أثر عروض فرقة يوسف وهبي في النقد المسرحي في مصر (2)

أثر عروض فرقة يوسف وهبي في النقد المسرحي في مصر (2)

العدد 638 صدر بتاريخ 18نوفمبر2019

ظل النقد المسرحي يسير على هذه الوتيرة من عام 1918 إلى مارس 1923، دون أن تظهر أية بوادر لرسوخ نقد مسرحي منهجي في مصر؛ بحيث يكون له ملامح واضحة، أو قواعد ثابتة، أو نُقاد معروفون بأسمائهم ومستمرون في كتاباتهم النقدية؛ لأن النقد المسرحي – كما أوضحنا – كان بجهود فردية، واجتهادات أدبية وفنية من قبل بعض الكُتّاب، الذين فتحت لهم الصحف منابرها، لينشروا فيها ما يعن لهم من آراء وكتابات، تتعلق بالعروض المسرحية كل فترة زمنية، دون انتظام أو استمرار.. وهذا الحُكم ينطبق على الكتابات النقدية المسرحية في مصر، قبل مارس 1923!!
أما النقد المسرحي الحقيقي في مصر – بمقاييس النقد في تلك الفترة – فقد بدأ ظهوره بعد يوم 10/ 3/ 1923، وهو يوم ميلاد فرقة رمسيس لصاحبها يوسف وهبي!! فعروض هذه الفرقة، هي التي أشعلت فتيل النقد المسرحي الحقيقي، وجعلت أهم الصحف تخصص له صفحات وأبوابا وأعمدة ثابتة، وبدأ الجمهور المسرحي، يقرأ نقدا مسرحيا من قبل أسماء ناقدة ثابتة ومستمرة؛ تلك الأسماء التي أصبحت أعلاما في النقد المسرحي؛ بفضل عروض فرقة رمسيس؛ كما سنرى!!
ولنبدأ في إثبات هذا الرأي، بالوقوف مبدئيا عند المقالات النقدية، التي نُشرت خلال الأيام العشرين المتبقية من شهر مارس – بعد ظهور أول عرض لفرقة رمسيس يوم 10 مارس، وهو (المجنون) - لنكتشف أن معظم المقالات المنشورة ذات المساحات الكبيرة، كانت من نصيب عروض فرقة رمسيس وحدها!! وهذه المقالات فاقت في عددها المقالات المنشورة عن جميع عروض الفرق المسرحية الكبرى العاملة في مصر في تلك الفترة، مثل: فرقة أولاد عكاشة، وفرقة نجيب الريحاني، وفرقة علي الكسار.. إلخ!! وقد يظن البعض أن هذا الحُكم جائر، لأنه جاء من خلال معيار الكم لا معيار الكيف!! وهذا الظن في غير محله، لأن معيار الكيف، فاق بكثير معيار الكم، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها:
في يوم 12/ 3/ 1923 بجريدة السياسة، كتب الأستاذ عباس مقالة نقدية عن عرض مسرحية المجنون - وهي مسرحية افتتاح فرقة رمسيس - بدأها بقوله: «احتفل مساء أول من أمس بافتتاح مسرح رمسيس، الذي يديره حضرة الأستاذ الفاضل يوسف بك وهبي، بأن مثلت لأول مرة رواية المجنون. وقد شاهدنا هذه الحفلة، فسرّنا تلك النهضة المباركة، التي بدأها الأستاذ وهبي بك وفرقته في التمثيل العربي. أجل، يحق لنا أن نسر إذا رأينا التمثيل في مصر، يحل المحل اللائق به كالفنون الأخرى؛ فإن دار التمثيل بحق مدرسة الشعب. وعلى مسرح التمثيل تلقى العظات الوطنية، ويسترشد أفراد الناس بحوادث الدهر. وإذا كان أول شأن المدرسة أن يتولى التدريس فيها نخبة من أفاضل المدرسين؛ فإنه بالأولى أن يكون القائمون بأمر التمثيل والمتعهدون بتلقين الشعب ما يفيده ويسره، هم أمثال الأستاذ وهبي بك وأصدقائه الأدباء».
هذه المقدمة، قد يفسرها البعض بأنها مجاملة من ناقد، تجاه فرقة مسرحية تبدأ حياتها الفنية! والحقيقة غير ذلك، كما سنرى فيما بعد!! وبالعودة إلى المقالة، نجد الناقد أسهب في ذكر ملخص المسرحية، ثم وصف مشهد الفصول، هكذا: «الرواية أربعة فصول، ولقد رفع الستار عن الفصل الأول، وهو حجرة العمل لمدير المستشفى. والفصل الثاني، عن منزل الطبيب روشير. والفصل الثالث، ملهى في مونمارتر في باريس. والرابع بمنزل الطبيب روشير أيضا»، وهذا الوصف لم نجده بهذا التفصيل في أية مقالة نقدية سابقة!
ثم تطرق الناقد إلى التمثيل، ونقد الممثلين، وبدأ بيوسف وهبي، قائلا: «... وقام بدور الدكتور رودلف الأستاذ يوسف بك وهبي، فرأيناه وهو يمثل دور المجنون العاشق، لا ينطق عن الهوى، وينطق به ويناجى عشيقته، ويذرف الدموع في سبيل حبها. ولقد استحسنا نظراته، وهو يلقيها على الناس. وقف وقفة المجنون الفخور، الذي يرى سائر الناس دونه عقلا وإدراكا للأمور؛ كأن الناس لا تفهمه، وهو يفهم من الناس كل شيء. تجسد ذلك لدينا، وتمثل أمامنا هذا الموقف؛ كأنه فصل سينماتوغراف متقن، يكتفي القوم منه بالإشارات والنظرات دون الكلام. ثم رأيناه في هذا الفصل، وهو يبكي ويستعطف، ثم يصيح ويبكي، فأعجبنا الأستاذ وهبي أيضا إلا أننا نلاحظ عليه أنه لم يكن حينذاك على قدر كاف من الذعر والشدة، التي تتملك من كان في حالته يمثل دور مجنون، هرب من المستشفى، بعد أن قتل مدير ذلك المستشفى، ثم عاد إلى دار خطيبته بعد غياب طويل، فوجدها في حوزة غيره. كنا نود من الأستاذ أن تكون حركاته أكثر انفعالا، وأقل فتورا. وحبذا لو يستعار بعض حركاته ونظراته في الفصل الأول. أما نبرات صوت الأستاذ وهبي فلا تتناسب مع الاستعطاف والمناجاة؛ ولعلها تكون في غير هذا الدور أكثر مناسبة». وبهذا النقد التحليلي لشخصية المجنون، قام الناقد بتحليل شخصيات بقية الممثلين، أمثال: عزيز عيد، وروز اليوسف، وفاطمة رشدي، وحسين رياض، واستفان روستي، وأحمد علام.
كان من الممكن أن تمرّ هذه المقالة مرور الكرام؛ إلا أن يوسف وهبي ردّ على الناقد في اليوم التالي - ونشرت جريدة السياسة هذا الرد - وفيه قال: «نتقدم بالشكر الجزيل لحضرة الكاتب الفاضل والناقد المهذب عباس على ما جاء بمقاله المنشور بعدد أمس، خاصا بالرواية الأولى، التي قدمناها للجمهور. ونشكر لجريدة السياسة الغراء اهتمامها الكبير بشؤون المسرح المصري. ونحن واثقون بأن اهتمام الصحف بنهضتنا، هو المشجع الوحيد لأمثالنا في التقدم والرقي. لقد لخص حضرة الكاتب القدير الرواية تلخيصا متقنا، فقد جمع في كلماته القليلة عن موضوع الرواية كل صغيرة وكبيرة، ولقد كان لنقده أكبر مشجع عند أعضاء فرقتنا. ونستمحيه عذرا في الرد على قوله إنه لاحظ على الدكتور رودلف يوسف وهبي في الفصل الأخير، أنه لم يكن على قدر كاف من الذعر والشدة، التي تتملك من كان في حالته، يمثل دور مجنون هرب من المستشفى بعد أن قتل مدير ذلك المستشفى، ثم عاد إلى دار خطيبته بعد غياب طويل فوجدها في حوزة غيره. حقيقة، أن ملاحظة حضرة الكاتب في محلها، لو كان الدكتور رودلف المجنون مستمر الانفعال. غير أن وضع الرواية لم يجعله في هذا النوع من الجنون؛ بل اختصه بالجنون المنقطع. يصيبه في بعض الأحايين نوبات شديدة، لا تلبث أن تذهب، ويحل محلها الهدوء والسكون. ولذلك تراه في بعض الأحايين هائجا مهددا بقبضته، وأحيانا راكعا باكيا يلتمس الغفران والصفح. أما قول حضرة الناقد بأن نبرات الصوت، لا تتناسب مع الاستعطاف والمناجاة في هذا الفصل، فنحن نترك هذه الملاحظة لحكم الأغلبية من الجمهور، ومعلوم أن طرق الإلقاء كثيرة الاختلاف. هذا، ولقد دونا نقد الأستاذ الكاتب عباس، ونرجوه أن يستمر في متابعة مشاهدة التمثيل في مسرحنا، ونحن نرحب بكل نقد منزه».
هذا السجال النقدي بين الناقد ويوسف وهبي، جعل الأنظار تلتفت إلى هذه الفرقة الوليدة، وأهمية ما تعرضه من مسرحيات!! فبعد أسبوع واحد من نجاح مسرحية المجنون، عرضت الفرقة مسرحيتها الثانية الأنانية تأليف إبراهيم المصري، فكتب عنها الناقد (ط. ل) مقالة، نشرتها جريدة الأفكار يوم 19/ 3/ 1923، وفيها وجه الناقد هجوما إلى المؤلف، وأبدى له عدة ملاحظات، قائلا: «... وأنا لنرجو أن يتقبل منا إبراهيم أفندي ملاحظات، نقدمها بدافع الإخلاص للصداقة وللفن. أنه أراد أن تكون الرواية مصرية عصرية، فجاءت عصرية فقط؛ ولكنها غير مصرية.... إلخ». فرد عليه الناقد أندراوس بمقالة، فند فيها جميع ملاحظاته، ونشرتها جريدة الأفكار يوم 21/ 3/ 1923.
وبعد أربعة أيام نشرت جريدة الأفكار – في 25/ 3/ 1923 – مقالة بقلم الناقد (ط. ل) أيضا، حول مسرحية الفرقة الثالثة غادة الكاميليا؛ حيث أبدى الناقد إعجابه بها في البداية، ثم أبدى ملاحظات نقدية وفنية حول العرض، منها أن روز اليوسف لم تُتقن (كحة السل) بصورة مقنعة، وأن يوسف وهبي لم يكن أكثر حرارة في تمثيله. ثم أبدى ملاحظات في الإخراج، منها: أن باب المنزل في أحد الفصول، هو نفسه باب المخدع في فصل آخر!! كما أن أحدات الفصول تدور ليلا، وعندما تفتح الخادمة الشباك يظهر ضوء النهار.. إلخ الملاحظات المذكورة، والتي تدل على تطور ما في الكتابات النقدية المسرحية، التي صاحبت عروض فرقة رمسيس.
ومن الواضح أن نجاح فرقة رمسيس في غادة الكاميليا، كان نجاحا كبيرا، بدليل قيام الكاتب الكبير والوطني الشهير محمد توفيق دياب (1888 - 1967)، بكتابة مقالتين متتاليتين عنها - نشرتهما جريدة السياسة في يومي 26 و27 مارس 1923 - بدأهما الناقد بقوله: «لكل من شهد أمس رواية غادة الكاميليا، تمثل على مسرح رمسيس، أن يقول بحق: إن في مصر اليوم فنا جميلا، بعثه من رقدته جماعة من شباب مصر الحديثة، بعد أن عانوا في سبيل إحيائه ما عانوا من جهود ونفقات. يخيل إليك لولا أن اللغة عربية، وأن الجموع التي حولك جموع مصرية، إنك بباريس، تشهد تمثيل تلك الرواية الرائعة في أحد مسارحها؛ وكأن مدام سارة برنار هي التي تولت إبراز معجزتها الفنية، بتمثيل ذلك الدور الدقيق الشاق المثير للعبر والعبرات، دور الغادة ذات الكاميليا. حقا إن روز اليوسف وهي النجم اللامع في مسرح رمسيس، لجديرة بهذه التحية، وليس غلوا أن نسميها برنار مصر».
نشأة النقد المسرحي
كنت أظن أن عروض فرقة رمسيس، أسهمت في ظهور النقد المسرحي في مصر – كما أوضحت سابقا – وكنت أظن أن ظهور هذا النقد، كان محددا ببعض الأيام أو الأسابيع أو الشهور المتبقية من عام 1923، بسبب ظهور فرقة رمسيس؛ بوصفها فرقة جديدة، جذبت حولها أقلام بعض الكُتّاب أو النقاد المؤقتين، ممن كتبوا مقالة أو اثنتين، ولم يستمر أغلبهم في الكتابة؛ كي نصفهم بالنقاد المسرحيين.. كل هذا كنت أظنه!! وحاولت أن أحسم أمر هذا الظن، فتتبعت معظم المقالات النقدية المسرحية المنشورة في الصحف المصرية، طوال خمس سنوات – وتحديدا من عام 1924 إلى 1928 - فوجدتها بالآلاف!! فوضعت عدة معايير من أجل تحديد عينة معقولة من المقالات؛ بحيث تعكس لنا صورة النقد المسرحي في مصر في هذه الفترة؛ بوصفها السنوات الأولى في عمر فرقة رمسيس - وسط الفرق الكبرى الأخرى - وهذه المعايير تمثلت في:
عدم الالتفات إلى المقالات المنشورة عن العروض المسرحية الأجنبية، التي كانت تُعرض في الأوبرا الخديوية، ولا إلى المقالات المنشورة عن العروض التي أقيمت في الأقاليم، ولا إلى المقالات المنشورة عن العروض التي تُقام في المناسبات، أو في النوادي الأدبية، أو لصالح الجمعيات الفنية أو الخيرية أو العروض المدرسية، ولا إلى المقالات المنشورة عن عروض مسرحية دون ذكر اسم كاتب المقالة، حتى ولو كتبت الجريدة: مراسل الجريدة، أو مندوب الجريدة الفني، دون ذكر اسمه صراحة!! ولا إلى المقالات المنشورة عن عروض الفرق الصغرى، التي كانت تظهر وتختفي دون استمرارية، ولا إلى المقالات صغيرة الحجم، والتي تقل عن ألف كلمة بنسبة كبيرة، ولا إلى المقالات المكتوبة عن تاريخ المسرح وأعلامه، أو الخاصة بنقد النصوص.
وبناء على ذلك، حددت المقالات النقدية المسرحية - عينة البحث – بأنها: المقالات المكتوبة عن عروض الفرق المسرحية الكبرى، شريطة أن تكون مقالات كبيرة الحجم - من ألف كلمة فأكثر - وممهورة بتوقيع أصحابها وبأسمائهم الحقيقية – دون استخدام للأسماء المستعارة - شريطة أن يكون الناقد له كتابات مستمرة وفي جريدة ثابتة؛ ويُعدّ هو الناقد الفني فيها، ولا يكون أحد الكُتّاب المؤقتين بها!!
هذه المعاير، وجدتها تنطبق على (117) مقالة، لأربعة نقاد، هم: محمد عبد المجيد حلمي ناقد جريدة كوكب الشرق، ومحمد علي حماد ناقد جريدة البلاغ، ومحمد توفيق يونس ناقد جريدة السياسة، وجمال الدين حافظ عوض ناقد جريدة كوكب الشرق. وهؤلاء النقاد كتبوا هذه المقالات عن عروض الفرق المسرحية الكبرى العاملة من عام 1924 إلى 1928، وهي: فرقة رمسيس ليوسف وهبي، وفرقة جورج أبيض، وفرقة فاطمة رشدي، وفرقة منيرة المهدية، وفرقة أولاد عكاشة، وفرقة علي الكسار وأمين صدقي، وفرقة نجيب الريحاني.
وأهم ملاحظة وجدتها، أن عدد المقالات المكتوبة عن فرقة رمسيس وحدها – من عام 1924 إلى 1928 - وصل إلى (64) مقالة، مقابل (53) مقالة لجميع الفرق المسرحية الكبرى في الفترة نفسها!! مما يعني أن أثر عروض فرقة رمسيس على حركة النقد المسرحي، كان كبيرا ومميزا من حيث الكم!! أما من حيث الكيف، فحدث ولا حرج؛ حيث إن عروض فرقة رمسيس هي التي أنشأت حركة النقد المسرحي في مصر بصورة منهجية!! ولولا عروض فرقة رمسيس، ما كنا سمعنا عن النقاد الأربعة، وما كانت الصحف خصصت صفحات كاملة وثابتة لنقد العروض المسرحية، مثل: كوكب الشرق والبلاغ والسياسة، وهذا ما سنتحدث عنه من خلال حديثنا عن مقالات النقاد الأربعة.
محمد عبد المجيد حلمي
هذا الناقد أكثر من كتب عن عروض فرقة رمسيس؛ فقد كتب (28) مقالة – وفقا لمعايير عينة البحث – بدأها يوم 17/ 4/ 1924، في جريدة السياسة، التي نشرت مقالته الأولى، تحت عنوان «انتحار الفن والأدب على مسرح رمسيس”؛ حيث هاجم فيها عرض مسرحية (المستر فو)؛ قائلا في بداية المقالة: «مثلت المهزلة الكبرى على مسرح رمسيس. مهزلة انتحر فيها فن التمثيل، وهبط فيها الأدب إلى الدرجة القصوى، فخرجنا وفي جوانبنا أسى تزيده خيبة الأمل اشتدادا».
هذا الهجوم، يُفهم منه أن يوسف وهبي ارتكب جريمة فنية، عندما مثل مسرحية المستر فو!! ولكن الناقد برر سبب هجومه هذا، بقوله: «حاول يوسف وهبي ألا يقصد غرضا معينا في روايته. وإنما أراد أن يعبث بعواطف الجمهور، ويملك على المشاهد شعوره ونفسيته، فيسير به كما يشاء، متلاعبا بحواسه، مركبا عقليته، يدفعه إلى الثورة فيثور، ويعود به إلى خموده فيخمد، فيضحكه تارة، ويبكيه أخرى، ويدهشه مرة ثالثة». ومن الواضح أن الناقد لم يستوعب أسلوب عروض الفرقة الجديدة، لا سيما وأن هذا العرض، هو الأول الذي يكتب عنه الناقد!!
الدليل على ذلك أن هذا الناقد، تراجع تماما في مقالته الثانية؛ لأنه استوعب أسلوب يوسف وهبي، مقدرا قيمة عروضه المسرحية. ففي 5/ 11/ 1924، نشرت جريدة كوكب الشرق مقالته عن عرض مسرحية راسبوتين، بدأها بقوله: «نكتب عن مسرح رمسيس في هذا الموسم الجديد، ونحن نود أن نسجل حسناته ونفخر بها، ونشكره عليها، لأنه يعمل على رقي الفن الذي نقدسه ونعمل له جميعا. فإذا انتقدنا وإذا اثنينا، فانتقادنا وثناؤنا يرجعان إلى حب الفن لا إلى الرغبة في تملق الممثل، أو في النكاية به. إننا حين نكتب، نتجرد من الأغراض، ونتنزه عن الغايات، فنعطي الجزاء، ونوفي الحساب، فأرجو أن يُعتقد أننا نكتب للمصلحة، وللمصلحة فقط، ومتى تم ذلك فقد سهل عليه أن يفهمنا، وأن يتمعن فيما نكتب، فتتوحد الجهود، ونستطيع أن نعمل عملا جليلا». وبعد هذه المقدمة، بدأ الناقد في تلخيص موضوع المسرحية – كما عُرض على خشبة المسرح – ثم الحديث عن الممثلين وأدوارهم بشيء من التفصيل، كما تعرض إلى المناظر – أي الديكور – مع مدح الجيد فيه، والاعتراض على غير المناسب.
وفي مقالة الناقد الثالثة، التي كتبها عن عرض مسرحية الاستعباد - ونشرتها جريدة كوكب الشرق يوم 11/ 11/ 1924 - وجدناه يسير وفقا لأسلوبه، الذي يبدأ بالتقديم للمقالة، ثم ذكر ملخص المسرحية، ثم الحديث عن المناظر والممثلين؛ ولكن تطورا حدث في هذه المقالة، تمثل في نقد المناظر – الديكور – بصورة منطقية؛ حيث أشار إلى صعوبة فتح الباب – أثناء التمثيل – مما جعل ممثل آخر يساعد الممثلة على فتحه، وهذا لا يصح أمام الجمهور. كذلك اعترض على وضع الكراسي، ووجود نافذة في غرفة السجن.. إلخ هذه الملاحظات. كما أن الناقد – ولأول مرة – وجه نقدا إلى الجمهور، قائلا: «أقول كلمة عن الجمهور الذي يحضر التمثيل، فإن المسرح ليس مكانا للهذر ولغو الكلام، والألفاظ البذيئة التي تبدو من النظارة أثناء التمثيل. ويؤلمني جدا أن أرى كل تلك المشاغبات تحدث من أصحاب الألواج والبناوير، ولهؤلاء نقول: إن الأفضل لهم أن يقضوا سهراتهم في البارات والحانات؛ حيث يتسع لهم المجال. أما دور التمثيل فلها آدابها وعليهم احترامها».


سيد علي إسماعيل