وداعا.. محمود مسعود

وداعا.. محمود مسعود

العدد 668 صدر بتاريخ 15يونيو2020

الفنان القدير محمود مسعود والذي رحل عن عالمنا فجر يوم الخميس الموافق 11 يونيو (2020) نموذج مشرف للفنان الموهوب المثقف الذي أصقل موهبته بالدراسة وحرص على الاحتفاظ بروح الهواية، ولذا فقد ظل طوال مسيرته الفنية حريصا جدا على الدقة في اختيار أدواره وكذلك على تنوعها، وثم الاجتهاد الكبير وبصدق في تجسيدها بكل براعة. وهو من مواليد 3 سبتمبر عام 1952، وقد شغف بالموسيقى والرسم منذ صغره خاصة بعدما شجعه والده على تنمية مواهبه. وبعد حصوله على الثانوية العام التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وحصل على درجة البكالوريوس عام 1975 (قسم التمثيل والإخراج)، وتعد دفعته من الدفعات المتميزة حيث ضمت عددا من الموهوبين الذين نجحوا في تحقيق النجومية والشهرة بعد ذلك ومن بينهم الفنانين: فاروق الفيشاوي، فاطمة مظهر، إبراهيم يسري، عماد رشاد، سامي العدل، وجدي العربي، إسماعيل محمود، محسن حلمي، نادية شكري، راوية سعيد، حمدي حافظ، يوسف رجائي، عبد الله إسماعيل.
كانت بداية احترافه بمشاركته في مسرحية “هاملت” باستديو الممثل” عام 1975 ومن إخراج محمد صبحي، ثم انضم عقب تخرجه إلى أسرة “مسرح الطليعة”، وهي الفرقة التي ظل يعتز بالانتماء إليها طوال مسيرته الفنية، وحتى بعد انتقاله إلى عضوية فرقة “المسرح القومي” خلال الفترة الأخيرة من حياته الوظيفية. كانت بدايته الفنية بفرقة “مسرح الطليعة” مع مجموعة من زملاء دفعته ومن بينهم: فاروق الفيشاوي، إبراهيم يسري، إسماعيل محمود، راوية سعيد، محسن حلمي، يوسف رجائي، وكانت الفرقة خلال تلك الفترة يديرها الفنان القدير سمير العصفوري الذي قرر عدم الاستعانة بالنجوم من خارج الفرقة، ومنح جميع أعضاء الفرقة الفرصة كاملة للكشف عن مواهبهم وصقلها وكذلك منحهم فرص البطولة المطلقة، فبرز من بين أعضائها - بخلاف ما تم ذكرهم - الفنانون: محمود الجندي، أحمد راتب، أحمد ماهر، صبري عبد المنعم، محمد كامل، رشوان سعيد، علي عزب، عهدي صادق، حسن الديب، لطفي لبيب، أحمد عقل، محمد التاجي، زايد فؤاد، أحمد عبد العزيز، وذلك قبل أن يحقق كل منهم نجاحه وانتشاره في بداية الثمانينات. وكان من بينهم أيضا وبصفة خاصة الفنان محمود مسعود الذي تألق مسرحيا ثم حقق نجاحه وانتشاره وشهرته من خلال مشاركته بعدد من المسلسلات والسهرات التلفزيونية، مما دفعه لتركيز جهوده بها على حساب أعماله بباقي القنوات الفنية الأخرى وخاصة المسرح عشقه الأول. وكان قد لعب في خلال فترة البدايات عدة أدوار صغيرة ببعض الأفلام والمسلسلات ولكنها كانت مؤثرة دراميا فنجحت في لفت الأنظار إليه ومن بينها أدواره في كل من: مسرحية “مع خالص تحياتي شكرا” لفرقة المدبوليزم (عام 1979)، فيلم “حبيبي دائما” (عام 1980)، ومسلسل “محمد رسول الله” (ج3 - عام 1982)، ثم بعد ذلك توالت أعماله التي حققت له النجاح، فشارك خلال مسيرته الفنية في بطولة ما يقرب من مائة وخمسين عملا من بينهم خمسة وثلاثين مسرحية، وخمسة وثلاثين فيلما وعشرات المسلسلات الدرامية، ويمكن تصنيف مشاركاته الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية كما يلي:
أولا - مشاركاته المسرحيات:
يبقى المسرح مجال عشقه الأول الذي أثبت من خلال عروضه موهبته كما حقق نجوميته من خلال العمل خشبته، ويمكن تصنيف قائمة أعماله طبقا لاختلاف الفرق كما يلي:
- “مسرح الطليعة”: مولد الملك معروف، شكسبير في العتبة (1976)، يا عنتر (1977)، أبو زيد الهلالي، ضحايا الواجب، روميو وجانيت (1978)، مسافر ليل، الليل طويل (1980)، الكلمة والموت (1984)، الراجل إللي أكل بعضه (1991)، مأساة الحلاج (2002)، كان جدع (2007)، الرقص مع الزمن (2008).
-  “القاهرة للعرائس”: المحظوظ (1980).
- “المسرح الكوميدي”: مولد وصاحبه غايب (1985)، ورد الجناين (2011)، حوش بديعة (2016).
- “المسرح القومي”: اتنين تحت الأرض (1987)، الساحرة (1995).
- “مسرح الشباب”: بكره زي النهاردة (1989)، دنيا المولد (1990).
- “أنغام الشباب”: هز الهلال يا سيد (1992).
- “المسرح الحديث”: هامبورجر (1993)، ملك الأمراء (1999).
- “مسرح الغد”: شفيقة ومتولي (1998)، سعدى ومرعي (1999).
- “مركز الهناجر للفنون”: الأب (2000)، خداع البصر (2001).
- “المسرح القومي للطفل”: عالم أقزام (2008)، فتح مكة (2012).
وذلك بخلاف مسرحية: “مع خالص تحياتي شكرا” لفرقة المدبوليزم (1979)، ومسرحية “اسكندرية والمحبوب” للهيئة العامة لقصور الثقافة (1998)، وبعض المسرحيات المصورة ومن بينها: عباس في الباي باي، شبان آخر زمن، النصابين، أولادي، بلال مؤذن الرسول.
وقد تعاون من خلال المسرحيات السابقة مع نخبة من المخرجين المتميزين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: سعد أردش، عبد المنعم مدبولي، سمير العصفوري، فهمي الخولي، مصطفى الدمرداش، السيد طليب، ماهر عبد الحميد، محسن حلمي، فاروق زكي، عمرو دوارة، سامي صلاح، أحمد عبد العزيز، حسين حامد، أشرف زكي، إيمان الصيرفي، ياسر صادق، محمود حسن، عزة لبيب، صبحي يوسف، شريف عبد اللطيف، أحمد إبراهيم، هاني عبدالمعتمد.
ثانيا - مشاركاته السينمائية:
لم تستطع السينما للأسف الاستفادة من موهبة وخبرات هذا الفنان القدير بالصورة التي تليق بموهبته وخبراته، خاصة مع رفضه القاطع بتقديم أي تنازلات فنية، فقد أصر منذ بدايته السينمائية في سبعينيات القرن الماضي على رفضه المشاركة بأدوار هامشية لا تتناسب مع حجم الأدوار التي يشارك بها في المسرح أو الدراما التلفزيونية، خاصة وأنه ظل مقتنعا تماما بأن السينما هي الذاكرة الحقيقية لكل فنان، ولذا لم يتجاوز رصيده السينمائي طوال مسيرته الفنية عدد ثلاثين فيلما على مدى أكثر من أربعين عاما، شارك خلالها بأداء بعض الأدوار الرئيسة، كما شارك أيضا بالبطولة المطلقة ببعضها، ومن بينها الأفلام الأربعة: بيت الكوامل، أيام الماء والملح، انه قدري، جواز عرفي. وكانت أولى مشاركاته السينمائية بفيلم “عيب يا لولو يا لولو عيب” من إنتاج عام 1978، وإخراج سيد طنطاوي، وبطولة عزت العلايلي ونيللي ومحمود عبد العزيز، وذلك في حين كانت آخر مشاركاته بفيلم “سوق الجمعة” والذي شارك فيه كضيف شرف، وهو من انتاج عام 2018 ومن إخراج سامح عبد العزيز، وبطولة عمرو عبد الجليل ودلال عبد العزيز ومحمود الجندي.
وتضم قائمة أعماله الأفلام التالية: عيب يا لولو .. يا لولو عيب (1978)، حبيبي دائما (1980)، انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط (1981)، حب في الزنزانة (1983)، جبروت امرأة  (1984)، كدابين الزفة، الداهية، بيت الكوامل، الحلم القاتل، الأنثى، مرارة الأيام (1986)، النصيب المكتوب (1987)، المتمرد، ضحية حب، اخترت حياتي (1988)، حكاية تو، أنه قدري (1989)، وضاع الطريق، أيام الماء والملح (1990)، في العشق والسفر، ليل وليالي (1991)، امرأة آيلة للسقوط، المتهمون (1992)، مجانينو، الشرسة (1993)، الفاجومي (2011)، وذلك بخلاف بعض الأفلام الأخرى ومن بينها: اليوم المشهود، ليل وغوازي.
وجدير بالذكر أنه من خلال مجموعة الأفلام السابقة قد تعاون مع نخبة من المخرجين المتميزين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: هنري بركات، عاطف سالم، سيد طنطاوي، نادر جلال، حسين كمال، محمد عبد العزيز، خيري بشارة، كمال صلاح الدين، عادل الأعصر، أحمد صقر، أحمد السبعاوي، مدحت السباعي، محمد فاضل، يحيى العلمي، هاني لاشين، عصام الشماع، ناصر حسين، نبيل زكي، يوسف شرف الدين، نبوي عجلان، إسماعيل حسن، حسين الوكيل، عبد الهادي طه، محمود سامي خليل، يوسف إبراهيم، سمير حافظ، علاء كامل، سامح عبد العزيز.
ثالثا - أهم المسلسلات:
نجحت الدراما التلفزيونية في الاستفادة من موهبة وطاقة هذا الفنان القدير، فشارك  ببطولة وتجسيد الأدوار الرئيسة في عدد كبير من المسلسلات والسهرات التلفزيونية ولعل من أهمها التمثيليات الدرامية لبرنامج “بين الناس”. هذا وتضم قائمة مشاركاته الأعمال التالية: البريمو، المباراة، جن مصور، الحب والطوفان، اللعبة، ولكنه الحب، أبواب البحر، اللقاء الأخير، الأحباب والمصير، الحب وأشياء أخرى، الطاحونة، ألف ليلة وليلة، الوجه الآخر، صعاليك لكن شعراء، اللقاء الثاني، تحت أقدام الزمن، الامتحان، مغامرات زكية هانم، سر الأرض، جمهورية زفتى، سعد اليتيم، وبقيت الذكريات، يوم عسل يوم بصل، الحنين إلى الماضي، أم كلثوم، سوق الرجالة، بوابة الحلواني، قسمتي ونصيبي، الحياة امرأة، ذنوب الأبرياء، الفنار، نسيم الروح، حكايات البنات، راجل وست ستات، حدف بحر، الوتر المشدود، أفراح إبليس، أيام الحب والشقاوة، أشجار النار، شمس الأنصاري، من الجاني، حلاوة روح، تفاحة أدم، أكتوبر الآخر، إحنا الطلبة، دنيا جديدة، عائلة مجنونة، حارة اليهود، كليوباترة، بين السرايات، إمرأة آيلة للسقوط، خيانة عهد، لآخر نفس، الشريط الأحمر، عوالم خفية، الحالة ج، هي ودافنشي، الميزان، الركين، أبو القاسم الطنبوري وإخوانه، نور الدين زنكي، الجماعة، رجل الأقدار، الداعية، أم الصابرين، سيدنا السيد، هز الهلال ياسيد، أمير الشرق، فارس العرب، السيرة العربية، الأرض الطيبة، آيات وحكايات، رابعة تعود، الإمام المراغي، الإمام محمد عبده، الحضارة العربية الإسلامية، الإسلام والانسان، المرأة في الإسلام، القضاء في الإسلام (ج7،9)، وجاء الإسلام بالسلام، محمد رسول لله، وذلك بخلاف بعض السهرات التلفزيونية ومن بينها: عجيبة، طلقة في الظلام، لا وقت للضياع، قصة طفل بريء، الست عيشة، مرة واحد صاحبنا، ضحية حب، القلوب عند بعضها، أحلام مشروعة.
رابعا - مشاركاته الإذاعية:
يحسب لميكرفون الإذاعة قدرته على الاستفادة من موهبة الفنان القدير محمود مسعود وتوظيف خبراته الفنية، خاصة مع تميزه ومهاراته في التمثيل باللغة العربية الفصحي أيضا، فأتاح له فرصة المشاركة في البطولة وتجسيد عشرات الشخصيات الدرامية الثرية من خلال المسلسلات والتمثيليات والسهرات الإذاعية ومن بينها على سبيل المثال: بنت السفير، سور الأزبكية، حصاد العمر، هذا بالإضافة إلى الأداء الصوتي المميز الذي قدمه لعدد من الكتب ضمن سلسلة الكتاب المسموع، وأيضا لعدد من المسرحيات العالمية المترجمة والمعدة إذاعيا لإذاعة “البرنامج الثقافي” (البرنامج الثاني سابقا). وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أننا للأسف الشديد نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية الكبيرة لهذا الفنان القدير، والذي ساهم في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من الأعمال الدرامية المتميزة وبعض برامج المنوعات على مدار مايزيد عن أربعين عاما.
وأخيرا يمكننا من خلال رصد ودراسة قائمة الأعمال التي شارك في بطولتها هذا الفنان القدير أن أقرر بأنها تتسم بصفة عامة بالتنوع والجودة والرصانة، وأن أدواره بها متنوعة ولا تتشابه بل على النقيض فإن كل منها يعد دورا جديدا وبالتالي كان يضعه في تحد جديد، وأن كانت جميعها تؤكد تميزه في الأداء - سواء باللغة العربية الفصحى أو العامية - كما تكشف وتؤكد مهارته في تجسيد الشخصيات المركبة، تلك الأدوار التي تتطلب منه دراسة الأبعاد الدرامية لكل شخصية بدقة وخاصة البعد النفسي ومدى تأثيره بعد ذلك على كل من البعدين المادي والاجتماعي. ومما سبق يتضح أن الفنان الأصيل محمود مسعود قد حافظ على معيار الإلتزام والجودة بجميع أعماله الفنية بلا استثناء، وبالتالي فقد ظل نموذجا جيدا ورائعا لعدد كبير من الفنانين الأكاديمين الذين نجحوا في صقل موهبتهم بالدراسات الأكاديمية وحرصوا طوال مشوارهم الفني على المحافظة على التقاليد المهنية وإعلاء القيمة الفنية بالتدقيق في اختياراتهم، وعدم تقديم أي تنازلات مهما كانت المغريات أو الضغوط الحياتية.
- ذكريات مسرحية:
الفنان الصديق الغالي محمود مسعود نموذج مشرف للفنان الأصيل والمثقف الحقيقي مرهف الحس، المتذوق لمختلف الفنون، فهو قارئ نهم ومتذوق حساس وواع للشعر والزجل، ومدمن مشاهدة الأفلام والمسلسلات الأجنبية، كما أنه يعشق الغناء والعزف على العود ويجيد الرسم، فهو باختصار عاشق للإبداع بكافة صوره وأشكاله واتجاهاته، وهذا ما لمسته من خلال صداقتنا التي استمرت أكثر من أربعين عاما.
لقد بدأت صداقتنا في نهاية سبعينيات القرن الماضي وبالتحديد عقب تخرجه من المعهد مباشرة، بعدما جمع بيننا عشق الفنون وخاصة المسرح، ونظرا لأننا أبناء جيل واحد - وأنه يسبقني في العمر فقط بثلاث سنوات - كان من المنطقى أن أشاركه كثير من المواقف الانسانية والفنية وأن أحضر معه بروفات كثير من الأعمال بداية من بروفات مسرحية “ضحايا الواجب” بفرقة “الطليعة، ثم بروفات مسرحية “مع خالص تحياتي شكرا” لفرقة المدبوليزم.
ظلت العلاقة بيننا تقوى مع الزمن ومع ذلك لم أغامر بترشيحه لبطولة بعض المسرحيات التي قمت بإخراجها لفرق مسارح الدولة منذ النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، وذلك حتى لا يؤثر رفضه المحتمل على صداقتنا، وانتظرت سنوات وأنا حريص على دعوته لمشاهدة كل عروضي وسعيد جدا باعجابه بها، وذلك حتى شاهد مسرحية “المسحراتي الأصيل” عام 1994، وكانت من تلك المسرحيات التي تستهويه لتوظيفي الدرامي لأشعار وأزجال المبدعين بيرم التونسي وفؤاد حداد. كان يشارك ببطولتها الصوت الشرق الأصيل أحمد إبراهيم ومجموعة من أصدقائنا المشتركين (أحمد سلامة، منير مكرم، رشدي الشامي، رضا حامد، عصام عبد الله) وكم كانت سعادتي حينما أعلن يومها عن رغبته في التعاون الفني بيننا، وهو ما تحقق بالفعل من خلال مسرحيتين هما:
- مسرحية “ملك الأمراء” من انتاج فرقة “المسرح الحديث” عام 1999 من تأليف فكري النقاش (ديكورات وملابس مهيرة دراز، وأشعار وأغاني عزت عبد الوهاب، وتلحين وموسيقى ماجد عرابي، واستعراضات حسن السبكي)، وقد شاركه في البطولة كل من الفنانين: جليلة محمود، ، رضا الجمال، ماجدة حمادة ، محمد درديري عبد الله حفني، عبد السلام الدهشان، إبراهيم الدالي، مجدي إدريس، طارق الباجوري، حمدي هيكل، عصام عبد الله، أحمد إبراهيم، فاتن غيث. وقد قام الفنان محمود مسعود في هذه المسرحية بتجسيد شخصية المهندس البساطي الذي ظلمه ملك الأمراء خاير بك باصداره لأمر بقطع يده. وهي الشخصية التي نجح في تجسيدها بكل براعة بشهادة عدد كبير من النقاد.
- المسرحية الثانية بعنوان: “خداع البصر” من انتاج “مركز الهناجر للفنون” عام 2001، من تأليف أمير سلامة، (ديكور فادي فوكيه، ألحان أشرف الدلجاوي)، وقد شاركه في البطولة كل من الفنانين: عايدة فهمي، مخلص البحيري، أشرف طلبة، كريمة الحفناوي. وهي مسرحية يمكن تصنيفها تحت مسمى “السيكودراما”، وتدور أحداثها الدرامية في عيادة الدكتور شاكر، حيث يلتقي الصراف العصامي والأب المكافح حمدي مع الفنانة المتألقة ماجي (زوجة د.شاكر)، والتي تنتهز فرصة دخول ابنته لغرفة الكشف وتقوم بوضعه تحت ضغوط نفسية كبيرة، حتى يتصور أن الدكتور قد خان الأمانة وانتهك شرفه أثناء كشفه على ابنته. وقد قام الفنان محمود مسعود بتجسيد هذه الشخصية - برغم صعوبتها - ببراعة كبيرة جدا، ونجح في إجراء مباراة متميزة في الآداء مع كل من القديرين عايدة فهمي ومخلص البحيري.
وتقتضي الحقيقة أن أسجل له من خلال التجربة العملية والتعاون الفني في مسرحيتين مدى التزامه الفني الكبير وانضباطه الشديد واحترامه لمواعيده بكل دقة، وأيضا حرصه على علاقاته الطيبة مع جميع زملائه وإشاعة جو من البهجة بكواليس أعماله المختلفة.
وكان من المنطقي أن يحظى الفنان الصديق محمود مسعود بفرصة التكريم خلال الدورات المتتالية لمهرجان “المسرح العربي” الذي تنظمة “الجمعية المصرية لهواة المسرح” وشرفت بتأسيسه ورئاسة دوراته الخمسة عشر، ولكن في الحقيقة ونظرا لصداقتنا الوطيدة والحساسية الكبيرة لدى كل منا فقد تأجل تكريمه حتى دورته الحادية عشر عام 2013. تلك الدورة التي تم تنظيمها تحت رعاية وزير الثقافة بمركز الهناجر للفنون. ويحسب للفنان القدير محمود مسعود ذكائه الشديد بموافقته الفورية على اقتراحي بإحياء حفل افتتاح المهرجان بإلقاء القصيدة الرائعة “على اسم مصر” للمبدع صلاح جاهين، وهي القصيدة التي كان معجبا بها بشدة ويحفظها عن ظهر قلب، وكم سعدت بحرصه - بعد النجاح الكبير الذي تحقق له خلال حفل الافتتاح - على تقديمها بعد ذلك كعرض مستقل لعدة سنوات. حقيقة كم كان بارعا ورائعا ومبدعا ومتمكنا من براعته في الاستهلال وهو يشدو بالأبيات التالية:
على اسم “مصر” التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا “مصر” عندي أحب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب
وباحبها وهي مرمية جريحة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء.
وأخير جاءت النهاية سريعة مؤلمة ولم يمهلنا القدر فرصة وداعه الأخير، ولكننا لا نملك سوى القول بقلوب خاشعة: “البقاء لله وإنا لله وإنا إليه راجعون”، وندعو له بالرحمة والمغفرة جزاء ما أخلص في عمله وسعيه الدائم لاسعادنا وادراكه المبكر لقيمة الفن الجاد ودوره في خدمة مجتمعنا.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏