إدارة المؤسسات الثقافية والفنية في الميزان

إدارة المؤسسات الثقافية والفنية في الميزان

العدد 639 صدر بتاريخ 25نوفمبر2019

إدارة المؤسسات الثقافية والفنية علم وفن، والمتتبع لأداءات مؤسسات مصر الثقافية، سيلاحظ تفاوتا كبيرا، الأمر الذي أثر بدرجة كبيرة على الناتج الثقافي والفني العام .
في هذا التحقيق نستطلع آراء عدد من الخبراء في مجال الإدارة الثقافية وعدد آخر من  المتابعين لنجيب عن السؤال .. ما الذي ينقص مؤسساتنا الثقافية وأين يكمن الخلل وكيفية تجاوزه؟
الدكتور محمود نسيم أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بالمعهد العالي للنقد الفني، يرى أن إدارة المؤسسات الفنية والثقافية لابد وأن تكون محكومة برؤية. وإلا أصبحت كيانا بيروقراطيا. وأعطى تعريفا لهذه الرؤية بأنها القدرة على طرح فكر و مضمون ثقافي، وأوضح أن الرؤية كانت موجودة في ستينيات القرن الماضي حيث كانت المؤسسات التابعة للدولة تمتلك المشروع وكانت الهيئات تعمل كوحدة واحدة، أضاف: أما الآن فنحن نفتقد هذه الرؤية وهذا المشروع، لأن المؤسسات الثقافية أصبحت تعمل في وحدات منفصلة، وأصبح مدير كل مؤسسة يعمل بمعزل عن باقي المؤسسات، وأصبحنا نرى المشهد الثقافي الفردي وليس الجماعي،و قد أدى ذلك لأن أصبحنا لا نملك نشاطا ثقافيا بالمعنى العلمي ولكن نملك فقط أفرادا تحكمهم البيروقراطية.
وبالسؤال عن أسباب هذا التراجع والانفصال رد قائلا: الكتاب في فترة الستينات رأوا ضرورة وجود منظومة ثقافية للدولة تضم وزارة الثقافة والشباب والإعلام والتربية والتعليم وهي وزارات معنية بالعقل وجاء الدكتور جابر عصفور وأضاف إلى تلك الوزارات وزارة الأوقاف باعتبارها وزارة تعني بتداول الأفكار داخل المجتمع وقام بوضع بروتوكولات تعاون ولكنها لم تفعل وانحصرت الثقافة في المهرجانات والتجمعات فضاع دورها المنوط بها القيام به. وللتغلب على تلك المشكلات يرى نسيم ضرورة أن تكون الثقافة جزء من التربية والتعليم كما نادي بها الدكتور طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر). وان يكون ملف الثقافة في أولويات الدولة .
دور قصور الثقافة
فيما تحدث الدكتور سيد الإمام أستاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية عن قصور الثقافة ودورها السابق في إثراء الحركة الثقافية. وما آلت إليه الآن، فبدأ الحديث بتقسيم الظاهرة المسرحية حيث يرى أن لها مقومات وبنية تحتية تقوم عليها. و يري فيما يخص المسرح أن المقومات التي يقوم عليها هي المعهد العالي للفنون المسرحية بأقسامه الثلاثة من ناحية. والثقافة الجماهيرية من ناحية أخرى. و وفقا لهذا التقسيم يوجد حركة مسرحية، وفي رعاية الدولة التي تقوم بدور الممول. تابع الإمام: وهنا تكمن المشكلة.. فالإدارة أصبحت قاصرة وعاجزة عن إدارة عناصر الظاهرة المسرحية بشكل إيجابي. وهي مشكلة ليست وليدة اليوم، بل يرجع تاريخها إلي عام 1966 مشيرا إلى أن وقتها أقيم مؤتمرا يناقش مشكلات المسرح كتب عنه لويس عوض في كتابه (مصر والحرية). وانتهى إلى أن هناك مشكلة إدارية.. على الجانب الآخر جاءت الثقافة الجماهيرية التي أنشأها ثروت عكاشة في أكتوبر 1966 وأنشأ الإدارة العامة بالثقافة الجماهيرية لانه كان واعيا بالرسالة التي تقوم بها قصور الثقافة، فبدأ في مواجهة مشكلاتها، إلى أن جاء سعد الدين وهبة أوائل السبعينات واصطدم بمشكلات المواقع الفنية التي انتهت بإنشاء معهد أسماه إعداد الرواد. أوضح الإمام : هذا المعهد ألحق به المثقفين ذويي الميول الفنية والأدبية وكانوا يدرسون فنون تشكيلية ومسرح وشتى الفنون الأخرى مع علم اجتماع وتاريخ بالإضافة إلى دراسة لوائح متعلقة بكيفية الإدارة واتخاذ القرار.. وتخرج منه فنانين إداريين أنشأوا بيوتا للثقافة من العدم.. هذا المعهد أخرج ثلاث أجيال فقط ثم أغلق. ومن أهم خريجيه. صلاح شريت وحشمت البنا وصلاح مرعي الذين أنشأوا فرقا للرقص والغناء والموسيقى.. وبعدها أغلق معهد إعداد الرواد. تابع الإمام : إذن مشكلة الثقافة الجماهيرية خاصة والثقافة عامة هي انعدام الكوادر و اختفاء المثقف الفنان حلول الموظف الذي لا يعنيه الثقافة أو الحركة الفنية. وعن إشكالية اختفاء الموسم الشتوي والصيفي الذي كان يتناسب مع طبيعة جمهور المسرح سابقا قال: هذا التنوع قد اختفى من خمسة عشر عاما وذلك أيضا له علاقة بالميزانية المخصصة للعمل الفني والتي أصبحت غير مناسبة لمتطلبات العصر وغير مواكبة لأسعار السوق، فالدولة تضع ميزانيات إجمالية للمؤسسات دون وضع الاعتبار للأجور الموظفين +ميزانية الإنتاج+»أجور الفنانين. لذا يجد المدير نفسه عاجزا ومكبلا باللوائح قبل أن يجلس في موقعه، لأن جزء كبير من الميزانية مهدر مسبقا، بالإضافة إلى اللوائح الخاصة بالقطاع العام نفسه سواء ما يتعلق بالخامات أو تشغيلها.. الخ. هذه اللوائح تساعد على السرقة أكثر من مواجهتها. كما أنها لم تعد صالحة حاليا. بالإضافة أن الموظف نفسه لا يعنيه سوي راتبه ومكافأته ومن مصلحته تقليص الإنتاج حتى يجد في نهاية العام فائضا في الميزانية. إذن المشكلة تكمن في اللوائح والقوانين وكثرة الموظفين المعوقين للعمل، ويرى د. سيد الإمام ضرورة تقليص عدد موظفي البيت الفني والمؤسسات الثقافية وتصفية ما يقارب من 80% منهم، وهذا لن يتم إلا بقرار جمهوري أو بقرار من رئاسة الوزراء. بالإضافة إلى ضرورة تفعيل الكوادر الفنية وإعطائها فرصة للعمل داخل الحقل الثقافي وإعطاء البرامج التدريبية والدورات التي تؤهلهم علي العمل الإداري وتطوير المؤسسات وتفعيل قوانين جديدة تتماشى مع متطلبات السوق والابتعاد عن بيروقراطية العمل الإداري. هذا إذا أردنا نهضة ثقافية حقيقية.
مؤسسات غير ربحية
 يتفق مع هذا الطرح الفنان المسرحى سامي طه مدير إدارة المسرح الأسبق و وأحد أبرز إداري الثقافة الجماهيرية، وأضاف إلى ما سبق أن المؤسسات الحكومية مشكلتها أنها مؤسسات غير ربحية بمعنى أنها خدمات عامة تدعمها الحكومة وبالتالي فالإدارة انفصلت عن الواقع الثقافي الذي لابد وأن يمتلك الخبرات ولا يديره موظف تم تعيينه من قبل الحكومة في هذا المكان، بل لابد وأن يمتلك بالإضافة إلى الإدارة مؤهلات الفنان وأيضا يمتلك الإستراتيجية أو (السياسة الثقافية) التي تعتمد في الأساس على وضع الخطة والهدف ثم تدريب الكوادر لتنفيذ تلك الخطة.
كذلك تحدث سامي طه عن التنوع الجغرافي و تنوع الأفكار. فهو يرى أن مسرح الثقافة الجماهيرية يشغل شريحة عريضة ويمتد ليشمل أرجاء الجمهورية، وبالتالي لابد وأن نعي التنوع الجغرافي المقدم من خلاله المنتج الثقافي وكذلك لابد من تنوع الأفكار التي يطرحها المنتج بتنوع البيئات الموجه إليها، ومن هنا جاءت ضرورة وجود كوادر من الشباب، والذي يراه من أهم الأساسيات التي يبني عليها العمل الإداري الفني وذلك لأن واقعهم مختلف ولابد من إدراك المسؤول أن يكون الشباب معبرا عن الرؤى المختلفة للواقع ومتغيراته. لأن الواقع قد تغير عن رؤى وأحلام الستينات فترة إنشاء الثقافة الجماهيرية.. و يرى طه أيضا أنه لابد من وجود جهد ثقافي نظري يمكن أن يتمثل في مجلة تطرح هذه الأفكار والرؤى. و يرى ضرورة هذا الجزء النظري لكي يعبر عن الإستراتيجية داخل المنظومة كي يصبح واضحا وأن يسير الكوادر جميعا على نفس النهج بل ويكملون عليه، كما يرى ضرورة تقليص المهرجانات في مقابل الإنتاج للمسرح والتنوع في العروض بما يتناسب مع التوقيتات المناخية. وعودة المسرح المتجول والذهاب به إلى الشواطئ والمتنزهات والتجمعات العامة. وهو ما يحتاج إلى التخطيط وتضافر جهود الدولة مع أفراد يحبون العمل المسرحي ويؤمنون برسالته.
الوعي بالدور
العمل خارج البيروقراطية ووجود فنان يعي الدور الهام الذي يلعبه الفن والثقافة في تشكيل وعي المتلقي وإعادة صياغة الواقع من أهم مقومات العمل الإداري داخل المنظومة الثقافية، هذا ما أكدت عليه الدكتور هدى وصفي المدير الأسبق لمركز الهناجر للفنون والتي تحدثت عن تجربتها في المركز وأسباب نجاحه، مشيرة إلى أنه منذ قام الوزير الأسبق للثقافة الفنان فاروق حسني بتكليفها برئاسة مركز الهناجر عام 1992 لم يكن أحد أن يتصور أن يلقي هذا النجاح الذي شهده، لأن المكان في الأساس لم يكن مسرحا ولم ينشأ خصيصا لذلك. حيث كان مخزنا للأسلحة قديما. وجاء الأستاذ محمود الجوهري بفكرة إنشاء مركز للفنون في هذا المكان وأعطى فاروق حسني إشارة البدء لهذا المشروع، وبهذا الطراز بعيدا عن البيروقراطية واللوائح وهذا هو سر نجاحه.. قالت أنه عندما كانت ترأسه لم يكن خاضعا للبيروقراطية ولم يدخله وظائف إدارية ولا تعيينات بالمعنى المعروف حاليا. وكان الهدف الأساسي من نشاطه هو الشباب الذين ينتجون أفكارا أو مشروعات دون التقيد بالروتين.. وبالسؤال عن حالته الآن قالت إن ربط المسرح بالوظيفة وتدهور الحالة الاقتصادية وتبعيته للقوانين الإدارية العامة للدولة هو ما أدي إلى تكبيل حرية المسرح. أضافت وصفي: من قبل كان جميع العاملين بالمركز يقومون بجميع الأعمال الفنية وحتى الإدارية مدركين لقيمة ما يقدم، أما الآن فقد أصبحت مجرد وظيفة مما أدى إلى تجريف المحتوى الثقافي أيضا لأن من يعمل لا يدرك قيمه ما يقدمه وما يقوم به. وتضرب مثلا بأنه عندما تم تكليفها برئاسة هذا المركز سافرت إلى باريس لتتلقى دورة عن كيفية إدارة موقع ثقافي لكي تستطيع أن تديره بنجاح، وبالفعل استطاعت أن تجعل من المركز مكانا لشتي الفنون، فقدم المركز المسرح مع الموسيقى مع الفن التشكيلي مع الندوات الثقافية، وهو ما اعتبرته مهما جدا في إشارة إلى ضرورة تداخل الفنون جميعها لبناء ثقافة. أضافت: إذن الإدارة تحتاج إلى التحرر من بيروقراطية الروتين وكذلك الحرية في اتخاذ القرار بمعنى أن يكون المدير الإداري متمتعا بقدر وافر من الحرية في التعامل مع الأزمات واتخاذ القرار، تابعت وصفي: بعد الثورة عام 2011 تغيرت الأوضاع كثيرا واختفت أشكال التجمعات العامة التي كانت تفرز فنونا على قدر من التحرر وهذا مهم جدا للحركة الثقافية إذا أردنا مواطنا مثقفا متذوقا للفنون، كما ترى أيضا ضرورة تقنين التعيينات التي تقوم الدولة بالالتزام بها في أماكن لغير المؤهلين لها.
الإستراتيجية موجودة
و حول رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة قالت الكاتبة رشا عبد المنعم : لا يوجد مكان ليس له خطة، ولكن هل هذه الخطة معلنة أم لا ؟ أضافت: فرؤية مصر 2030 ألزمت جميع المؤسسات بإستراتيجية معلنة. لذا فكرة أن نقول انه لا يوجد خطة فهذا استسهال، أو حالة من الغضب تؤدي إلى توصيف نمطي لها. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في التطبيق، ـ وهي مشكلة عامة في جميع مؤسسات الدولة، التطبيق لابد أن يرتبط بالتخطيط و بوضع البرامج لكي يخدم الأهداف. هذه البرامج ليست موجودة.
تطرقت رشا أيضا إلى ضرورة الاهتمام بالبعد الاقتصادي للثقافة. وأوضحت أن محور الثقافة في رؤية مصر 2030 اهتم بالبعد الاقتصادي للثقافة أكثر من البعد الخدمي لها.. لأن المخصصات المالية للإنتاج الفني ضعيفة جدا وغير مواكبة للتطور الاقتصادي بالإضافة إلى وجود قصور في عملية التسويق للمنتج الثقافي لكي يصل إلي الجمهور المستهدف. فهي ترى أننا لا نعي في كثير من الأحيان طبيعة الجمهور المتلقي للخدمة الثقافية.. وبالتالي لابد من وجود منتج واعي بفكرة توصيل الخدمة الملائمة لطبيعة الجمهور.. مثلما كان من قبل في فرقة المسرح المتجول التي ظهرت عام 1966 والتي ما تزال موجودة على استحياء. هذه الفرقة واعية بجمهورها وبالتالي تستطيع تقديم الخدمة الثقافية المناسبة لطبيعة كل جمهور وترى أن هذا النوع من المسرح له أهميته ولكنه مكبل بتخوفات ذات طابع أمني تسبب في محدودية التعبير.
وعن آليات المتابعة رأت رشا عبد المنعم أن هذه الآليات ضعيفة بل إن معظم الإدارات الثقافية لا توجد بها متابعة حقيقية تقوم بدورها وتستطيع قياس الهدف والوقوف على المشكلات حتى تستطيع حلها، هذا بالإضافة الى البيروقراطية وعدم استخدام المنهج العلمي والتكنولوجي والذي تراه ضرورة ملحة إذا أردنا الإصلاح. كما ترى أن مواجهة مشكلة الجانب الإداري يأتي بالتدريب، فلابد وان يكون مدير المؤسسة الثقافية لديه وعي بالفن ويقدره أو أن يكون فنانا لديه خبرة إدارية. هذا بالإضافة إلى تفعيل التفكير المنهجي القائم على الوسائل التكنولوجية الحديثة.
كارثة تحويل الفنان إلى موظف
هذه الجملة جاءت في مستهل الحديث مع الفنان أحمد السيد الذي يتفق مع الكاتبة رشا عبد المنعم في أن العمل الفني لا يحتاج إلى كل هذا الكم الهائل من الإداريين ولن يتطور الكادر الإداري للثقافة إلا بالتطور التكنولوجي لأنه بذلك سوف يتطور شكل العمل ويتم إنجازه بشكل آلي وفي فترة زمنية أقل. وهذا ليس باختراع جديد، ففي تجارب الدول الأخرى يتوفر %90 من المجهود البشري وبالتالي يتم تقنين الفساد والسرقات ونستطيع تقديم جدول زمني لمدة عام مثلا بإنتاج كل مكان و لا مانع من أن يكون هناك راعي رسمي وممول يستطيع الإنفاق على إنتاج الأعمال. وأشار السيد أيضا إلى أن خطة. 2030 تعني تحويل المؤسسات الثقافية إلى صناعة ثقافية. و بالإجابة على سؤال حول أسباب نجاح المؤسسات المستقلة رد قائلا: تتلخص الإجابة في نقطتين هامتين هما (البيروقراطية والصناعة) وتحدث أولا عن البيروقراطية وضرب مثلا بمؤسسات مثل مؤسسة (ناس) داخل الجيزويت واستوديو عماد الدين ومسرح أوبرا ملك ومركز الإبداع وأيضا مركز الهناجر وقاعة سيد درويش التي تمتلك طابعا خاصا بها. قال أن كل تلك المؤسسات استطاعت أن تعمل خارج البيروقراطية والروتين، وهذا من أهم أسباب نجاحها بالإضافة إلى الاستقلالية المالية والحرية في اتخاذ القرار. تابع: عندما تتحول الخدمة الثقافية إلى صناعة ثقافية يستفيد منها المجتمع ويصبح لديها مكسبا معنويا بالإضافة إلى المكسب المادي.. وضرب مثلا بأن بالصين 90% من دخلها القومي هو نتاج الصناعة الثقافية التي تنقسم إلى قسمين. صناعة ثقافية غير ملموسة تتمثل في الفنون بجميع أشكالها (مسرح - موسيقي - باليه - رسم) إلخ، وصناعة ملموسة تتمثل في الحرف والأدوات والصناعات الفنية.. وهذا كله يتوقف علي مفهوم صانعوا الثقافة لوظيفة أو مفهوم العمل الفني والذي يرى فيه جانبا آخر غير المتعة والإفادة وهو محاربة الإرهاب، الأمر الذي لن يتحقق إلا بالممارسة، ومن هنا فهو يرى ايضا ضرورة تضافر عدة وزارات عن طريق التعاون فيما بينهم لخلق هذا المناخ الثقافي والقضاء على الإرهاب. أضاف: فالطفل يمارس الفنون في المدرسة والنادي والحي من خلال بيوت وقصور الثقافة الموجودة داخل محيطه السكني. وهذا لن يتم تنفيذه إلا من خلال برامج تأهيلية تنفذ في جدول زمني محدد وفي وقت واحد بمعنى: الثقافة مع الصحة مع التعليم وفقا لخطة منهجية واضحة. ويختتم السيد حديثه بأنه لن تنهض الثقافة إلا بأن تتحول إلى صناعة ثقافية يقوم عليها أفراد يحبون الفن، مؤمنين برسالته.
الدكتور الشريف منجود أخصائي البحوث بأكاديمية الفنون ورئيس مؤسسة الخان الثقافية يقسم العملية الثقافية إلى ثلاث محاور وهي تعليم الإدارة الثقافية، و نقد الإدارة الثقافية، ثم مفهوم وظيفة العمل الفني، و عن تعليم الإدارة الثقافية وكيفية تحويل الثقافة إلى مصدر للدخل القومي وبالتالي تحررها من بيروقراطية الدولة قال انه مع بداية الألفية الجديدة أصبحت النظرة إلى الثقافة أنها سلعة إنتاجية وكان لابد من تصنيف لتلك السلعة وتحديد العميل المستهدف بها بهدف الاستفادة منها وتفردها عن غيرها من السلع. وهو ما دفع بالجامعات العالمية إلى تأسيس قسم خاص بذلك تحت مسمى (التنشيط الثقافي). أضاف : أصبحت الثقافة مع نشأة هذه الأقسام فى دول العالم الأول تدخل في عجلة الاقتصاد المحلى لتلك الدول وفي نفس الوقت تعد مقياسا لتقدم الدول لكونها خدمة لرقي وبناء الإنسان.. ثم قام بتعريف التنشيط الثقافي بأنه تقديم خدمة لسد احتياجات العمل الثقافي في مكان وزمان محددين مما يساعد على تحرير الثقافة من إطارها الخدمي إلى إطار آخر أكثر تحررية وهو الإطار الصناعي (الاستثماري) وأوضح أن أهمية التنشيط الثقافي تظهر في تقديم أساليب جديدة في إدارة الفنون والشأن الثقافي حيث يقوم به متخصصون درسوا وتذوقوا الفن، ليتم تفعيل دوره في الشارع وبالتالي لم يعد الإنتاج الثقافي عبئا على ميزانية الدولة، وعلى الرغم من تلك الأهمية إلا انه لا يوجد له مردود في واقعنا المحلي، على الرغم من أهميته القصوى في مواجهة التطرف والإرهاب وتطوير السلوك المجتمعي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا و على الرغم أيضا من وجود قسما بأكاديمية الفنون معنى بهذا الطرح(التنشيط الثقافي) تخرجت منه دفعتين في 2012 و 2013 وقد توقف العمل به رغم تلك الأهمية.
أما عن نقد الإدارة الثقافية فتحدث عن أزمة تفكير الوزارة التي يراها أهم أسباب المشكلة منذ أن وضعها ثروت عكاشة، ويقصد بذلك فكرة الخدمية وهو ما لا يتناسب مع الحالة الاقتصادية، مشيرا إلى وجود الكثير من قصور الثقافة في شتى الأنحاء ولكنها غير مستغلة لعدم وجود خطة للجمهور المستهدف، مؤكدا أن الدولة تستطيع أن تبث مفاهيم اقتصادية تمثل توجهها و تحقق من خلاله عائدا أدبيا و ماديا.
 ثم عن الموظف الذي يرأس المؤسسة الثقافية نفسها، يقول ان هناك أماكن ومؤسسات ثقافية لا يمكن أن يرأسها غير فنان، بالإضافة إلى ضرورة تلقيه دورات تدريبية في إدارة المؤسسات، وبالتالي فهو يري أن الحل يكمن في تفعيل الطاقات الإبداعية للشباب وإعطاء الفرصة للعمل في إطار أكثر تحررية من القيود البيروقراطية. وضرورة تحويل الثقافة إلى صناعة وفيما يخص قسم التنشيط الثقافي قال أنه لابد من الإعلان عن أهدافه وشروطه بشكل واضح والأهم هو إيجاد فرص عمل للخريجين واستغلال طاقاتهم الإبداعية ضاربا مثلا بتجربتي أوبرا ملك ومركز الإبداع كمثال على تفعيل طاقات الشباب.


منار سعد