عايدة عبد الجواد.. نجمة المسرح القومي

عايدة عبد الجواد.. نجمة المسرح القومي

العدد 655 صدر بتاريخ 16مارس2020

الفنانة القديرة عايدة عبد الجواد نموذج فريد لعاشقة المسرح والراهبة الورعة في محرابه، فهى وبرغم موهبتها الفنية المؤكدة التي أقنعت بها الجميع وتألقها المسرحي الكبير في أكثر من مسرحية منذ بداياتها الفنية إلا أنها لم تسع إلى الشهرة أو للعمل فى السينما وبالمسلسلات التليفزيونية، وإكتفت بعضويتها وإنتسابها لأعرق الفرق المسرحية فى الوطن العربى وهو “المسرح القومى”، بالإضافة الى مشاركتها فى بطولة عدد كبير من المسلسلات الإذاعية. وللأسف فإن مساهمتها الفنية تنحصر فى فترة زمنية وجيزة جدا وبالتحديد خلال الفترة من نهاية الخمسينيات إلى بداية الستينيات، ومع ذلك فقد نجحت في وضع بصمة مميزة جدا لها بعدة شخصيات درامية ثرية ومركبة، وفقت في أدائها بكل مهارة وبراعة بحيث لا يمكن أبدا إسقاطها من الذاكرة المسرحية وفي مقدمتها شخصيات: “جميلة” فى رائعة الأديب الكبير عبد الرحمن الشرقاوى “مأساة جميلة”، وكذلك شخصية “نفيسة” بمسرحية “بداية ونهاية” رائعة أديب نوبل المبدع نجيب محفوظ.
ويحسب لها في مسيرتها الفنية أنها قد أدركت مبكرا ضرورة صقل موهبتها بالدراسة، فحرصت على الإلتحاق بالمعهد “العالي للفنون المسرحية” بأكاديمية الفنون، لتتخرج في قسم “التمثيل والإخراج” عام 1961 ضمن دفعة ضمت عددا كبيرا من الموهوبين الذين نجح أغلبهم في تحقيق النجومية بعد ذلك ومن بينهم: السيد راضي، فايزة واصف، يوسف شعبان، حمدي أحمد، فؤاد أحمد، وحيد عزت، مختار أمين، سميرة البدوي، إعتدال المصري.
وبالتالي فإن الفنانة عايدة عبد الجواد تنتمي إلى جيل فنانات خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وهو جيل الممثلات المثقفات اللاتي تخرجن أغلبهن في “المعهد العالي للفنون المسرحية” (بأكاديمية الفنون)، وهو الجيل الذي يضم كل من الفنانات: عصمت محمود، بثينة حسن، سلوى محمود، أزهار الشريف، عايدة عبد العزيز، رجاء حسين، رجاء سراج، فاطمة عمارة، تريز دميان، عواطف حلمي، نجوى السيد صالح، إنعام سالوسة.
ويحسب للفنانة عايدة عبد الجواد نجاحها المبكر في تحقيق نجوميتها المسرحية وانضمامها إلى قائمة سيدات المسرح المصري في ستينيات القرن العشرين مع نخبة من القديرات التي ضمت - بخلاف من سبق ذكرهن - كل من الفنانات: سهير البابلي، ليلى طاهر، نادية السبع، محسنة توفيق، سميرة عبد العزيز، مديحة حمدي، نادية رشاد، سهير المرشدي، فاتن أنور، سامية أمين، ميرفت سعيد، عزيزة راشد. وهو الجيل التالي لجيل الخمسينيات والأجيال السابقة له والذي ضم كل من الفنانات: أمينة رزق، فردوس حسن، إحسان شريف، عقيلة راتب، نعيمة وصفي، ملك الجمل، ناهد سمير، كريمة مختار، روحية خالد، هدى عيسى، زهرة العلا، سميحة أيوب، سناءجميل، عايدة كامل، إحسان القلعاوي، برلنتي عبد الحميد.
وتعد الفنانة عايدة عبد الجواد - بشهادة عدد كبير من نقاد المسرح بالستينيات - رمز من رموز الجودة الفنية، فهي من أصحاب المواهب المتفردة، وتتميز كفنانة بحساسيتها المرهفة وقدرتها على معايشة وتجسيد مختلف الأدوار، خاصة وأنها تجيد أيضا أداء الشخصيات المركبة، كما تمتلك مهارة توظيف إنفعالاتها بدقة طبقا لطبيعة كل شخصية تقوم بتجسيدها (بمراعاة أبعادها الدرامية الثلاث)، وكذلك مراعاة طبيعة كل موقف درامي تمر به الشخصية التي تؤديها، فتنجح في الانتقال من قمة القوة إلى لحظات الضعف، وبالتالي الانتقال من قمة الإنفعال إلي الهدوء وتوظيف الصوت الهامس بسلاسة ومرونة. ونظرا لتميزها بالصدق الفني ظلت تفضل أسلوب المعايشة الكاملة لكل شخصية من الشخصيات التي تؤديها بكل خلجاتها، فكانت بخبرتها الفنية الكبيرة تستطيع توظيف جميع حواسها في التعبير عن المواقف المختلفة حتى ولو استدعت البكاء وترفض توظيف الحيل الفنية ومن بينها على سبيل المثال استخدام الدموع الصناعية، ولذلك فقد تميزت وبصفة عامة بتفوقها في تجسيد شخصية المرأة المصرية بمختلف مستواياتها الإجتماعية، وكذلك بقدرتها على التعبير عن الشخصيات النسائية المقهورة، وذلك بنفس درجة كفاءتها في تجسيد شخصيات المرأة القوية أو المناضلة السياسية.
ويجب التنويه إلى أن الفنانة عايدة عبد الجواد ظلت طوال مسيرتها الفنية عاشقة لخشبة المسرح ولمواجهة الجمهور وتحقيق ذلك التواصل المنشود معه، كما ظلت فخورة بانضمامها إلى أسرة “المسرح القومي” وتحقيق ذاتها بالعمل مع كبار نجوم الفرقة، وذلك في حين أنها لم تنجذب إلى باقي القنوات الفنية (الأفلام السينمائية والدراما التليفزيونة)، وذلك باستثناء ميكرفون الإذاعة الذي انجذبت إليه وعشقته أيضا. حيث لم تنجح أضواء السينما أو جماهيرية الأعمال التليفزيونية في جذبها، وبالتالي فقد ظلت تكرر بحواراتها الإعلامية بأنها تعشق التواصل في الانفعالات الصادقة ولا تحبذ تدخل وسيطرة الصناعة (فنون التصوير والإضاءة والمونتاج) في ضبط مشاعر وأحاسيس المبدع.
ومما لا شك فيه أن نجاح الفنانة عايدة عبد الجواد في مشاركة نجوم فرقة المسرح القومي: (نجمة إبراهيم، سميحة أيوب، زكي رستم، محمد السبع، صلاح سرحان، إبراهيم الشامي، حسن يوسف) برائعة جورج برنارد شو “تلميذ الشيطان” والتي أبدع في إخراجها الفنان نور الدمرداش قد شجع المخرج القدير عبد الرحيم الزرقاني على منحها فرصة البطولة - بالتبادل مع الفنانة القديرة نادية السبع - لتجسيد شخصية “نفيسة” بمسرحية “بداية ونهاية”، وليمنحها بعد ذلك المخرج القدير حمدي غيث مرة أخرى فرصة البطولة المطلقة وتجسيد شخصية المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد في رائعة الأديب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي “مأساة جميلة”. ويجب ملاحظة أن كل شخصية منهما متناقضة تماما مع الشخصية الأخرى، فإذا كانت شخصية “نفيسة” تتسم بالضعف والإنكسار والخنوع فإن شخصية الثائرة الجزائرية جميلة تتسم بالقوة والشموخ والكبرياء، ومع ذلك فقد نجحت بل وتفوقت الفنانة عايدة عبد الجواد في أداء كل من الشخصيتين.
ويقتضي الحديث عن كل من مسرحيتي “مأساة جميلة” و”بداية ونهاية” أن نشير إلى تميز كل من الإعداد المسرحي لكل رواية منهما، بصورة لا تقل عن تميز المعالجة السينمائية لكل منهما أيضا، حيث تم تقديم كل من الفيلمين في نفس فترة تقديم المسرحيتين تقريبا، حيث قدم فيلم “جميلة” من إخراج العالمي يوسف شاهين وبطولة الفنانة ماجدة عام 1958، كما قدم فيلم “بداية ونهاية” من إخراج القدير صلاح أبو سيف وبطولة سناء جميل عام 1960.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها بمختلف القنوات الفنية طبقا لطبيعة الإنتاج مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
أولا - مساهماتها المسرحية:
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة عايدة عبد الجواد، فهو مجال دراستها والمجال الذي مارست من خلاله هوايتها للفن، كما تفجرت من خلاله أيضا موهبتها في التمثيل والتي أثبتتها وأكدتها من خلال مشاركتها في بطولة عدد من المسرحيات المتميزة. ويجب التنويه إلى أن بداياتها الفنية كانت من خلال مسارح الدولة وبالتحديد من خلال فرقة “المسرح القومي”، والذي قدمت من خلاله أهم الشخصيات والأعمال الدرامية الثرية ومن بينها على سبيل المثال:
- “المسرح القومي”: ثورة الموتى (1958)، مأساة جميلة، تلميذ الشيطان، بداية ونهاية (1959).
هذا وتضم قائمة المسرحيات التي شاركت ببطولتها بعض المسرحيات الأخرى - طبقا لما جاء ببعض المراجع - ومن بينها: زواج عصري (1958)، قمبيز، الأيام السعيدة.
وقد تعاونت من خلال المسرحيات السابقة مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل من بينهم الأساتذة: عباس يونس، عبد الرحيم الزرقاني، حمدي غيث، نور الدمرداش.
وجدير بالذكر أنها قد شاركت عددا كبيرا من نجوم المسرح المتميزين بطولة المسرحيات السابق ذكرها وفي مقدمتهم - على سبيل المثال لا الحصر - كل من الفنانات: نجمة إبراهيم، أمينة رزق، سميحة أيوب، رجاء حسين، محسنة توفيق، ومن نجوم المسرح كل من الأساتذة: حسن البارودي، زكي رستم، حمدي غيث، عبد الرحيم الزرقاني، أحمد الجزيري، محمد الدفراوي، محمد السبع، صلاح سرحان، عبد الله غيث، إبراهيم الشامي، عبد المنعم إبراهيم، توفيق الدقن، كمال حسين، حسن يوسف، عبد السلام محمد، عبد الرحمن أبو زهرة.
ثانيا- مساهماتها الأذاعية:
أتاحت الدراما الإذاعية بصفة عامة للفنانة القديرة عايدة عبد الجواد الفرصة كاملة لتجسيد عدة شخصيات درامية مهمة ومتنوعة، فنجحت في وضع بصمة مميزة لها أمام الميكروفون من خلال مشاركاتها ببعض الأدوار الرئيسة في عدد كبير من المسلسلات الإذاعية المتميزة على مدى ما يقرب من خمسة عشر عاما، خاصة بعدما قدمت عدة شخصيات إنسانية مرسومة بعناية ومحددة أبعادها الدرامية بكل دقة بعدد من الأعمال المهمة، ولكن للأسف يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذه الفنانة القديرة التي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من الأعمال الدرامية وذلك لأننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية!!. هذا وتضم قائمة أعمالها الإذاعية مجموعة المسلسلات والتمثيليات الإذاعية التالية: الدبوس، جزيرة الحب، صبيحة وعلام، وتبقى الحقيقة، رجالة بلدنا، القصاص، أحسن القصص، عايدة وبديعة، دار ابن لقمان، عمر الخيام، القطار، ستائر الدخان، فواكه الشعراء، ملائكة الرحمة، والبرنامج الغنائي القسمة كده، وذلك بخلاف مجموعة من المسرحيات العالمية المترجمة والمعدة إذاعيا ومن إنتاج البرنامج الثقافي (التي تذاع من خلال برنامج “المسرح العالمي”) ومن بينها: المخرب، دم آل بامبرج، بيت آل روزمر، يعقوب فكر، الأيام السعيدة، معجزة الحب، الدرس، الخليج العاشق، وأيضا عدة حلقات من برنامج “شخصيات تبحث عن مؤلف” ومن بينها على سبيل المثال وليس الحصر: الفطاطري.
?وتجدر الإشارة إلى رحيل الفنانة عايدة عبد الجواد عن عالمنا عام 2006 في? ?صمت وهدوء وتجاهل كبير لا? ?يتناسب أبدا مع إسهاماتها المسرحية الثرية والإذاعية المهمة، ولا مع حجم موهبتها الفنية المؤكدة التي شهد الجميع بها وفي مقدمتهم كبار النقاد والمتخصصين.? والحقيقة أن مسيرتها الفنية تكشف بوضوح عن بعض سلبيات حياتنا الفنية،? وفي مقدمتها عدم تناسب المكانة والشهرة التي? يحققها بعض الفنانين مع حجم مواهبهم وقدراتهم ومهاراتهم وخبراتهم.? وأكبر دليل على ذلك أن الفنانة عايدة عبد الجواد ?- والتي ?تنتمي? ?إلي? أصحاب المواهب الحقيقية والتي? نجحت في ?لفت الأنظار إلى مهارتها منذ بداياتها وأثبتت جدارتها في? ?أكثر من عمل - لم تستطع أن تحقق الشهرة أو تنال المكانة التي? ?تستحقها، مثلها كمثل عدد كبير من الفنانات المتميزات من سيدات “المسرح القومي” ومن بينهن علي? ?سبيل المثال الفنانات? القديرات: ?نادية السبع? (“?نفيسة?” ?في? ?بداية ونهاية، “الإبنة الكبرى” في بيت برنارد ألبا?)?،? ?فريدة مرسي? (“?ياسمينة?” ?و”هيلانة?” ?في? ?رجل في? ?القلعة?)?،? ?فاتن أنور? (التي برزت في? “?سيزونيا?” بمسرحية ??الإمبراطور? ?يطارد القمر،? ?”?بهية?” ?في مسرحية حلاوة زمان،? و”?هيرمين?” في ?الفارس والأسيرة?)?،? ?ميرفت الجندي? (التي جسدت “?ماشا?” بمسرحية? ?طائر البحر،? ?و”لوتيلا?” ?في? ?دماء علي? ?ملابس السهرة?)?،? وكذلك أيضا ?الفنانة عصمت محمود? (?المرأة في أ?- ?ب بمسرح الجيب،? ?الإيطالية في? ?مطار الحب?)?،? ?وربما? ?يعود ذلك بالدرجة الأولي? ?إلي? تلك المشاعر المرهفة التي تتميز بها كل فنانة منهن بالإضافة إلى تلك الحساسية الشديدة التي تتعامل بها كل منهن مع المخرجين والمديرين والمنتجين، والتي يمكن إرجاعها إلى ?إعتزاز كل منهن بموهبتها وإصرارها علي? ?الإحتفاظ بكبريائها الفني بصورة قد تكون متشددة أو مبالغة أحيانا?، والتزامهن الشديد بالقيم السامية والأخلاقيات الرفيعة، وحرصهن الدائم بالمحافظة على تقاليد المهنة والتمثيل المشرف للفنان المصري والعربي.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏