المسرح: أنا.. وأنت.. والعالم

المسرح: أنا.. وأنت.. والعالم

العدد 553 صدر بتاريخ 2أبريل2018

سته أحرف متتالية، تبعث الروح في كلمة «المسرح». تبدو الأحرف المتلاصقة بالصدفة بسيطة.. لكن إذا دققنا النظر فيها نجدها محملة بتاريخ طويل من الحيوات، ربما ولدت فيما قبل التاريخ، وسوف تستمر عبر الآن إلى ما بعده، متلاحقة في ديمومة.. ربما إلى أبد الأبدين.
تتحرك الأحرف الستة من مجرد كونها كلمة، إلى عوالم متداخلة ومركبة ومعقدة، تستعيد إلى الذهن آلاف السنوات من التاريخ البشري، ملايين النصوص المحفورة في تاريخ الإنسانية، مليارات الصور, والأصوات والذكريات والوجود والمشاعر، وسيل من الكلمات اللامتناهية. تحمل الكلمة معها سحرا خاصا، عن هذا السحر الخفي وراء الكلمة أتحدث، عن غموض يكتنفها، رغم بساطة مظهرها، يصل في عمقه لبعد تمركز الحياة والهوية البشرية.
ربما لم نكتشف أسرار هذا السحر بعد، وقد يكون البحث عن سره الكامن رحلتنا الطويلة التي لن تنتهي. هذه الرحلة التي تحمل الخيال بكل قوته، من عالم الأفكار إلى الحياة، وتبث فيه روحا، ليمثل بأجساد حية، وأصوات حقيقية فوق الخشبة، ليرسم صورا لعالم أكثر سلاما وأمانا. من داخل الرحلة تتولد لقاءات إنسانية، نتبادل فيها الخيال، في لحظة مسروقة من قسوة العالم، وفي نقطة مكانية اخترنا أن نضيئها سويا.
يعمل المسرح منذ آلاف السنين، لبث نفحة من نور وجمال في حياة البشر، محملة بمشاعر وأفكار ورسائل، تجعل من الأرض مكانا أكثر جمالا ومحبة. المسرح هو أداة البشرية، لتؤكد على كونها حية على مر الأزمان، لترتاح قليلا من قسوة العالم، لتناضل ضد القتل والحرب والجوع.
المسرح هو مساحة لأجد نفسي، لتجد نفسك، لنكون معا وحدة تضيء العالم، هو من يبث الروح في تلك اللحظة المقدسة، التي تجمعنا سويا، لنتخلص فيها من كل القوالب العالقة في قلوبنا، ونعود فيها إلى روحنا الأصل، التي تجمعنا ككيان بشري.. تلك المساحة التي توحدنا، أنا وأنت ونحن، في وحدة جمالية متناسقة وقوية.
المسرح هو مساحة الحرية المتاحة لنا، لممارسة الحياة كما نريدها، لتغيير العالم. قد تثير هذه الحقيقة الكثير من علامات الاستفهام، التي علينا اليوم في يوم المسرح العالمي أن نقف أمامها، كيف يمكن لفن المسرح أن يساهم بفاعلية في الممارسة الحياتية للبشر؟ كيف يمكن أن يكون المسرح وسيلة متاحة لكل فرد ليقدم نفسه، مشكلاته، ومعاناته للآخر، ليتواصلا ويتحاورا ويمارسا حريتهما كبشر؟ كيف يمكن لنا كمسرحيين استغلال خصوصية فن المسرح، - التي تكمن في خلق لحظة مقدسة، تتخلق من داخل اللقاء المباشر والحي بين المشاركين - لنساهم في تغيير العالم إلى الأفضل؟
تضع مثل هذه الأسئلة المعلقة وغيرها علامات استفهام كثيرة أمام دور المسرح في عالمنا، وربما أمام وظيفة الفن بشكل عام. مما يدفعنا لإعادة التفكير في شكل العلاقة الجدلية التي تربط الفن بالواقع، وفي كيفية تفعيلها على مستوى الممارسة الفنية والحياتية، بعيدا عن التنظيرات المعلبة.
ففي اللحظة التي يحتفل فيها العالم اليوم، باليوم العالمي للمسرح، يتحرك أكثر من 56 مليون إنسان، بحثا عن مكان آمن للعيش، هاربين من أوطانهم، مغامرين بحياتهم من أجل الحياة. وفي الخلفية تشتد نيران الحروب في الكثير من بقاع الكرة الأرضية، وتتضاعف موجات الهروب من الموت، يقوى اليمين المتطرف، وتزداد أعمال العنف والعنصرية والقتل والإرهاب، ليعلن البشر عجزهم عن التعايش السلمي، وتتعمق الفجوة بين الإرادات السياسية، والاحتياجات المجتمعية، وتزداد قسوة الحدود، وأعداد القتلى والأفكار المتطرفة والخوف والجوع.
وسط هذا الزخم المتراكم من القبح والموت، تزداد مسئولية المسرح والمسرحيين في كل دول العالم، ليتحدوا سويا، للنضال من أجل الإنسانية، ومن أجل سحب سحر المسرح من فوق الخشبات الضيقة، إلى كل بقاع الأرض، لتستقيم الحياة، ويستعيد كل بشري على وجه الأرض حريته وسلامه، ويحصل على حقه في أن يحيا.
نعم، يستطيع المسرح أن يغير العالم، ويشهد التاريخ على ذلك. فقط إذا آمنا معا بسحره، واتحدنا كمسرحيين، وعبرنا الحدود الجغرافية، لنكون جبهة إنسانية، تتسلح بسلاح المسرح، وتستمد قوتها من وحدتها، لنتعاون معا على سحر العالم.


مروة مهدي عبيدو