواية «ياسمينة» ولا شك أن الإقبال عليهما سيكون عظيما”.
أما جريدة «الجامعة العربية» - التي تصدر في القدس – فقد أشادت بعرض مسرحيتي «ياسمينة» و«ليلة الحظ»، وكتبت خبرا - له دلالته في إقبال الجمهور على عروض الريحاني - تحت عنوان «الأستاذ نجيب الريحاني في بيت لحم»، قالت فيه: “يمثل الممثل المعروف نجيب أفندي الريحاني بعد ظهر يوم الجمعة (ماتنيه) رواية «ياسمينة» المشهورة في نادي الشبيبة البيتلحمية في بيت لحم. وهي أوبرا كوميك ذات ثلاثة فصول فنحث الجمهور على مشاهدة هذه الرواية البديعة”. وهذه الحفلة لم تكن مدرجة في برنامج الريحاني، مما يدل على إقبال الناس عليه! كما أن تمثيل الريحاني في «نادي الشبيبة البيتلحمية»، يُعد شكلا من أشكال تأثر المسرح الفلسطيني بعروض الفرق المصرية، لا سيما هذا النادي الذي له أنشطة مسرحية متنوعة، سنتحدث عنها في المقالات الخاصة بالمسرح الفلسطيني.
أوتيل حرب بالاس
كما قلت من قبل إن «الفريد خوري» متعهد عروض الريحاني في فلسطين، كان السبب وراء نجاح الريحاني في هذه الزيارة تحديدا!! فهذا المتعهد استطاع أن يتفق مع أحدث مكان عرض مسرحي تم افتتاحه في فلسطين قبل عام من قدوم الريحاني، وهو «أوتيل حرب بالاس» في رام الله؛ بوصفه باكورة «شركة مصايف فلسطين». وهذا الأوتيل به كازينو اسمه «كيت كات»، ومسرح كبير، ومرقص فسيح. وفي أواخر يوليو 1930، قالت جريدة «الجامعة العربية»، تحت عنوان «نجيب الريحاني في رام الله»: “ تقوم فرقة الممثل المعروف الأستاذ نجيب الريحاني بتمثيل إحدى رواياتها المشهورة في حرب بلاس أوتيل برام الله مساء الجمعة. وتسهيلا لراحة عشاق التمثيل، اتفق متعهد الفرقة السيد الفرد خوري مدير مكتب خوري التجاري على أن تنقل بسيارات النقل الكبرى المتفرجين مقابل خمسين ملا [عملة نقدية]. وتباع التذاكر في مكتب خوري التجاري بالقدس، وفي حرب بلاس أوتيل برام الله فاغتنموا الفرصة”.
وبالفعل نجح أول عرض للريحاني في مسرح هذا الأوتيل، وكانت المسرحية المعروضة، هي «اتبحبح»، كما أخبرتنا بذلك جريدة «الحياة»! وكان من المفترض أن يعرض الريحاني مسرحية أخرى، لولا جبروت الاحتلال الإنجليزي! وهذا الموقف تحدث عنه بالتفصيل المتعهد «الفريد خوري» في جريدة «الجامعة العربية» في آخر يوم من أيام شهر يوليو، وهو آخر ما كُتب عن الريحاني في هذه الزيارة!! قالت الجريدة تحت عنوان «بين نجيب الريحاني وحرب بلاس أوتيل»:
“جاءنا ما يلي ننشره عملا بحرية النشر: “... صاحب جريدة الجامعة العربية، مما يُذكر مع الأسف الشديد، تلك المُعاملة المُستهجنة التي عامل بها السيد محارب حرب صاحب مسرح حرب بالاس أوتيل فرقة الأستاذ نجيب الريحاني. فإنه بعد أن طلب من الفرقة إحياء ليلة أخرى، أعلن عنها بتاريخ 26 تموز الجاري على مسرحه برام الله، شاء أن تُلغى تلك الحفلة إكراما لخاطر بعض الضباط الإنكليز ذوي النفوذ، لإحياء حفلة راقصة في المحل المذكور. والأنكى من ذلك أن السيد محارب لم يقرر هذا الأمر إلا في آخر لحظة، حيث لا يمكن تلافي الأمر وإعلان الجمهور الكريم بالواقع. وعليه فالأستاذ الريحاني يقدم اعتذاره مع أسفه الشديد للجمهور، ويحتج بكل قواه على هذه المعاملة الغاشمة، التي تضر بالفرقة أدبيا وماديا. وسنرى ما يقرره القضاء في هذا الأمر.. [توقيع] الفريد خوري”.


سيد علي إسماعيل