فرقة سعد الدين وهبة والمسرح الوثائقي

فرقة سعد الدين وهبة والمسرح الوثائقي

العدد 707 صدر بتاريخ 15مارس2021

في الليلة الأخيرة من احتفالية كبيرة استمرت عشرة أيام للاحتفاء وتكريم الكاتب والمناضل سعد الدين وهبة بالنادي الثقافي بالمعادي وبعد أن قدمت فرقة لهواة المسرح خمس مسرحيات من مسرحياته، أعلن الدكتور يسري العزب والفنانة سميحة أيوب عن قيام فرقة سعد الدين وهبة في 24 يوليو 1997.
ومنذ هذه اللحظة بدأت الفرقة في بلورة أهدافها التي تتمثل في إقامة عروض تكشف قضايا شائكة وتناقش المسكوت عنه في الفكر والثقافة والسياسة وتتبنى فكرة إقامة مهرجان سنوي معني بالهموم العامة.
كانت مسرحية “رصاصة في العقل” باكورة إنتاج الفرقة والتي تتناول حياة المفكر المستنير د. فرج فودة الذي راح شهيدا برصاصات الإرهاب المتأسلم وكشفت المسرحية عن زيف الفكر المتأسلم وهشاشته ويكفي أن عنصر الكوميديا في العرض الذي أضحك الناس كان عبارة عن مقاطع حقيقية من كلمات أو بيانات أو كتابات هذه الجماعة.
ولم يمر العرض في صمت إعلامي بل أشارت عدة قنوات لهذا العرض وعرضت معظمه قناة النيل الثقافية وكتبت مقالات عن العرض في صحف “الأهالي، كايرو تايمز، وطني” وغيرها وكانت بطولة العرض للفنانين الشباب: عادل مبروك، صفاء المهدي، الشيماء سمير، محمود مهدي، وإسماعيل جمال.
حرية الفكر
وكان العرض الثاني للفرقة هو مسرحية “سكلانس” عن مأساة الدكتور نصر حامد أبو زيد وقصة صراعه مع هذا التيار والذي انتهى بنفيه من البلاد بعد حكم المحكمة بالتفريق بينه وبين زوجته د. ابتهال يونس للردة، وكان هذا العرض أكثر وثائقية من العرض السابق حيث اعتمد المؤلف والمخرج أشرف أبو جليل على كل ما كتب حول القضية والذي وصل إلى 24 كتابًا وأكثر من 500 مقال صحفي وعرضت المسرحية في يوليو 2000 برعاية جمعية التنوير والمدهش أن العراق الفكري والثقافي انتقل من خشبة المسرح إلى الجمهور الذي أيد نصفه موقف نصر والنصف الآخر أيد موقف الأصوليين حتى نهاية المسرحية التي انتصر فيها موقف نصر حامد أبو زيد وزوجته.
مسافر ليل
وفي محاولة لكسر حالة الوثائقية التي تسير عليها الفرقة وبعد انتقادات خاصة بتغليب المضمون على الشكل قدم عرض “مسافر ليل” تأليف صلاح عبد الصبور برؤية فنية جديدة خاصة وأنها قدمت في سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر 2001 وفي أتون الانشغال بأحداث سبتمبر فقدمت عامل التذاكر في المسرحية باعتباره معبرا عن الشر الأمريكي وفاز هذا العرض بالجائزة الأولى تمثيل والجائزتين الثانيتين في أفضل العروض وأفضل إخراج في مهرجان سمنود وجائزة العرض الثاني في مهرجان شبرا الخيمة لنفس العام، وقدمت المسرحية في مهرجان الجيزة المسرحي وفي النادي الثقافي بالمعادي لعدة ليال وأخيرا في دار الأوبرا المصرية في احتفالية المجلس الأعلى للثقافة بصلاح عبدالصبور باعتباره مؤلف النص.
وقد قام بإخراج العرض محيي لغا وقام ببطولته أشرف أبو جليل ومحمد العبد ومحمد خليفة.
سيدي المنصوري
واستعدادا لاحتفالات مصر بثورة يوليو قدمت الفرقة مسرحية “مدد يا سيدي المنصوري” في عودة منها إلى المسرح الوثائقي وقد تناول العرض سيرة رائد الفكر الاشتراكي محمد حسنين المنصوري باعتباره صاحب أول كتاب علمي عن الاشتراكية في العالم العربي عام 1915 والذي فصل عن عمله ونفي إلى منفى اختياري في إحدى قرى الفيوم والتي أقام فيها ـ حسب رؤية مؤلف العرض ـ دولته الاشتراكية، وبعد الثورة تأكدت الجماهير من صدق ما كان يقوله لهم قبل الثورة وإمكانية تحقيقه، وفي السبعينيات يحدث الانقلاب على المنجز الاشتراكي فيحول التيار الإسلامي والسلطة “المنصوري” إلى ولي من أولياء الله الصالحين فقد تنبأ للناس ببعض الإنجازات وجاءت الثورة وحققتها للجماهير، ولكن طاهر وسناء المثقفان المعاصران يصران على كشف ما لحق بالمنصوري من خرافات ويذهبان لقريته التي عاش فيها ويواجهان رجال الدين الذين روجوا هذا الكلام فيتضح لهما الموقف في النهاية بأنهم فعلوا ذلك عن عمد لصرف الناس عن فكر المنصوري الاشتراكي وربطهم بالدين وبالجماعات الإسلامية، وقدمت الفرقة هذا العرض في مهرجان سعد وهبة بمناسبة اليوبيل الذهبي لثورة يوليو ومهرجان شبرا الخيمة المسرحي وخمس ليال في معرض القاهرة الدولي للكتاب من إخراج محمد خليفة وبطولة صفاء عبدالباقي، وأمل طلعت، وأشرف أبو جليل، وفاطمة علي ومحمد العبد، ونهاد شوقي.
وفي عام 2002 قدمت الفرقة عرضا وثائقيا جديدا عن قضية الجندي سليمان خاطر بعنوان “حديث سليمان” وهو عبارة عن نص شعري حداثي للشاعر حلمي سالم من ديون “سيرة بيروت”  تم تضفيره مع نص التحقيقات العسكرية لقضية سليمان خاطر في مقاطع للراوي مأخوذة من أشعار الشاعر الكبير عبد الرحمن الأنبودي، وقد أشاد كثير من النقاد بهذا المزج ودقته، يقول سليمان خاطر في القصيدة: “سأسمي العابر سيرة أجيالي واسمي الوطن جنوني، فيسأله المحقق: هل سبق لك أن أصبت بمرض نفسي أو عصبي؟ فيجيب الراوي” تعالى أقولك بس خليك شهم وأسمع لظرف المعاني الحلوة يا مسكين.. عالمنا ده اللي عشقناه وهم، أنا وأنت طلعنا عيانين”.
ثم تكتف الفرقة بهذا بل أقامت معرضًا وثائقيًا ضم جميع ما كتب عن سليمان خاطر في الصحف المصرية وكانت تقوم بتعليق المعرض أمام صالة العرض في شبرا الخيمة وسمنود، وميت غمر والمعادي ومعرض الكتاب فكان يؤدي إلى حالة تلق جيدة للعرض وفاز بجائزة أحسن عرض وأحسن ممثل وثاني إخراج في مهرجان سمنود المسرحي وقد قام ببطولة العرض أحمد مهدي وفاطمة علي وحسن المكاوي وإخراج أشرف أبو جليل.
وفي عام 2003 قدمت الفرقة عرض “الملثمون” وهو أول عرض يتناول الداخل الفلسطيني بما فيه من مقاومة وخيانة وحياد من خلال نماذج لثلاثة أخوة أحدهم خائن والآخر مناضل بالسلاح في إحدى الخلايا والثالث فتاة محايدة وفي الوقت الذي اكتشف فيه المناضل خيانة أخيه وجاء لتصفيته جسديا كان الخائن قد اتفق مع آخر أن يحضر الجيش الإسرائيلي لتصفية أخيه جسديا، فنحن ـ إذن ـ أمام عنصرين يشتعل بينهما موقف درامي بينما تقف الأخت الصغرى تحاول أن تبقى على أخويها دون قتل ولكنها تنحاز لفعل المقاومة في النهاية.
الجديد في هذا العرض هو استخدام الفن التشكيلي كسينوغرافيا تتشكل من خلال الفتاة التي ترسم لوحة طوال العرض تجسد ما يدور من صراع بين الأخوين ومع انتهاء المسرحية تنتهي اللوحة التشكيلية، وقد عرضت المسرحية في المعادي وسمنود وزفتي وميت غمر وفازت الفنانة نجلاء اليماني بجوائز خاصة في التمثيل في كل المهرجانات، كما فاز الفنان محمد خليفة بالجائزة الأولى في التمثيل في سمنود.
ونستطيع أن نقول إنه من خلال هذا العرض أصبحت هناك بعض السمات للفرقة وهي: أولا الاعتماد على أقل عدد من الممثلين مع تجويد أدائهم يتراوح من 3 على 5 ورغم قلة العدد تحصد الفرقة سنويا جوائز التمثيل في مهرجانات الهواة.
أما الملمح الثاني فيتمثل في فقر الديكور والإكسسوار فالفرقة تحمل ديكوراتها في يدها وهي ذاهبة إلى مهرجانات الأقاليم لعدم وجود ميزانية لا لصناعة الديكور أو لنقله.
والملح الثالث يتمثل في أن الفرقة تميل حتى الآن إلى العروض الوثائقية باعتبار أن الوثيقة من أكثر الأدوات الفنية إدهاشا في ظل الواقع المتردي.


عيد عبد الحليم