جولة فى شارع المسرح الأمريكى

جولة فى شارع المسرح الأمريكى

العدد 641 صدر بتاريخ 9ديسمبر2019

 “الدولار الابيض” هذا هو عنوان مسرحية موسيقية   تدور حول رابطة من السود  الذين يؤكدون الذين يرفضون الاتجاهات العنصرية المنادية بتفوق  الجنس الابيض وتبالغ فى ارائها أحيانا إلى حد الحديث عن تفوق السود.  وهى عبارة عن معالجة مسرحية موسيقية  لمسرحية تقليدية  تحمل نفس الاسم.
 تحتفل الاوساط المسرحية بمرور 50 عاما على عرضها فى مسرح  جورج ابوت فى برودواى. وكانت المسرحية قد عرضت فى عدد من المدن الامريكية وحققت نجاحا كبيرا. لكنها عرضت لاربعة ايام فقط  فى برودواى ثم توقف عرضها  لاسباب غير   معروفة.. ولم تقدم المسرحية بعد ذلك سواء بواسطة الفرقة نفسها او فرق اخرى. ومع ذلك يلقى العرض اهتماما كبيرا باعتباره احد العلامات المميزة فى تاريخ المسرح الامريكى. والسبب انها كانت من بطولة نجم الملاكمة الامريكى العالمى محمد على كلاى. وهى من أعمال الكاتب والممثل المسرحى جوزيف توتى .  قام كلاى بالدور الرئيسى فى المسرحية وشارك فيها اخرون كانوا فى بداية حياتهم المسرحية وقتها واصبحوا من المشاهير.
المسرح لماذا؟
وكان كلاى وقتها قد تعرض للتجريد من لقبه كبطل للعالم فى الملاكمة للوزن الثقيل بسبب رفضه التجنيد فى الجيش الامريكى لارساله الى فيتنام. ولم يكن مسموحا له وقتها بالاشتراك فى اى نزال رسمى او المنافسة على لقب. ووجد كلاى  فى المسرح فرصة لشغل اوقات فراغه وللحصول على دخل يساعده فى تلبية مطالب اسرته ومساعدة الفقراء المسلمين الذين كان يساعدهم عندما كان يخوض المسابقات.
وشاهد المسرحية عندما كان يقوم بها ابطال غيره فى عدة مدن امريكية  مثل المغنى الزنجى الشهير هارى بيلافونتى (92 سنة حاليا). ثم انضم الى فريق الكورال الذى يغنى اغانى المسرحية ثم عرض عليه القيام ببطولة المسرحية  فلم يمانع وقام ببطولتها فى اواخر عروضها فى بنسلفانيا  وعندما بدا عرضها فى برودواى. ومن الطريف وقتها ان كلاى لم يوافق على القيام ببطولة المسرحية الا بعد ان تلقى موافقة من رابطة امة الاسلام التى اسسها فى شيكاغو الزعيم الامريكى المسلم اليجا محمد  فى مطلع الستينيات، ربما كى يطمئن الى ان مشاركته بالتمثيل لا تتعارض مع الاسلام .
ويقول بعض مؤرخى الفن الامريكى ان السلطات الامريكية اغلقت العرض  باعتبار ان كلاى معاقب لتهربه من الخدمة العسكرية. وقالت بعض التكهنات ان اغلاق العرض جاء بأوامر شخصية من ادجار هوفر رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى (مايعادل مصلحة الامن العام فى مصر )لكن لا يوجد ما يثبت ذلك حتى الان.
 جاءوا فى السلاسل
وفى المسرحية الغنائية قام كلاى بدور زعيم – لم يكن له اسم  فى المسرحية –يقود مجموعة من السود الرافضين لعنصرية البيض بالخطب النارية التى كانت تقدم احيانا فى شكل اغان. وقد نال اداؤه للدور الذى ظهر فيه بلحية كثيفة وشعر مستعار(باروكة) الاعجاب سواء فى بنسلفانيا او فى ايامه القليلة فى برودواى. وكان يكفى دخوله الى خشبة المسرح لاداء دوره حتى تلتهب اكف الحاضرين بالتصفيق لخمس دقائق على الاقل.
وفى هذه المسرحية غنى كلاى بصوته المعبر اغنية “الذين جاءوا فى السلاسل “ عن معاناة السود فى الولايات المتحدة منذ جلبوهم من افريقيا كالعبيد. وهذه الاغنية حازت اعجاب الجميع وظل كلاى يغنيها فى التجمعات العامة لسنوات طويلة بعدها.
ورغم هذا النجاح الجماهيرى كان الاستقبال فاترا من النقاد حيث اعتبر بعضهم ان الموسيقى والغناء اضعفت النص المسرحى الاصلى ولم تضف له شيئا. وقال  ناقد عنصرى عن  العرض انه اسود اكثر من اللازم. وقال اخر انه عرض عنصرى يقدمه مجموعة من العنصريين السود ويدعو للكراهية . وقال ثالث ان كلاى مراوغ وخائن وانه اقبل على تجسيد الدور لانه يعبر عن شخصيته. وقال بعض النقاد من منطلق التحامل عليه  انه لم يكن مناسبا للدور.
وتتباهى جامعة  هوارد الامريكية – وهى احدى جامعات السود ويقع مقرها فى واشنطن – بانها تملك واحدة من نسخ المعالجة المسرحية التى لم تصدر فى كتاب. والغريب ان موسوعة الويكيبديا التى تحرر ب292 لغة لم تهتم حتى الان بهذا العمل المسرحى.  وحتى بعض الكتب التى صدرت عن نجم الملاكمة الراحل لم تتعرض لهذه الصفحة الرئيسة فى حياته. ولايوجد للعرض اى فيلم مصور.
الفيلم الالمانى يتحول الى مسرحية ...اولا
ولم يكن “الدولار الابيض”  العمل الوحيد الذى جرى الاحتفال بذكرى عرضه فى برودواى بل كان هناك عرض اخر جرى الاحتفال به وهو مرور ستين عاما على اول عرض   للمسرحية  الموسيقية “صوت الموسيقى” فى برودواى وهو ما يعتبر علامة مميزة فى تاريخ المسرح الامريكى. وكان ذلك قبل ان تتحول القصة الماخوذة اصلا عن عدة افلام المانية   الى فيلم امريكى بست سنوات .
وكان العرض الاول الذى قدمته فرقة كونكورد المسرحية بطولة الممثلة والمغنية الشهيرة وقتها ماريا مارتن (1913- 1990 ) التى جسدت شخصية المربية ماريا فون تراب حيث احتفظ  العمل بالاسماء الالمانية للقصة الاصلية  . وهذه هى نفس الشخصية التى جسدتها فيما بعد فى الفيلم الامريكى  الشهير   جولى اندروز بعدها بست سنوات  وحققت نجاحا كبيرا ونالت عنها جائزة الاوسكار. وقد جسدت تلك الشخصية  بعدها على المسرح عدد من نجمات الغناء الامريكيات مثل تينا تيرنر، لكن مارتن ابنة ولاية تكساس التى اقيم فى مسقط راسها تمثال لتخليدها ظلت اشهر من جسدوا تلك الشخصية على المسرح.
 ولايزال كثيرون يذكرون لها اغنية طرقات الزهور التى شدت بها فى المسرحية رغم ان اكثر من ممثلة شدت بها فى عروض تالية.
المربية والضابط
ودارت المسرحية كما هو الحال فى القصة الاصلية حول فتاة كانت تستعد للتحول الى راهبة لكن الدير استبعدها بسبب جرأتها واعتراضها المستمر على ما يدور فى الدير. وتغير مسار حياتها  وعملت مربية  لاولاد بطل العمل المسرحى وهو ضابط فى الجيش النمسوى . ووجدت الأولاد فى حاجة الى الحنان الذى يعوضهم عن صرامة الاب الذى لا يعرف العواطف كما وجدتهم فى حاجة الى التدريب على الالتزام واحترام النظام . ولم يكن الامر سهلا بالطبع فقررت خوض التحدى حتى اصلحت من شان الابناء وفازت بحبهم بعد ان رفضوها فى البداية وتصرفوا معها بطريقة غير لائقة وكانت الموسيقى والغناء والفن وسيلتها الى ذلك حيث جعلتهم يعشقون الغناء ويغنون معها . ووقع الضابط الارستقراطى فى حبها ووقعت  فى حبه وانتهى الامر بالزواج.  وقام بدور الاب الممثل النمسوى الامريكى “تيودور بيكل” (1925-2015)
مقارنات
وكان موقف النقاد مشابها لموقفهم مع مسرحية الدولار الابيض بعد العروض التجريبية الاولى فلم يكونوا متحمسين لها. وانعكس ذلك على الحضور الضعيف  فى ليلة الافتتاح. وفى الليالى التالية زاد الحضور بشكل ملحوظ.
ويرى بعض النقاد ان مارتن كانت العامل الرئيسى وراء نجاح العرض بفضل شعبيتها الجارفة. وبعد ذلك ادرك جمهور المسرح ان فى العرض اشياء اخرى تستحق المشاهدة.
ويرى بعضهم انها كانت انسب لتجسيد الشخصية فى الفيلم من جولى اندروز التى قامت ببطولته. ويقول الناقد الفنى لجريدة البوسطن جلوب ان منتجى الفيلم سعوا بالفعل الى التعاقد معها لبطولته لكن تعذر الاتفاق لاسباب مجهولة. وبالغ بعضهم فقال ان منتج الفيلم ومخرجه روبرت وايز لجا الى مشاهد طبيعية مثل الجولات فى جبال النمسا ومشاهد حركية مثل سباق الدراجات لتعويض ضعف صوت جولى  اندروز بالمقارنة بمارتن!!!.


ترجمة هشام عبد الرءوف