بين الألف والواو.. مقبرة دفن فيها نصف أحلام االبشر

بين الألف والواو.. مقبرة دفن فيها نصف أحلام االبشر

العدد 525 صدر بتاريخ 18سبتمبر2017

يبدو أننا أصبحنا نعيش داخل مقبرة كبيرة، مقبرة نلقي بها أحلامنا وطموحاتنا حقوقنا و أصواتنا، هذا لأننا نعلم جيداً أن لا جدوي منها، في مجتمع ينظر فقط إلى تلك البلاد التي تتقدم دون أن يمضي قدما واحداً نحو التقدم، فقد أصبح مجتمعنا لا يفهم سوي لغة العنف و لغة الظلم وقمع الشباب الذين يسعوا لتطوير أنفسهم أو تحقيق أهدافهم و أحلامهم، التي من المفترض إنها الخطوة الأولى في تقدم المجتمع ، فنحن أصبحنا نعيش في مجتمع يجني علي المظلوم ويمدح الظالم، مجتمع يقطع ألسنة من يعترض أو يطالب بحقوقه ، فلم يبق أمام هؤلاء الشباب سوي طريقين لا ثالث لهما، إما أن ينظروا لما يحدث في صمت، أو الوقوع تحت وطأة السلطة التي لا رقيب لما يحدث داخل معتقلاتها ، فالثورة التي بحثت عن الحرية والعدل لم تحقق شيئاً سوى زيادة الطغيان، و القهر لهؤلاء الشباب الذين فقدوا الأمل فى التغير، وأصبح لا يدور بأذهانهم شيئاً سوى البحث عن الهروب من هذا السجن .
هذا ماحاول طرحه فريق محافظة أسيوط، على مسرح السامر ضمن فاعليات الدورة السادسة والعشرين، من المهرجان الختامي لنوادى المسرح، حيث قدم الفريق عرضاً بعنوان “ من الألف إلى الواو “ من إخراج كيرولس ممدوح وتأليف بيتر جمال .
قدم العرض مجموعة من المشكلات التي تواجه الشباب، منها البطالة و إنحدار مستوى التعليم و صعوبة الزواج بالإضافة إلى قمع الحريات والظلم ، وما يحدث داخل المعتقلات وكل ما يتعرض له الشباب حالياً ، يدور العرض المسرحى حول شابين يجسدان بكل جرأة المشكلات التي تواجه الشباب في هذا الوقت، من خلال حوار درامى متقن، والجدير بالذكر أن إستخدام المخرج للصوت الخارجي خلق فى نفس المتلقى نوعاً من الترقب والقلق، من هذا الشئ الخفى الذى لا يظهر منه إلا صوت حاد ، إعتمد المخرج على اللونين الأبيض والأسود فقط ولم يستخدم أي لون أخر في العرض معبراً عن النقاء والشر بشكل حاد فلم يبق في المجتمع سوى الأبيض والأسود ولا مجال لوجود اللون الرمادى في ظل هذه الحياة العبثية التي نعيشها ، حيث  إعتمد ديكور العرض علي البساطة، ف يرى المتلقى منذ بداية العرض مجموعة من الحروف الملونة بالأبيض، المتناثرة بشكل عشوائى على خشبة المسرح السوداء، واستخدم كرسيين فقط على خشبة المسرح، استخدمهم الممثلان معبرين بهم عن كل شئ يشعرون به، فهذه الكراسي تارة كانت القضبان الذى يسجنهم وتارة أخرى كانت المنبر الذى يتحدثون من خلاله ، كما نجد أن ملابس الممثلين أيضاً كانت بين الأبيض والأسود، وتناثرت عليها نفس الحروف، وكأننا أصبحنا نغوص في وعاء مليئ بالحروف، ولا نستطيع الخروج منه ، لم يعتمد المخرج على الموسيقى بشكل كبير في العرض، فلقد إستخدم الموسيقى الهادئة في لحظات قليلة من أحداث العرض، وذلك ليجعل المتلقى يتماهى مع حالة العرض .
لم يكتف المخرج بتجريد الديكور بل جرد الممثلان من أي اسم ليعبر عن أنها الحالة السائدة لكل الشباب، أما عن الأداء التمثيلي فقد برع الممثلان في التعبير عن مشكلاتهم ومشاعرهم وما يدور داخلهم وكيف أنهم ينطقون بما لا يصدقونه من خلال تعبيرات الوجهة والأداء الحركى وقد ظهر ذلك تحديداً في مشهد المعتقل حيث تحدثوا عن اننا في ازهى عصور التعليم وأن هناك وظائف عديدة لينقلب فجأة الحوار رأساً على عقب، وينطق الشابان بحقيقة الأمر الذي لا يستطيعون إخفائه أكثر من ذلك، وهو أنهم لا يواجهون سوى المشاكل .
إعتمد العرض على التكثيف بشكل كبير وواضح، حيث طرح العرض مجموعة كبيرة من المشكلات، التي تواجه الشباب في وقتنا الحالي في بضع دقائق ، وعلي الرغم من أن العرض جُرد تماماً من وحدتى الزمان والمكان، إلا أن المتلقى كان يعلم جيداً أن أحداث العرض تدور في المجتمع المصرى، والسبب في ذلك لم يكن فقط تلك الإسقاطات السياسية، التي تؤكد أننا داخل المجتمع المصرى، بل أكد المخرج على أنه يخص المجتمع المصرى، بإستخدامة كلمة مصري، التي ظلت تتردد أكثر من مرة، داخل العرض المسرحى، كما أن المخرج أنهى العرض بإلقاء الشابين النشيد الوطنى .
ومن ثم انتهى العرض المسرحى من الألف إلى الواو بإلقاء الممثلان النشيد الوطنى - بلادى – مع إظلام خشبة المسرح تدريجاً حيث النهاية المفتوحة، دون الوصول لحل تلك المأساة التي يعيشها الشباب و كأنه يقول سيبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء لمجتمع أخر ..


رنا أبو العلا