محمود عقاب: توجد حالة من الاستسهال الشديد في الكتابة للطفل

  محمود عقاب: توجد حالة من الاستسهال الشديد في الكتابة للطفل

العدد 643 صدر بتاريخ 23ديسمبر2019

محمود عقاب، جمع بين الشعر والقصة والتأليف المسرحي، صدر له مجموعة من الإصدارات منها «مطرب الغابة» مسرحية شعرية للأطفال،»خيالٌ لا تُجمِّلُهُ المرايا» ديوان شعر، وقصص الأطفال «جحا وأشعب وجائزة السلطان»،» الأسد وتاجه المفقود»،وله قيد النشر «الغابة والحيلة العجيبة» .. حصل على العديد من الجوائز منها: المركز الثاني في الشعر جائزة أفرابيا للشباب العربي والإفريقي بالسودان،وجائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج عن قصة «الغابة والحيلة العجيبة»، القائمة القصيرة فرع أدب الأطفال جائزة الشيخ راشد بن حمد الشرقي للإبداع ـ بالفجيرة، المركز الأول في التأليف المسرحي من وزارة الشباب والرياضة،جائزة إحسان عبد القدوس في القصة القصيرة،جائزة المجلس الأعلى للثقافة في أدب الطفل بمسابقة المواهب الأدبية عن المسرحية الشعرية  «ثعلوب في محكمة الغابة»،جائزة المجلس أيضا بمسابقة لجنة الشعر عن ديوان «ما تبقى من رصيد الشعر»، جائزة الشباب والرياضة في الشعر بمهرجان إبداع، جائزة النشر بملحمة العرب بمؤسسة البابطين الثقافية بالكويت، لقب شاعر الشرق بمسابقة شاعر الشرق..شارك في التصفيات الأولي لبرنامج أمير الشعراء الموسم الثامن بأبو ظبي، وأخيرا حصل على المركز الأول في التأليف المسرحي الموجه للطفل من الهيئة العربية للمسرح،وعن الجائزة وبعض القضايا الأخرى كان لمسرحنا معه هذا الحوار
- كلمنا عن البدايات ؟
بدأت مع الرسم والمشاركة في تقديم بعض عروض مسرحية في المدرسة، وتأليف بعض القصص الطريفة والأناشيد، و كان لعشقي للرسم منذ الطفولة أهمية كبرى، فقد كنتُ أحصل على الدرجة النهائية في التربية الفنية كل عام، وبجوار ذلك كنتُ أعشق حفظ الأشعار التي تقدم في كتاب اللغة العربية، وبدأتُ أعرف فيما بعد؛ أنَّ بالكتابة يمكن تنفيذ ما يتم عمله باللوحات الفنية، ومن هنا بدأت انطلاقي في الكتابة، وأصبحت الأفكار الإبداعية تتوالى ليتم توظيفها في كتابة أدبية بشكل أوسع من توظيفها في الرسم، وعند اكتشاف ميولي الدرامية في بداية كتابتي للشعر، انطلقت في كتابة المسرح الشعري والغنائي، ومسرحيات وقصص الأطفال.
- حصلت على جائزة الهيئة العربية للمسرح، فماذا تعني لك الجائزة وكيف تقدمت للمسابقة ؟
 نتائج المسابقات تمثل الموسم الذي يحصد فيه المبدع ثمار مجهوده مثل المزارع تماًما، ففيها يرى نتيجة ما رماه من بذور إبداعية في حقل من المعاناة، فهو يرمي البذرة لكن لا يضمن النتيجة، وربما تأتي جائزة واحدة عن عمل معين تكون بمثابة تتويج لأعمال أخرى لم يحالفها الحظ في الفوز، لذا أعتبر فوزي بالجائزة انتصار لكل مشروعي المسرحي. تقدمت للمسابقة من خلال متابعتي السنوية لموقع الهيئة وقد سبق أن تقدمت مرتين إلى المسابقة، عام 2016 في مسابقة التأليف الموجه للكبار ودخلت القائمة القصيرة، و عام 2018 في مسابقة الطفل ودخلت أيضًا القائمة القصيرة، إلى أن قدر الله لي الفوز هذا العام في مسابقة التأليف للطفل،، وقد خلقت هذه الجوائز لديَّ حالة من التجويد المستمر، وحالة من المنافسة الذاتية حتى لا أستمر على مستوى معين من الإبداع.
- كلمنا عن نصك الفائز « أساطير المستقبل» وسبب اختيارك له تحديدا للمشاركة بالمسابقة؟
النص يتناول حقوق الطفل في الرعاية والتعليم، في ظل التركيز على حالات اجتماعية يعيشها الطفل المعاصر، والتطرق إلى معالجتها بشكل فني، وقد عاش النص في خيال الطفل المتعلق بالأساطير القديمة التي رأى أنها الملاذ الوحيد لإنقاذه من مرارة ما يلاقيه في الواقع، إلى أن استطاع بالاعتماد على الذكاء والابتكار أن يوظف هذه الأساطير بشكل فني، ليتم تحويلها إلى أساطير حقيقية في المستقبل من خلال تفعيل دور العلم الذي كان ينفر منه في البداية، واختياري لهذا النص تحديدًا لأنه يتفق إلى حد كبير مع الرؤية التي اشترطتها الهيئة في النصوص المتقدمة .
 - الأساطير ترتبط في وعينا  بالماضي فما سر تسميته أساطير المستقبل؟
إضافتي في هذا العمل هي الربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، لأن للموروث في حياة الطفل مكانة مهمة، فالطفل ينشأ على حكايات ألف ليلة وليلة ومصباح علاء الدين السحري ونوادر جحا وأشعب وغيرها، وكانت محاولة النص الفنية أن ينجح في جعل هذا الموروث دافعًا للانتصار على عقبات الحاضر، وبث روح الابتكار الذي سيجعل للمستقبل أساطير موازية لأساطير الماضي، ومن هنا كان عنوان النص .
- وصفت الجائزة بأنها تتويج لرحلة المعاناة، فهل الكتابة للطفل صعبة لهذه الدرجة؟
من الممكن أن أقول أن الكتابة المسرحية سهلة جدًا لأني عشقتها وتعودت عليها؛ لكنَّها في الأساس صعبة جدًا لأن الكاتب المسرحي يقوم بكل الأدوار، المؤلف و المخرج و مهندس الديكور ومصمم الملابس و الممثلين، بالإضافة إلى تحجيم حركة حكاية متشعبة من الحياة اليومية في خشبة مسرح محددة، مرتبطة بعدة مشاهد أو فصول، وكذلك فإن الحدث والخط الدرامي لن يظهرا إلا من خلال الحوار المتقن.. الكاتب المسرحي كي ينجح لابد أن يفكر ويخطط بأكثر من ذهن في وقت واحد، فالأمر يحتاج إلى قدرة فوق القدرة، الكتابة للطفل ليست مهمة سهلة كما يتخيلها البعض، فلابد للكاتب أن يمتلك «الريموت» فيتنقل بين المراحل العمرية ويكتب للطفل بحرفية في كل مرحلة، لذلك أعتبر هذه الجائزة تتويجًا لرحلة من المعاناة اللذيذة لأني أعشق هذا المجال.
- هل تكتب لمرحلة عمرية محددة؟
 عندما أكتب للطفل أكتب نصًا صالحًا للبالغين أيًضًا، في غالب النصوص التي أكتبها يتم التركيز على أهم متطلبات الطفل النفسة والعقلية، وبالتالي لابد للكبار من معرفة هذه المتطلبات ومعرفة الأحلام التي استطاع أن يترجمها كاتب الأطفال في نص أدبي، ولم يستطع الطفل ترجمتها بشكل مباشر.. ربما يناقش النص اهتمامات الأطفال في مرحلة عمرية محددة، لكنه كنص أدبي يخاطب الصغير والكبير معًا، ومع ذلك لا أحب أن أحدد بنفسي الفئة العمرية للنص، أترك ذلك التحديد للنص نفسه،  إلا إذا كنت مضطرًا للتحديد في حال اشتراط المسابقة.
- لماذا لم تنفذ نصوصك على خشبة المسرح؟
سبق وتقدمت لمسرح العرائس ولم يتم الرد، وقصور الثقافة بطيئة ولا تهتم إلا بنصوص معينة لكتاب اعتادوا عليهم، فاكتفيت بالمسابقات حتى أطور قدراتي وأصنع لنفسي اسما ربما يكون ذلك في المستقبل معينا لي.
- كيف ترى كتابات وعروض الطفل ؟
 توجد حالة من الاستسهال الشديد في الكتابة للطفل، وعدم مواكبة تطلعاته، وأحيانًا يتم تقديم نصوص هشة من أجل تغطية ميزانيات معينة، وكثير من المخرجين يتحكمون في اختيار النصوص التي من وجهة نظرهم تجلب إقبالاً أكبر، ويتم اختيار النصوص الأسهل في الإخراج والتنفيذ أو الأقل في التكاليف، ولذلك نرى كثير من الكتاب مختلطين بالمخرجين، يكتبون وفق ما يتماشى معهم، كما يحدث على سبيل المثال في ترجيح المخرج لنص مكتوب باللهجة المحلية عن آخر مكتوب باللغة العربية كنوع من الاستسهال، ومثل هذه الأمور تؤثر بالسلب على التحليق بنصوص الطفل في فضاءات أعلى قيمة وفكرة وإبداعًا، هذا لا يمنع من وجود قطاع من الكتاب يكتبون للطفل بشكل أدبي، مثلها مثل الروايات والقصص والشعر، ليس لها إلا أرفف المكتبات العريقة، والجوائز الكبيرة، لكن لا يوجد لها نصيب من خشبة المسرح إلا أقل القليل.
- هل يعاني مبدعو الطفل من التهميش ووضعهم في مرتبة أقل ؟
يوجد هذا التهميش من مؤسسات كثيرة اهتمامها الأول بالأدب الموجه للكبار، لأن الكبار يكتبون للكبار وهذا يجعل لهؤلاء الكتَّاب أولوية، لكنَّ في الواقع نجد كاتب الأطفال أكثر شهرة وأكثر حضورًا لأنَّ الحياة عرض وطلب، فإنَّ الكاتب الذي يكتب للكبار يكتب لشريحة معينة، ولذائقة محددة، إن أعجبت به ذائقة لن ترضى عنه أخري، وإن قبله توجه أدبي معين فلن يقبله آخر، لأنَّ هذا الكاتب يتعامل مع عقول تشكلت، بينما كاتب الأطفال يكتب لكل طفل في كل بيت في كل مكان، وبالتالي يصبح نصه في متناول الجميع، لأن وجدان الأطفال موحَّد في براءته، لا يعرف الصراعات والصدامات، وما يكتبه الكاتب تتشكل عليه العقول، لذلك يكون كاتب الأطفال أكثر مسؤولية، وأكثر حظًا في الانتشار بالمجهود الفردي وإن همشت المؤسسات دوره.
- وما أهم المشاكل التي تواجه مسرح الطفل من وجهة نظرك ؟
 تهميش الكتاب البعيدين عن العلاقات والمجاملات، مما يجعل الكاتب الجيد يكتفي بنشر نصه للقراءة، أو تقديمه للحصول على جائزة.
 - كيف يمكن تطوير كتابة الطفل لتواكب طفل العصر الحالي؟
 تطوير مسرح الأطفال ينقسم إلى شقين شق أدبي وهو كتابة النص المسرحي، وشق فني وهو تنفيذ النص على خشبة المسرح، لذلك  على الكاتب ألا يستهين بعقل الطفل، أما الشق الفني الخاص بتنفيذ النص على خشبة المسرح فلن يتطور إلا بتقديم الدعم اللازم من الجهات المختصة بإنتاج العروض لتكون لها ميزانيات مثل  مسارح الكبار، وأن يقدم العرض للأطفال بنفس جدية العروض التي تقدم للكبار.
 - هل أنت مع المباشرة في تقديم الأعمال للطفل، وفيما يختلف طفل اليوم عن الأمس ؟
لا أحب التوجيه المباشر، وإلا اكتفي بتقديمها في صيغة خطبة وعظية، أو درس، فالمسرح يجسِّد القيمة في صياغة فنية معينة، والأمر يختلف من كاتب لآخر وفق الموهبة وخصوبة الخيال ودرجة العناية بعقل الطفل ووجدانه، فالمباشرة الوعظية ينفر منها الجميع في الغالب، وخاصة الطفل الذي يمل من تكرار النصائح ويعدها قيودًا على حريته.
- لاحظت مؤخرا أن بعض أبناء جيلك يكتبون  الشعر بجانب المسرح.. فما سر هذا الارتباط، وهل يؤثر الشعر على المسرح؟
كاتب المسرح إما أن يكون روائيًّا أو شاعرًا، والشعر لا يبعد عن المسرح، للمسرح تاريخ عريق مع الشعر، فعلى خشبته تقدم الأشعار والموسيقى، بخلاف المسرحيات الشعرية كمسرحيات شوقي وصلاح عبد الصبور على سبيل المثال، لكن الشاعر المسرحي إذا لم يكن لديه الميول الدرامية المتوفرة لدى الروائي فهو لن يحقق المكانة المرجوة كمسرحي له بصمته في عالم المسرح، الشاعر ربما يكتب المسرح إثراء لتجربته الشعرية لا للمسرح، المسرح في الأساس عمل درامي، وقد كان لديَّ من موهبة الكتابة الدرامية ما يؤهلني للرواية لكنِّي سريع الملل من طول السرد، وكثير الشغف بالحوار، هذا ما دفعني دفعًا إلى الكتابة المسرحية، لذا جمع مشروعي المسرحي بين الشاعر والمسرحي والروائي، وبالتأكيد للشعر تأثير كبير جدًا في المسرح طالما أنَّ المسرحية قائمة على بناء درامي محكم، فيصبح الشعر مثل الزخارف والنقوش البديعة داخل المتحف.
- تكتب الفصحى بالإضافة للابتهالات والتواشيح الدينية.. ألم تفكر في تقديم عمل ديني على خشبة المسرح ؟
 كثيرًا ما أكتب للأطفال الأشعار المرتبطة بالمناسبات والأعياد والمواسم، وأنشرها بمجلات الأطفال المحلية والعربية، تلك الأشعار التي تحمل الطابع الفلكلوري والاحتفالي كما يحدث في الاحتفالات برمضان والأعياد والمولد النبوي والمناسبات الدينية والوطنية، وللمسرح دور لا يغفل في مثل هذه المناسبات، لكن الكتابة المسرحية هنا لا تأخذ الشكل الدرامي المتعارف عليه، إنما يتم تقديم الأوبريتات الغنائية والإستعراضة .
- كنت أول مصري يحصل على جائزة أفرابيا للشباب العربي الإفريقي كلمنا عنها ؟
يمثل حصولي على هذه الجائزة الحدث الأهم في مشواري الشعري والأدبي، فقد كنت أول مصري يفوز بها منذ انطلاقها، وهذا يمثل تاجا فريدا من نوعه وضع على رأسي، وكان ذلك  في نسختها الرابعة، حيث كنت الممثل المصري الوحيد في هذه النسخة، ولذلك كانت القيادة السودانية حريصة على حضوري حفل التتويج، وظلت تمثل هذه الجائزة بالنسبة لي نافذة عليا أطل منها على عالم جديد من الإبداع والمجد والفرح، والثقة بالنفس والتغلب على مراحل شديدة القسوة عشتها من المعاناة والإحباطات.
- وماذا عن جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج في الأدب وهل كانت عن مجمل أعمالك أم عن عمل معين؟
جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج هي أول جائزة عربية أحصل عليها، ومقرها الرياض المملكة العربية السعودية، وكانت عن قصة للأطفال بعنوان( الغابة والحيلة العجيبة) .
 - كيف تجمع بين إبداعاتك المختلفة وعملك الأساسي وأيها الأقرب إليك؟
 كل مبدع لديه مشروع جاد يتمنَّى أن يكون متفرغًا تفرغًا تامًا لإبداعه، لكن لقمة العيش دائمًا تبارز المبدع بسيفها، فربما يتحصَّن المبدع أحيانًا بما يحصده من الجوائز وغيرها، لكنَّ هذا الحصاد موسمي غير مأمون، هذا ما يجعله مرتبطًا بعمل آخر، يخالف طبيعته الأدبية ومهمته الإبداعية من أجل توفير لقمة عيش آمنة للأسرة، غالبًا العمل بطبيعته الروتينية الضيقة يعرقل عمل المبدع الذي لا يقوم إلا على الحرية، ومن أجل ذلك أحاول الجمع بشكل معين بين العمل الإبداعي والعمل الوظيفي، فالأمر يبدو صعبًا، لكن التوفيق بين الأمرين من الله،أما الأقرب إليَّ فهو أدب الأطفال خاصة المسرح.
ما الجديد لديك؟
منذ أيام انتهيت من كتابة مسرحية جديدة للأطفال، وتقدمت بها إلى مسابقة راشد بن حمد الشرقي للإبداع بالإمارات.


روفيدة خليفة