سؤال أثاره المهرجان القومي: هل يحتاج إتقان اللغة العربية في المسرح إلى استحداث جائزة خاصة؟!

سؤال أثاره المهرجان القومي: هل يحتاج إتقان اللغة العربية في المسرح إلى استحداث جائزة خاصة؟!

العدد 575 صدر بتاريخ 3سبتمبر2018

على مدار دورات كثيرة من عمر المهرجان القومي للمسرح توصي دائما لجان التحكيم بعدة توصيات تتضمن إتقان وسلامة اللغة العربية، وهذا العام من دروة المهرجان القومي تم استحداث جائزة خاصة بإتقان اللغة العربية، عبارة عن شهادة تميز، الأمر الذي أدى إلى اندهاش البعض، فمن المتعارف عليه أن إتقان اللغة في المسرح يعد شيئا مهما وهو من أساسيات الممثل، ومن هذا المنطلق طرحنا عدة تساؤلات «أليس من المدهش منح جائزة لإتقان اللغة العربية ولماذا نلاحظ دائما أن دور المصحح اللغوي غير بارز وما هي أسباب ومشكلات اللغة العربية عند الممثلين؟
قال الناقد أحمد خميس: منذ عدة سنوات سابقة في دورات المهرجان كانت هناك عدة إشارات من لجان التحكيم بأهمية الاهتمام باللغة العربية ومخارج الألفاظ، وأنا أحيي لجنة التحكيم على أنها قامت بتخصيص جائزة بهذا المسمى، ومن الممكن أن يحدث لغط في هذا الأمر. ولكن في الحقيقة، إن حصول عرض «مسافر ليل» على هذه الجائزة كان عن استحقاق، ذلك لأن صناع العمل جعلونا نستمتع باللغة العربية وذلك لاهتمامهم الدقيق بمخارج الألفاظ والربط بينها واللغة والتكوين الأدائي وفنون أداء الممثل في تفعيل التيمات، بالإضافة إلى أن النص كتب بشكل جمالي وهو يناسب كل العصور.
وعن دور المصحح اللغوي، قال أحمد خميس: يرجع عدم بروز ووضوح دور المصحح اللغوي لعدم مراعاة البعض للتكوين الثقافي، فوجهة نظر البعض أن المصحح يساعد الممثلين ويرفع من كفاءتهم في اللغة ويتناسون الدور الذي يجب أن يقوم به الممثل في الاجتهاد وتعلم اللغة بشكل صحيح، بالإضافة إلى دور المصحح اللغوي الذي يتمثل في بناء تراكيب الجملة وإعادة صياغتها. وعن مشكلة اللغة العربية لدى الممثلين والمخرجين، قال: الحقيقة، إنها مشكلة تعاني منها كل المجتمعات العربية، فالاهتمام باللغة العربية أصبح ضعيفا، وهذا يرجع إلى الفروق بين اللهجات المختلفة بين الدول الذي يأتي على حساب اللغة العربية.

دافعية جديدة
واتفق الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف مع الناقد أحمد خميس في ضرورة وجود هذه الجائزة. وأشار إلى أن الأمر يعد دافعية جديدة لحث ودفع الفرق لإتقان اللغة العربية.
أضاف: وأنا رغم هذا الاندهاش أحيي لجنة التحكيم لاقتراحها الأمر، فنحن نحتاج لتشجيع ودعم من يتعاملون مع نصوص باللغة العربية، فهناك الكثير لا يحبذون التعامل مع النصوص باللغة العربية ويتعاملون مع نصوص اللغة العامية. ووفق هذا الأمر، فعلينا تشجيع من يقدمون نصوصا باللغة العربية.
وأكد الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف على أهمية دور المصحح اللغوي موضحا أن ضرورة أن يكون ضمن تعاقدات الفرق، فكل الهيئات تسمح للمخرج بالاستعانة بمدقق لغوي، فلماذا لا يتم الاستعانة به؟
وعن مشكلات الممثلين والمخرجين في إتقان اللغة العربية في العروض، قال ناصف: الأمر يرجع إلى اعتماد المخرج على وجود المؤلف، بالإضافة لاعتماده على أن النص كتب بلغة عربية سليمة ومراجع، وهو ما يؤدي إلى انحصار دور المدقق والمصحح اللغوي. وأضاف: هناك ضرورة تحتم وجود المصحح والمدقق اللغوي في البروفات، وهو جزء من الدعم اللغوي للممثلين، وأكبر دليل على ذلك وجود مادة الإلقاء لحسن ضبط إيقاع اللغة العربية.

تراجع جماليات اللغة والأدب
ومن منظور تاريخي، قال الكاتب السيد حافظ: اللغة العربية هي اللغة الأم بالنسبة للأمة العربية، وهي ترجع لثلاثة مصادر: النوع الأول القرآن الكريم، والنوع الثاني هو لغة الشعر والأدب، والنوع الثالث اللهجة العامية التي يتحدث بها الناس والمشتقة من اللغة العربية، وهناك من يدعي أن هناك لغة وسطى وهي التي دعا إليها الكاتب توفيق الحكيم، وهي لغة مبسطة من لغة الصحف اليومية، ولكن اللغة العربية في زمن مضى كان لها عشاقها وكانت تستوعب من خلال الكتاتيب وكانت بالأزهر وملحقة بالتعليم المدني، وقد بدأ المسرح المصري الجاد باللغة العربية الفصحى في مسرحياته الكبرى، ولكن كان يوازيه مسرح اللغة العامية «الفارس» في فرقة بديعة مصابني وعلى الكسار، وكانوا يقدمان عروضا مسرحية كوميدية.
وقد امتد مسرح اللغة العربية الفصحى ليطرح موضوعاته حتى فترة الستينات، حتى القصيدة الفصحى كان لها رونقها ولكن حدثت النكسة التي كسرت معها جماليات الأدب واللغة، وحدث تراجع لدور اللغة وجمالياتها، أتبع ذلك مسرحيات كوميدية تتجه لاستخدام العامية الركيكة وتبعتها السينما، وأن يتجه المهرجان القومي لعمل جائزة للغة العربية الفصحى للمسرح، فأنا أؤيد ذلك بل أؤيد فكرة تقديم العروض باللغة العربية الفصحى، وذلك لأن إصرار المصريين على اللهجة العامية جعل الشعوب المحلية تصر على لهجاتها المحلية، فصرنا نقع في فخ اللهجات العامية التي تزيدنا غربة وغرابة وتبعدنا عن لهجاتنا الأصلية.
وأتمنى أن تصر كل المهرجانات العربية على تقديم نصوص باللغة العربية الفصحى ليتثنى للجمهور أن يتابع ويشاهد ويفهم، ولكن إصرار الفنانين المصريين على تقديم مسرحيات باللغة العامية الدارجة جعل الدول تتجه لنفس هذا المنهج، فالمسرحيون هم سبب ضياع اللغة الفصحى لإصرارهم على اللغة العامية لإضحكاك الناس.
وعن دور المصحح اللغوي في العروض الذي يعد ضعيفا، قال: يرجع اختفاء وانحصار دور المصحح إلى عوامل كثيرة، ومنها انحدار اللغة العربية في المدارس للدرجة التي وصل بها بعض القضاة لنطق الأحكام بلغة يكثر فيها الخطأ أكثر مما يخطئ الممثل، ولذلك نحن في احتياج إلى تعليم اللغة العربية بشكل جيد منذ بداية النشء الصغير لأن عدم الاهتمام باللغة العربية الفصحى أخرج أجيالا ضعيفة لغويا في كل الوظائف دون استثناء.
المخرج والكاتب ناجي عبد الله قال: استحداث جائزة لإتقان اللغة العربية شيء محزن، ومن المؤسف تخصيص جائزة له، فالأمر سيكون مقبولا إذا كانت إحدى الدول الأجنبية تخصص هذه الجائزة لأنها دولة أجنبية، والعروض التي تقدم والممثلون سيقدمون عرضا باللغة العربية، ولكن عندما تكون دولة لغتها اللغة العربية وتستحدث جائزة للممثل الذي يجيد ويتقن اللغة العربية، فهو شيء محزن وشأن محزن أن يكون بيننا من يجهل اللغة، وبالأخص ممثل المسرح، فأول الأشياء التي يجب أن يتعلمها ممثل المسرح هو إتقان اللغة العربية، وذلك لأن أول العروض المسرحية وأمهات العروض المسرحية كانت باللغة العربية.
وفيما يخص عدم وضوح وبروز دور المصحح اللغوي، أشار ناجي عبد الله إلى أنه للأسف لا أحد يبحث عن أداء الشيء بإتقان، ومن هنا أتى اندثار وتراجع دور المصحح اللغوي، فعدم بحث المخرجين عن جودة ما يقدمون وعدم اهتمامهم بإتقان اللغة العربية أدى إلى أننا أصبحنا نبحث عمن يجيد اللغة ويتقنها ونخصص له جائزة، ودور المصحح اللغوي هو دور مهم، فهو يدرب الممثلين على النطق السليم لجميع مفردات اللغة العربية والتأكد من التشكيل والضبط السليم.
وأكد عبد الله على أن مشكلة اللغة العربية عند الممثلين هي مشكلة متراكمة وليست حالة وليدة أو فردية، مشيرا إلى أنه قديما كان جميع ما يقدم من إنتاج مسرحي أو سينمائي به إتقان شديد لكل من اللغة العامية والعربية.

 توصية متكررة
وقال المخرج سعيد سليمان: طوال الدورات السابقة من المهرجان القومي كانت التوصية المتكررة دائما هي ضرورة إتقان اللغة العربية والدقة اللغوية، وتخصيص الجائزة جاء عقب عدة دورات تنادي بضرورة مراعاة الدقة، ووجود عروض تتقن اللغة العربية في هذه الدورة كان الدافع وراء تخصيص تلك الجائزة، مضيفا: من وجهة نظري أنه من الطبيعي أن تتقن اللغة العربية، فهو شيء بديهي، ووجود مصحح لغوي مصاحب للعروض سواء عروض مسرح الدولة أو عروض الثقافة الجماهيرية هو أمر ضروري.
تابع سليمان: دائما دور المصحح اللغوي غير بارز، وذلك على مستوى المسرح والفيديو، وفي الفترات التي كان يقدم بها مسلسلات دينية كان لدور المصحح اللغوي أهمية كبيرة، بالإضافة إلى أن دور المصحح ليس فقط للغة العربية. ولكن هناك مصححا أيضا للهجة العامية، على سبيل المثال العروض التي تقدم باللهجة الصعيدية، فهناك مصحح لهذه اللهجة ودوره يتمثل في تعليم كيفية نطق اللهجة. قال أيضا: المصحح اللغوي مهدر حقه على مستوى المسرح والفيديو والسينما أيضا، أحيانا يتم التنوية عنه في «بامفلت» العرض، وفي كثير من الأحيان لا يتم ذكره، ويتم تجاهله، وأرى أن هناك ضرورة ملحة للاهتمام بدور المصحح اللغوي على المستوى المعنوي والمادي.
وأكد سليمان تراجع الدقة اللغوية ووجود مشكلات لدى الكثير من الممثلين، ويرجع الأمر إلى أن البعض يتكاسل، مؤكدا على أن الفنان يجب أن يجتهد بشكل شخصي حتى لا يتحول الأمر إلى مجرد حرفة يقدمها، فالممثل في الخارج يقوم بتدريب جسده ولياقته البدنية وصوته، وللأسف الشديد نحن نفتقد فكرة التدريب العلمي الذي يؤديه الممثل بنفسه، مشيرا إلى أن اللغة تعد أداة من أدوات الممثل، لذا فهناك الفنانون المتميزون في مخارج الألفاظ والصوت ونقائه، وهذا يرجع إلى اجتهادهم الشخصي بشكل دائم.

أبسط شروط الممثل
قال الدكتور محمود نسيم إنه من المدهش أن تمنح جائزة لممثل عربي أو مصري لإتقان اللغة العربية، فمن المفترض أن تكون مقومات وجوده هو إتقان اللغة، خصوصا أن أبسط شروط الممثل هو إتقان اللغة، مؤكدا أن هناك انحدارا في المستوى اللغوي في مصر، مشيرا إلى وقائع تصيبه بالدهشة والضيق عند تصحيح الاختبارات الخاصة بالطلبة في الأكاديمية. يضيف: نحن كأساتذة نكون في حالة ذهول، والأمر يرجع إلى وجود انحدار مذهل في مستوى التعليم في مصر، وفي اللغة العربية خاصة. وكما قال نجيب محفوظ «ليس في مصر مجانية في التعليم ولكن هناك جهل باهظ التكاليف»، فجميع المشكلات اللغوية الخاصة بالممثلين ترجع في الأساس إلى النظام التربوي الذي يعتمد على الحفظ والتلقين وفقد كل وسائل المعرفة والبحث والنقد والعلم. تابع: نحن في هاوية ونحتاج إلى الخروج منها.

  هناك ضرورة لإتقان اللغة العربية
قال سعد عبد النور، المصحح والمراجع الأدبي وخبير اللغة العربية: إن الجائزة جاءت بعد يأس الكثير من مصححي اللغة من الاهتمام بدورهم، ووجهة نظري أنه من المفترض أن يكون هناك جوائز لإتقان اللغة العربية، لأن هذا يؤدي إلى رفع شأن العمل المسرحي، مشيرا إلى أن جميع مفردات العمل المسرحي تخصص لها جوائز، متسائلا: فلماذا إذن لا تخصص للدقة اللغوية؟! أضاف: أعمل في هذا المجال منذ 9 سنوات ولا يتم تخصيص جوائز حتى وإن كانت عينية أو شهادة تقدير، في حين أن دور المصحح له أهمية كبيرة، ودائما هناك توصية متكررة لإتقان اللغة العربية في الكثير من المهرجانات، مع العلم أنني قدمت الكثير من النصوص كانت في منتهى الدقة والسلامة اللغوية.
وأضاف: ينصب اهتمام الناقد دائما على الاستماع للغة العربية وتحية من صاغها وقام بتصحيحها بشكل جيد وشكر المصحح، ولكن بعد ذلك يتوقف الأمر عند ذلك ويتم التناسي التام لدور المصحح اللغوي.
وأضاف: عدم إتقان اللغة العربية الفصحى أدى إلى الكثير من المشكلات، ليست فقط في المسرح ولكن على مستوى المجتمع بأكمله، فجميعنا صورة من المجتمع واللغة العربية تكاد تكون شبه مهملة.
وعن دور المصحح اللغوي أوضح أنه يقع على عاتق المصحح اللغوي الاهتمام باللغة عند الممثل ومخارج الحروف والألفاظ والأصوات، وأيضا تجسيد المعنى، فدوره جعل الممثل يجسد المعنى وكيفية الأداء الصوتي ومتى يرتفع أو ينخفض وهي تعد من مهارات مدرب ومصحح اللغة العربية وعن نصائحه حتى يتقن الممثل اللغة العربية الفصحى أنه يجب أن تكون هناك كثرة في قراءات الكتب المتخصصة والاستماع إلى برامج اللغة العربية بالإضافة إلى قراءة القرآن الكريم.


رنا رأفت