وداعا ..محمود رضا الراقص أيقونة الفن الشعبي

وداعا ..محمود رضا الراقص أيقونة الفن الشعبي

العدد 673 صدر بتاريخ 20يوليو2020

رحل عن عالمنا  منذ ايام ساحر الاستعراضات الفنان محمود رضا الذي  وصفته الصحف العالمية بأنه أحد أهم المبدعين فى الفن المصري، وعلى الرغم من أنهم شبهوه بالراقص الأمريكي الشهير “جين كلى”، فإن “رضا” استطاع أن يكتسب نجاحه وشهرته من مصريته، واستطاع أن ينقل روح وإبداع الفلكلور المصري إلى الخارج، كما نجح عبر استعراضاته ورقصاته أن يجعل العالم بأكمله يتعرف على الهوية المصرية، وجعل الفنون الاستعراضية سفيرة لمصر و الفلكلور المصري في لعالم بأكمله.
ولد محمود رضا عام 1930 وتخرج من كلية التجارة عام 1954، وأسس مع شقيقه على رضا فى نهاية الخمسينات فرقة للفنون الشعبية، أطلقوا عليها اسم “فرقة رضا”، واشتهر “رضا” بعدد من الاستعراضات الفنية منها الأقصر بلدنا وحتشبسوت، بالإضافة إلى مشاركته فى العديد من الأفلام السينمائية ومنها حرامى الورقة وغرام فى الكرنك وإجازة نصف السنة، كان يطوف  بلدان الصعيد والأرياف ليتعرف على عاداتهم وتقاليدهم وطريقة ملابسهم ورقصهم فى الأفراح والمناسبات، ليصبح بذلك أسطورة من أساطير الرقص الشعبى المصرى، تاركًا بصمة فى حياة كل من عرفوه.. التقت “مسرحنا” ببعضهم ليحدثونا عنه وعن ذكرياتهم معه.
في البداية تحدث شيخ المسرحيين العلّامة د. كمال الدين عيد قائلا: الفنان محمود رضا يعتبر أيقونة كبيرة في مجال المسرح والرقص الشعبي الذي يحترم الجماهير ويعطي في العرض المسرحي. حيث قدم عروضا مسرحية عظيمة و خالدة. لأنها تنبع من لب حركات وظروف المجتمع والشعب المصري. وكان قيمة كبيرة شكل إضافة  من خلال فرقة رضا قبل أن تتبناها الدولة, كما أوجد فرصا واسعة لظهور المسرح الاستعراضي, ومثل مع أخوه الفنان علي رضا وزوجته فريدة فهمي خطا جديدا في تاريخ المسرح المصري بلا شك.
بصمة وعلامة
وبحزن يرثيه د. عصمت يحيى الرئيس الأسبق لأكاديمية الفنون بقوله: الفنان الكبير محمود رضا هو الأستاذ, التاريخ, الإبداع, الفن, مصر, الأزياء,  الرقصات, الألعاب الشعبية, العادات والمعتقدات للشعب المصري. وأهم ما قام به في حياته هو زيارته لجميع محافظات مصر وتوثيق وتدوين جميع الرقصات والألعاب والأناشيد الشعبية فيها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. وهو الذي أسس منهج الرقص الشعبي المصري الأصيل النابع من البيئة مع استلهامه لبعض الحركات التي تضفي جمالا على خشبة المسرح.
وأضاف: هذا من ناحية التاريخ، أما من ناحية أكاديمية الفنون فقد تمت مناقشة دكتوراه باسم الراحل محمود رضا سنة2006, فكانت أول دكتوراه في أكاديمية الفنون حوله، وكان لي الشرف أن أكون مشرفا على هذه الدكتوراه وكانت مناقشة علنية. وقد أوصت اللجنة بطبع الكتاب على نفقة أكاديمية الفنون. وتناولت هذه الرسالة تاريخه وأعماله المسرحية وأعماله التلفزيونية والسينمائية والقومية وأعماله في الإستاد المفتوح والاستاد المغلق. تابع : في كل أوجه وأفرع  النشاط الحركي كان لابد أن نجد محمود رضا موجودا, فهو بصمة وعلامة في تاريخ الرقص الشعبي والرقص المصري خاصة من الجنوب إلى الشمال في تاريخ هذا الفنان المبدع.
قال ايضا : أفكر من خلال مؤسسة عصمت يحيى للثقافة والفنون والتنمية بالاشتراك مع أكاديمية الفنون, في عمل يوم تأبين كامل على قاعة سيد درويش بأكاديمية الفنون يدعى إليه جميع الفنانين والعاملين في مجال الفنون الشعبية والصحفيين وكل من يحبون محمود رضا, كي نكرم هذا الرجل في يوم تاريخي وعالمي وسوف أقترح ذلك على د. أشرف زكي.
رحيل جيل من العظماء
أما رفيق عمره الفنان القدير علي الجندي فقد تحدث قائلا: إن محمود رضا هو سيد درويش الرقص الشعبي في مصر. فهو المؤسس الذي أفسح مكانا للطبقات الشعبية والعمال والفلاحين والبدو والحضر. حيث أتاح لهم مساحة محترمة جدا فوق الأوبرا المصرية. وهو من صدر هذا الفن للعالم كله. محمود رضا ليس فقط منشئ فرقة رضا. بل هو المؤسس والرائد الفعلي لحركة فرق الفنون الشعبية المسرحية في مصر التي انعكست على العالم العربي. أضاف:  منذ تأسيس فرقة رضا عام 59  يحرص الرئيس جمال عبد الناصر على الاستعانة بأم كلثوم وفرقة رضا فقط في حفلات مؤتمرات القمة و هذا له معنى خاص، ويجب أن ينظر إليه من منظور خاص. وهناك حادثة شهيرة مفادها أن الأستاذ جلال معوض كان مسئولا عن إحدى الحفلات. وطلب أن يشاهد بروفة. فرد عليه القدير محمود رضا  قائلا: عندما تشاهد بروفة أم كلثوم أولا سوف نقدم لك بروفة.
تابع : الأستاذ محمود رضا صنع قيمة لفن الرقص ووضعه في مكانة عالية جدا. وقبله كانت  أفلام السينما تعتمد على الرقص الشرقي.
أضاف: منذ أن خرج للمعاش عام 1990 لم تهتم به الدولة إطلاقا. و رُشح للجوائز الكبرى من قبل ثلاث مرات: مرة لجائزة مبارك ومرتين لجائزة النيل من قبل نقابة المهن التمثيلية وكان ذلك في نهاية عهد النقيب الفنان أشرف عبد الغفور ثم عهد الدكتور أشرف زكي ، وللأسف لم يحصل على جائزة واحدة  رغم أنه فريد عصره في تخصصه. وكان الرئيس جمال عبد الناصر قد منحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى هو وعلي رضا وعلي إسماعيل وفريدة فهمي. ومن بعدها لم يكترث به أحد ولم يكرمه أحد. وهو يحمل وسام الكوكب الأردني من الملك حسين ويحمل وساما من الحبيب بورقيبة رئيس الجمهورية التونسية. كما أنه كُرم عدة مرات في عديد من دول العالم.
أضاف : تعد وفاة محمود رضا انتهاء لعصر الكبار. كما يعد  رحيله نهاية  لجيل فريد من العظماء، وعدم  تكريمه خطأ تاريخي فادح .
من أساطير الفن الشعبي
د. أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية ورئيس أكاديمية الفنون قال: عند ظهور محمود رضا أضيف إلى قاموس الفن في مصر كلمة الرقص الشعبي والفنون الشعبية, فهو أسطورة من أساطير الفن الشعبي وهو الذي ابتدع الرقص الشعبي في السينما ووجها إلى هذا الفن  الذي لم تعرفه مصر من قبل. واستطاع أن يثير العالم ورفع علم مصر عاليا بفرقة رضا، وفقدانه خسارة كبيرة للفن الشعبي.
أيقونة الفن الشعبي والاستعراضي
قدم الفنان عماد سعيد شهادته بقوله: أي شهادة في مصر أو الوطن العربي كله لن تستطيع أن تفي القدير محمود رضا حقه. وهو إن كان قد رحل بجسده فإن  روحه ستظل موجودة بيننا. روح الفن الشعبي ستظل تحمل اسم محمود رضا، والكلمات تعجز عن وصف هذا الرجل إنسانيا أو فنيا. أضاف : تعاملت معه كثيرا وكان قريبا إلى نفسي جدا. وكان من أول المشجعين لي في مجال الفن الشعبي.  ورغم أنه كان في فرقة رضا حينما كنت أنا في الفرقة القومية فقد كان دائما ما يشعرني أنه الأستاذ والرائد والصديق. ويغلف كل هذا العلاقة الإنسانية بينه وبين البشر. فهو عطّاء ،  يبتعد عن المشاكل. ويعشق الهدوء، ويحب الفن ويحب أن يرى الجميع حوله بخير وفي حالة جيدة. ويسعد جدا إذا وجد زميلا صمم استعراضا جديدا متميزا.
تابع: في بداية حياتي على مسرح عبد الوهاب كان هو رئيسا لقطاع الفنون الشعبية، وحدث خلاف بسيط بيني وبين مدير الفرقة فتدخل بشكل رائع دون علمي ووجهني كيف أتصرف في هذا الخلاف. وبحمد الله ساهمت بقدر ما في حصوله على الدكتوراه الفخرية من كامبريدج ، وحضر هذا التكريم الوزير أحمد زكي بدر. حيث كانت حالة الفنان محمود رضا الصحية لا تسمح له بالخروج من المنزل. وكان هذا هو أول تكريم علمي له. وكان ذلك في حضور ابنته شيرين والوزير حلمي النمنم والفنان إيهاب حسن مدير فرقة رضا حينها وتلاميذه.
فنان الشعب
د. محمود صلاح مدير عام فرقة رضا للفنون الشعبية قال : فقدنا فنانا كبيرا وقيمة فنية عالية عاش في خدمة الوطن وله إنجازات فنية عظيمة لا تعد ولا تحصى في عالم الرقص الشعبي . كلنا في حالة حزن كبيرة في الوسط وفي فرقة رضا للفنون الشعبية وفي البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية. فالفنان محمود رضا علم من أعلام الفن الشعبي وأنا أعتبره فنان الشعب لأن فنانين الشعب كما يطلق عليهم في أوروبا هم من يؤثرون في الشعب عامة. ولا يوجد أحد في مصر لا يعرف الفنان الكبير محمود رضا أو فرقته التي اشتهرت به فهو مؤسسها وهو رائدها. بالتالي نحن فقدنا فنان شعب فعلا, أسس أكبر مؤسسة فنية شعبية بلغ عمرها الآن ستون عاما. وكنا نحتفل بها منذ عدة شهور.
أضاف: كان له عدد من الإسهامات الفنية المعروفة ، قام بالتمثيل في عدة أفلام. و صنع بنفسه طابعا خاصا للرقص المصري بعد أن صال وجال في أرجاء مصر ومحافظاتها ليستمد منها العادات والتقاليد وشكل الأزياء والملابس وأسلوب الرقص والطقوس التي تتسم بها كل قرية وقام بتمثيلها على خشبة المسرح بعد أن طاف في مشارق الأرض ومغاربها. و جال في دول العالم المختلفة أكثر من عشرين مرة فكان سفيرا للفن المصري وسفيرا لمصر ككل.
تابع صلاح : لم يقصر في حق بلده وشارك في كل المناسبات الوطنية والقومية ليسطر اسمه واسم فرقته بحروف من ذهب في تاريخ مصر الفني.
وختم بقوله :  الأسس والنظرة للفن الشعبي تغيرت بعد محمود رضا, حيث توجد صلة وثيقة بين الفن الاستعراضي والفن الشعبي. فالفن الاستعراضي له أسس وضوابط أكاديمية أما الفن الشعبي فمستمد من البيئة. والفنان محمود رضا أبدع تلك التوليفة فاستطاع أن يجمع الفن الشعبي الأصيل المأخوذ من البيئة وقدمه بشكل استعراضي مسرحي على المسرح، وبالتالي استند إلى فن الباليه أثناء تأسيس فرقة رضا وعلّم الراقصين معه هذا الفن ليؤسس فيهم الأسس الفنية العميقة لفن الرقص. وأغلب الراقصين الذي كانوا معه كانت لديهم القدرة على التمثيل والتعبير وكانوا يؤدون ما يسمى لغة الجسد وهي كيفية التعبير عن كل شيء عن طريق الجسد.
آمن بي وقدمني للتمثيل
الفنانة القديرة هناء الشوربجى إحدى عضوات فرقة رضا سابقًا قالت: تعلمت من الفنان محمود رضا الالتزام والانضباط وحب العمل، التحقت بفرقة رضا قبل أن يتجاوز عمرى 15 عامًا، وهم من علمونى المبادئ الفنية التي أعيش بها حتى الآن من التزام الدقة فى المواعيد، والفنان محمود رضا رحمة الله عليه هو من اختارنى لكى أُمثل و لم أكن أعرف عن التمثيل شيئًا، علمنى وآمن بى و بموهبتي ، وهو من شجعنى كى التحق بمعهد الفنون المسرحية.
فيما قالت الفنانة القديرة عايدة رياض: رحمة الله عليه أسطورة الفن الشعبي ليس فى الوطن العربى فقط ولكن فى العالم بأكمله. أسس  مع وأخيه على رضا فرقة رضا و معهم الموسيقار على إسماعيل والفنانة فريدة فهمي، فكانوا مجموعة عظيمة كافحوا في سبيل قضيتهم وحبهم للفن الشعبي، استطاعوا أن يتعرفوا من خلال سفرهم على فرق الفنون الشعبية في العالم، وبدأوا يجوبون مصر بحثا عن الفن الشعبي، ونجحوا بشدة، واستطاعوا أن يسافروا حول العالم بفنهم، وحصلوا على جوائز عديدة على مستوى العالم.
الاسطورة
وتابعت عايدة رياض: كُنت أراه في المسرح عندما تجتمع فرقة رضا مع الفرقة القومية للفنون الشعبية التي كُنت بها، كُنت أُحب أن أُسلم عليه لأنه أسطورة، وقد التحقت بالفرقة القومية عندما شاهدت فيلم “إجازة نصف السنة”، لم أكُن أعرف شيئا عن الفن الشعبي إلا عندما شاهدت هذا الفيلم العظيم.
معلم كبير
فيما قال مُصمم الاستعراضات والمُخرج اللبناني وليد عونى: الله أنعم علينا بموهبة “محمود رضا” التى لن ننساها وستبقى للأبد، فلقد فقدنا رجُلًا عظيمًا سيبقى مصدر إلهام للجميع، هو أول مؤسس لحركة الرقص بمصر، تواجد فى فترة الخمسينات، و فى المكان المناسب، وكانت  مصر تحتاج إلى شخص يضع حجر أساس فن الرقص الشعبي، وما فعله شىء عظيم، أن يُوثق ذلك، واستطاع أن يتعاون مع من يخلق موسيقى تتناسب مع هذا الكيان الشعبي بكامل عمقه، فهناك  تقريبًا 25 رقصة، من الإسماعيلية للإسكندرية للتحطيب لرقصة العصا وغيرها من الرقصات، استطاع “رضا” أن يصنع أرشيفا مهما للموسيقى والرقص، وكُل من جاءوا بعده تابعوا مسيرته ولم يكتشفوا شيئا جديدا، وساروا على خطى هذا المُعلم الكبير، الذي استطاع أن يخلق تنوعا ويُصمم خطوات لكل محافظة بإحساس شعبي مرهف بما هو قبلى و ما هو بحرى .
وأضاف “عونى”: تميز “رضا” عندما درس الملابس وطبيعتها وحولها لكى تكون مُلونه على المسرح، وعرف أيضًا أهمية الموسيقى للرقصات، والتنوع فيها  بما يعبر عن كل محافظة ، وهو من الشخصيات الرقيقة ، يتكلم بهدوء وذكاء، شخص لديه تاريخ كبير، فكان هو وفرقته “رقم 1” ولكنني أعتقد أنه ظُلم من وزارة الثقافة المصرية، كان لابد أن تهتم به أكثر وتضعه على مستوى عالي يتناسب مع قيمته الإبداعية.
وتابع “عونى”: عندما احتفلت بمرور عشر سنوات  على الرقص المسرحى الحديث، قمت بعمل عرض على شرفه، إهداء إلى محمود رضا، وللأسف لم يكن فى مصر فى هذه الفترة،  بعدها عندما قمت بعمل مهرجان الرقص الحديث، كُنت أُكرم من خلاله شخصيات فنية وبالفعل كرمت الفنان محمود رضا، وكنت أذهب إليه فى مكتبه، وكان يهتم جدًا بتوثيق كُل شىء عن الرقص، عن رقصاته واهتمامه بذلك، لدرجة أنه عندما قمت بإنشاء مدرسة الرقص الحديث، طلبت منه أن يكون مُشرفا على مادة الفلكلور، ولكنه رشح لى المدربة الأولى عنده وهى الفنانة الراحلة نيفين حسين رامز زوجة الفنان محمد صبحى،  التى كانت تُدرّس مادة “محمود رضا” في مدرسة الرقص الحديث.
كذلك أضاف “عونى”: محمود رضا بالنسبة لى مُعلم كبير وأنا أعتز بشخصيته وفنه الكبير. يجب أن نتذكره كشخصية كبيرة معطاءة وفنية هو والفنانة فريدة فهمى، التي أرى أنها “ستايل” كان يجب أن يتم توثيقه، و أن يُدرس لأنه فريد من نوعه، فهو شرقي مصري تراثي يجب أن نعتز به جدًا، كُنت أتمنى أن تجمعنا صورة معًا. تابع : للأسف لم أُفكر يومًا أن نلتقط صورة معًا، ومن سنتين كُنت أرغب فى زيارته ولكن للأسف كانت حالته الصحية لاتسمح  و كُنت أتمنى أن أهديه صورة مهمة جدًا ونادرة، وهى صورة تجمعه بالفنانة هند رُستم بأستوديو بباريس عام 1955، كان يتمرن و كانت هى ترقص، وهذه الصورة إهداء منى لجريدة “مسرحنا”.
بصمة في عالم الاستعراض
كذلك قالت مديرة المسرح القومي ومركز الهناجر للفنون سابقًا د. هدى وصفى: محمود رضا فنان كبير استطاع أن يضع بصمه فى عالم الاستعراضات المُستلهمة من التُراث والتاريخ، فهى ليست مجرد رقصات شعبية، لكن كان هُناك علاقة حميمة بينها وبين ثقافتنا ، كانت البداية علاقة طيبة جدًا مع واحد من المُثقفين الروس كان هُناك تعاون بينهما، وروسيا لها تاريخ كبير فى هذا المجال الخاص بالرقصات الشعبية، ولديهم رقصات خاصة بكل منطقة ومدينة فى روسيا، كان “رضا” مُتأثرا جدًا بهذه الفكرة، وكُل ما قدمه كان مدروسا ومبنى على موضوع وتسلسل لحركات الفنانين والراقصين، وقد بذل مجهود كبير جدًا لصنع ذلك، وأنعم الله عليه أن تكون زوجة أخيه هى الفنانة فريدة فهمي لكى يُقدموا كل هذا الفن، ولكن يعود الفضل إلى والد الفنانة فريدة فهمى د. حسن فهمى الذى كان أستاذًا بكلية الهندسة، وكان شديد الولع بالتاريخ والتُراث والفن، وعلى الرغم من أنه كان رجل علم، إلا أنه شجّع أبنته على الرقص .
وتابعت د. هدى وصفى: درس الفنان محمود رضا الرقص وانتمى إلى المناطق التى استلهم منها الرقصات كالصعيد وبحرى، منذ عشرات السنين، ولكنها لم تُوضع تحت الأضواء كما فعل “رضا”، وما فعله هو وفرقته يُعد نجاحا باهرا وعلامة فى تاريخ الرقص الإيقاعي المصري. للأسف لم أكن على علاقة شخصية به، ولكن كُنت على علاقة شخصية بالفنانة فريدة فهمى.
وأضافت د. هدى وصفى: أتعجب جدًا كيف لم يتم ترشيحه لجوائز الدولة، رُبما لم يسعى هو لذلك، لا أدرى، ولكن هذا الأسطورة حصل على  تكريمات من كُل دول العالم، تقريبًا، فكيف لم يتم تكريمه ببلده بشكل يليق به، و كان يجب أن يتم ذلك.
الرائد الحقيقي
و قال المخرج الكبير عصام السيد: الفنان الكبير محمود رضا هو أول من صنع الرقص الشعبى فى مصر، وكان لسنوات عدة هو الرائد الذى يُوثق و يجمع الرقصات الشعبية والملابس المرتبطة بها، وكان شىء عبقرى جدًا، بعده أصبح لدينا فرقه قومية ومركز للفنون الشعبية والتُراث الشعبي.
فيما قال المخرج ومُصمم الاستعراضات مُناضل عنتر: على المستوى الشخصى أُحب هذا العملاق جدًا، و للأسف لم أُقابله أبدًا، وأنا أُحب الفنانين المُقلين في ظهورهم فى التلفاز، واتذكره دائمًا كما كان فى أفلامه. للأسف لم نره وهو كبير إلا فى صور، قبله لم يكن لدينا أى فرقة حقيقية فى الاستعراضات والفن الشعبي.
وتابع “عنتر”: قبل “محمود رضا” لم يكن لدينا فرقة أساسية لها شكل ومضمون، استطاع “رضا” أن يدرس الخطوات الأساسية فى الرقص عند الروس ، وأسس هو خطواته من التُراث، أخترع شيئا من الصفر، خلق تمارين حقيقية وخاصة  بفرقة رضا وبمحمود رضا، فهو مبتكر ومتميز. بالتأكيد جاءت بعده أسماء مهمة فى الفن الشعبي والاستعراضات ولكن ليس بنفس القدرة والموهبة الخاصة به ، وقد استطاع أن يقنع الحكومة فى وقت صعب أن يكون لدينا فرقة راقصة تمولها الدولة وهذا لم يكن شيئًا سهلًا.
وأضاف “عنتر”: الفنان محمود رضا هو من خلّق مدرسة للرقص، جميعنا نسير على نهجه. لم يكن هناك حركة فى الرقص اسمها حركة الفلاح يضرب الفأس فى الأرض، هو من خلق ذلك من العدم، لقد وضع الخطوات الأساسية للرقص،  لذلك عندما أُقدم بعض الرقصات الشعبية ضمن أعمالي لا بد أن أعود للأصل لما قدمه هذا المُبدع، لأن “رضا” هو الجذور الحقيقية للرقص، فقبله لم يكن هناك جذور.
وأضاف “مُناضل” أيضًا: محمود رضا لديه رقصًا منفردًا “سولو” شهير فى فيلم الكرنك، رقصته فى المعبد بمفرده، والرقصة تم تصويرها بشكل احترافي، وهذه إحدى المشاكل التى نواجهها، من الممكن أن يكون لدينا رقصات كثيرة ولكن غير مصورة، أو غير مصورة بشكل تقنى سليم، وأتذكر جدًا وافتخر أن أول جائزة حصلت عليها فى المهرجان القومى للمسرح كانت بـ “اسمه” “جائزة محمود رضا”، فهو أيقونه حقيقية، أتمنى أن يتم تصوير الـتمارين الخاصة بالفنان محمود رضا، لأن من حق الأجيال أن تعرف ذلك وتتعرف عليه، وأتمنى أن يتم تطوير أعماله أو على الأقل إعادة صياغة تمارينه.
وختامًا قال رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية د. عادل عبده: رحمة الله عليه هو قيمة وقامة كبيرة وتاريخ كبير، فرقة رضا بدأت عام 1959، ثم أصبحت تابعة للدولة عام 1961 بتكليف من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان فى هذا التوقيت وزير الثقافة ثروت عكاشة، والفرقة حققت نجاحات كبيرة جدًا داخل وخارج مصر. اضاف:  “محمود رضا” هو من أهم القوى الناعمة فى الفنون المصرية، لأنه جاب العالم كله، وأطلعه على فنوننا الشعبية وعاداتنا وتقاليدنا، من خلال الرقصات الشعبية الجميلة التى قدمها ،  لم يكن مجرد فنان أو مصمم استعراضات إنما هو جزء مهم من تاريخ مصر الشعبي.
وتابع د. عادل عبده: ذهبت إليه أنا وبعض الزملاء، وتم تكريمه وإعطاؤه درع قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، وكان سعيدا جدًا بذلك، وعلى الرغم من أن حالته الصحية كانت صعبة، إلا أنه سألني عن أخبار البيت الفني للفنون الشعبية  وقال “إنه وحشني”  وسألني أيضًا على فرقة رضا.. وقد احتفلنا بالعيد الستين لفرقة رضا يوم 26 ديسمبر 2019، وتم تكريم كُل رموز الفرقة وبشكل خاص الفنان الكبير محمود رضا، وقمنا بعمل درع التكريم عبارة عن تمثال محمود رضا.
وأضاف د.عادل عبده: وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدائم مهتمة جدًا بتكريمه، وأنا في تواصل مع د. خالد جلال ومعالي الوزيرة، و لدينا أفكار كثيرة ندرسها لنرى أهمها، حتى نقوم بعمل شىء يليق بقيمته الفنية الكبيرة. و بالفعل نحن وثقنا العديد من رقصات الفنان محمود رضا، و سنقوم بعمل ذلك بشكل جديد، وهُناك أفكار جديدة سيتم الإعلان عنها فى الوقت المناسب، وقبل ذلك احتفلنا على مسرح البالون بالموسيقار بليغ حمدي، ونحن الآن نقوم بعمل نحتفل من خلاله بالموسيقار سيد درويش، وبالتأكيد سنقوم بعمل كبير جدًا للراحل الفنان الكبير محمود رضا.


أحمد محمد الشريف -إيناس العيسوي