من دفتر أحوال المسرح المصرى ومسرحية «اللجنة» المحاصرة!؟

من دفتر أحوال المسرح المصرى ومسرحية «اللجنة» المحاصرة!؟

العدد 831 صدر بتاريخ 31يوليو2023

عن رواية «اللجنة» للكاتب الكبير(صنع الله إبراهيم) (من مواليد 1937) أعد المخرج (مراد منير) (من مواليد 23 مارس 1947) عرضا مسرحيا بنفس العنوان فى المسرح القومى عام 2008 بطولة (نور الشريف، داليا البحيرى، عمرو عبد الجليل )، غناء ايمن البحر درويش – تلحين : محمود طلعت، وبعد سبعة شهور كاملة طويلة من التدريبات المتواصلة والبروفات النهائية يتوقف العرض !!، ويروي المخرج : ( من كتاب «مسرحيون فى الحركة المسرحية» تأليف (سليم كتشتر) – 2017 – هيئة الكتاب، ص 221 فيقول ( حضر ثلاثة رجال لا أعرف هويتهم جلسوا فى الصالون وشاهدوا البروفة ثم أعادوا الكرة فى اليوم الثانى، وبسبب مشهد بين نور الشريف وعمرو عبد الجليل يتحدث عن (التوريث) أغلق العرض بالضبة والمفتاح – رغم الضغوط الإعلامية الشديدة ! لأنى كنت  فى مرحلة يساندنى فيها الصحفيون والكتاب .. فى البداية كانت المسألة غامضة وبعد ذلك اتضح أن أمن الدولة أصدر أوامره المباشرة لرئيس البيت الفني للمسرح بإلغاء العرض – مما جعل رئيس البيت يتعلل ويعتذر عن استكمال العرض بحجة أن الديكورات باهظة التكاليف – رغم أن العرض كان على المستوى التقنى أفضل ما أخرجت فى حياتى على خشبة المسرح ).
وكان لابد أن نرجع إلى أسباب رفض هذا العرض .. إذ كان قد سبق المؤلف صنع الله إبراهيم أن أصدر رواية «اللجنة» وأنه قد أثار ضجة كبيرة منذ خمس سنوات / حول رفضه لجائزة (ملتقى القاهرة للإبداع الروائى) فى 23/1/2003 – أى قبل هذا الإيقاف بخمس سنوات وذلك معتبراً أن الحكومة المصرية لاحق لها فى منحة هذه الجائزة.. لأنها فقدت مصداقيتها بسبب عقدها معاهدة مع الكيان الصهيونى، وأسباب أخرى مما وضع وزارة الثقافة فى موقف حرج !!  كما جاء فى خطاب الرفض الذى ألقاه أمام الحاضرين. 
بالإضافة إلى أن العرض المسرحى يسخر من التوريث وإظهار المسئول بشكل ساخر، فى روايته التى تم نشرها لأول مرة عام 1982، وتدور أحداثها حول كيان غامض ومتحكم يتألف من مجموعة من البشر يدور بينهم مجموعة من الصراعات وكل منها يعانى من تلك الصراعات فى جو كئيب مشحون بالسخرية، وأن الرواية هجاء ساخر من سياسة الانفتاح التى بدأت فى عهد السادات، وتقوم الرواية على التجريب حيث يدمج الواقع مع العالم الافتراضي وكأنه يتناول الواقع من داخل الواقع والذى يقوم على السرد لأكثر من حدث – حيث يتوصل (السارد) إلى اكتشافات مثيرة وحلول ألغاز كانت عصية على الحل، وقد تعرضت هذه الرواية لأكثر من تفسير من النقاد . من أمثال (محموداً مين العالم،  وسيزا قاسم)، ومن رواياته المهمة الأخرى «العمامة والقبعة» نجمة أغسطس بيروت – بيروت، ذات، شرف، وردة، أمريكانى، ،»القانون الفرنسى، بالإضافة إلى رواياته الأخرى «67»، «يوميات الواحات»، «وردة»، «التجربة الأنثوية»، «برلين69»، «عندما جلست العنكبوت تنتظر «، الجليد» وغيرها .
وقد تصدى المخرج (مراد منير) لإخراج رواية «اللجنة» رغم ما يحيطها من مشاكل وعقبات ولكنه ظل مصراً على إخراجها.. بعد تغير الظروف السياسية .
فعاد وحاول أن يقدم هذا العرض فى المسرح الحديث (لكن مدير المسرح اعتذر بحجة سماعه عن العرض فى الماضى أن به أشياء مثيرة للمشاكل !!) ونشير إلى أن هذه الرواية الهامة لكاتبها الكبير صنع الله إبراهيم – والتى أثارت كل هذه المشاكل هى عمل روائى كبير مثل بقية رواياته الأخرى المثيرة للجدل بداية من روايته الأولى «تلك الرائحة» 1966، والتى تدور حول تجربة الكاتب فى المعتقل .
وعندما نتناول رواية «اللجنة» بالدراسة كعمل أدبى – دون الخوض فى دراسة إعداد وإخراج المخرج (مراد منير) وهو الإعداد والإخراج المحاصر والموؤود والذى لم يرى النور حتى الأن - ؟! للأسف الشديد، ولكن تبقى الرواية التى حظيت بمزيد من الدراسات والبحث، ونشير هنا إلى رأى الناقد (جميل حمداوى) فى موقع «الحوار المتمدن» بقولة :- (يستهل الكاتب روايته بمقولة أمام أعضاء اللجنة الذين أهانوه كثيرا بأساليب وقحة وبشعة.. مستفسرين إياه عن كثير من المكونات السياسية والأخلاقية، وكانت هذه اللجنة ذات صبغة عسكرية على الرغم من مظهرها المدنى الذى يتجلى فى بعض الشخصيات – إلا أن هذا المظهر سرعان ما ينكشف فى المكاشفة المعرفية الثانية .
لقد أحس السارد بذعر كبير وهو أمام اللجنة التى طلبت منه أن يرقص ،. ويظهر عورته غير مبالية بمبادئ حقوق الإنسان، وظلت تحاوره وتستخبره فى أمور خطيرة جدا لها علاقة بالأخلاق والسياسة والمعرفة العلمية، ويحاول السارد أن يجيب مظهراً براعته فى الكلام وتفوقه فى الجدال الاقتصادي والسياسى، وذلك بتسريحة للمجتمع العربى الذى انتقل من القطاع العام إلى سياسة الانفتاح والتنوع والتطبيع .، وبعد ذلك  طلبت منه اللجنة أن يهيئ بحثا عن ألمع شخصية فى العالم العربى . وقد تردد الكاتب كثيراً، وبعد ذلك اختار أن يكون موضوع دراسته هو التنقيب فى سيرة (الدكتور) بطريقة جديدة تتداخل فيها المناهج والعلوم، ولقد توصل إلى حقائق ونتائج خطيرة – مما جعل اللجنة تتدخل لتوقف هذا البحث الذى أثار كثيرا من المشاكل للجنة . ومما أودى بالكاتب  أو السارد المحاصر ليتخلص من مراقبة (القصير) الذى كان ينغص عليه حياته ويراقبه فى أى حركة يقوم بها، بل وكان يعد عليه أنفاسه التى تخرج من صدره حتى ولو كان يقضى حاجته الطبيعية، والأدهى من ذلك أنه كان ينام معه فى سرير واحد كأنهما فى سجن من نوع خاص، وقد استدعته اللجنة لمحاسبته مرة أخرى بعد تخلصه من مراقبة (القصير)، وبعد التبريرات التى قدمها لأعضائها العسكريين – انسحبت اللجنة وتركوه ليتأكل بشكل مأساوى، وهكذا أوقعه هذا التأكل فى تطاحنات فاشلة مع عملاق الأتوبيس، وطبيب العيادة الخاصة .) وترى النافذة (بديعة الطاهرى) – في (الحوار المتمدن) [أن كاتب هذه الرواية (صنع الله إبراهيم) استطاع من خلال هذا النص – عبر لغة رصينة – لكنها هادفة.. أن يترجم عنف الواقع بطريقة ساخرة تبتعد عن التقريرات المباشرة .. وان ينوع فى تقنيات سردة على مستوى توظيف سخريته خاصه – باعتبارها من أهم أليات إنتاج المعنى فيه، وأن الكاتب استطاع من خلال القراءة كيف يصوغ عنف الواقع بعنف الكلمة النافذة، حيث تبدو الشخصيات هذه فى اللجنة هجينة تفتقد إلى الركائز الأساسية التى تجعلها تنتمي إلى هذا العنف أو ذلك – فالنص يركز على (السارد) – أكثر من تركيزه على أعضاء اللجنة، كما أنه وهو يقدمهم لا يلتفت إلى هذه السمات الهزيلة التى لا تخصص الشخصية، ولا يكون هذا التغييب مجانيا فى النص بل يدخل ضمن لعبة إنتاج المعنى – فالسارد يسعي إلى إلغاء الملحمية التى تنتصب فوقها اللجنة، (ويعتبر التهميش السردى والتصوير الكاريكاتورى) من أهم هذه التقنيات التى تدخل الشخصيات إلى حلبة المألوف والمعتاد ..
لذا يسجل لنا (دفتر أحوال المسرح المصرى) موضوعا شائكا بهذا الغموض – ترى هل يستطيع أى مسرحى مصرى فى هذا العصر أن يحاول تقديم هذه التجربة الصعبة بعد مرور خمسة عشر عاما.. خاصة وأننا لم نشهد أو نقرأ تفاصيل هذا الإعداد أى (العرض) الذى كتبه المخرج وتم الحكم عليه بالإعدام ؟! 
 


عبد الغنى داوود