فرقة حسن البارودي أول فرقة مسرحية مصرية تزور السودان (1-2)

فرقة حسن البارودي أول فرقة مسرحية مصرية تزور السودان (1-2)

العدد 641 صدر بتاريخ 9ديسمبر2019

بعد اطلاعي على أغلب ما كُتب عن بدايات تاريخ المسرح في السودان، أقول: إنني حصلت على اكتشاف مسرحي جديد، يُضاف إلى تاريخ المسرح في السودان، والمتمثل في قيام الفنان حسن البارودي بتكوين فرقة مسرحية، والسفر بها إلى السودان؛ حيث عرضت فرقته بعض العروض المسرحية. ووصفي الموضوع بالاكتشاف؛ راجع إلى أنني لم أجد أية تفاصيل منشورة عن هذا الموضوع في أغلب المراجع والكتب والبحوث والمقالات المنشورة عن بدايات المسرح في السودان!! وقد يظن القارئ أنني سأحدثه عن فرقة زارت السودان يوما أو يومين، أو عرضت عرضا مسرحيا أو عرضين، أو أنها فرقة مغمورة مكونة من أسماء غير معروفة من الممثلين الهواة.. إلخ.
عزيزي القارئ: بكل أسف.. ظنونك في غير محلها!! فالفرقة التي سأتحدث عنها، مكثت في السودان شهرا ونصف الشهر - أي 45 يوميا - وهي أطول فترة زمنية، استطاعت فيها فرقة مسرحية تزور السودان طوال تاريخه المسرحي!! كما أن الفرقة عرضت ثلاث عشرة مسرحية مختلفة – من عيون أشهر المسرحيات التي عُرضت على مسارح القاهرة – وهو أكبر عدد قدمته فرقة مسرحية زارت السودان!! هذا بالإضافة إلى أن الفرقة، ضمت بعض مشاهير الفنانين المسرحيين المصريين في ذلك الوقت!!
عزيزي القارئ: لم يبق لديك إلا سؤال واحد يشغلك - وسيشغل جميع القراء - وهو: إذا كانت الفرقة ضمت بعض مشاهير الممثلين، ومكثت في السودان 45 يوما، وعرضت ثلاث عشرة مسرحية مختلفة.. فلماذا لم تذكرها المراجع والكتب، ولماذا لم يكتشفها أي باحث من قبل؟! الإجابة على هذا السؤال يسيرة، وتتمثل في: أن مجلة (الصباح) المصرية، كلفت لها مراسلا فنيا للسفر إلى السودان، ليصاحب الفرقة في رحلتها الفنية، فكانت مجلة (الصباح)، هي الوحيدة التي نشرت أخبار الفرقة. وهذه الأخبار – المنشورة في المجلة من أبريل إلى أكتوبر 1935 - ظلت بعيدة عن أنظار الباحثين والمؤرخين والموثقين أكثر من ثمانين سنة، لاكتشفها لكم اليوم... وإليكم تفاصيل الاكتشاف، والذي نشرته من قبل ورقيا في أكتوبر 2018 في مجلة المسرح الإماراتية.
قبل السفر
في أواخر أبريل 1935، نشرت مجلة الصباح خبرا تحت عنوان (فرقة تمثيلية مصرية للسودان)، نعلم منه إن الفرق المسرحية المصرية، كانت محرومة من السفر إلى السودان، دون أن تحدد المجلة أسباب هذا الحرمان - ومن وجهة نظري إنها أسباب سياسية وضعها الاحتلال الإنجليزي في ذلك الوقت – وتؤكد المجلة أن يونانيا غنيا مُقيما في السودان اسمه (خريستو بابا لكسيس)، نجح في الحصول على ترخيص، يسمح له باستقدام فرقة مسرحية مصرية لتقديم عروضها المسرحية، بحيث يكون هو متعهدها. ويؤكد الخبر المنشور أن هذا اليوناني اتفق بالفعل مع الفنان حسن البارودي على تكوين هذه الفرقة. كما ذكرت المجلة أسماء أعضاء الفرقة، وهم: حسن البارودي، عباس فارس، لطفي الحكيم، عبد المجيد شكري، فتوح نشاطي، محمود المليجي، سيد سليمان، سيد فوزي، فيوليت صيداوي، نجمة إبراهيم، سرينا إبراهيم، بهية حجازي، محمد حجازي وفرقة أوركسترا.
بعد نشر المجلة الخبر السابق، حارب أعداء النجاح حسن البارودي وفرقته؛ حيث إن بعض أعضاء الفرقة المتكونة، كانوا من مشاهير الفرق المسرحية العاملة، مثل فرقة رمسيس ليوسف وهبي، وفرقة نجيب الريحاني!! لذلك قام يوسف وهبي والريحاني بتهديد بعض النجوم المسافرين إلى السودان تارة، وبترغيبهم في أعمال جديدة تارة أخرى. ونجح يوسف والريحاني في منع بعض النجوم من السفر بالفعل. وعلى الرغم من ذلك، استطاع حسن البارودي السفر إلى السودان يوم 24 أبريل 1935 بفرقة مسرحية متكاملة، أعلنت مجلة الصباح عن أسماء أعضائها - بوصفها أول فرقة مصرية مسرحية تسافر إلى السودان - وهم: حسن البارودي، لطفي الحكيم، سيد فوزي، سيد سليمان، عباس فارس، عبد المجيد شكري، أبو العلا علي، إسكندر منسى فهمي، حسين صدقي، نجمة إبراهيم، فؤادة حلمي، فيوليت صيداوي، سرينا إبراهيم، أليس نصر، وأوركسترا موسيقي مكون من: يوسف شالوم، وأمين حسن كافوري، وحسني محمد الحمصاني.
الوصول ورقابة الاستعمار
وصلت الفرقة إلى وادي حلفا بالباخرة النيلية، ومكثت بها ثلاث ساعات، ثم استبدلتها بالقطار الذي وصل بها إلى الخرطوم، فنزلت الفرقة في أوتيل البيون وسان جيمس بالخرطوم. ونشرت المجلة رسالة مراسلها يوم وصول الفرقة، وهذا نصها: «وصلت فرقة الأستاذ حسن البارودي إلى الخرطوم، وكان استقبالها عظيما باهرا، يدل على مبلغ محبة الشعب السوداني للفن المصري. وبمجرد وصولها تسلمت إدارة الفرقة طلبا بضرورة عرض بروجرام التمثيل والطرب والمنولوجات والرقص على نائب المدير الإنجليزي قبل ظهوره على المسرح، وذلك في حفلة خاصة تعد (حفلة مراقبة أدبية). وقد قصد نائب المدير الإنجليزي إلى المسرح في المساء قبل بدء العمل فسمع منولوج (ياسمينة) من المنولجست سيد سليمان كما شاهد فصل رقص شرقي من الراقصة فؤادة حلمي. أما أغاني سيد أفندي فوزي فلم يطلب سماعها نظرا لأنه قدم صورة منها مكتوبة وحصل على الموافقة عليها». وهذه الرسالة المنشورة، تُعدّ وثيقة مهمة لأسلوب الرقابة الفنية المتبعة حينئذ، ولعلها أول تطبيق عملي منشور، يتعلق بالرقابة السياسية من قبل الاحتلال الإنجليزي على العروض المسرحية في السودان.
ونشرت المجلة أيضا نص تلغراف أرسلة مدير الفرقة حسن البارودي، قال فيه: «قابلنا إخواننا السودانيون بحفاوة بالغة، شجعتنا على التفاني لخدمة المسرح، واضطرنا كرمهم لإطالة التمثيل بالخرطون. تحياتنا لجميع الزملاء ودعواتكم ورعايتكم للمجاهدين في سبيل الفن». كما أبلغتنا مجلة الصباح أن جريدة (حضارة السودان) – التي تصدر في السودان – نشرت كلمة، قالت فيها: «أخذت جميع البلاد الشرقية والعربية حظها من مشاهدة الفرق التمثيلية المصرية، بفضل ما قامت به فرقة رمسيس وغيرها من مجهود جبار في زيارتها إلى جميع بلاد الشرق العربي، في تونس والجزائر والشام والعراق؛ ولكن لأسباب عدة لم يأخذ السودان حظه من هذه الزيارات، حتى إذا تضامن مجهود التاجر الخواجة بابا لكسيس مع إقدام الأستاذ حسن البارودي الممثل القدير، شاهدت الخرطوم أول فرقة تمثيلية مصرية».
العروض المسرحية
كانت مفاجأة عندما قرأت - كل ما نُشر عن الفرقة في مجلة الصباح طوال ستة أشهر – وعلمت أنها لم تعرض مسرحياتها في مدينة واحدة، بل في خمس مدن، هي: أم درمان، والخرطوم، وواد مدني، وعطبرة، وبور سودان. وكانت العروض تتم على مسارح مدارس الأقباط، وعلى مسرح الكنيسة القبطية، وعلى مسرح سينما برمبل بك. أما الجديد في الأمر، إن الفرقة لم تكتفِ بالعروض المسرحية فقط، بل كانت تقدم في نهايتها - أو بدايتها أو بين فصولها – استعراضات غنائية راقصة – كانت معروفة في مصر في تلك الفترة بالموزيكهول – كان يغني فيها سيد فوزي، ونجمة إبراهيم، وكان سيد سليمان يقدم فيها المنولوجات، كما كانت تُقدم من خلالها رقصات من قبل فؤادة حلمي، وفيوليت صيداوي.
أول مسرحية عرضتها الفرقة في السودان، كانت (عاصفة في بيت) التي ألفها انطون يزبك، وعرضتها فرقة جورج أبيض لأول مرة في دار الأوبرا الملكية عام 1924. وقد لاقت نجاحا كبيرا وقتذاك، وعدّها بعض النقاد من أهم المسرحيات المصرية المؤلفة. واختيار هذه المسرحية لتكون باكورة عروض الفرقة في السودان، كان اختيارا موفقا من قبل مدير الفرقة حسن البارودي؛ بسبب تأثير موضوعها الاجتماعي على عواطف الجمهور السوداني، واستدرار عطفه ودموعه لما فيها من مأساة اجتماعية مؤثرة. وموضوعها يدور حول وقوع زوجة في حب ابن عم زوجها، وعندما علمت شقيقة الزوج بهذا الحب المحرم تقوم بقتل العاشق. وبحبكة درامية نجد أن الشقيقة تتهم نفسها بحب ابن العم حتى تحافظ على كرامة شقيقها، وتلصق جريمة القتل بزوجة أخيها الخائنة؛ فنجد الزوج المخدوع – دون أن يعلم بالعلاقة الآثمة بين زوجته وابن عمه – يبرأ زوجته من أجل ابنته الطفلة، ويتهم نفسه بأنه هو قاتل ابن عمه دفاعا عن شرف أخته. ويتم سجن الزوج، وتنحرف الزوجة بعد أن تترك ابنتها، وتمر السنون، ويخرج الزوج من سجنه ويكتشف الحقيقة كاملة، وتحاول الزوجة أن تكفر عن خطئها بعد أن علمت بموت ابنتها بسبب الإهمال، وقبل أن ينتقم الزوج منها، تقوم هي بالانتحار!!
والمسرحية الثانية، كانت (667 زيتون) التي تألقت فيها نجمة إبراهيم تألقا كبيرا، وأشادت بها مجلة الصباح. وهذه المسرحية من تأليف سليمان نجيب، وتُعد من رموز مسرحيات فرقة فاطمة رشدي، التي عرضتها عام 1930. والمسرحية الثالثة، كانت (عبد الستار أفندي) التي ألفها المرحوم محمد تيمور عام 1921، وعرضها يوسف وهبي في أول موسم لفرقة رمسيس عام 1923.
أما المسرحية الرابعة، فكانت (المرحوم) من تأليف مصطفى ممتاز والدكتور وصفي عمر، وعرضتها لأول مرة فرقة رمسيس عام 1923. وأحداثها تدور - في إطار كوميدي اجتماعي - حول أرملة تتزوج بعد وفاة زوجها، ولكنها تظل على وفاء لذكرى المرحوم زوجها الأول، وتحتفظ بصورته في غرفة نومها. أما زوجها فنجده يغضب من تصرف زوجته تجاه زوجها المتوفى، ودائما في مشكلات بسبب هذا التصرف من زوجته. وبعد عدة حوادث كوميدية، تكتشف الأرملة أن زوجها المتوفي كان متزوجا عليها بامرأة أخرى في السودان؛ فتنقلب على ذكرى زوجها المتوفي، وترمي صورته، وتبدأ في مراقبة زوجها الحالي، لأنها فقدت الثقة في جميع الرجال. وبسبب هذه المراقبة تحدث مواقف كوميدية داخل الأسرة والعائلة، فنجد الزوجة تشك في زوجها وتفسر جميع تصرفاته بأنها خيانة لها. والزوج كذلك نجده يشك في تصرفاتها، لا سيما عندما يزوره رجال من أقاربه. وتزداد المواقف تعقيدا عندما تظهر زوجة المرحوم السودانية، بعد أن تزوجت من شقيق بطل المسرحية، زوج الأرملة الحالي. وتتأزم الأمور وتكثر المشكلات بسبب الغيرة، وأخيرا تظهر الحقيقية جلية أمام الجميع، بأن الشك والغيرة من أسباب هدم البيوت الهانئة وتنتهي المسرحية بهذا الدرس الأخلاقي.
ومسرحية (الموت المدني) كانت الخامسة، وتألق فيها عباس فارس عندما تم عرضها في السودان على مسرح سينما برمبل بك. وهذه المسرحية من تأليف الإيطالى جياكومتي، ومن تعريب حسين رمزي، وقدمتها لأول مرة عام 1917 فرقة عبد الرحمن رشدي. وتدور أحداثها حول كورادو، الذي أحب روزاليا، وفي سبيل حبها قتل أخاها، فتم القبض عليه وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة ودخل السجن تاركا روزاليا وابنته منها، البالغة من العمر سنة واحدة. أشتد الحال بروزاليا وابنتها فعملت خادمة عند طبيب ترمل وفقد ابنته الوحيدة، التي تشبه ابنة الخادمة، لذلك أكرم الطبيب روزاليا، وتبنى ابنتها، التي شبت على أنه والدها. وعندما عرض الطبيب الزواج من روزاليا، نجدها ترفض إخلاصا لزوجها السجين. وبعد سنوات ينجح كورادو في الهرب من السجن، وبحث عن زوجته وابنته، فاهتدى إليهما، وظن خطأ أن الطبيب استولى على زوجته وابنته، فحاول أن ينتقم منه. وبعد عدة حوادث يكتشف أن ابنته تنادي الطبيب بالأب، وأنها تعيش في هناء وسرور ومستقبل مضمون، وأن زوجته رفضت الارتباط بالطبيب إخلاصا له. وأمام ذلك ضحى بنفسه وانتحر بالسم، حتى يضمن هناء ابنته وزوجته والطبيب.
والمسرحية السادسة، كانت (غادة الكاميليا)، التي تألقت فيها نجمة إبراهيم، وأشاد بها السودانيون. والمسرحية من تأليف إسكندر ديماس الصغير، ومن تعريب محمود عزمي، وعرضتها فرقة رمسيس لأول مرة عام 1923. وأحداثها تدور حول الفتاة مرجريت، التي اتبعت سبيل الهوى، واتخذته متجرا. فعاشت منه في ترف بين تزاحم العشاق، الذين لم تحب منهم بقلبها أحدا. فيهواها أرمان وهو شاب من أسرة كريمة ليس له بالغرام سابق عهد. يحبها فيخلص لها الحب فتنبعث فيها تلك العاطفة الصادقة الكمينة، وكان الشاب العاشق لا يملك شيئا. وكانت هي تملك من الحلي والجياد والعربات ما بذلته عن سعادة وطيبة خاطر - وهو لا يدري - كي تتوافر له ولها أسباب النعيم في إحدى الضواحي شهورا. وكانت مرجريت تشكو داء الصدر (السل)، الذي زاد تأثيره عليها. ويحضر والد أرمان فيعنفها لأنها أفسدت عليه ولده حبا للمال، ويخبرها بأن ولده أرمان، بدأ في بيع ورهن ميراثه من أمه لينفق عليها، كما أن خطيب ابنته هدد العائلة بفسخ الخطبة؛ بسبب سلوك شقيقها أرمان وعلاقته بها. فتعترف له مرجريت بأنها باعت كل ما تملكه من أجل حبها لأرمان، وأفصحت له عن حقيقة مرضها، وأنها ستموت قريبا، ووعدته بأنها ستجبر أرمان على الابتعاد عنها، من أجل مصلحته ومصلحة عائلته. فيندم الأب على ظنه السيء بمرجريت، ويطلب منها تضحية كبرى، بأنها توهم ولده بأنها لا تحبه فينصرف عنها إلى طريق الجد والعمل، وتستطيع أخته أن تقترن بخطيبها الذي يأبى الاقتران بها مادام أخوها على اتصال بمرجريت. وبين اللوعة والأسى، تكتب مرجريت إلى أرمان رسالة القطيعة.
والمسرحية السابعة، كانت (الدكتور) وتألقت فيها فيوليت صيداوي. والمسرحية من تأليف سليمان نجيب، وقدمتها لأول مرة فرقة فاطمة رشدي عام 1929. أما المسرحية الأخيرة - التي حصلت على معلومات عنها – فكانت (دخول الحمام مش زي خروجه)، وقد تألق في تمثيلها كل من: عبد المجيد شكري، ولطفي الحكيم، وأبو العلا علي. وهذه المسرحية من تأليف إبراهيم رمزي، وعرضتها لأول مرة فرقة عزيز عيد عام 1917. والجدير بالذكر إن هذه المسرحية نالت هجوما من البعض – بسبب لهجتها العامية المصرية - استطاعت المجلة نشره، قائلة: «إن اللغة المستعملة في السودان هي اللغة العربية، لذلك كان أغلب النظارة في اشتياق زائد لروايات المرحوم أحمد شوقي بك، أو أمثالها من الروايات الأدبية. لأن أغلب الروايات التي مثلتها الفرقة، كانت باللغة الدارجة المصرية. ولا يشترط أن يكون أغلب المتفرجين ممن زاروا مصر، وفهموا لغتها العامية حتى يفهموا لغة هذه الروايات. وكان يجب على هذه الفرقة ألا تهمل هذا الأمر ما دامت اللغة العربية هي اللغة، التي تتفاهم بها جميع الأمم الشرقية حتى تريحنا من رواية (دخول الحمام مش زي خروجه)».
تكريم الفرقة
عروض فرقة حسن البارودي لاقت نجاحا كبيرا في السودان، وأبلغ دليل على ذلك حفاوة الشعب السوداني لها ولأعضائها، ناهيك بكم التكريم الذي لاقته الفرقة من قبل رجال الصحافة والأعيان والتجار وكبار رجال الدولة، ومن أمثلة هذه التكريمات، ما قدمه الشيخ عبد الرحمن أحمد رئيس تحرير جريدة (السودان) للفرقة من دعم واستقبال، وكذلك من الشيخ عثمان القاضي رئيس تحرير جريدة (حضارة السودان). كما أقام الحسيب النسيب السيد عبد الرحمن المهدي حفلة غذاء بسرايته بأم درمان تكريما للفرقة. وأيضا أقام التاجر عبد العال أفندي أبو رجيلة حفلة شاي تكريما للفرقة. كذلك أقام النادي المصري بالخرطوم حفلة تكريمية كبرى للفرقة، كما أقام نادي الموظفين بواد مدني حفلة شاي كبرى تكريما للفرقة. أما المطرب السوداني المشهور الحاج محمد أحمد سرور، فأقام حفلة شاي كبرى للفرقة - بعد أن شارك بالغناء في إحدى حفلاتها بواد مدني - وحضر حفل الشاي أغلب مؤلفي الأغاني السودانية، ومتعهدو الحفلات ورجال الصحافة، وألقى مدير الفرق حسن البارودي كلمة، قال فيها: «إنني لا أنسى ما دمت حيا هذه الحفاوة التي وجدتها من إخواني السودانيين، ولا أنسى مع أفراد فرقتي ما لاقيناه من الكرم والعطاء والمحبة العظيمة.. وأؤكد مفتخرا أن هذه الزيارة ستكون فاتحة خير للمستقبل، وأنني سانتهز كل فرصة لزيارة السودان؛ لأننا ارتبطنا مع فناني السودان وشعبها وعظمائها بمواثيق المحبة القلبية».
انتهت الفرقة من مهمتها في السودان، وقبل العودة حدثت بعض الأمور، التي جعلت حسن البارودي يصدر بيانا، نشرته جريدة (السودان)، تحت عنوان (بيان من الأستاذ البارودي)، قال فيه: «سادتي. إخواني.. تحية وبعد، فلي كلمة أشعر أنه من المحتم علي قبل أن أترك هذه البلاد التي تركت في نفسي أجمل أثر أمكن أن تخلفه أخلاق أهلها الكرام وعطفهم وكرمهم الحاتمي وصفاء قلوبهم. فقد كنت ألمس أينما ذهبت وحينما اتجهت قلوبا تفيض عطفا علي ومحبة لي ولأفراد فرقتي، الشيء الذي جئنا فيه إليكم ظرفا قاسيا ضيقا. فقد علمت التجربة كيف نجئ إليكم في المستقبل. وأنها لكلمة صغيرة أيضا أود أن أهمس بها في آذان إخواني السودانيين، علها لا تصل إلا إلى آذانهم فقط. نحن أمة كريمة ديدننا العفو وشعارنا المحبة. فلئن كان المتعهد قد قصر معي في تنفيذ عقده، فثقوا يا إخواني إنه قد فعل ذلك مضطرا بحكم أغلاط وتصرفات خاصة نشأت من جهله بهذا العمل، وقيامه به للمرة الأولى. فإن كانت روح البغضاء قد تمكنت من قلوب البعض منكم ضد هذا الرجل إكراما لي بصفتي ضيفا في بلادكم، فأنا أرجوكم أن تغفروا له تصرفاته معي. وتعالوا بنا جميعا ننس له كل شيء ولا نذكر إلا حسنة واحدة، هي حسنة إحضاري إليكم. إذ لولاه لما جئت إلى هذه البلاد، ولما رأيت السودان. فأنا رغم كل شيء ما زلت أغفر له، وسأغفر له لأنه هو الذي قرب ما بيني وبينكم. وقبل أن أختم كلمتي أرجو أن أتقدم بالشكر الخالص إلى جناب مدير الخرطوم الذي ساعدني مساعدة فعالة أثناء إقامة الفرقة بالسودان. كما أنني أشكر صحافة السودان (جريدة السودان) وجريدة (حضارة السودان) ومجلة (الفجر) على عنايتها بي وتخصيصها أبوابا مطولة للكتابة عني وعن فرقتي. وأرجو أن لا يفوتني أن أخص بالذكر شاكرا حضرة الوجيه السيد عبد العال أبو رجيلة، وكامل أفندي محارب، وصبحي أفندي قرنفلي ممن كان لهم الفضل الأكبر في مساعدتي والعطف عليّ، كما أنني أشكر جماعة النادي السوداني وأعضاء النادي المصري ونادي الموظفين بمدني، وحضرة رئيسه الفاضل محمد أفندي صالح، ومأمور الخرطوم حضرة وقيع الله الفيل، ومأمور مدني مصطفى أفندي ندا، وجميع الجاليات الأجنبية وعموم الشعب السوداني. وإني لأودعهم اليوم على أمل أن أراهم قريبا في ظروف أسعد من هذه وباستعداد عظيم».


سيد علي إسماعيل