«أفراح القبة».. مصنع الإبداع

«أفراح القبة».. مصنع الإبداع

العدد 655 صدر بتاريخ 16مارس2020

على خشبة المسرح العائم الصغير بالمنيل التابع لفرقة مسرح الشباب
عرضت مسرحية افراح القبة عن رواية الاديب العالمي نجيب محفوظ وبعيدا عن الرواية كمصنف أدبي .. علينا التعامل مع ما هو معروض على خشبة المسرح.
تدور أحداث المسرحية داخل مسرح بكواليسه وأعضائه ... حيث كان القرار بإنتاج مسرحية جديدة كتبها مؤلف شاب هو ابن الملقن العجوز .. كتب النص الدرامي في العلاقات الإنسانية بين أعضاء الفريق على مدار ثلاث أجيال .. الجد والأب والابن انطلاقا من عائلة الملقن سرحان الهلالي صاحب المسرح يقرر انتاج العمل .. وطارق رمضان الممثل يعترض على نشر الفضائح والاسرار .. بينما نرى جريمة قتل لزوجة المؤلف في الأصل وكيف تم قتلها وماهى قصتها .. انها القصة المتكررة .. الغواية التي تنتهى بالاغتصاب .. وادعاء الغفران والستر من قواد .. وعليها تتم العلاقات الدرامية في تطابق بين علاقات افراد الفريق والعلاقات الدرامية بالعرض ... فام المؤلف وزوجة الملقن كانت فتاه موهوبة وفنانة استثمرها سرحان الهلالي في علاقة جنسية وحطمها إنسانيا بعد احباط وعده بالزواج منها .. وقد سهلت ام هاني مسئولة الملابس بالمسرح زواجها من الملقن الذى أحبها .. وبعد صدمته ليلة الدخلة اعلن الغفران عنها وتصورت انها السعادة وعاشت زوجة فقط لتنسى الماضي المؤلم... إلا أنها تفاجأ بتاريخه حيث تركه ابوه طفلا وعملت أمه بالدعارة لكي تربيه؟؟؟ واعتاد هذا الامر بعد بعض المعاناة .. وبما انه مدمن خمور ومخدرات وفي أزمات مالية مستمرة فتح بيته كصالة قمار وخمور وتوابعها تربي ابنه عليها رغم تمسك امه بشرفها ومحاولتها البائسة في تربيته تربية سوية ..
وعلى الجانب الاخر كان طارق الفنان هو من يرعى هذا الصبي فكريا وثقافيا ويحب الفتاه الفنانة التي لم تسلم من سرحان الهلالي الا ان الحب انتصر بينهما وعاشا قصة حب يائسة بسبب فقر طارق رمضان رغم انه في الحقيقة شريك في ملكية المسرح عرفيا حيث ساهم وسهل لسرحان عملية النصب والاحتيال واغتيال مالك المسرح الأصلي فقد عاش فقيرا بضغوط من سرحان حتى لا يفتضح أمره واشتهته أم هاني لأنها تحبه في مقابل توفير السكن والطعام له .. وبينما شب الصبي وكبر عشق محبوبة طارق رمضان وطمعت فيه الفنانة وتزوجته وسط بركان الغيرة عليها من طارق رمضان الذى عاش معها قصة حب حقيقية وعلاقات عميقه وينظر للفتى باعتباره ربيبه وابنه وتلميذه بينما وافق الاب الملقن باستهتار ورفضت الام بشرف ... يلعب سرحان الهلالي الدور القذر في استقطابها مرة أخرى ليثير غيرة الزوج ويزيد من غيرة طارق .. كل هذا تكشفه شريكته وكاتمة اسراره وعشيقته الوحيدة التي استغلت رغبته المحمومة فيها واستولت على نصف ملكية المسرح وأصبحت النجمة التي تغار من الفتاه الموهوبة زوجة المؤلف .. وفجاة يتم قتل الزوجة الفنانة ... طارق يريد الثار لها من زوجها القاتل المختفي الهارب ويرفض انتاج المسرحية باعتباره الشريك العرفي لملكية الفرقة رغم فقره الشديد وحياته عالة على ام طارق مقابل علاقة جنسية محرمة .. تكتمل خيوط تلك اللعبة الشريرة القذرة في يد سرحان الهلالي وهو القاتل الحقيقي الذى قرر التخلص من شركائه ومن الفنانة التي رفضته .. ومن طارق بايهامه بالثار ليقتل المؤلف الزوج .. ودبر قتل شريكته التي تعرف سر تلك اللعبة القذرة ليفوز في النهاية بالفرقة والمسرح ... انطلاقا من رؤيته بان الحياه مسرحية كل البشر يؤدون فيها ادوارهم المختلفة عن حقيقتهم ...
كيف وصلت إلينا هذه العلاقات عبر الفرجة المسرحية ؟
قامت المعالجة بالاستعراض في البداية في الزمن الحاضر .. سرحان الهلالي كبير السن يوافق على انتاج المسرحية التي يعترض عليها طارق بغضب .. ويتفجر السؤال الدرامي .. لماذا الاعتراض وماهى طبيعة هذه العلاقات .. نعود للماضي مع جريمة القتل الحالية في الحاضر .. طارق رمضان يطلب الثار من الزوج المؤلف وينطلق الماضي الى الفتاه الموهوبة الحالمة التي غواها سرحان الهلالي .. وهى الام الحالية للشاب المؤلف وزوجة الملقن العاطل .. الباحثين عن ابنهم الهارب .. بينما تتوالى احداث الماضي امامهم في احباطها من سرحان الذي يوقع عقد الشراكة مع خليلته التي نصبها نجمة الفرقة المسرحية فيراها الملقن حزينة باكية تثير عطفه وحبه وتسهل ام هانى الزيجة التي تتم على الفور .. فليس الفلاش باك هو تكنيك بناء الاحداث بل التوازى والتقابل بين الماضي والحاضر للكشف التدريجي عن تلك العلاقات والذي يشمل كل المواقف .. العلاقات الفنية بالفرقة والعلاقات المنحرفة بين سرحان ونساء الفريق وحالة الغضب والثورة المستمرة لدى طارق الوحيد الذى يرى غريمه الذي يظن انه القاتل ويحاول قتله مرارا الا ان الجميع اتفقوا في مؤامرة قذرة على وهمه ان غريمه هارب وهو يراه في خياله فقط الى ان يقترب طارق من الجنون ..
تطلبت هذه الاحداث أماكن متعددة .. خشبة المسرح وبيت الملقن وأماكن العشق والغرام واللامكان في مونولوجات الشخصيات المعزولة ببؤرة الإضاة والخلفية السوداء والسرد الدرامي من الصالة امام المسرح .. وتجريد المكان في التقابل بين الماضي والحاضر في ذات الوقت باستخدام بانوهات متحركة على شاريوهات والبرياكوتا ثلاثية المنظر لسهولة التغيير والانتقال من مكان لاخر في لحظات الرؤية وببساطة وسهولة ويسر .. حيث يجعلنا نرى الملقن طفلا وصبيا وشابا وعجوزا وكذلك نرى المؤلف طفلا وشابا .. ونرى الام فتاه منطلقة وسيدة كبيرة .. يري الأطفال جيل الإباء في حال الانحراف الى حد الاعتياد وتسقط كل القيم تحت مسمي مسرحة الحياه والطبائع والسلوك .. او ربما تلعب نظرية الدور في علم النفس الية الفصل بين الحقيقة والواقع .. فالكل مزيف بلا اى استثناء .. حتى طارق رمضان المجرم القديم والذي يعيش حياة محرمة مع سيدة تكبره في مقابل السكن والطعام من اجل علاقة جنسية محرمة رغم ان ام هاني تحبه بالفعل وتشتهيه على الدوام الا انها تسعى لعودة علاقته بمحبوبته حتى لاتفقده من شدة حزنه على محبوبته التي فقدها وضعف دوره الداعر معها .
 يتميز العرض بالحرفية العالية لدى المخرج الذي قام بالاعداد الدرامي وحلول الأماكن في الديكور باستخدام الشاريوهات والبرياكوتا والعزل الضوئي والمزج بين الأماكن بالحركة والاضاءة والتعبير الحركي الراقص في بعض الأحيان والعنف بالخداع الضوئي بالفلاشر في المعارك ولحظات الاغتصاب .
قدم لنا العرض قوى الشر الإنسانية في اغلب الشخصيات بقيادة سرحان الهلالي .. المجرم النصاب الذى خاطب تلك القوى الاجرامية في طارق وأخرجها إلى سطح سلوكه لاختطاف ملكية دار العرض المسرحي من مالكه الأصلي واستولى على الملكية بمفرده واهما طارق بشبح السجن والعقاب مستغلا موهبته وحبه للفن وبحثه عن الفرصة الفنية واستغله فنيا بالمجان في فترة نهاية الستينات وتجلت في سبعينيات القرن العشرين حيث كان الابداع خاليا من الطموحات المادية عند اغلب الفنانين .. وبالتالي من السهل ان يضحي الفنان بحياته المعيشية من اجل فنه وابداعه واجاد سرحان الهلالي استغلالها في طارق رمضان وفي حليمة التي تزوجت الملقن - كرم - بعد ان نهش سرحان عذريتها .. بينما استغلت تحية شهوة سرحان ماديا فشاركته في ملكية المسرح باعتبارها منحرفة دخيلة على الفن وتعلمت من ماساة حليمة بنت شارعها وصديقتها ...
أما عباس ابن حليمة المؤلف وربيب طارق وتلميذه طمع في محبوبته ... التي تكبره في السن والتي اشتهته وهى نافرة من خشونة تعامل طارق معها .. مما اسقط القيم الأخلاقية الساقطة في الأصل من بيئته المنحرفة .. فقد عاش طفلا في بيت يدار للقمار وتعاطى الخمور وافعال أخرى . وشاهد سرحان يتحرش بامه .. واستكمالا للصورة نرى ام هاني قوادة سرحان التي كبرت في السن وكاتمة اسراره والمخرج الذي يفعل اى شيء من اجل المصلحة ومصمم الاستعراضات عديم الموهبة والممثلين الحقيقيين عصب المسرحية الداخلية في الاحداث .. وفي خضم هذه العلاقات المزدجمة يطل علينا عامل البوفيه الصامت .. الذى يستغل رمزيا بتمثيل الضمير العام .. وقد اكد المخرج هذه الرمزية في انه الوحيد في نهاية الاحداث الذى حمل الطفل المولود البرئ رمز المستقبل وخرج به الى صالة المتفرجين ومنها الى خارج المسرح / الى المجتمع .. حيث يحمل بين يديه المستقبل الطاهر النقي .. خارج هذه الزمن .. سبعينيات القرن العشرين وما تلاها .. وربما يحمل في رمزيته تفسيرا سياسيا
كل التحية لفناني العرض الممثلين ..
عبد المنعم رياض .. سرحان الهلالي ... الفنان المخضرم العظيم الذى راعى الفواصل الزمنية في الشخصية وسيطر بروحه وادائه على العالم الدرامي .. شابا وعجوزا ..
ميدو عبد القادر .. طارق رمضان ... الكتلة الإبداعية عالية الطاقة شابا وناضجا .. عاضبا وغيورا وثائرا على الدوام .. وصل الى حد الجنون في لياقة ادائية حركيا وصوتيا .. وعلاقة جدلية بين شخصية الممثل وصراعه مع الدور.. بين ذات الفنان والشخصية الإبداعية .. بين الانكسار والضعف والثورة والقتال .. بين الحب الطاهر والعلاقة المحرمة ... والصعوبة في هذا النوع من الأداء التمثيلي ان كل المواقف انفعالية مليئة بطاقات الغضب .. ومتشابهة انفعاليا مما قد يوقع الممثل في التكرار والممل .. الا ان ميدو عبد القادر صنع لنا الوانا متنوعة من الانفعالات .. بنفس طاقة الغضب والثورة .. كل التحية له .
فاطمة عادل حليمة الصغيرة الشابة .. الفنانة الاستعراضية .. والام المربية والزوجة المكسورة والفتاه المغرر بها .. استغرقت في أدائها كل هذه الأحوال بجودة ادائية عالية المستوى
محمد يوسف( اوزو ) هذا الفنان العبقري الذى جسد شخصية كرم الملقن السكير المقامر القواد مراهقا وشابا وناضجا وعجوزا ... كوميديا وتراجيديا .
هايدي عبد الخالق .. حليمة الام .. التي هدها الزمن .. ضحية الانتهازية من سرحان وضحية انتهازية وقوادة وانحراف زوجها كرم .. وجه الام المصرية .. لياقة وحضور طاغي
عبير الطوخي .. ام هاني .. النفس الهادئ الحكيم .. العاشقة .. كاتمة الاسرار الى حد انتهازي كبير .. عاشقة لاتغار .. ام وزوجة .. اجادت عبير ادائيا في البيان الواضح لتلك التناقضات في المشاعر والمواقف
ياسمين ممدوح وافي .. زبيدة الام التي عملت بالدعارة من اجل تربية ابنها كرم - الملقن - في مشهد تراجيدي عظيم امام ابنها المراهق الغيور على امه من الرجال .. وهى تشرح له الواقع المؤلم والقهر الإنساني في مونولوج شديد البهاء والجمال ولحظة صدق فني عميقه
ولتجنب الاطالة فقد اجاد جميع الممثلين في أدائهم حرفيا وانفعاليا
 تحية : سمر علام
درية : چيهان انور
المخرج : احمد صلاح
سنوسى الممثل : باسم سليمان
حميد الجعر الراقص : احمد عباس
 اسماعيل : رمضان
صفيه اللبيسة : هدير
جوليت : مارتينا
عباس الطفل : حمزة
 عباس المراهق : محمد تامر
عباس الشاب : مينا نبيل
احمد برجل : مينا نادر
 الرجل مع زبيده و على الممثل : حسام
مع خالص التحية لصانع هذا العالم المسرحي الحي ... المخرج / يوسف المنصور .. فهو فنان واعد واضافة حقيقية للاخراج المسرحي في مصر وأتمنى له مزيدا من التوفيق والنجاح .
عرض افراح القبة .. فن المسرح كما يجب ان يكون .. ومصنع الابداع .


جلال الهجرسي