التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (3) طلاب المعهد وطالباته

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (3) طلاب المعهد وطالباته

العدد 653 صدر بتاريخ 2مارس2020

بعد أن تم الإعلان الرسمي عن شروط الالتحاق بمعهد فن التمثيل، وتحديد مكانه بسراي موصيري، والشروع في تكوين مكتبته، وتحديد النصوص المسرحية التي سيتم تدريسها، وقبل عقد اختبار قبول الطلاب المتقدمين، قامت مجلة الدنيا المصورة، ومجلة الصباح، في سبتمبر وأكتوبر 1930، بطرح سؤالين على المسرحيين: الأول، ما رأيك في المعهد التمثيلي الجديد الذي أعلنت الحكومة خبر تكوينه أخيرا؟ والسؤال الآخر، هل تعتقد أن وجود هذا المعهد سيؤدي خدمات للتمثيل في المستقبل؟ وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض، وهناك من وضع شروطا لنجاح المعهد!
بين المؤيدين والمعارضين
كان نجيب الريحاني، من المتفائلين، وأجاب على السؤالين، قائلا: «إن فكرة إنشاء هذا المعهد هي فكرة سامية جليلة، نستدل منها على أن الحكومة قد بدأت، تنظر لهذا الفن بالعين الحقيقية المجردة من الخيال. وإني لأحس الآن بغبطة وشعور طيب نحو هذا العمل، الذي قبل أن يكون برهانا حسيا جديدا على نهضة التمثيل في مصر، فهو صيحة الفخار التي تدوي في آذان الشعوب الراقية والأمم الحية، بأن مصر العريقة بفنونها وآدابها، هي مصر التي تقدر الفنون الجميلة حق قدرها، وفي مقدمة هذه الفنون فن التمثيل المقدس. وأكبر ظني في المعهد إنه سيكون أداة صالحة لتخريج عدد كبير من الشباب الناهض المتعلم، الذي سيغذي المسرح المصري في المستقبل، والذي سيكون لوجوده فيه أثر طيب. وعند ذلك يدرك الناس من تلقاء أنفسهم أن التمثيل حقيقة، مدرسة للفضائل والأخلاق. لقد قدرت الأمم الغربية قديما وحديثا هذا الفن حق قدره، فأينما سرت في فرنسا أو إيطاليا أو إنجلترا، رأيت معاهد هذا الفن تتملكها العظمة والجلال، ويحوطها الاحترام الكلي والجزئي.. فأي فخر فني لمصر بعد هذا وأي انتصار».
وأجاب استيفان روستي على السؤالين أيضا، قائلا: «إن هذا المعهد سيكون موفقا في عمله، بل عاملا من عوامل رقي النهضة الفنية في مصر. أما فكرة وجود المعهد في ذاتها، فهي فكرة جليلة لأن أبناء المسرح اليوم، لن يظلوا في المستقبل كما هم الآن، بل أن الشيخوخة ستضطرهم إلى مغادرته، وحينذاك لن يكون من الإنصاف والعدل، أن يقبر هذا الفن بمجرد قبر الشخصيات، فالطبقة الحديثة التي سيخرجها المعهد، ستكون هي نواة المسرح المصري في المستقبل. وهي التكأة، التي سيعتمد عليها عندما، يتخلى واحد وأكثر من جنوده عن العمل مكرها أو مختارا».
أما عبد السلام النابلسي – الممثل الهاوي بفرقة فاطمة رشدي – وأحد المتقدمين للالتحاق بالمعهد، فأجاب على السؤالين قائلا: «أجل عمل قامت به وزارة المعارف نحو التمثيل، هو إنشاؤها ذلك المعهد، الذي نرجو أن يكون دعامة قوية في بناء المسرح المصري الحديث. ولقد حاولت الحكومة مرارا كثيرة أن تنهض بالمسرح، وتكافئ القائمين على توطيد دعامته، غير أن المكافآت الفردية لم تجد في هذا السبيل، وتثمر الثمرة المرجوة منها. واليوم تنظم الحكومة جهودها بإقامة هذا المعهد. ولا عيب على كثير من ممثلينا إذا انتسبوا إليه، وازدادوا علما وفنا بما يُدرس في المعهد، رغم خبرتهم الطويلة بالمسرح، وأن لنا الفخر الأكبر أن يقوم على التدريس فيه خيرة من الأساتذة الفنيين، مثل الأستاذ أبيض والأستاذ طليمات. والدكتور العلامة طه حسين».
أما علية فوزي، فرحبت بالمعهد متفائلة به، شريطة أن يقوم بالتدريس فيه أساتذة التمثيل في الفرق الموجودة، حتى يستفيد الطلاب من خبرتهم. كما اجاب على السؤالين عبد العزيز حمدي - رئيس نادي إحياء التمثيل العربي - ووضع شرطا مهما لنجاح المعهد، قال فيه: «أتنبأ للتمثيل بمستقبل زاهر؛ ولكن بشرط أن تضمن الحكومة مستقبل الذين سينضمون إلى المعهد. أما إذا تركتهم وشأنهم بعد تخرجهم منه، يعرضون أنفسهم على أصحاب الفرق، ويساومونهم في أجورهم، فسيكون المعهد كسحابة الصيف، تبدو ثم تزول بلا أثر يذكر».
أما علي الكسار فكان أول المتشائمين، وعبر عن رأيه، قائلا: «أعتقد أن المعهد سيكون أكبر معول لدك أركان الفن في مصر وتقويض بنيانه، وأنه سيكون سببا في ضياع مستقبل الكثيرين من فتياتنا وفتياننا، وإليك شرح نظريتي: اشترطت الحكومة على طالب الدخول، على أن يكون من حملة البكالوريا. فالوالد الذي هيأ ابنه لدراسة الطب، أو الهندسة، أو ما إليهما من دراسات عليا، سيجد هذا الابن متجها بكليته إلى الاندماج في سلك طلبة المعهد؛ ذلك لأن التمثيل مغر لصغار الأحلام، وهم يحسبونه متعة النفس، وترويحا للخاطر. فما للطالب والدخول في المدارس العليا، مادام قد وجد أمامه بابا فتحته الحكومة بيدها، وأومأت له باقتحامه دون عناء ومشقة؟ وإذا كان هذا حال الذكور، فما بالك بالإناث، وهن أقرب إلى مهاوي الفساد».
الرأي المتشدد
بعيدا عن آراء الممثلين والعاملين في مجال المسرح، حول إعلان المعهد – وقبل اختبار المتقدمين للالتحاق به – كتب إبراهيم علي بدوي - الدارس الأزهري في القسم العالي بالأزهر، ويسكن في حوش عيسى بدمنهور – مقالة منشورة في جريدة الوادي، سبتمبر 1930، تحت عنوان (حول إنشاء المعهد التمثيلي)، بدأها بقوله: «.... أريد فقط أن أبحث الموضوع من الناحية الدينية، قياما بواجبي نحو ديني وأمتي. واعتب على حضرات العلماء في واجبهم الديني، وتقاعدهم عن الدفاع عنه في كثير من المواقف الخطيرة، التي تتطلب منهم كثيرا من اليقظة والحزم والفطنة والنشاط. أنا لا أنكر أن التمثيل عنصر قوي من عناصر الرقي في الأمم، ومقياس صحيح تقاس به حرارة الشعور في الشعوب الناهضة والأمم الحية. ولا أنكر على الحكومة قيامها بهذا المعهد، ما دام يقوم على تربية الملكات وتنمية المدارك، ويعالج ذلك الضعف الذي أحاط بالأذواق والطبائع. ولكني أنكر وأنكر دائما أن دعامة التمثيل هي المرأة، وأن خشبة المسرح لا تستقيم إلا بربات القدود المائسة والخصور الناحلة. وأنكر على الحكومة وهي القائمة على الآداب والأخلاق أن تفتح أبواب معهدها للفتيات المسلمات دون قيد ولا شرط، بل مع وسائل الغواية والإغراء. نعم أنكر هذا وذلك. فالتمثيل النافع المثمر غني عن المرأة وخلاعتها، راغب عن تهتكها ومجانتها».
كل هذا كان مقدمة فقط لما يريد أن يتحدث عنه، وهو «إن الدين الإسلامي الحنيف ينكر على المرأة تبرجها وخروجها في الطرقات والأسواق، عارية الصدور والذراعين، مكشوفة الوجه والساقين، متبخترة في المشي متكسرة في القول، ويحظر عليها أن تبدي من زينتها لغير بعولتها وذوي قرابتها. ولقد نص القرآن الكريم على ذلك في غير موضع». ويستكمل الكاتب موضوعه، قائلا: «إن التمثيل النسوي مضيعة للأخلاق، وأن الفتاة التي تتخرج في حجرة (التواليت)، ثم تعتلي خشبة المسرح بين النظرات الثائرة واللذات الطائشة، لا يمكن أن تكون فاضلة أو مربية، وأن الرقي الذي لا يقوم إلا على هدم الأخلاق لرقي مزيف مبتور. فليت شعري كيف يسمح الرجل لابنته أو زوجته بمزاولة هذه المهنة، التي تقضي على حياتها وشرفها، وتعبث بكرامتها وعفافها، وكيف تجيز الحكومة ودينها الرسمي الإسلام هذا المنكر مع مخالفته نصوص الدين الصريحة. وكيف للحكومة أن تقدم على هذا العمل الخطير، الذي يكلفها النفقات الطائلة. دون استشارة أولي الشأن من رجال الدين المسؤولين، كفضيلة الأستاذ الأكبر وفضيلة الأستاذ المفتي..... فعلى هؤلاء أن يحولوا بين فتياتهم وبين الاندماج في سلك هذا المعهد، وعلى أولئك أن يقصروا أمر الدخول على الرجال فقط حفظا للآداب وصونا للأخلاق. ونرجو من صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر أن يصدر رأيه في هذا الموضوع حتى يكون الناس على بينه من أمره».
وبعد أيام قليلة، قام ناقد جريدة الوادي الفني بكتابة مقالة أخرى تحت عنوان (الفتاة المسلمة والتمثيل.. إلى شيوخ الدين وأئمة الإسلام)، قال فيها: «... الذي لا نفهمه، ولا تستطيع عقولنا أن تتقبله، أن تعلن وزارة التربية والتعليم، أنها قررت فتح معهد للتمثيل، يدرس فيه فن الإلقاء والإضاءة والميزانسين والمكياج والتنكر، وأن تخصص به قسما للفتيات المصريات، حتى يكون للمسرح منهن بعد ذلك بطلات متعلمات مثقفات. وهذا المشروع في ظاهره حسن جميل، قد لا يقوم عليه اعتراض، ولكن هل فكر القائمون به قبل أن يعلنوه، وقبل أن يستأجروا له دارا ينفقون عليها من ميزانية الدولة، ما إذا كان من الجائز شرعا وعرفا، أن تظهر الفتاة المصرية الشرقية المسلمة على خشبة المسرح؟ هذا سؤال من حقنا أن نتولى الإجابة عنه من الناحية الأخلاقية، ومن ناحية العرف والتقاليد، أما من الناحية الشرعية، فالجواب عليه من حق رجال الدين، وشيوخ الشرع الشريف، وأئمتة الحنيفية السمحاء. لا يجوز في عرفنا من الناحية الأخلاقية أن تظهر الفتاة المصرية على المسرح التمثيلي إلى جوار الشاب، الذي تجري في عروقه دماء الشباب الحارة في مواقف، قد تكون حاملة على الإغراء. إن الفتاة المصرية الشرقية المسلمة، عاشت في جو خاص من التقاليد الموروثة، وقد ثبتت التجارب أنها حين تخرج عن نطاق هذه الدائرة، تعرض سمعتها للضياع وأخلاقها للفساد. إننا نسائل رجال الدين، وأئمة الشرع، وهم المطالبون بتنفيذ الحدود الدينية وإقامة المبادئ الشرعية: هل يبيح الدين للفتاة المسلمة البالغة، أن تقف على مسرح التمثيل عارية الذراعين والوجه والجيد والصدر والقدمين والساقين، ومرتدية الثياب الحريرية الشفافة، والحلي والجواهر البراقة، وقد كحلت عينيها، وصبغت خديها وشفتيها بالأصباغ والألوان، أو بعبارة أقصر هل يجوز للمرأة المسلمة أن تبدي زينتها لغير زوجها؟ وهل يجوز شرعا للفتاة المسلمة البالغة أن تقف إلى جوار شاب أجنبي عنها في غير لباس الحشمة والحياء، وتبادله كلمات الهوى وعبارات الغرام، وقد تعانقه وتقبله أمام الجمهور مهما كان هذا الحوار تمثيلا، ومهما كان هذا العناق والتقبيل لغير دافع الشهوة واللذة؟ هل يجوز شرعا للفتاة المسلمة البالغة أن تقوم بأدوار الرقص، الذي يظهر تناسق جسمها، وما خفي من أعضائها أمام جمهور المتفرجين من الشبان والسكارى؟ هذه أسئلة نتقدم بها إلى رجال الدين وأئمة الإسلام».
خطوات تنفيذية
على الرغم من هجوم جريدة الوادي، وإثارة رجال الدين ضد فكرة المعهد، فإن وزارة المعارف لم تهتم بهذا الهجوم، وسارت في تنفيذ خطتها الخاصة بالمعهد، حيث اهتمت الصحف المعاصرة بالإجراءات التي بدأت الوزارة في تنفيذها، ومنها: تحديد هيئة التدريس بالمعهد والمقررات الدراسية، فالدكتور طه حسين سيقوم بتدريس مقرر تاريخ الأدب المسرحي، وزكي طليمات لفن الإلقاء وحرفية المسرح - بما فيها الإضاءة المسرحية، وتصوير المناظر، وتخطيط الوجه «المكياج» - وجورج أبيض لفن الإلقاء، وأحمد أحمد - مفتش التربية البدنية بوزارة المعارف - لتدريس الألعاب الرياضية، والآنسة منيرة صبري - مفتشة التربية - لتدريس الرقص التوقيعي، والأجنبي ماكلور لفن حمل السلاح.
وفي أكتوبر 1930، نشرت جريدة الثغر مكافآت هيئة التدريس، قائلة: «أصدر معالي وزير المعارف قرارا بأن تكون الفئات التي تمنح للمدرسين، الذين ندبوا للتدريس بمعهد فن التمثيل، كما يأتي: 250 قرشا للدكتور طه حسين، الذي يقوم بتدريس تاريخ أدب المسرح، وتاريخ الأدب، وذلك عن ساعة واحدة، على أن يدرس ثلاث ساعات في كل أسبوع. 80 قرشا لزكي أفندي طليمات، الذي يقوم بتدريس فن الإلقاء وحرفية المسرح، وذلك عن ساعة واحدة، على أن يقوم بتدريس 6 ساعات في كل أسبوع. 80 قرشا لجورج أفندي أبيض، الذي يقوم بتدريس فن الإلقاء، وذلك عن ساعة واحدة على أن يقوم بالتدريس 4 ساعات في كل أسبوع. 60 قرشا للدكتور أحمد ضيف الذي يقوم بتدريس اللغة العربية حصة واحدة في الأسبوع، ومثلها للآنسة منيرة صبري، التي تقوم بتدريس فن الرقص».
وقبل ذلك، تم تحديد مكان وموعد اختبار قبول الطلاب والطالبات، وكان يوم 11 أكتوبر في مبنى معهد الموسيقى الشرقي بشارع الملكة نازلي – التابع لإدارة الأوبرا حاليا، والذي يقع في شارع رمسيس – كما قررت الوزارة أن تبدأ الدراسة بالمعهد في الأول من نوفمبر 1930. وقد نشرت جريدة صوت مصر إعلانا بخصوص اختبار القبول، قالت فيه: «.... سيختبر الطلبة والطالبات فيما يأتي: أولا، تمثيل قطعتين باللغة العربية أو العامية من رواية أو روايتين تمثيليتين معروفتين، بحيث لا يتجاوز إلقاء كل قطعة عن ثماني دقائق، ولا يسمح للطالب أن يستعين في ذلك بملقن، ولا يتحتم أن تكون القطعة فردية، بل يجوز أن يستعين الطالب بشخص أو أكثر في التمثيل، إذا استلزم الموقف ذلك. ثانيا، قراءة قطعة من كتاب تقدمه اللجنة لاختبار قدرة الطالب على تصوير المعاني لأول وهلة. ويجب على الطالب أن يرسل إلى إدارة الفنون الجميلة بوزارة المعارف بمصر قبل يوم 3 أكتوبر سنة 1930 صور واضحة من القطعتين المختارتين، مع ذكر اسم الرواية المأخوذة منها كل قطعة، وموقعا على كل منهما بإمضائه».
تقدم 340 طالبا وطالبة للالتحاق بالمعهد، فشكلت الوزارة لجنة لاختبارهم، تكونت من: محمد بك العشماوي سكرتير عام وزارة المعارف، والدكتور طه حسين، وزكي طليمات، وإبراهيم رمزي، وجورج أبيض. واستمر اختبار القبول أربعة أيام، وكانت الصحف مهتمة باختبار الطالبات، حيث كانت مجلة الدنيا المصورة سباقة في نشر أسماء الناجحات في اختبار القبول؛ بوصفهن أول فتيات أقدمن على هذه الخطوة، وهن: إحسان محمود عفت الشريعي، إقبال عفيفي خالد، أمنية ماجد، جميلة مندور، دولت عزت، رفيعة سيد أحمد الشال، روحية محمد علي خالد، رينيه وهبي، زوزو حمدي الحكيم، سارة أحمد هارون، سارة صالح شالوم، صالحة قاصين، عزيزة محمد الطيب، فاطمة إبراهيم علي، فاطمة راشد عبد الرحيم، فاطمة سعيد أبو العلا، فاطمة محمد العتر، فاطمة محمد علي، فاطمة محمد محمد، فاطمة محمود، فتحية المليجي، فتحية حسن إبراهيم، فريدة أمين إبراهيم، كوكب حسن السعيد، مقبولة وهبي، منيرة أحمد هيكل، منيرة توفيق رزق، منيرة علي عطية، نعمات بولص، نفيسة سيد.
هذا العدد الكبير من الفتيات الناجحات في اختبار القبول - وكذلك للناجحين - أجبر اللجنة على عقد اختبار آخر للتصفية، أسفر عن الأسماء النهائية التي شكلت الدفعة الأولى من طالبات وطلاب المعهد المقبولين للدراسة في أول عام دراسي، وهذه هي أسماء الطالبات: إحسان محمود عفت الشريعي، جميلة مندور، دولت عزت، رفيعة سيد أحمد الشال، روحية محمد علي خالد، زوزو حمدي الحكيم، فاطمة راشد عبد الرحيم، فاطمة محمد علي، فاطمة محمد محمد، منيرة أحمد هيكل، نعمات بولص، نفيسة سيد. وهذه هي أسماء الطلاب: إبراهيم عز الدين، أحمد حسين البدوي، أحمد فرج النحاس، إسماعيل نظمي أمين، حسين حسين عفيفي، حسين محمود حسن، صالح إبراهيم، عبد الفتاح حسن محمد، عبد الفتاح عزو، العدوي محمد مصطفى، فهمي حنا، محمد إبراهيم أبو داود النجار، محمد أحمد الغزاوي، محمد أحمد تقي شمس الدين، محمد حسن توفيق، محمد طلعت عزمي، محمد عباس عبد الهادي، محمد عبد القدوس، محمد عزت القرماني، محمود شوقي، يوسف فهمي حلمي.
بعد إعلان هذه الأسماء، نشرت جريدة وادي النيل في نهاية أكتوبر 1930، كلمة، جاء فيها: «... نعتذر للأستاذ السدودي عن عدم نشر الخطاب، الذي أرسله إلينا، ونكتفي بأن نشير إلى أن الأستاذ السدودي، يرى أن فكرة المعهد نشأت لا لإخراج ممثلين، يخدمون الفن والأمة والتاريخ، وإنما قامت فقط لتكوين فرقة تمثيل حكومية، يكون على رأسها حضرة الأخ سي زكي طليمات. ويرى أن سي زكي لم يتوخ حسن اختيار الطلبة، وإنما توخى انتقاء الذين يستطيع هو الظهور بينهم. وعلى هذا الأساس رفض كثيرا من الأكفاء، الذين لوحظ في رفضهم الصالح الشخصي، لا صالح الفن ولا صالح الأمة. ونضرب المثل بعبد الوارث عسر، وحنا فهمي وغيرهما».
حقائق وطرائف
لا يظن القارئ أن إعلان الصحف لأسماء المقبولين نهائيا بالمعهد، أن الأمور سارت بصورة سلسلة، أو أن نتائجها مضمونة!! فعلى سبيل المثال «جميلة مندور» الناجحة والمقبولة، لم تلتحق بالمعهد نهائيا، فقد قال عنها محمد يونس القاضي في مجلة الصباح في نوفمبر 1930: «... لا أفشي سرا إذا قلت إن الآنسة جميلة مندور، كانت في مقدمة الناجحات، غير أن البيئة وتقاليدها وآداب بلدها الإسلامي الشرقي، كل ذلك، اضطرها إلى عدم دخول المعهد، وأن تعيش كما عاشت من قبلها كل مصرية، ترى المسرح مكانا تدخله لتروح عن نفسها بالتفرج عليه، لا مكانا تعمل فيه».
وكتب محمد حسني السباع في جريدة المقطم متعجبا من رؤيته لبعض ممثلي فرقة الشيخ سلامة حجازي، يتقدمون إلى اختبار الالتحاق بالمعهد، وقد تجاوز سن بعضهم الأربعين والخمسين، رغم أن السن الأقصى المحدد هو 25 سنة!! كما قالت المقطم أيضا: «... بلغ عدد المتقدمات من الفتيات المصريات الحاصلات على مؤهلات دراسية 15 طالبة. ومما يجدر بنا ذكره إن خمسة طلاب من طلبة مدرسة المعلمين العليا الأدبية، طلبوا تحويلهم من المدرسة وإلحاقهم بمعهد فن التمثيل. وقد عرض أمرهم على حضرة السكرتير العام فوافق على تحويلهم. وفهمنا أن الوزارة عزمت على جعل هذا المعهد في مستوى المدارس العالية حيث إن المتقدمين إليه من حملة البكالوريا». ونشرت المقطم كذلك، قائلة تحت عنوان (طالبات معهد التمثيل والعناية بهن): «كتب إلينا بعض أولياء أمور طالبات معهد فن التمثيل، يلتمسون من معالي وزير المعارف أن يتفضل بالنظر في تكليف إحدى سيارات الوزارة لنقل هؤلاء الطالبات إلى منازلهن، لا سيما أن موعد انتهاء الدراسة سيكون نحو الساعة الثامنة أو التاسعة من مساء كل يوم من أيام الأسبوع».
استشراف المستقبل
كانت مفاجأة كبيرة أن أقرأ ما كتبه صاحب مجلة (أنت وهو)، في أواخر أكتوبر 1930 – وبعد انتهاء اختبارات القبول، وتحديد أسماء المقبولين – وقبل أيام من افتتاح أول معهد تمثيلي في مصر وفي العالم العربي - فما قرأته، كان استشرافا للمستقبل، وكأن ما سوف يحدث بعد عام كامل، شاهده الكاتب ماثلا أمام عينه، فكتب تحت عنوان (معهد التمثيل)، قائلا:
«... أسس هذا المعهد بناء على قرار صادر من لجنة استشارية [وهي لجنة ترقية التمثيل العربي، المتكونة من: أحمد شوقي رئيسا وعضوية كل من: زكي طليمات، عباس محمود العقاد، جورج أبيض، توفيق دياب، خليل مطران، مستر ستارلنج، مسيو كاريه]، أقرّ وزير المعارف رأيها. وكنا نرجو أن يكون إنشاء هذا المعهد بمرسوم ملكي، مع تخصيص مبلغ وافر له حتى يكون متينا في أساسه، ثابتا في وجوده، لا يتغير بتغير الظروف والأحوال. فلا تلعب السياسة بالفن والتمثيل، كما لعبت بشؤون الدولة الأخرى. إننا لا نقول هذا جزافا، ففي فرنسا نفسها أنشأ الكنسرفتوار بباريس بمرسوم أصدرته السلطة المختصة. وفرنسا بلد العلم والفنون والآداب، وهي التي أخذنا عنها فكرة إنشاء المعهد. إن السلطة التي أعطيت لمجلس إدارة المعهد في القرار المذكور، هي سلطة واسعة في الظاهر؛ لكنها ضيقة في الواقع. إذ إنه عملا بما جاء في المذكرة المرفوعة من الوزارة في هذا الشأن (قرارات المجلس تنفذ بعد مصادقة وزير المعارف عليها)، يستطيع وزير المعارف بكلمة منه، وبدون إبداء أسباب، ألا يصدق عليها، فتصبح قرارات المجلس غير نافذة. أكثر من هذا أن المبلغ، الذي يصرف الآن على معهد التمثيل، وقدره خمسة آلاف جنيه فقط (وهو مأخوذ من المبلغ المخصص في الميزانية لإعانة التمثيل) هو مبلغ فضلا عن إنه ضئيل؛ فإنه يجوز لوزير المعارف نقله من باب إلى باب في الميزانية، إذا رأى ذلك بغير أن يرجع إلى مجلس النواب في هذا الشأن. وليس في عمله هذا مخالفة لأحكام الدستور، كما يجوز لوزير المعارف العدول عن تلك المساعدة، وإغلاق المعهد كلية. وماذا يكون حال الموظفين الذين عينوا فيه، وماذا يكون مآل الطلبة الذين التحقوا به في حالة إلغاء المعهد على هذا النحو بمجرد كلمة من الوزير؟».


سيد علي إسماعيل