بعد أن وضعته اليونيسكو على قائمة صون التراث غير المادي الأراجوز ...سينما الفقراء

بعد أن وضعته اليونيسكو على قائمة صون التراث غير المادي الأراجوز ...سينما الفقراء

العدد 590 صدر بتاريخ 17ديسمبر2018

يعد الأراجوز من أهم الموروثات الشعبية المصرية التي تسكن وجدان الشعب أطفالا وكبارا، حيث ارتبط بقلوب الجميع منذ نعومة أظافرهم، كما يمثل عنصر جذب لكل من يستمع إلى صوته الرنان المميز، كما أنه شريك أصيل في الدراما المصرية، لا سيما الدراما المسرحية سواء أكانت موجهة للطفل أو للكبار. يطلق عليه منذ القدم أنه لسان حال الشعب لأنه ينطق بما يخشى الناس ذكره أمام الساسة والحكام، وهو المعارض اللاذع السليط اللسان أو كما يقولون عنه سينما الفقير لأنه المتنفس الترفيهي المجاني للفئات البسيطة والمهشمة.
في اجتماعها السنوي الذي عقد في موريشيوس الأسبوع الماضي، أدرجت اللجنة الدولية الحكومية المشتركة لصون التراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونيسكو، الدمى اليدوية التقليدية (الأراجوز) المصري، وذلك ضمن سبعة عناصر جديدة ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» للتراث غير المادي الذي يحتاج إلى الصون العاجل. وتضم تلك القائمة عناصر التراث الحي المعرض لخطر الاندثار، وتساعد على حشد ما يلزم من تعاون ودعم دوليين لتعزيز تناقل هذه الممارسات الثقافية بالاتفاق مع المجتمعات المحلية المعنية. ويذكر أن من أهم تلك العناصر السبعة الجديدة خيال الظل السوري. ومن خلال اهتمام وزارة الثقافة المصرية بهذا الحدث الثقافي الهام أصدرت الوزارة بيانا قالت فيه د. إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة (إن تسجيل الأراجوز بقائمة الصون العاجل للتراث غير المادي يعد إنجازا جديدًا للجهود الرامية للحفاظ على الموروثات الشعبية غير الملموسة، ويعد نصرًا في ميدان حماية الهوية.
كما أشار بيان الوزارة والذي نشر على صفحتها الرسمية على شبكة الإنترنت أن وزارة الثقافة المصرية نجحت في تسجيل فن التحطيب كتراث مصري غير مادي في نوفمبر عام 2016 وسبقه إدراج السيرة الهلالية عام 2008 ليصبح فن الدمى اليدوية التقليدية «الأراجوز» هو الثالث بقائمة الصون العاجل للتراث بمنظمة اليونيسكو.
ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تقديم الملف بواسطة الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية وأعد صيغة الملف الدكتور نبيل بهجت رئيس قسم المسرح بجامعة حلوان الذي كان له دورًا كبيرًا في دعم الملف المصري «الدمي اليدوية التقليدية» وهو من أصحاب المبادرة الأولى في تقديمه وقد عبر عن ذلك عبر صفحته الشخصية بـ«فيسبوك» قائلا: اليوم أحد أهم الأيام في حياتي على الإطلاق. لقد كسبت رهانًا دفعتُ فيه ثمانية عشر عامًا، إنهُ «الأراجوز».
ما هو الأراجوز؟ وما أهميته؟ وما وجهة تميزه وخصوصيته؟ ولماذا الاهتمام بتسجيله في قائمة اليونيسكو؟ ومن هم لاعبو الأراجوز وكيف يتحدثون خارج اللعبة؟ وما هي أهم أحلامهم وطموحاتهم ومشكلاتهم؟ وكيف تتم عملية التوثيق والحفاظ على هذا التراث؟ وكيف تناولت الدراما المسرحية الأراجوز؟ وكيف وظفه المخرجون في أعمالهم؟ أسئلة كثيرة نحاول الإجابة عنها.
أحمد محمد الشريف
التقينا أولا مع بعض من فناني الأراجوز وكانت البداية مع المخرج ناصر عبد التواب الذي أوضح قائلا: الأراجوز هو واحد من أهم وأقدم فنون الشارع. كان يقدم في الشارع بأشكال عدة على مستوى مكان الفرجة (الشوارع والمقاهي/ الموالد الشعبية/ عربات تصنع خصيصا لتقديم فن الأراجوز بجوار المدارس) ويعتمد فن الأراجوز على لاعب له مهارات كثيرة منها الارتجال وسرعة البديهة وخفة الظل والغناء (صوته حلو يفهم بالفطرة علم النغم) ومهارة تحريك العرائس القفاز (الجوانتى) وأيضا لا بد أن يكون حافظًا لنمر الأراجوز (وهي عبارة عن تراث شفاهي يتوارثه عن أبيه أو معلمه) ويلعب بالأمانة أو (الزمارة) وهي أداة توضع في فم لاعب الأراجوز لتصنع صوته المميز ولها أشكال متعددة. ويصاحب الأراجوز شخصية الملاغي أو الملاغاتي (وهو مساعد الأراجوز) ولا بد للملاغاتي أيضا أن يكون لديه مهارات خاصة منها العزف على الترومبيطة والطبلة البلدي ومهارة الغناء وأيضا سرعة البديهة وهو يعزف الإيقاع المصاحب لغناء الأراجوز، فهو حلقة الوصل بين الأراجوز والجمهور. ولا بد من حفظه لنمر الأراجوز.
والحقيقة أن معظم لاعبي الأراجوز كانوا في بداياتهم يلعبون دور الملاغاتي حتى أصبحوا لاعبي أراجوز وكلهم ليس لديهم حظ من التعليم (القراءة والكتابة) وأيضا مستواهم المادي بسيط (فقير)، لهذا يمارس مهنة فن الأراجوز للتكسب. ولهذا لم نحصل على أي مخطوطات بأيادي لاعبي الأراجوز الحقيقي (الشعبي). أضاف عبد التواب: اختلف الباحثون حول نشأة وتاريخ الأراجوز فهناك فريق يقول إنه تحريف لكلمة (أرجويوس) وهي كلمة قبطية قديمة وتعني فعل الكلام، وهناك فريق آخر يقول إن كلمة أراجوز جاءت تحريفا لكلمة قراقوز وهي كلمة تركية وتعني العين السوداء، وهناك فريق يقول إن كلمة أراجوز تحريف لاسم قراقوش وهو أحد وزراء صلاح الدين الأيوبي. وفي كل الأحوال، رغم التعدد والاختلاف بين الباحثين في تحديد نشأة وتطور الأراجوز فإن الحقيقة التي لا فكاك منها هي أن الأراجوز عروسة استطاعت أن تتحول إلى شخصية عامة مؤثرة في الوجدان الشعبي عبر تقديم فن شعبي واستطاع أن يثبت وجوده داخل المجتمع المصري ويثبت أقداما راسخة بين جموع الشعب وذلك بانحيازه التام لقضايا وهموم المواطن المهمش في مواجهة السلطة بدءا من السلطة الحاكمة مرورا بكل أشكال السلطة التي تمارس قهرا على الإنسان البسيط، فعلى سبيل المثال المواجهات واجه الزوجة المتسلطة/ الحماة/ التاجر الغشاش/ الشاويش/ الحرامي، ولم يترك المواطن بمفرده بل كان مساندا ومعبرا عما عجز عن الإفصاح عنه وقد استطاع أن يصنع تيار وعي ساخر بين الناس ونستطيع ببساطة أن نقول إن الأراجوز كان الإعلام غير الرسمي المعبر عن حال المهمشين وقد استطاع الأراجوز عبر رحلته الجوالة في مختلف كفور ونجوع وقرى ومدن محافظات مصر أن يصنع عقلا جمعيا مناضلا بالسخرية اللاذعة صانعا لنوع فريد لشكل من أشكال المقاومة الشعبية داخل المجتمع المصري.
تابع عبد التواب: كانت هذه المهنة مزدهرة في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي وذلك لكثرة الموالد الشعبية في مصر من أقصاها إلى أقصاها، وأيضا لعدم وجود عالم الميديا في ذلك الوقت وانتشار الفضائيات ولكن مع مرور الوقت وأيضا مع زيادة السكان وتقلص مساحات الأراضي التي تقام عليها الموالد الشعبية في بدايات الثمانيات بدأ يتقلص دور الأراجوز في الشارع وانتشاره ويتناقص أيضا عدد لاعبي هذا الفن لعدم جدوى تدخله النقدي الذي أصبح فتاتا لا يقاوم غلاء المعيشة.ويذكر التاريخ عددًا من أسماء لاعبي الأراجوز المصري المشاهير، ومنهم: علي محمود الذي كان يلعب الأراجوز مع الفنان الأشهر شعبيًا محمود شكوكو، ونعمة الله وصابر المصري ومحمد كريمة وسيد صابر وصابر شيكو وحسن سلطان وصلاح المصري وعمرو الجيزاوي وسمير عبد العظيم. والنمر التي كان يقدمها الأراجوز في الموالد كانت تقدم للكبار والصغار معًا وكان الأراجوز سليط اللسان وتحتوي بعض نمره على ألفاظ وحركات وإيحاءات جنسية وكانت سببًا للإضحاك والتسلية وكانت أشهر النمر هي (الأراجوز والشحات/ الأراجوز في الجيش/ الأراجوز لما يولد/ الأراجوز والحانوتي/ حرامي الشنطة/ الأراجوز في سوق العصر). اكتشفت المقاومة الشعبية الفنان الشعبي محمود شكوكو الذي اشتهر بلعبه للأراجوز فقامت وقتها بصنع تمثال للفنان محمود شكوكو من الجبس ويتم استبداله بالزجاجات الفارغة لصناعة المولوتوف لمقاومة الاحتلال الإنجليزي. وكان نداء البائع هو «شكوكو بالإزازة وسميحة بالإزازة». وكان هذا تعبيرا مجازيا لمساعدة المقاومة.
وأيضا كان للأراجوز دور مع الفنان محمود شكوكو عندما ذهب به في حفلات أضواء المدينة في الكفور والنجوع داخل محافظات مصر لإرساء مبادئ ثورة 23 يوليو 1952.. وبعد الانفتاح الاقتصادي في السبعينات تقلص دور الأراجوز في الشارع ليذهب إلى حفلات أعياد الميلاد في فيلات وشقق الطبقة التي ظهرت حديثًا في المجتمع، وأخذ يهذب من حواره وحركاته وأصبح يخاطب الأطفال وينصحهم بسماع كلام الأكبر واحترام بابا وماما والأكل الجيد في الطبق وشرب اللبن والنوم مبكرا.. إلخ.
تابع: في اعتقادي أن لاعب الأراجوز الشعبي كان الهم الأساسي له من ممارسة هذا الفن (الأراجوز) هو كسب لقمة العيش فقط، لهذا كان يحافظ عليه ويحاول أن يورث المهنة لأقرب الناس إليه ولا يبوح بسره لأي شخص على سبيل المثال (الأمانة) وهي الأداة التي يصدر بها الأراجوز صوته المميز عن باقي شخوص النمرة ولهذا سميت بالأمانة. وأيضا نمر الأراجوز لم تكتب في الماضي القريب أو يتم جمع إلا القليل منها في الثمانينات عن طريق الباحث الدكتور عصام الدين أبو العلا، لقد جمع نحو ست نمر من لاعب واحد هو (سمير عبد العظيم) الذي ورث المهنة عن أبيه، وذلك في كتاب (المسرحية العربية) طبعة الهيئة العامة للكتاب.
وأيضا الدكتور نبيل بهجت في 2005 الذي جمع نحو 20 نمرة أراجوز من أكثر من لاعب. وهم صابر المصري، حسن سلطان، صلاح المصري، صابر شيكو، محمد كريمة، سيد الأسمر. في كتاب (الأراجوز المصري) طبعة المجلس الأعلى للثقافة. والملاحظ أن كل نمر الأراجوز التي تم توثيقها في الآونة الأخيرة تحمل في ثنايا نصوصها جوانب تعليمية وانتقادية.
مسرح القاهرة للعرائس ليس به لاعب أراجوز واحد
ثم تحدث الفنان عادل ماضي عن الأراجوز قائلا: الأراجوز يعد من ضمن العرائس، لكنها تتميز بالصوت لأن أي عروسة أيا كانت سواء ماريونيت أو سلك تقدم بصوت إنسان، أما عروسة الأراجوز فلها صوت مميز تقدمه من خلال آلة (الأمانة) وهي آلة معدنية صغيرة لها شكل معين وتتكون من قطعتين يتخللها شريط ويلف عليها خيط وتصنع بمقاسات محددة تختلف من شخص لآخر، أما العروسة فهي تعد من ضمن عرائس القفاز التي يتم ارتدائها في اليد مثل القفاز، ويمكن تصنيعها من خشب منحوت، أو من عجينة الورق، ولا بد أن تكون رأس الأراجوز صغيرة حتى لا يكون وزنها ثقيلا سواء من الخشب أو عجينة الورق، لكن عندما يتم تصنيعها بشكلها المناسب فيكون من مادة الفوم أو يصنع راس تمثال ثم يصب فوقه الورق ويلف عليه ثم يتم قطع الورق وتفريغه من التمثال فتصبح الرأس عبارة عن ورق مفرغ من الداخل، وتوجد عدة أشكال وطرق لتصنيع الأراجوز. أما عن تاريخه في مصر – يقول ماضي - فيبدأ منذ نهاية العصر المملوكي وبداية العصر الفاطمي منذ نحو 1200 سنة، وبالتحديد في عهد صلاح الدين الأيوبي، أثناء حكم وزيره قراقوش فكان الأراجوز وجها للمعارضة ويمثل دور الثوري على النظام الحاكم من خلال التورية وعدم المباشرة، ثم استورده الأتراك منا ونشر في تركيا وكان لدينا في ذلك الوقت (القرة قوز) التركي، وهي تعني العين الواسعة، فـ(القرة قوز) عندهم عروسة خيال الظل التي عرفناها عن طريق بن دانيال وأخذناها منهم وأصبحت تراثا لدينا.
تابع: في عام 2008 اشتركت في ورشة بمسرح الطليعة لتعليم كيفية تصنيع الأراجوز بإشراف من مركز دراسات التنمية البديلة بتمويل ألماني. وكان مطلوبا إقامة أربعة عروض سنويا للأراجوز على مدار ثلاث سنوات، وهي عروض موجهة للطفل المهمش والأكثر فقرا في مصر. وبدأ معي بعض الشباب في التعلم بتلك الورشة، وكان مطلوبا مني تدريب زملائي في الورشة على أداء الأراجوز ليقوم كل منهم بعمل عرض مستقل، وكنت أول المتعلمين ولم يتعلم أحد بعدي فلم يتحمل الكثير من المتدربين أسلوب التدريب باستعمال الأمانة، فقمت بإقامة الأربعة عروض وحدي، بدأت بعرض لفقراء ومهمشي القاهرة، إشراف الأستاذ نهاد ناشد مدير المركز في ذلك الوقت ومن تأليفي، ثم عرض في السويس بمؤلف من السويس أكثر دراية بمجتمعهم وثقافتهم، ثم في قنا في الصعيد بمؤلف من قنا وهكذا، ثم توقف المشروع بعد أربعة عروض، وانطلقت بعدها كلاعب أراجوز وكان معي في هذه الورشة من ضمن المدربين الزميل الفنان ناصر عبد التواب الذي زاد من عشقي للأراجوز بأسلوبه المميز والمحبب في لعبه له. ثم اشتهر بعد ذلك في المسرح أنني صرت ماهرا في اللعب بالأمانة والأراجوز والعروسة السلك. فيأتي مخرج كبير مثل عباس أحمد سيقوم بإخراج مسرحية كفر عسكر، ويعرف عني أنني ماهر في الأراجوز وفي خيال الظل فيستعين بي في العرض. ومن أهم الفنانين الذين شجعوني لممارسة الأراجوز الفنان الراحل بهائي الميرغني.تابع: في بدايات تلك الورشة أردنا شراء الأمانة، فتوجهت إلى شارع محمد علي مع الزميل ناصر عبد التواب، لأحد من قدامي اللعبة، لنكتشف أنها غير مناسبة ويتم تبديلها وضبطها ثم تبديل الخيط وهكذا، فكنا نأخذ وقتا للحصول على أمانة مناسبة ومضبوطة.
قدمت أعمالا كثيرة لمسرح السامر الذي عملت معه منذ وقت كبير، فعلمت مع بهائي الميرغني وعبد الرحمن الشافعي وعباس أحمد، كما عملت في عروض بالبيت الفني للمسرح، والبيت الفني للفنون الشعبية، من ضمن تلك العروض (بائعة الحواديت) على مسرح البالون من إخراج محمد حجاج، فكنت أقوم بالتمثيل لأول مرة كأراجوز بشري ومن خلال الأمانة طوال العرض. (المحاكمة) بمسرح الغد إخراج عباس أحمد، (نمنم) بمسرح العرائس إخراج ممدوح صالح، (الشطار) لمسرح الغد إخراج محمود الألفي، (أبو العريف) بالهناجر إخراج حسن الوزير,(الخلابيص) بالهناجر إخراج عبد الرحمن الشافعي، (سهراية) بمسرح الطليعة إخراج أكرم مصطفى، (دكتوراه في الحب) بالحوض بالحديقة الثقافية من إنتاج مسرح الساحة وإخراج ماهر سليم، (درب عسكر) بمسرح السامر إخراج عباس أحمد، (عروسة المولد) بمسرح السامر إخراج حسن الوزير، (التانية في الغرام) بالبالون إخراج سامح العلي. أضاف: كان الفنان الراحل د. صالح سعد من أهم المهتمين بمشروع الأراجوز وكان يعطينا دروسا في خيال الظل بقاعة منف حيث كان يحضر أفلاما من روسيا لنشاهدها ونتعلم منها. وعملت معه في عروض (ياما في الجراب) و(المسحراتي)، وقدمت بالسامر (نسمة في رمضان) إخراج عادل بركات، (أحلام مشروعة) بمسرح السامر مع الراحل بهائي الميرغني. كما عملت في مسلسلات بالإذاعة واشتركت في فيلم وثائقي.
من المفارقات أن مسرح القاهرة للعرائس ليس به لاعب أراجوز واحد، والإنتاج الوحيد حديثا الذي تضمن الأراجوز هو مسرحية (نمنم) عام 2008 ولم تعرض في مكانها بمسرح العرائس، وللأسف الشديد بعد عرض الليلة الكبيرة عام 1960، لم يدخل الأراجوز في أية عروض أخرى، هذا يعني أن الأراجوز مهمش عن باقي العرائس، رغم أنه فصيل مهم جدا من فصائل العروسة القفاز بل في مسرح العرائس كاملا، فهو نمط مختلف ومميز بين كل عرائس القفاز والماريونيت والسلك. أشار إلى أن أهم ميزة في الأراجوز أنه يمكنه أن يقدم للكبار كل ألوان الفن على مستوى الدراما وعلى المستوى السياسي أيضا، يقول: الأراجوز وظيفته الأساسية قديما هي تمثيل السياسة، وعندما انتقلنا به إلى مسرح الطفل فهو خفيف الظل ويلفت نظره بشدة وينتبه له الطفل حيث ينشغل بغرابة الصوت المحبب إلى قلبه ويتساءل من أين يأتي هذا الصوت، بالإضافة إلى أن الأراجوز شخصية (متأرجزة) فعندما يفعل شخص ما فعل ما نقول عنه إنه متأرجز أو عامل زي الأراجوز. كما قلنا أيضا الأراجوز يصلح لتقديم الكوميديا والدراما أيضا، فمثلا في مسرحية (التانية في الغرام) الأراجوز هو الذي افتتح فصلي العرض بمونولوجات شعرية درامية بالإضافة لدوره داخل باقي العرض في المواقف التمثيلية بين باقي الشخوص.تابع أيضا: الأراجوز حكيم وقت اللزوم، ففي مسرحية (أبو العريف) إخراج حسن الوزير كان الأراجوز عبارة عن شخص بشرى يحمل العروسة في يده، حيث كنت أقوم بدور رب أسرة وأعلم أبنائي كيفية اللعب بالأراجوز. أشار إلى أن القضية الأهم هي ندرة الكتابة للأراجوز، مشيرا إلى أنه كتراث مصري أصيل يجب علينا كفنانين أن نجد من يكتب للطفل ويضمن الأراجوز كتابته بشكل أساسي. وأنا ظللت على مدار السنوات ألعب الأراجوز بمسرح السامر والبيت الفني وقديما كان لاعبو الأراجوز الكبار رغم مهارتهم الشديدة لا يصلحون لممارسة الدراما لأنهم تعودوا على أراجوز الشارع والمولد، وأنا عندما مارست الأراجوز بالمسرح اختلفت المسألة، فكنت في البداية أتوجه للطفل المهمش الأكثر فقرا في مصر وأتحدث في صلب قضيته، فكيف أخاطبه وماذا أقول له من خلال المسرح؟ وللعلم الأربع مسرحيات التي بدأتها كانت أغانيها مسجلة بالاستوديو ومنها مسرحية كاملة كتبها الراحل حمدي عيد بأشعارها، في المرحلة التالية مرحلة المسرحيات الدرامية للكبار اختلف الأراجوز من مسرحية لأخرى، ففي أحدهما كان الأراجوز كوميدي جدا مثل عرض (نمنم)، أما في الشطار فكان البطل الفنان سامي مغاوري يتحدث بكلمات سياسية مباشرة أما الأراجوز فكان لديه الشعر والغناء والتمثيل يحملون معارضة مباشرة، وختم بقوله:الأراجوز هذا العبقري المصري يصلح لأن يكون نجما في الدراما والتراجيديا كما يصلح لأن يكون نجما في عروض الأطفال، ويصلح لتمثيل السياسة كما في عرض (المحاكمة)، وهذا يختلف عن مسرحية (درب عسكر) التي غني فيها (هاتجن ياريت ياخوانا مارحتش لندن ولا باريس)، وهكذا يختلف توظيف الأراجوز من عرض لآخر ومن فكر مؤلف أو مخرج لآخر حسب اختلاف المضمون والرؤية الفكرية والدرامية للعمل الفني.
تربية الطفل وتعليمه
ثم التقينا بالفنان عمر الجيزاوي الذي قال: الأراجوز فكرة تركية أقامها شخص ثوري كان يهاجم الحكام ويذمهم وكان يدور في القرى والبلاد، كان ذلك بعد نهاية عصر المماليك، فكان يقيم مسرحا صغيرا عبارة عن ضلفة طويلة لها ستارتين من الجانبين، كانت حكاياته تدور حول العمدة وشيخ الغفر الظالم وغيرهم، ثم بدأ ينتشر في الموالد بتقديم مسرحيات كوميدية، ثم في العصر الحديث بدا توظيفه في أعياد الميلاد، في المدارس ليعطي إرشادات للتلاميذ، ويعدل السلوكيات للطفل.أضاف: أما رواد الأراجوز قديما فهم عم أحمد زربة والشيخ على محمود، وكان ذلك قبل محمود شكوكو، وكان لديهما مهارة كبيرة، وما زال موجودا حتى الآن فنانون عاصروهما مثل عم صابر المصري وعم صلاح المصري. أضاف: إن الدمية كانت قديما تصنع من الخشب المنحوت بالأزميل، لكن من النادر وجودها الآن، فهي موجودة فقط الآن عند ثلاثة فقط أنا منهم، وهي تصنع الآن من البلاستيك ويعمل أغلب اللاعبين بصوتهم، لكن نحن قدماء المهنة نعمل بالأمانة لإصدار صوت الأراجوز الطبيعي، وقد سميت الأمانة لأنها كانت سر المهنة، لكنها آلة بسيطة جدا وتصنع من شريط قطن وشريحة استانلس أو نحاس، وأنا ورثت هذه المهنة أبا عن جد من رابع جد وكان اسمه صالح الجيزاوي وأعمامي أيضا عملوا بتلك المهنة. تابع: شخصية الأراجوز لا يجوز تغيير زيها لذا لم يحدث عليها أي تعديل حتى الآن وهو الطرطور الأحمر والجلابية الحمراء، وهي لها أكثر من عشرين رواية كوميدية وسياسية، بالإضافة للارتجال مع الجمهور وفنان الأراجوز لا بد أن يكون مطربا وعلى إلمام بالموسيقى، وله قدرة على توصيل الفكرة والموضوع كله بصوته فقط، لأنه يختفى خلف ستارة. ولا بد أن يصل لمرحلة عالية من تصديق الجمهور له، فمن الممكن أن أؤدي الأداء والدمية متجمدة كالتمثال، لكن الحرفة والمهارة تتطلب كيفية وحسن تحريك الدمية تبعا للموقف الذي يحكيه. ومن أهم الشروط في اللاعب حسن الارتجال، مثل ممثل المسرح لا بد من الحضور القوي ورد الفعل السريع مع الحاضرين. وللأسف انتشر الآن فكرة تشغيل صوت (بلاي باك) للعروسة التي يتم شراءها من محلات لعب الأطفال والسوبر ماركت، ويوجد جمهور يطلب الأراجوز الحقيقي الذي نقوم نحن بتجسيده فيطلبه قائلا (أنا عايز الأراجوز الأراجوز) لأنه يعرف تماما أدواته الأصلية وصوته الأصلي، لكن الشغل بدأ يقل ويندثر الآن، فمنذ خمسة عشر عاما مثلا كنا نعمل يوميا من ثلاثة لأربعة أعياد ميلاد، لدرجة أنه كان يتم تأجيل المواعيد، فكانت فقرة الأراجوز فقرة أساسية في أعياد الميلاد مثل فقرة الساحر، لكن الطلب قل الآن لأن القائمين على العمل الآن يحضرون العرائس المصنوعة من القطن مع تشغيل أغنية وشخص غير محترف يقوم بتحريك العروسة بأي حركات عشوائية ثم يسرد بضع كلمات وينتهي الموقف دون اي حرفية أو مهنية. لكن نحن المحترفين مثلا عندما نسرد حكاية (عثمان والأراجوز) نقدم من خلالها الإرشادات لولد صغير، كل منا كلاعبين محترفين كان مميزا عن غيره في أسلوب معين فمثلا أحدنا تميز بالطرب والآخر بالارتجال وسرعة البديهة وهكذا، وأنا مدرستي التي تعلمت فيها هي مدرسة الشارع من عربة الأراجوز بالأحياء الشعبية، وأتقنت من خلالها المهنة لكني عملت على أن أنقي وأنقح الألفاظ والحواديت لأن الطفل في الشارع يختلف عن الطفل في المدرسة وخصوصا أننا نعمل على تربية الطفل وتعليمه من خلال الأراجوز. ورغم عملي في مسرحيات أطفال ومسرحيات قطاع خاص إلا أنني أفتخر دائما بأنني خريج مدرسة الشارع والموالد. وكذلك عم صلاح وعم صابر. وقد ساهمنا من قبل بالحديث مع باحثين يقومون بإجراء أبحاث علمية عن الفن الشعبي والأراجوز. ومن خلال قراءتي لكتاب (قرة العين) عرفت أن بداية الأراجوز كانت لرجل مخمور يسير دائما وهو سكران وينتقد المجتمع باستمرار من خلال كوميديا ساخرة فيحول آلامه إلى إفيهات كوميدية. تابع الجيزاوي: ونحن نريد الحفاظ على الأراجوز كتراث شعبي لأن الجيل الصاعد حاليا يعرف فقط المابيت شو لكنه لا يعرف الأراجوز ولم يسمع صوت الأمانة ولم ير العروسة الخشب، وأنا عندما أسمع رأي الأطفال أعرف منهم أن من يسمع صوت الأمانة لا بد أن يحبها جدا. ودائما ما نتساءل لماذا لا تجمعنا نقابة وليس لدينا معاش أو رعاية اجتماعية. فالأراجوز يجلس له الكبير والصغير وبعد سنوات يتذكرك الجمهور ولا ينساك، لاعب الأراجوز يمثل ويغني أي أنه فنان شامل، والطفل يطيع كلام العروسة، فيمكن في المدرسة أن أعطيه إرشادات ونصائح من خلال إفيه، حيث يمثل مع الأراجوز ولد صغير مشاكس يخطئ في أقواله وأفعاله ويتم تعديلها مع الأراجوز، والطفل المشاهد الذي نقول له (نشوف مين الشاطر هو ولا إحنا) فيبدأ الطفل في تصحيح المعلومة ليثبت أنه هو الأشطر. حتى الأعداد الإنجليزية يصنع منها مواقف كوميدية فمثلا أقول الأعداد بعكس ترتيبها ليبدأ الطفل في ترتيبها الترتيب الصحيح مع الأراجوز. ولكل مكان يدخل فيه الأراجوز لون مختلف، فأنا أحمل (شنطة عدة) بها أولادي أو أدواتي، معي النوبي عثمان ورجل فلاح وولد صغير وهكذا، وبمجرد وقوفي أمام الجمهور حسب نوعية الجمهور أحدد كيف سأتعامل معه، فمثلا أجد جمهورا كله من الكبار، فحينها لا أقوم بأداء فقرة الولد الصغير بل أؤدي فقرة زواج الأراجوز، الذي يطلب عروسة فيقول له صاحبه سأحضر لك عروسة حلوة وقمر واسمها قمر وشعرها أصفر وهكذا، فتظهر العروسة وقد غطت وجهها كاملا فيفاجأ بها الأراجوز الذي يلقي عليها الإفيهات عندما يكتشف أنها العكس تماما منكوشة الشعر وسوداء وهكذا. أضاف: قديما كان والدي يقول عن مهنة الأراجوز (إحنا سينما الفقير.. اللي عايز يضحك ييجي هنا)، وكان يقدم روايات كثيرة للأراجوز من خلال صوان أو شادر في الشارع ويجهزه بكراسي متراصة مثل السينما، وكان يدخله الكبار والعائلات. الأراجوز كان يقدم قصصا عن الحروب مثل حرب بورسعيد والأشكيف وجواز النبوت وليلة جواز الأراجوز، وقدمنا في الصعيد موضوعات مختلفة عن الختان وعن الزواج المبكر في المنيا. تابع: لم نعد موجودين بكثرة في الساحة لأننا بحثنا عن لقمة العيش فقط في أعياد الميلاد والحفلات الصغيرة، لكن الانتشار يتطلب أن يكون عملنا تابع لجهات حكومية مثل الثقافة الجماهيرية، أما مسرح العرائس فليس من ضمن اهتماماته الأراجوز فلم يستغل الأراجوز لديه سوى في الليلة الكبير بوجود بسيط للغاية وانتهى ولكنه ما زال من أهم شخصيات الليلة الكبيرة. وأؤكد على أن أهم مشكلاتنا هي عدم وجود النقابة والتشغيل. لأنني إذا توقفت عن العمل لأي سبب فلن أجد قوت يومي، وأنا أعمل بهذه المهنة منذ كان عمري خمسة عشر سنة، والان بطاقتي بدون عمل وليس لدي كارنيه نقابة المهن التمثيلية.

مائدة مستديرة للحفاظ تراث الأراجوز
أما الفنان محمد عبد الفتاح فتحدث قائلا: يعد اعتماد الأراجوز في اليونيسكو ورقة هامة جدا للحفاظ على لعبة الأراجوز فمن المعروف في مصر أن الأراجوز هو لسان حال الشعب وونحن لدينا فنانين كبار من المحافظين على لعبة الأراجوز مثل صابر المصري وصلاح المصري وناصر عبد التواب ود نبيل بهجت. أضاف أن: من الأمور المهمة أن في نقابة المهن التمثيلية توجد شعبة للعرائس ليس بها سوى ثلاثة فنانين والوحيد الذي عضو نقابة هو ناصر عبد التواب، وطالما أنه لا يوجد اهتمام بهذه الشعبة فسوف تندثر لعبة الأراجوز، ولا يوجد على الساحة في مصر سوى سبعة أو ثمانية لاعبين فقط، منهم من يقوم بممارسة الأراجوز الشعبي سليط اللسان ومنهم من يوظفه بشكل تربوي وتعليمي يعمل من خلاله على تقويم سلوك الطفل وتعزيز انتماءه فهو في الأصل لسان حال الشعب، وهو الآن لسان حال الشباب والأطفال تربويا وتعليميا. لذا فنحن نتمنى وجود شعبة للحفاظ على التراث، ونرجو أيضا تنفيذ فكرة الدائرة المستديرة التي طالب بها الفنان ناصر عبد التواب، أن أصحاب اللعبة يجلسون سويا ويتم دعمهم من وزارة الثقافة والوزارات الأخرى المعنية مثل التضامن والتربية والتعليم والشباب وهكذا. وأن يتم تعليم أجيال جديدة. فلدينا عم صابر وعم صلاح شيكو - يعطيهم الله الصحة - وقد بدأوا في تسليم الراية لمن بعدهم تابع عبد الفتاح: التكنولوجيا في العصر الحديث والعرائس الأخرى مثل الماريونت وغيرها لا تغني أو تعوض عن لعبة الأراجوز. فالأراجوز لعبة شعبية قديمة وما زال حتى الآن رونقها موجود، فمجرد نزول الأراجوز لأي ساحة أو مدرسة يتجمع حوله الجميع صغارا وكبارا. فالميزة في الأراجوز أن الأمانة أو (بخيتة) تلعب بالصوت، وهذا هو المطلوب الحفاظ عليه وهو الأمانة واللاعب الذي يستخدمها لأن العدد كما قلت من قبل قليل جدا. ولاعب الأمانة لا بد أن يكون ملما بالتراث ولديه مهارة وخبرة استخدامها ولديه القدرة على التفاعل مع الجمهور. تابع: منذ فترة قريبة كنت بدولة الجزائر وفي حوار مع شخصية فرنسية عرفت منه أنهم بحاجة لنموذج لدمية الأراجوز في فرنسا لوضعها في متحف اللوفر فهو الدمية الوحيدة الغير موجودة لديهم وأبلغت الفنان ناصر عبد التواب بذلك فوعد بتحقيقه لهم. فهذه اللعبة مشوقة جدا حتى مع بداية الأراجوز التعليمي أو التربوي ونحن نعمل على فكرة غباء الأراجوز لأن الطفل يحب أن يكون أذكى من العروسة ومن هنا ينشأ التفاعل بأن المعلومة ليست لدى الأراجوز بل لدى الطفل، فهو الذي يقوم بتصحيح المعلومة، ونحن يوميا في الشارع نقدم عروضا سواء من خلال فرقة الأراجوز المصري والعرائس أو من خلال الفرق الخاصة. وقد قام بتأسيس فرقة الأراجوز المصري والعرائس الفنان ناصر عبد التواب وحمدي القليوبي رحمه الله.
قال أيضا: الأراجوز سليط اللسان في الموالد فقط، وقديما كان الفنان محمود شكوكو يقدم (شكوكو بقزازاة) فكان يقوم بتجميع زجاجات اللبن الفارغة ليضع فيها مولوتوف ضد الاحتلال الإنجليزي، أي في حالة الدفاع عن الوطن، كان سليطا على السلطة الظالمة، فكما قلنا هو لسان حال الشعب، لكن حاليا قررنا تقويمه نحو تعليم وتثقيف الطفل فقط، لكن في الأساس لا يوجد أسلط من لسانه، ومن ميزاته حاليا فكرة زرع الانتماء لدي الطفل. تابع: من مشكلاتنا حاليا عدم وجود نقابة تجمعنا ولم يتم قيدنا بنقابة المهن التمثيلية بشعبة العرائس، لا يوجد غير فنان أراجوز واحد فقط مقيد بها. وتم طلب ملف لتقديمه للنقابة. فلماذا يطلب ذلك وأنا مثلا أو غيري لدي سيرة ذاتية تكفي دون الملف، أما الاختبار فيجب أن يقوم به متخصص وخبير في الأراجوز مثل عم صابر المصري وليس أي شخص لا علاقة له بالأراجوز. فأنا قمت بعمل ورشة كاملة عن الأراجوز بالأردن. نرغب جميعا في الجلوس على دائرة مستديرة للنقاش حول كيفية الحفاظ على تراث الأراجوز. ونتمنى أن يكون لنا دعم مادي من خلال فرقة معتمدة لفن الأراجوز المصري وجمع وتوثيق تراثه وتعليم أجيال جديدة.

الأراجوز يقترب من الانقراض
أما الفنان محمد كمال فقال عن نفسه أنه: أحد أعضاء ومؤسسي فرقة الأراجوز المصري التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة. له ستة عشر مشاركة خارجية دولية. كما حصلت الفرقة على جوائز أحسن عرض وأحسن إخراج. وتم تأسيس الفرقة عام 2007. وقدمت أكثر من 2000 ليلة عرض. أضاف: الأراجوز دمية موروثة وهو عبارة عن أداة للتواصل بين الطفل و(الملاغاتي) من خلاله، حيث يقع الأراجوز في الأخطاء السلوكية وتقوم الفقرة على أساس أن الطفل هو الذي يقوم بتصحيح الأخطاء للأراجوز، وهو أداة سهلة يحبها الطفل من خلال الفكاهة والمعلومة ومن خلال الصوت النحاسي الرنان. قال ايضا: قديما كان الأراجوز هو لسان حال الشعب حيث كان يسخر من السلطة، فما يخشى الناس قوله يمكن أن يقال من خلال لسان الأراجوز. وكان للصغار وللكبار أيضا ويتم من خلاله تقديم الحكايات الشعبية التي تحمل إسقاطات لا يستطيع الناس البسطاء البوح بها. أما الآن في العصر الحالي صار الأراجوز موجه للطفل فقط دون أي إسقاطات سياسية وهو العروسة المصرية الوحيدة، فالعرائس الأخرى مثل المابيت أو الماريونيت أو الباتوه كلها عرائس غير مصرية رغم انتشارها الواسع هنا، والأراجوز يقترب من الانقراض لأن من يمارسونه عددهم قليل جدا، مثل عم صابر المصري وصابر شيكو وناصر عبد التواب وعادل ماضي ومحمد عبد الفتاح ومحمد كما ورمضان الشرقاوي وغيرهم فلا يزيد العدد عن عشرة لاعبين موزعين بين المحافظات مثل المنيا وبورسعيد، وهذا هو تراثنا نرغب في الحفاظ عليه من الاندثار، لأن هذه هي العروسة الخاصة بنا في مصر. وللأسف فأغلب الفرق يعملون الآن بعرائس المابيت والباتوه وتركوا عروسة الأراجوز.
تابع: الأراجوز ذو مسرح متنقل يتم تقديمه في أي مكان أو ساحة أو شارع أو حديقة أو مسرح، والمشكلة الآن أن الجمهور الحديث في العصر الحالي يرغب في دخول المسرح لمشاهدة الديكورات والملابس والإضاءة وعناصر الإبهار المختلفة الغير متوفرة لدي الأراجوز، لكن الميزة في الأراجوز أنه يقدم الفكاهة في أي مكان بمسرح متحرك في أي قرى أو نجوع ويصل لحد شديد البساطة أنه يمكن أن يخاطب العقل البسيط وذوي الثقافة المحدودة. ومن أهم مميزات الأراجوز التفاعل بينه وبين الطفل لأنه يتميز بالبساطة فمهما وصلنا من التقدم والتكنولوجيا يظل عقل الطفل من سن ثلاث إلى ست سنوات وحتى تسع سنوات يستوعب المعلومات التي تقدم له من الأراجوز، عكس المسرح حيث يضحك الطفل على حركة أو عروسة أو إفيه معين، لكن كل كلمة يقولها الأراجوز يفهمها الطفل، فمثلا يمكن أن ينطق له رقم واحد بالإنجليزية فيقوم الطفل بتصحيحها له فيقال له معلومة مثل (إنت بتصحى من النوم يا أراجوز بتعمل إيه.. أنا باعمل كذا وكذا وكذا)، أي أن هناك معلومات واضحة عكس المسرح الذي لن تكون فيه المعلومة صريحة. اضاف: كانت قديما تقدم فقرات تراثية للأراجوز مثل (الأراجوز ومراته)، (كشكريوز)، (الأراجوز والسوداني) و(الأراجوز والشاويش) والمقالب وهكذا، أما الآن فنقدم الأراجوز التعليمي الذي يوصل المعلومة للطفل، وفي نهاية الفقرة يخرج الطفل بأربع أو خمس معلومات، لأنه لن يستوعب أكثر من ذلك. وانتهى عصر الأراجوز التراثي لأنه لا يجذب المتفرج في الوقت الحالي لأن فقراته أصبحت محفوظة لأن الفقرة التراثية لا يمكن التغيير فيها وبالتالي تتكرر دائما، غير الأراجوز التعليمي يمكن يوميا إضافة معلومات جديدة إليه وحواديت جديدة.
وقال أيضا: أما الجمهور فهو موجود في كل مكان بكثرة بمجرد أن تنطلق زغرودة الأراجوز يتجمع الجمهور بسرعة فور سماعها، حتى أن أحيانا الأطفال الصغار لا يستطيعون نطق كلمة أراجوز فيقولون عليه (أدوز)، وصوت الأمانة التي توضع في فم اللاعب ورنتها النحاسية جاذبة للطفل بشدة وهي صوت لا يستطيع أي صوت بشري تقليده مهما برع. أضاف: الموضوعات التي نتناولها غالبا هي موضوعات مرتجلة وأحيانا يتم الاتفاق عليها من قبل ويتم العمل ما بين الأراجوز والطفل والملاغاتي بشكل ارتجالي بحت. وقد سعدنا جدا بالخبر الأخير باعتماد الأراجوز كموروث ثقافي في هيئة اليونيسكو، هذا يعمل على توثيق ودعم تلك اللعبة، وللأسف نحن ليس لدينا جهات تهتم بانتشار الأراجوز كدمية تراثية، وأن يتم التدريب عليها في أكثر من مكان وأكثر من جهة، ولا يوجد الدعم المادي والتنظيمي الذي يساعدنا على ذلك. فنحن بحاجة للدعم وتنسيق الفكر وتوجد مشروعات كثيرة يتم تقديمها ولا يوجد أية موافقات لتشغيلها بحجة عدم وجود الميزانيات وغيره من المبررات لعدم تشجيع تلك الأفكار. رغم أن الأفكار سهلة ويمكن انتشارها بسهولة في جميع أنحاء الجمهورية في خلال ثلاثة أشهر، وسنجد إقبالا شديدا ومتدربين يرغبون في ممارسة اللعبة، ويمكن تكوين فرقة أراجوز في كل مكان وفي كل قصر ثقافة، وللأسف فإن مسرح القاهرة للعرائس الذي يفترض أنه أكبر مدرسة وأكبر مكان لفن الدمى والعرائس لا يوجد به الأراجوز.. لماذا؟ فكما تم الاهتمام بالباتوه والماريونيت وخيال الظل والمسرح الأسود لماذا لا يوجد اهتمام بالأراجوز الذي هو العروسة الوحيدة الخاصة بنا في مصر؟
قال أيضا: جمهور الأراجوز موجود بكثرة في كل مكان ويتم استدعاؤه في كل مكان مثل النوادي والحفلات والمدارس وفي أعياد الميلاد وهكذا.. في حين أن الدعاية له محدودة جدا. لم يفكر أحد الإعلاميين بتقديم برنامج يظهر فيه الأراجوز مع مذيعة الأطفال مثلا لعرض السلبيات والإيجابيات والأخطاء ومشكلات المجتمع لتعليم وتثقيف الطفل؟ قديما كانت ماما نجوى مع بقلظ رغم أنه شبيه بالأراجوز وليس هو الأراجوز نفسه. فالأراجوز عبارة عن الطرطور الأحمر والجلابية الحمراء والصوت النحاسي والعروسة هي ذات الوجه الخشب المنحوت، فهي عروسة تراثية ذات شكل ثابت لا يمكن التحريف فيه. فالصوت المستعار أو الشكل الشبيه بالأراجوز ليس أراجوز. لو تم تغيير لون الطرطور الأحمر لم يعد عروسة أراجوز.
وأخيرا طالب بزيادة الاهتمام بالعروسة التراثية وبالذات من مسرح القاهرة للعرائس قال: ليته يقيم مركزا أو ورشة للأراجوز، وكانت الهيئة العربية للمسرح من قبل قد أقامت ملتقى وإقامة ورشة للأراجوز المصري فلماذا لا نهتم نحن بذلك وهي أصلا تخصنا نحن في مصر؟
الأراجوز في الدراما
نظرا لأهمية الأراجوز في الموضوعات الدرامية، وعن كيفية تناوله وتوظيفه دراميا كان لا بد أن نتعرف على وجهة نظر المبدعين، لذلك توجهنا أولا للكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني والذي للأراجوز نصيب كبير في عدد من أعماله، فتحدث قائلا: الأراجوز ظهر في تراثنا الأدبي والفني نتيجة محاولة للتخلص من مسألة التشخيص. لأن التشخيص يبدو أنه كان مرصودا لدى التراث، لأن المسرح لم يظهر وكنا نبحث عن السبب في عدم ظهور المسرح. واكتشفنا أن التراث السلفي يرفض التشخيص ويرفض أن يظهر إنسان يمثل دور إنسان آخر ويعتبر ذلك نوع من أنواع البدع في وجهة نظر السلفيين، فتحايل الفنان الشعبي على هذه المسألة فأبدع موضوع الأراجوز الذي هو محاولة من الفنان الشعبي لأن يتجاوز أفكار السلفيين والفقهاء الذين كانوا يرفضون التشخيص والتمثيل وفن المحاكاة وبالتالي أصبح الأراجوز هو فن الشعب، لأنه كان يدور في الحواري والشوارع وبين الطبقات الشعبية بعيدا عن الطبقات العليا والسلطة والأعيان والأغنياء فهو بالتالي فن شعبي. وإحياؤه دليل على أن هذا الفن نبع من عمق الشعب المصري.
أضاف: أنا شخصيا وظفت الاراجوز في كثير من أعمالي خصوصا مسرحية النديم عن هوجة الزعيم، وفي مآذن المحروسة وملاعيب عنتر وكثير من الأعمال المسرحية واعتبره نوع من أنواع فن الشعب الذي يجب أن نحتفي به. واعتراف اليونيسكو بهذا الفن خطوة مهمة جدا تدل على احترامهم لفنون الشعوب. تابع السلاموني: وفن الشعب عموما فيه كثير من النواحي التي تعبر عن ضمير الشعب، الأراجوز عادة يعبر عن الطبقة المطحونة والإنسان البسيط وليس عن إنسان غني أو مرفه، وبالتالي يقوم بدور النقد للسلطات والطبقات العليا وللمستغلين من الطبقات الأخرى وبالتالي يمكن لأي كاتب استغلال هذه الطريقة في تقديم نقد اجتماعي ونقد سياسي، نقد اجتماعي للعادات والتقاليد والظروف الاجتماعية الظالمة وفي نفس الوقت ينقد الاستبداد الذي يتسم به بعض الحكام الظالمين.
أما المخرج عباس أحمد فمن أكثر المخرجين الذين قاموا بتوظيف الأراجوز في أعماله المسرحية قال موضحا: تحدث د. علي الراعي عن الأراجوز في كتبه وهو الذي وجه إليه الأنظار. والأراجوز لا يستخدم كحلية في المسرح ولكني استخدمه كتوظيف درامي وتحريضي لأن الأراجوز في الأساس هو فن تحريضي. وفي أيام بابات ابن دانيال كانت السلطات في ذلك الوقت تضيق منه وأحيانا ترفضه وتحاصره وتلقي القبض على المؤدين وهو أداة تحريضية في الدراما وليس حلية ولكنه في مقام الموسيقى والديكور والحركة والمؤثرات وأحيانا كثيرة يكون في مقدمة كل هؤلاء، فهو يمكن أن يقوم ببطولة عمل وحده. وهو بطل معارض، وهو دمية حية معارضة تعبر عن ضمير ومكنون ومعاناة الناس. أضاف: د. علي الراعي قال إن محمود شكوكو عندما عمل دمية الأراجوز، صارت الناس تسير في الشارع تنادي (شكوكو يابت بقزازة يابت)، أي استبدال تمثال من الجبس لشكوكو الأراجوز بزجاجة لبن فارغة، وهذا دليل على إلى مدى ارتبط الأراجوز بالوجدان الشعبي، ولذا يجب أن يكون في المسرح توظيفه كجزء أساسي من الدراما. تابع: وقد استخدمته في عدة عروض كثيرة جدا منها على السبيل المثال لا الحصر: (سيف ذي اليزل) لسمير عبد الباقي، و(درب عسكر) لمحسن مصيلحي، و(النديم في هوجة الزعيم)، وفي (المحاكمة) ليسري الجندي حيث كان هو بطلا للعرض، فكان يدافع عن ضحايا دنشواي وكان يقوم بدور درامي بشكل جيد جدا وقام به الفنان عادل ماضي، استخدمته أيضا في مسرحية للأطفال اسمها (أراجوزيا) ويبدو طبعا من الاسم أن الأراجوز هو بطل العرض نفسه.
مشروع قومي ثقافي
أما الناقد والباحث د. عصام أبو العلا فهو صاحب أول كتاب يتناول الأراجوز بشكل علمي تطبيقي وموضوعي وتوثيقي وذلك في كتاب (المسرحية العربية الحقيقة التاريخية والزيف الفني)، فتحدث قائلا: ولدت ونشأت في منطقة مصر القديمة وهي منطقة شعبية، وكان بشكل دوري أشاهد عروض الأراجوز ونشأت على مشاهدتها، وعندما ارتبطت ببعض ندوات العروض المسرحية في الثقافة الجماهيرية حيث كنت لازلت طالبا، فوجئت بأن الحضور يتحدثون عن أراجوز آخر غير الذي شاهدته في شوارع مصر القديمة، الأراجوز الفولكلوري الشعبي الحقيقي، أو أراجوز الشارع، وارتبطت صورته في ذهني سنوات طويلة، وعندما سافرت للخارج وجدت هناك اهتماما كبيرا بعروض الشارع وبالدمي الشعبية، ففي روسيا وجدتهم يهتمون بعروسة شبيهة بالأراجوز وهي محبوبة للشعب كله ونصوصها تكاد تكون بنفس الأداء وليس نفس الإخراج بنصوص محفوظة وليست مكتوبة ويتداولها الناس جيلا بعد جيل وتؤدى من خلال لاعبين شعبيين. وفي سويسرا على سبيل المثال يوجد يوم في السنة يخرج جميع الناس من البيوت لعمل مسرح دمى أمام المنزل ويتم تقديمها لأطفالهم من خلال موضوعات خاصة بهم. وكل هذا موجود لديهم على الخريطة السياحية في كل دولة من الدول. أضاف: في مصر منذ أوائل التسعينات أنادي بالاهتمام بالأراجوز المصري، فحتى أصدقائي الأجانب مثلا من سويسرا أو هولندا الذين يأتون إلى مصر كانوا يسألون عن التنورة لأنهم لا يعرفون فنا شعبيا غير التنورة، فاندهشت لأن لدينا فنا خاصا بنا ممتد تاريخيا لسنوات غير معلومة وغير محسوبة، ففي كتاب هيرودوت إذا قرأت الممارسات الشعبية أيام الأعياد ستكتشف منها أن الأراجوز مصري خاص بنا وليس تركيا أو مغوليا أو غيره بل هو مصري وله جذور مصرية، ونحن اليوم لا نستطيع أن نحافظ على هذا التراث. تابع: كنت عرضت على وزارة الثقافة مشروعا يتضمن مجموعة من الورش بحيث يتم تربية جيل جديد من ممارسي هذا الفن ويتم تدعيم المناطق السياحية الكبيرة به ويتم تقديمه لبناء المنطقة وللسياح الذين يأتون إليها ليعرفوا أن ليدينا فنا قديما وتراثيا وليس الفنون الخاصة بهم فقط مثل الأوبرا أو المسرح الغربي التقليدي، فالأراجوز مصري وقائم على موضوع مصري. أوضح: بدأت في العمل بشكل فعلي بحضور عروض للأراجوز تم تسجيلها وتوثيقها وتفنيدها في ورق وكان اللاعب سمير عبد العظيم هو الذي يؤدي واستبينت منه تفاصيل اللعبة وتفاصيل الكلمات المنطوقة بالأمانة، وقدمت دراسة وافية باللعبة والمشروع. أما الدراسة التاريخية فلم انته منها بعد حتى استكمل كل جوانبها وجذورها التاريخية، وهي مسألة ما زالت بحاجة لوقت ولشواهد ما زالت في طور الدراسة والبحث.
أضاف: توجد تجارب قدمت في السنوات الماضية حيث قابلت د. نبيل بهجت في قسم الدراما بجامعة عين شمس، حيث كان يعمل في أحد الأماكن الثقافية بشكل جاد ويقوم بتعشيق فن الأراجوز في أعمال فنية. وكان بعض الزملاء يصنعون عروسة الأراجوز.وتابع: نحن بحاجة لاهتمام الدولة بهذا الفن، فقد حدث الآن اهتمام مؤسسة عالمية مثل اليونيسكو به وهو شيء رائع، وفي الفترة القادمة سوف يرصدون ميزانيات ودراسات للبحث والتوثيق، لكن نحن في مصر لازلنا في حاجة لمزيد من الاهتمام. فهذه المشروعات لا تصلح أن تكون فردية بل لا بد أن تكون مشاريع قومية فعلا، فنحن نعيش في ضحالة ثقافية حيث تجد الشباب لا يعرفون شيئا عن الرموز الثقافية ورواد الثقافة في مصر مثل العقاد وطه حسين ونجيب ومحفوظ وغيرهم، في حين أننا لدينا وزارة ثقافة، فنحن بحاجة لزيادة الاهتمام بتراثنا لأن المسألة أكبر من مجرد عروسة تقدم فقرة، فالمسألة أنها متداخلة في طبيعة فكرنا وطبيعة جمالياتنا وأذواقنا. وقد قرأت في كتاب بابات ابن دانيال في نسخته القديمة جدا، عن الأراجوز وخيال الظل وكدت أنشر البابات وأكتب لها دراسة لكني اكتشفت كم الألفاظ الخارجة فيها التي كان الأهالي قديما يسمعونها ولا يستاءون منها، فاكتشفت أنني سأحذف نصفها تقريبا، فتراجعت عن فكرة النشر لأنني لست قيما على التراث كي أحذف منه أو أغير فيه. نحن بحاجة إلى مشروع قومي يقدم من خلال مراكز بحثية موجودة فعلا، فلدينا المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية ومركز الفنون الشعبية الموجود بأكاديمية الفنون، وأساتذة الفنون الشعبية بالأكاديمية، فنحن بحاجة لتجنيد كل هذا في منظومة نحو الاهتمام بالمشروع الثقافي الشعبي وليس الرسمي.
قال أيضا: في الدراما المصرية تم توظيف الأراجوز بوظيفته الحقيقية التنويرية، لأنه كان معروفا بسلاطة اللسان والصراحة وسلوكه سلوك فطري وليس خبيثا ,فهو تركيبه شعبية تشبه ابن البلد ويمثل عامة الشعب، لذا تم الاستفادة به في الدراما سواء في المسرح أو السينما ,استخدمه كثيرون مثل رشاد رشدي ومحمد أبو العلا السلاموني والسيد حافظ وغيرهم، حيث تم توظيف خصائص شخصية الأراجوز كما في فيلم الزوجة الثانية حيث عرفت شخصية سعاد حسني كيف يكون الحل من خلال الأراجوز، يوجد استيعاب لمسألة أنه يربي الوعي لدى الناس. الأراجوز ليس مجرد لعبة للضحك والتسلية والفكاهة، كما أن من يقدمون الأراجوز أو اللاعبين هم من البسطاء وهو عبارة عن مساعد أو الصبي أو الملاغاتي وهو يمسك الطبلة ويغني مع اللاعب، اللاعب له مواصفات مهمة مثل القدرة على الغناء وتلوين الصوت ولدية قدرة عصبية صوتية لأنه يحرك العروسة في نفس التوقيت الذي يتحدث فيه، فلا بد أن تكون الحركة متوافقة مع الكلام. وهذا الفن إذا لم ينقل فسوف يندثر، نحن فقدنا من قبل خيال الظل، حيث شاهدت بنفسي آخر عرض مسرحي لخيال الظل من أصحاب المهنة الأصليين في أوائل التسعينات في مسرح الجمهورية في حفل حضرة وزير الثقافة آنذاك الفنان فاروق حسني، واليوم في عصر التلفزيون والفضائيات الكثيرة لن يذهب متفرج لمشاهدة عرض خيال ظل. وقد شاهدت الغربيين يقدمون خيال الظل في عروض تجريبية باختلاف استخدام التكتيك.
وختم بقوله: في النهاية أتمنى التوفيق لكل شخص يقدم خطوة نحو تأسيس مؤسسة حقيقة تهتم بتراثنا وتقوم بدارسته دراسة سليمة من خلال متخصصين، وتكون دعواتنا التي عشناها منذ يوسف إدريس نحو مسرح عربي أو مصري دعوات حقيقية، فنجد أن إدريس لم يكرر التجربة بعد الفرافير، في حين أن نجيب سرور قدم مسرحا تراثيا حقيقيا في صمت دون ضجة، وكذلك ألفريد فرج ويسر الجندي وشوقي عبد الحكيم، من خلال إخلاص حقيقي وإيمان بالقضية التراثية.
النقابة ومسرح العرائس
من أهم المشكلات التي طرحها فنانو الأراجوز وطلباتهم وجود دعم مؤسسي لهم من خلال الفرق الرسمية خصوصا مسرح القاهرة للعرائس وبالإضافة للانضمام لنقابة المهن التمثيلية بشعبة العرائس، لذا التقينا بالمسؤولين عن ذلك وطرحنا وجهة نظرهم على الفنان محمد نور مدير عام مسرح القاهرة للعرائس الذي قال: مسرح القاهرة للعرائس ليس لديه الأراجوز، لأن الأراجوز بشكله ونمطه الطبيعي مصنوع للتجوال، كما أن البرفان الصغير الخاص به يعطيه حرية الحركة وتلك هي الميزة الخاصة به أنه يذهب للجمهور في مكانه، أما خشبة المسرح فلا تحتمل أن يعمل عليها الأراجوز وحد، فعرضها في مسرح العرائس 12 مترا، أما برفان الأراجوز فهو تقريبا عرضه 1,20م وبحجمه الصغير جدا لا يستطيع المشاهد في آخر الصالة أن يراه. وبالتالي فمسرح القاهرة للعرائس لا يقدم الأراجوز كاملا وحده بقدر أن يكون جزءا خفيف الظل مشارك في عرض. فهو جزء من التراث العرائسي والبدايات الحقيقية لفن العرائس لكن عندما يتم الاستعانة به في المسرح يكون بشكل بسيط، وأشهر نموذج للاستعانة به هو عرض الليلة الكبيرة حيث كان في فقرة وحيدة وبعدها على مدار تاريخ مسرح العرائس لم يشترك الأراجوز في أية عروض سوى مرتين أو ثلاثة على الأكثر كجزء من العرض لأنه لايحتمل أن يكون عرضا كاملا. وإذا وجد النص الذي يتضمن الأراجوز فبالتأكيد سيتم الاستعانة به، كذلك ليس لدينا خيال الظل فلا يمكن أيضا إقامة عرض كامل لخيال الظل ولكن يمكن الاستعانة به كجزء من مسرحية وكذلك الأراجوز. والفكرة تكمن في أن هل تكنيك العروسة الأراجوز يتناسب مع تكنيك مسرح العرائس أم لا؟ أضاف: شيء جيد جدا طبعا أن يكون لدينا دمية تراثية خاصة بنا علينا الحفاظ عليها واستغلالها، رغم أن هناك من يقول إن أصله تركي وآخرون يقولون إنه وجد من قبل أن يأخذه الأتراك منا وأنه انتقل إليهم بفعل العمال المهرة في تلك الفترة القديمة، وأنا أميل لفكرة كونه عروسة مصرية، ولو وجدت فرصة لعرضه بالمسرح أسعد جدا بذلك، وقد سبق أن حدث تعاون بيننا وبين الهيئة العربية للمسرح فحاولنا تسليط الضوء على كل الأشكال التراثية الشعبية بعناصر الفرجة العربية التي تمتد جذورها لدينا، كان من ضمنها الأراجوز وخيال الظل والحكواتي وكل الأشكال التي يمكنا توظيفها واستغلالها، لكن طبيعة المسرح لدينا لا تحتمل الأراجوز كعنصر مستقل.
وفي نقابة المهن التمثيلية تم عرض الموقف على النقيب د. أشرف زكي الذي رحب قائلا:
نحن نحترم ونقدر فن الأراجوز ونقدر لاعبيه وفنانيه ونعتبر أن مصر من رواد فن الأراجوز ونحن لدينا شعبة العرائس بالنقابة، وحتى الآن لم يتقدم لنا أحد من فناني الأراجوز بطلب العضوية. وفي حال تقدمهم بذلك سنقوم بدراسة الموقف ودراسة الشكل القانوني ولو لهم أي حق فلن نتردد لحظة في ضمهم إلى النقابة وهذا شرف كبير لنا.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏