د. عمرو دوارة: إهداء الدورة لاسم «سيد درويش» يلفت الأنظار لغياب المسرح الغنائي

د. عمرو دوارة: إهداء الدورة لاسم «سيد درويش» يلفت الأنظار لغياب المسرح الغنائي

العدد 631 صدر بتاريخ 30سبتمبر2019

أقيم على خشبة مسرح قصر ثقافة الأنفوشي، الإسكندرية في الفترة من 12 حتى 19 سبتمبر الماضي مهرجان مسرح الهواة، الذي نظمته الإدارة العامة للجمعيات الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، تحت شعار «تواصل الأجيال.. إبداع بلا حدود» برعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزير الثقافة والفنان  د. أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة. هذه هي الدورة “السابعة عشر من عمر المهرجان برئاسة د. عمرو دوارة صاحب الخبرات المسرحية الكبيرة التي حصلها خلال نصف قرن من الزمان، تقريبا، قدم خلالها كمخرج ستين عرضا، نصفها بمسارح المحترفين والنصف الآخر بتجمعات الهواة بالعاصمة و بمحافظات الجيزة والقليوبية والإسماعيلية والإسكندرية. كما شارك بالتحكيم والتدريب وحضور الندوات بجميع محافظات الجمهورية تقريبا،  و قدم للمكتبة العربية ثلاثين كتابا في مجال الفنون المسرحية بالإضافة إلى ثلاثين أخرى عن رواد فن مسرح، كما قام بتدريس الفنون المسرحية بعدة كليات بجامعة “جنوب الوادي” خلال العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن. نلتقي د. دواره هنا ليحدثنا حول هذه الدورة من مهرجان مسرح الهواة والتي حملت اسم فنان الشعب سيد درويش.

- يدور الحديث الآن حول كثرة المهرجانات في مصر, فما أهمية هذا المهرجان بينها؟
 -  أود أن أوضح أولا أن هذا المهرجان يعتمد على الجهود الذاتية وتحمل الجمعيات والفرق تكلفة إنتاج العروض كاملة فهو لا يكلف الدولة مصاريف الإنتاج كباقي العروض التي تقوم الهيئة العامة لقصور الثقافة بإنتاجها سنويا طبقا للشرائح المختلفة والميزانيات الخاصة بكل شريحة. إن هذا المهرجان أعده من أهم مهرجانات المسرح بمصر، يكفي أنه يشجع الفنانين الهواة على ممارسة هوايتهم وشغل أوقات فراغهم في هواية راقية وسامية، ويوجد لهم منفذا رائعا لتقديم عروضهم التي تعبر عن أفكارهم وطموحاتهم، كما يمنحهم الفرصة كاملة للكشف عن مواهبهم، وذلك بخلاف إتاحة الفرصة لهم لتبادل الخبرات وصقل مواهبهم والارتقاء بمستوي ثقافتهم ووعيهم من خلال حضورهم للندوات التطبيقية التي يشارك بها نخبة من كبار النقاد.
- هل ظلم المهرجان إعلاميا وجماهيريا لوقوعه في نفس توقيت المهرجان التجريبي ؟
- لا إطلاقا, لأن المهرجان مقام بمدينة أخرى، وهي مدينة تتمتع بجمهور رائع على درجة عالية جدا في تذوق الفنون، وبالتالي عاشق للمسرح، كذلك مساندة جميع الإعلاميين لمهرجان الهواة كان واضح من خلال تغطياتهم الخبرية وتحقيقاتهم الصحفية ومقالاتهم النقدية. ولكن ربما كان التأثير الأوضح في عدم تمكن اللجنة المنظمة للمهرجان من متابعة عروض المهرجان التجريبي.
- ما المحافظات التي حظيت بالمشاركة؟
 - ثمانية محافظات هي: القاهرة، الجيزة، القليوبية، بور سعيد، الدقهلية (المنصورة)، أسيوط، الأقصر. وكم كنت أتمنى تمثيل باقي المحافظات الأخرى التي تقدمت للمشاركة أيضا ولم يحالفها الحظ. والعروض العشرة المشاركة بالمهرجان الختامي تم اختيارها من بين 58 (ثمانية وخمسين) عرضا تقدموا للمسابقة وهي تمثل مختلف تجمعات الهواة بالجمعيات الأهلية. وقد تم ذلك الاختيار من خلال لجنة المشاهدة والتقييم والتي تكونت من الأساتذة: د. عبد الرحمن دسوقي، د. وفاء كمالو، د. حسام أبو العلا.
- منذ مشاركتك في تأسيس المهرجان تعددت إسهاماتك به، فكيف تنظر لاختيارك رئيسا لهذه الدورة؟
- الحقيقة إن هذا المهرجان يعد أكبر مهرجان حقيقي لفرق هواة المسرح، وأشرف أنني شاركت الأديب الكبير محمد السيد عيد في تأسيسه عام 1996، وشاركت في جميع دوراته سواء بالإدارة أو بعضوية ورئاسة لجان مختلفة (التحكيم/ المشاهدة/ الندوات أو النشرة)، وذلك بالإضافة إلى تكريمي أيضا بالدورة الحادية عشر عام 2008. وبالطبع سعادتي لا توصف بمنحي تلك الثقة الغالية التي باركتها على الفور معالي وزير الثقافة الفنانة القديرة. إيناس عبد الدايم، وأعد اختياري لرئاسة الدورة تتويجا لجميع إسهاماتي السابقة في مجال “مسارح الهواة”، ويكفيني فخرا رصد قائمة أسماء رؤساء الدورات السابقة، حيث تضم القائمة أسماء نخبة من كبار المسرحيين ومن بينهم الأساتذة: سميحة أيوب، سعد أردش، محمود ياسين، محسنة توفيق، سهير المرشدي، عبد الرحمن الشافعي، يسري الجندي، أبو العلا السلاموني، محمود الحديني، محمود الألفي.
- هل الاختيار له علاقة برئاستك للجمعية المصرية لهواة المسرح؟
- لابد أن أذكر بداية إن فرق “الجمعية المصرية لهواة المسرح” دأبت على المشاركة في فعاليات هذا المهرجان منذ تأسيسه بأكثر من عرض، وأيضا الفوز بعدد كبير من الجوائز بل وبجائزته الكبرى في عدة دورات متتالية، وهذا ليس بمستغرب لأنها الجمعية الوحيدة التي تمثل “مصر” عالميا بعضويتها بالاتحاد “العالمي لجمعيات هواة المسرح” بالدنمارك منذ تأسيسها عام 1982، و قد حصدت الجوائز الأولى بمهرجان “توياما العالمي” باليابان عامي 1996، 2000. وكما هو معروف لجميع المسرحيين إن الجمعية تضم أكثر من مائة وأربعين فرقة حرة ومستقلة ومشهرة للهواة، وذلك بخلاف فرق الأقاليم والمسرح المدرسي والجامعي والعمالي ومراكز الشباب. وبخصوص رئاستي للجمعية فلا أرى أي غضاضة في تولي رئاسة المهرجان فالجميع يعلم أيضا مدى احترامي لأسمي وتاريخي الأدبي والفني، ومدى التزامي الشديد بالموضوعية والحيادية، وإلا لما شاركت قبل ذلك في عدد كبير من لجان المشاهدة أو لجان التحكيم بدورات المهرجان المختلفة وبمهرجانات أخرى كثيرة، أو قبل ذلك لما تحملت مسئولية النقد بكبرى الصحف والمجلات المحلية والعربية.
- ما الجديد في هذه الدورة؟
-  أهم ما نلاحظه هو ارتفاع عدد الفرق المشاركة بالمهرجان وارتقاء مستوى عروضها حيث وصل عددها لأول مرة بهذه الدورة إلى عشرة فرق (تمثل ثماني محافظات) قدمت عشرة عروض متميزة، وقد سعدت بمضاعفة قيمة الجوائز، وقبل كل هذا وذاك بمشاركة عدد كبير من كبار الفنانين والنقاد في فعالياته سواء بمجال التكريم أو بعضوية لجنتي التحكيم والنقاد، هؤلاء الذين تم اختيارهم بكل دقة، ويكفي أن أذكر تشكيل لجنة التحكيم من الأساتذة: مديحة حمدي، خالد الذهبي، ياسر صادق. وبخلاف كل ما سبق لابد من الإشادة إلى النشرة اليومية “بروجيكتور” التي تولى رئاسة تحريرها الشاعر والناقد المسرحي يسري حسان، وهي نشرة متميزة جدا وغير مسبوقة بشهادة الجميع.
- ما معايير اختيار العروض؟
 - المعيار الأول والوحيد هو الجودة، جودة العروض وذلك من خلال تقييمها فكريا وفنيا، واللجنة لها كامل الحرية في اختيار وترتيب العروض طبقا لمستوياتها الفنية، أما مراعاة المحاذير الرقابية و السلام الاجتماعي فهي بالدرجة الأولى مهمة مجموعة الفنانين المشاركين ثم الإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية، حيث لا يعقل ولا نوافق على تقديم عرض مثلا ينحاز للإرهاب والمتطرفين أو يعمل على إشعال الفتنة الطائفية أو يدعو لتناول المخدرات ويشجع على الإباحية الجنسية تحت دعاوي “الحرية الفنية”، فالفنان وطبقا لطبيعة تكوينه ودوره الاجتماعي يجب أن يكون دائما حريصا على نشر قيم الخير والحق والجمال. و أحيانا تتساوى بعض العروض في تقييمها النهائي وهنا تفضل لجنة المهرجان بالتنسيق مع لجنة المشاهدة والتقييم عدم تكرار تقديم عرض آخر لفرقة مشاركة، حيث يفضل دائما تمثيل أكبر عدد من المحافظات والجمعيات.. فالهدف الأسمى هو تمثيل أكبر عدد ممكن من المؤلفين والأفكار والأشكال المسرحية وكذلك أكبر عدد من الفرق والمحافظات، وذلك بشرط تساوي المستويات الفنية للعروض أولا.
- لماذا تم اختيار الفنان سيد درويش لإطلاق اسمه على الدورة الحالية؟
 - كان هذا أهم ما حرصت عليه خلال إعداد هذه الدورة وهو إهدائها لخالد الذكر موسيقار الأجيال سيد درويش، ليس فقط لأن المهرجان ينظم بمسقط رأسه في مدينة “الإسكندرية” عروس البحر المتوسط، ولكن أيضا لتوجيه النظر إلى غياب المسرح الغنائي حاليا برغم شعبيته الكبيرة، وأيضا إلى دور الفنان الحقيقي في المشاركة بفنه في الأحداث السياسية والاجتماعية التي يمر بها الوطن، وضرورة قيادته لمعركة التنوير والعمل على تنمية مشاعر الانتماء الوطن، حيث كانت إبداعات سيد درويش خير مثال لذلك.
- ما المعايير التي تم على أساسها اختيار الفنانين المكرمين؟
- الحمد لله في هذه الدورة نجحنا بتوفيق الله في اختيار بعض الرموز والقامات المسرحية التي لا يختلف عليها أحد. بالطبع كانت الشروط الأولى للاختيار هي الالتزام بتطبيق بنود اللائحة والتي تنص على تكريم الفنانين المعاصرين وأيضا عدم تكرار تكريم من سبق تكريمهم بالدورات السابقة مع الأخذ في الاعتبار تكريم بعض رموز الهواة. والحقيقة أنني اتفقت منذ أول اجتماع مع أعضاء اللجنة العليا على ضرورة مراعاة البعد الأخلاقي في الاختيارات، بحيث نقدم للهواة نماذج مشرفة لبعض كبار الفنانين الذين احتفظوا بروح الهواية فكان الاتفاق بالإجماع على أسماء الفنانين: رجاء حسين وأحمد فؤاد سليم ونادية رشاد، ثم اتفقنا على ضرورة تكريم بعض رموز الفن بمدينة الإسكندرية بوصفها المحافظة المستضيفة لفعاليات هذه الدورة خاصة وأنها مدينة الإبداع والعاصمة الأولى للفنون على مدى سنوات طويلة، فكان الإجماع على أسماء الفنانين: آمال رمزي، عثمان محمد علي، جميل برسوم، عارفة عبد الرسول، محمد مرسي. وقد سعدت جدا بالفعل بهذا الاختيار خاصة وقد كان لي شرف التعاون الفني كمخرج مع الفنانة آمال رمزي في مونودراما “الممثلة التي عشقت نجيب محفوظ”، ومع الفنانة عارفة عبد الرسول التي شاركت ببطولة رائعة الكاتب الكبير سعد الدين وهبة “المحروسة 2015”، والتي شرفت بإخراجها لمحافظة الإسكندرية عام 2002، وخلال العرضين لمست مدى الالتزام الكبير لكل منهما.  
- كيف تشكلت اللجنة العليا للمهرجان؟
- تم هذا المهرجان برعاية الصديق الفنان د. أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الذي يؤمن بأهمية هذا المهرجان وبضرورة دعمه، والذي ذلل كل العقبات والصعوبات من قبل بدء المهرجان وذلك بالإضافة إلى أنني ومنذ اللحظة الأولى قررت التعامل بروح الفريق مع اللجنة العليا للمهرجان والتي تشكلت من الأساتذة: د. هاني كمال رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، أحمد درويش رئيس أقاليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، ممدوح أبو يوسف (مديرا)، هناء إسماعيل (منسقا عاما)، يونس شعبان يونس (مقررا).
- كيف تنظر لمستقبل المهرجان في السنوات القادمة؟
- لدي أحلام وطموحات كثيرة أتمنى تحقيقها منها حضور جميع الفرق المشاركة لفعاليات المهرجان طوال فترة تنظيمه، وبالطبع  يستلزم هذا بالضرورة زيادة الاعتمادات المالية لتوفير الإقامة لهم. وهذا مطلب أساسي بهدف تحقيق الفائدة المرجوة لجميع المشاركين حيث يتم تبادل الخبرات بينهم عن طريق مشاهدة جميع العروض وحضور الندوات. ومن أهم ما أحلم به مشاركة أكبر عدد من الفرق خلال الدورات القادمة، بحيث لا يقل عددها في كل دورة عن خمسة عشر فرقة، وذلك لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من فرق الهواة للمشاركة، خاصة وأن أكبر الصعوبات والمعوقات التي تواجه فرق الهواة بمختلف تجمعاتهم هي عدم قدرتهم على الحصول على مكان عرض مناسب لتقديم عروضهم. وسوف أعمل على تخصيص وصرف ميزانيات لإنتاج العروض، حتى ولو كانت مبالغ ضئيلة، فهذه الميزانيات التي قد تكون في حدود الثلاثة ألاف جنيه مثلا لكل عرض كفيلة بالارتقاء بالمستوى الفني للعروض .كما أتمنى التنسيق في مواعيد تنظيم المهرجان مع باقي المهرجانات المسرحية، خاصة مع مهرجانات إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة ومهرجانات وزارة الثقافة بصفة عامة، ويفضل بالطبع تثبيت موعد انعقاد هذا المهرجان خلال شهر أبريل من كل عام، مع بداية النصف الثاني من العام الدراسي بالجامعات).  
- ما أهم مشاريعك الفنية؟
-  برغم الشهرة التي حققتها لي الكتابة النقدية بالصحف أو الإخراج المسرحي أو إعداد البرامج التليفزيونية أو المشاركة بالمهرجانات الدولية إلا أنني أعتبر أن أهم مشروعين في مسيرتي الفنية وفقني الله في انجازهما هما تأسيس “الجمعية المصرية لهواة المسرح” عام 1982 وكذلك تأسيس مهرجاناتها التي توجت بتأسيس مهرجان “المسرح العربي” مع بداية الألفية الجديدة، فمن خلالها قدمنا عددا كبيرا من الوجوه الجديدة والنجوم، وأيضا جميع القيادات المسرحية الحالية و منظمي المهرجانات المسرحية حاليا، وثانيا  إعداد “موسوعة المسرح المصري المصورة” التي تتكون من سبعة عشر جزءا وتتضمن سبعة عشر ألف صفحة، مزودة بعشرين ألف صورة مسرحية نادرة وهو تحت الطبع حاليا بالهيئة المصرية العامة للكتاب. وأعتقد أنها وحدها أهم من جميع إصداراتي الأخرى من الكتب التي أشاد بها الجميع والحمد لله.
- رسالة قصيرة توجهها لشباب المسرحيين.
-  أقول لهم: إن طريق الفن طويل وشاق، وسوف تقابلكم كثير من الصعوبات، والمحافظة على النجاح أصعب من الوصول إليه، فلا تستعجلوا النتائج، ولا تبحثوا عن الشهرة والمكاسب المادية قبل اكتساب الخبرات الحقيقية. وأصدقكم القول سيسقط الكثيرون في الطريق ويضحون بهوايتهم إذا لم تكن صادقة، وإذا لم يتسلحوا بالصدق والدراسة والخبرات، ولذا أنصح كل منهم بأن يستمتع بالرحلة وبمرحلة اكتساب الخبرات وبتجسيد الشخصيات المختلفة ولا يشغل نفسه ولا يؤرقها بموعد الوصول للقمة. 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏