المخرج الكبير فهمي الخولي: نحن بشر نخطئ ونصيب

المخرج الكبير فهمي الخولي: نحن بشر نخطئ ونصيب

العدد 629 صدر بتاريخ 16سبتمبر2019

انتهت فعاليات المهرجان القومي للمسرح التي أقيمت في الفترة من 17 حتى 30 أغسطس الماضي، وكالعادة بعد كل مهرجان تثار الآراء حول التحكيم والجوائز ويصل الأمر أحيانا إلى حد التشكيك في نزاهة لجان التحكيم ومعاييرها في الحكم، وبعد ما أثير خلال الفترة الماضية تلتقي «مسرحنا» مع المخرج فهمي الخولي رئيس لجنة تحكيم المسابقة الأولى (مسابقة الكبار) حول المهرجان وآليات اختيار العروض وبعض القضايا الأخرى.
 - في البداية كيف ترى مستوى العروض المقدمة خلال فترة المهرجان؟
كفهمي الخولي 95% من العروض التي شاهدتها في المسابقة الأولى ممتازة، بذل مبدعوها جهدا في جميع العناصر الفنية، إخراجا، وسينوغرافيا، وحسن انتقاء للنصوص، والاجتهاد في تقديم ما هو مشرف، كل حسب الجهة المنتجة. أما عن الثقافة الجماهيرية فقد كنت رئيسا للجنة تحكيم الفرق الإقليمية القومية في مهرجان طنطا، والعروض الفائزة فيه بالمراكز الأولى هي أفضل ما قدمته الثقافة الجماهيرية هذا العام، بقيادة المخرج عادل حسان ود. أحمد عواض والفنان هشام عطوة، ويحسب لها أنها قدمت أفضل النصوص المتاحة سواء المصرية أو العربية أو العالمية، مثل «طقوس الإشارات والتحولات» لفرقة الفيوم، التي تميزت بمشاركة العناصر الشابة الجامعية بجانب عناصر رواد الفن التمثيلي في الفيوم، فظهرت براعة محمود عبد المعطي وزوجته التمثيلية، وجاء «الإنسان الطيب» وهو نص عالمي لبريخت متميزا في مختلف العناصر، وكل عام أرى أن المخرج سعيد منسي يطور من نفسه ويتقدم، فيتوازى إبداعه مع الحداثة وحركة المسرح حول العالم، وقد قدم عرضا بسيطا بروح مصرية بعيدا عن تغريب بريخت، ولم يجعل من الممثل مجرد معلق، كما أن الممثلين أدوا أدوارهم بحداثة ومتعة بصرية وسمعية، أما عرض المخرج محمد الزيني «عيد المهرجين» فقد قدم في أسوأ مسارح مصر (ميامي) مما ظلمه وجعله لا يحصل على حقه في التقييم، وهناك أيضا عرض «البؤساء» للمخرج سامح بسيوني الذي يحاول دائما الاقتراب من الناس وتقديم نصوص عالمية يبسطها ويقربها للمشاهد، وقد جاء عرضه بالغ الروعة، وأرى أن جميع النصوص التي اختارتها إدارة المسرح كانت في خدمة الإنسان المصري، تحاول أن تقدم فنا مشرفا ورسالة مهمة للجماهير الكادحة المتعطشة لفنون المسرح في جميع ربوع مصر، وما يميز تلك العروض أيضا أنها ضمت جيلين من الممثلين؛ القديم والجديد، وقد نجحوا في تقديم شيء مشرف لمحافظاتهم.
أما حين نتحدث عن جهات الإنتاج الأخرى مثل الأكاديمية، فقدمت عروضا طلابية وأحسنوا في تقديم درس في الأداء الأكاديمي الذي يهتم بمخارج الألفاظ، ويتبع نظريات ومناهج علمية في الأداء المسرحي مثل «الرهان» الذي حصل على أغلبية الأصوات، ما يشعرني بالفخر لكوني خريج هذه الأكاديمية والأول على دفعتي، وكنت وما زلت متحمسا لعروض طلاب الدراسات العليا والمراحل الأولى والثانية ممن شاركوا في هذه الدورة، فهناك «العذراء والموت» و»الشاطئ» و»الرهان». أما عروض المسرح الجامعي فتشترط اللائحة أن تكون العروض المشاركة حاصلة على المركز الأول أو الثاني في مهرجانات الجامعات، كما اختيرت الفرق الحرة بواسطة لجنة من المسرحيين الممتازين.
 - وماذا عن عروض البيت الفني والجهات الأخرى؟
اختيرت عروض البيت الفني أيضا بواسطة لجنة من أفضل المسرحيين، اختارت أفضل عروض العام الماضي، وهكذا حال البيت الفني للمسرح الذي كنت أحد قياداته طيلة ثمانية عشر عاما، وأعرف كواليس الإنتاج وكيف يختار النص والمخرج وباقي العناصر الفنية حسب الميزانية المتاحة، كما أني متابع لكيف يتحول رئيس البيت لبوسطجي مهمته تقديم الميزانية التي يقدمها المخرج للفنان خالد جلال الذي يرسلها بدوره لمدير عام الشؤون المالية والمستشار القانوني ليتم مقارنتها بما هو متاح في كل البنود وإرجاعها مرة أخرى في محاولة لتقليلها والحفاظ على المال العام، ظروف سيئة جدا يمر بها البيت الفني لذا أرجو من معالي وزيرة الثقافة والفنان خالد جلال أن يكون مدير الفرقة مديرا فنيا بخلاف مدير الشؤون المالية والإدارية والحسابات، وأن يتم اختياره من أفضل رجال المسرح شبابا وكهولا، ويترك الخيار مفتوحا بين كل من يجيد ويبدع، وأن تكون هناك محاسبة سنوية، إما يستمر أو يذهب ويقود غيره، مع التحفظ على الأقلام المستفزة التي تحاول رمي «الطين» على القيادات الحالية في وزارة الثقافة، وكأن أصحابها مبعوثو إنقاذ المسرح والثقافة المصرية.. لا أرى تلك التجاوزات لدى السينمائيين أو التشكيلين أو الأدباء.. المسرحيون هم أصحاب الصوت المرتفع، نحن بشر قابلون للخطأ والصواب ومن يعترض يقدم البديل الذي يراه أكفأ من القيادة الحالية.
أما قطاع الفنون الشعبية فقدم «سيرة حب» عن فنان ظلم في حياته ومماته وهو بليغ حمدي، فكان احتفالية جميلة بمشاركة مجموعة من الممثلين الرائعين وعلى رأسهم د. عادل عبده، لكن هذا العرض لا يقارن بالعروض الأخرى القائمة على انتقاء نصوص تستطيع المنافسة، خاصة في مسرح الدولة، العرض يقدم متعة بصرية وسمعية، ولكن دور مجدي صبحي مثلا لا يقارن بدور رامي الطنباري، فليس به تحولات.. أفلح في تقديم لمحات إبداعية ممتازة عن عبد الوهاب لكنها لا تؤهله للمنافسة مع بقية الأدوار في العروض الأخرى، وما يعيب العرض أيضا أن المخرج اهتم بإرضاء الممثلين وسمح بالارتجال في الحوار والمواقف وإلقاء إفيهات لا توجد في النص العظيم الذي كتبه أيمن الحكيم، فالعرض الأول الذي شاهدته كان منضبطا، فيما كان عرض اللجنة منفلتا وبالتالي لم يحصل على تقييم جيد.
أما بخصوص بقية الجهات المحترفة فقد رأينا 23 عرضا 95% منها ممتازة، منها عرض الفنان محمد مرسي «تحت الإنشاء» فهو يضم مجموعة من الشباب الواعد، لكنهم في حاجة لتدريب أكثر، بالإضافة لسوء اختيار النص، فهو عرض قائم على الأداء والعمل الجماعي فقط، أيضا هناك عروض كثيرة لم يكن بوسعها المنافسة، مثل العرض الرائع لذوي القدرات الخاصة بقيادة وفاء الحكيم، فقد حصل على عدد من الجوائز وجميعنا أشدنا ببعض عناصره ومنحناها الجوائز، ولنا تحفظات على بعضها.
 - ما معايير اختيار اللجنة للعروض؟
قدمت عروض ممتازة من كافة جهات الإنتاج، خاصة من الإسكندرية، وذلك لوجود الجامعة وأقسام المسرح بها، في كلية الآداب وفرع أكاديمية الفنون، كما قدمت عروضا لمخرجين مستقلين ولفرق حرة تشارك في المهرجانات العالمية وتحصل على جوائز حقيقية، وقد حددنا منذ البداية معايير نلتزم بها جميعا أولها وأهمها الانحياز لصوت الغالبية من الأصوات التي تمنح لعرض ما أو لعنصر ما، بحيث تتفق الأقلية مع رأي الأغلبية، حتى وإن كانت تختلف في الرأي، ورأي الأغلبية هو الذي أخرج عروضا من التقييم، واختار عروضا أخرى بعناصرها مثل «الأيام الصفراء». أما المعيار الآخر فهو ألا يكون الرأي نابعا من ميول شخصية، مثلا من يحب الأداء الكلاسيكي لا ينحاز لأي عرض كلاسيكي، بل يحكم بموضوعية، التزمنا بالواقع وراعينا أن هذه العروض حاولت تقديم الأفضل.
وفي النهاية، ما فعلناه في اللجنة ما هو إلا وجهات نظر، لأن الفن ليس بعلم «1+1=2»، وما قد نراه اليوم خطأ يمكن أن يكون هو الصحيح في الغد، عظمة فن المسرح أنه متجدد ومتطور، وكل القطاعات قدمت عروضا جيدة، لكن أرجو في الدورات القادمة من الفرق المشاركة أن تحضر جميع العروض، وقد لاحظت أن بعضها لا ترى سوى نفسها ولا تشاهد سوى عرضها ومع ذلك تزعم بأنه الأحق بالفوز.. أنت لم ترَ غيرك فكيف تحكم، حتى وإن رأيت غيرك فليس شرطا أن يتوافق رأيك مع اللجنة، اللجان الثلاث اختيروا من الهيئة العليا للمهرجان بقيادة رئيس المهرجان ولم يتم اختيار أي عضو في لجنة التحكيم لقربه من أحد أعضاء اللجنة العليا أو من الفنان أحمد عبد العزيز، وتم الاختيار وفقا للائحة.
 - لنتحدث عن اللائحة.. هل تتفق مع كل بنودها؟
د. أشرف ذكي هو من أقام المهرجان القومي للمسرح ووضع لائحته الداخلية التي تغيرت، ما عدا اختيار معايير اختيار لجان التحكيم، التي تشترط أن تضم ممثلا لكل عناصر العمل المسرحي: الإخراج والديكور والتأليف والموسيقى.. فما الحل إذا جاء في اللجنة العام القادم موسيقي لم يشاهد عرضا مسرحيا أو يضع موسيقى لعرض مسرحي؟ أطالب بإلغاء هذا الشرط وأن تختار اللجنة من بين رجالات المسرح المصري وأساتذته المشهود لهم بالخبرة والذين شاركوا في الإنتاج والإخراج والنقد لعروض المسرح، سواء الحر أو مسرح الدولة، أيضا هناك شيء مهم بعيدا عن اللائحة يجب وضعه في الاعتبار وهو أن يخصص اليوم الثاني للجنة حتى يتسنى للفرق معرفة نقاط الضعف والأخطاء في اليوم الأول.
 - وماذا عن مشكلة جائزة عرض «الشاطئ»؟
وافقت في البداية ثم قدمت اعتذارا فيما بعد لأنه لا يستحق الجائزة فقد اختلط الأمر في البداية وظننت أنه مأخوذ عن رواية ثم أدركت بعد ذلك أنه نص مسرحي في الأساس، أنا حضرت لدكتور يوسف عز الدين عيسى في قصر ثقافة الشاطبي ندوة عن «غرفة بلا نوافذ» ومجموعته القصصية، فهو يتميز بأنه كاتب قصصي وروائي أكثر من كونه كاتبا مسرحيا، وحين بحثت وجدت أن «غرفة بلا نوافذ» نص مسرحي قدم في الإذاعة بالإسكندرية للمخرج محمود شركس، وسبق أيضا تقديمه في التلفزيون المصري كسهرة تلفزيونية ولم يذكر أنه عن عمل مسرحي، وكان بطولة الفنان يحيى الفخراني وتأليف شنودة جرجس.. وقد تشابهت هذه السهرة مع ما جاء في مسرحية «الشاطئ» ويكاد يكون العرض مأخوذا عن السهرة التلفزيونية، وقد تشابهت بعض الجمل أيضا، وفي النهاية حاولت تصحيح الوضع وعودة الحق لصاحبه باسم عادل.
 - كيف ترى ما أثير حول عرض سوبيبور؟
لا يجب أن نتهم المبدع بالعمالة والتخوين، بهذا فنحن نحجر على الإبداع، لنبدي رأينا الفني في العمل فقط، مهمتك أن تبدي وجهة نظرك كناقد نختلف أو نتفق معها، وإذا أخذت اللجنة برأي أمينة طلعت تكون قد خلطت السياسة مع الفن، فنحن نناقش العرض فنيا، قد تخون المبدع القدرة على توصيل وجهة نظره التي تتماشى مع وجهة نظرنا جميعا، لسنا دعاة للعنصرية أو النازية، جميعنا مصريين ولسنا عملاء جميعنا مع الجودة والإتقان.
 - هناك رأي يرى أن العرض عناصر متكاملة وإذا حصل على عدد من الجوائز ولم يحصل على أفضل عرض فلا يكون التقييم سليما.. فما رأيك؟
لا يوجد إلزام بأن عرضا ما ترى اللجنة أن يحصل على جوائز في أغلبية عناصره هو عرض متكامل، هو رأي خاص بكل عنصر على حدة بالمقارنة بالعناصر المشابهة في العروض الأخرى، ولا توجد معايير ثابتة كمعايير العلم في الفن، فحتى المعايير الخاصة بالأداء تختلف من نظرية لأخرى وكل عرض نأخذ بأغلبية الأصوات فيه لكل عنصر.
 - مشاركة المسرح المدرسي.. هل ستغير من مفهومه كنشاط عادي؟
بالتأكيد ستغير من فكرة التعامل معه كمجرد نشاط مدرسي، وقرار تقسيم المهرجان لثلاث مسابقات قرار حكيم، وكل شيء في بدايته قابل للتطوير، وقد نطالب العام القادم بأن تحدد عروض الأطفال لمرحلة عمرية محددة، وحتى عروض مسرح العرائس جاءت مختلفة عن عروض العرائس للفرق الحرة والمستقلة، وحصل المخرج محمد فوزي على جائزة أفضل عرض ثانٍ «خيالات»، في حين اعتبرنا عرض «أليس» عرض أطفال لأنه إنتاج فرقة تحت الـ18 وجاءت عناصره كما قدمت في المسرح العالمي، كما أن لي تحفظا على الإدارة الواعية التي كان يجب أن ترفض العرض من البداية لأنه يحتوي على وجهة نظر الغرب للإسلام وهي وجهة نظر خطيرة جدا، حيث ظهرت المملكة الحمراء الشريرة بملابس أشبه بملابس المسلمين في آسيا، في إشارة إلى أن الإسلام هو الشر، وجاءت المملكة البيضاء وملابسها تشبه ملابس الصليبيين في إشارة تؤكد وجهة نظر الغرب تجاه الإسلام، وأن المسلمين هم الأعداء، ونحن كبلد إسلامي كان يجب أن نجرد العرض من هذه الدلالات، ولا نغرس في عقول ووجدان أطفالنا أن الإسلام سيء وما عداه جميل.
 - كيف ترى عدد المهرجانات المسرحية؟
وزارة الثقافة لا تقدم سوى مهرجانين مسرحيين كبيرين هما المهرجان القومي والتجريبي، والأخير هو آخر ما انتهت إليه محاولات تطوير المسرح والحداثة وما بعد الحداثة، يقدم عروضا غير تقليدية يشاهدها المبدع المصري، ويتابع من خلاله ما انتهت إليه محاولات تطوير المسرح ويأخذ ما انتهى إليه المبدع الآخر في أي مكان في العالم ليكمل هو، كما لو أنه سافر في بعثة، فلماذا المطالبات بإلغاء المهرجان وحرمان المبدع من رؤية ما يعرضه العالم، ما المانع أن يكون المهرجان القومي أو التجريبي مثل معرض الكتاب، يقام في كل المحافظات بعد انتهائه في القاهرة.. فعبد الحليم حافظ وصلاح جاهين كانا يحلمان بأوبرا على «الترعة» في كل قرية مصرية.. حين كان عثمان محرم وزيرا للبلديات في مصر أنشأ أوبرا في المديريات في طنطا والمنصورة وقاعة سيد درويش نسخة مصغرة من الأوبرا، وكانت تقدم فيها كل عروض الأوبرا الكبيرة في كل المراكز، للأسف إننا نتأخر ولا نتقدم.
 - هل تتفق مع إلغاء الجوائز في المهرجان القومي للمسرح؟
هذا جيد وهذا جيد، وما يعيب الجوائز هو رفض كثيرين لنتائج لجنة التحكيم المتخصصة، وسرعان ما ينهالون بالسب والهجوم، وليس لدينا سياسة التقبل، وأقرب موقف حدث في ذلك أن أحد المؤلفين كتب نصا أسماه «نيرون يحرق روما» في حين كان النص يظهر نيرون رجلا جميلا وشعب روما هو من أحرقها.. فكيف أقدم نصا للشعب المصري تتهم فيه متفرجك بأنه يحرق البلد؟! طلبت منه كتابة مسرحية كوميدية بعيدة عن أي تحفظ سياسي وكفى سبا للقيادات الثقافية وبالفعل أحضر نصا آخر، ولكنني فوجئت بأنه ما زال مستمرا في هجومه وكأنه عدو لنفسه. ومثل هذا أقول له لا تكن مجنون الفكرة الثابتة ومتصلب الرأي، وإن كنت لا ترضى عن المتاح فلتأتِ بالبدائل.
 - كيف ترى حال النقد الآن.. خاصة في ظل الاتهامات بسيادة الانطباعية وعدم الموضوعية؟
هذه المسألة تثار في مصر منذ رواد النقد المسرحي الكبار، أذكر مثلا واقعة حدثت في مهرجان المائة ليلة بمسرح السامر فترة رئاسة سمير سرحان للثقافة الجماهيرية، وكان العرض يُقدم يومين ويناقش في ندوة، وقدم عبد الغفار عودة عرضا عن الراحل سيد درويش واستعان بحمدي رؤوف كملحن وحمدي عيد الشاعر، وتحدث المناقشون على ألحان العرض على أساس أنها لسيد درويش، فقمت بإيضاح الأمر، والتأكيد على أن الألحان لحمدي رؤوف، أيضا نص «ليالي الحصاد» لمحمود دياب، فقد كنت جارا وصديقا له، وكان كلما كتب نصا يسألني عن رأيي ومعي مجموعة كبيرة، والمسرحية كتبها بناء على تجربة ذاتية: الفتى الذي ترك «البندر» واستقر بالإسكندرية من أجل السنيورة التي أحبها وتركت هي كل محبيها. وهي قصة خاصة به وإحدى الممثلات في فرقة الإسكندرية، ثم فوجئنا بكبير نقاد مصر محمود أمين العالم يناقش العرض بوصفه عرضا سياسيا وأن السنيورة هي مصر وهو ما لم يقصده محمود دياب، لكنها وجهة نظر فنان وناقد كبير، وهي ليست خاطئة لأن عظمة الفن هي أن كل أحد يراه وفقا لخبراته وثقافته، وحين سألنا محمود دياب تعجب من تلك القراءة، وقال: حين بدأت الكتابة تحركت الشخصيات بأسلوبها. وقد سبق لي أن قدمت بحثا في علم النفس الإبداعي لـ»ليالي الحصاد» وقلت إن الكاتب ينطلق من التجربة الذاتية، لكنه حين يبدأ الكتابة فإن الشخصيات هي التي تتحدث وتتحاور وتصارع وتمر الأحداث كما تحب الشخصيات وليس المؤلف.
 - ما الذي تغير بين الأمس واليوم في تعامل النقاد مع العمل؟
يحدث كل فترة أن مجموعة من النقاد ومنهم الراحل أحمد عبد الحميد يحضر بروفات العرض المسرحي ويقرأ النص ويبدي ملاحظاته حتى يصل لأفضل نتيجة، بينما الناقد اليوم يشاهد العرض في شكله النهائي خلال ساعة ونصف، مدة العرض، ويحكم عليه بالفشل أو الاستحسان، وقد يكون في مزاج سيء أثناء مشاهدته فيحكم حكما غير موضوعي، فلا بد للناقد أن يهيئ نفسه لأنه مثل القاضي الذي يحكم نتيجة لمداولات ووجهات نظر وتمثيل الجريمة أمامه ليخرج حكمه موضوعيا تماما بعد دراسة كل الجوانب.
 - ما أمنياتك للمسرح المصري؟
هناك مؤلفون أو مخرجون يحيون العمر كله على مسرحية واحدة ألفوها أو أخرجوها، في مسارح لندن أو باريس يقدم العرض في ضاحية ويجمع النقاد على جودته، فتقوم إحدى الشركات المتخصصة بشراء العرض بنفس عناصره ما عدا التمثيل، وتعرضه في عواصم أخرى بممثلين مختلفين، أتمنى أن يصبح لدينا شركة كبيرة تشتري العروض التي يقدمها المخرجون في القاهرة لتعرض في الدول الأخرى، حتى لا يختفي العرض المسرحي، وحتى يصبح مثل العمل السينمائي وتتم المقارنة بين الممثلين لأنهم عنصر غير ثابت.
 - هل يغني ذلك عن فكرة تصوير العروض؟
نعم نوعا ما، لكن ليست هذه هي المسألة، في المسارح الكبرى في أوروبا لديهم نظام الريبورتوار، تقدم المسرحية وبعد عشرين عاما تقدم بنفس الإخراج مع اختلاف الممثلين مثل المصيدة لأجاثا كريستي، وقد حاولت سيدة المسرح الفنانة سميحة أيوب وقت توليها لإدارة المسرح القومي أن تقدم الريبورتوار وتُعيد العروض العظيمة مثل «أهل الكهف» بإخراج الكبير نبيل الألفي أو ذكي طليمات، لكن للأسف لم يصورها التلفزيون، حتى المركز القومي حين أنشأه نبيل الألفي كان يطلب منا نسخة الإخراج للاحتفاظ بها ولا يحدث ذلك الآن، ولم يعد هناك اهتمام بتصوير المسرحية أو نظام الريبورتوار، ولذلك كان المسرح القومي عريقا، بالعودة لمجلة المسرح القديمة نجد أنه كان يقدم أربعين عرضا أو أكثر خلال العام، ماتينيه وسواريه، مثلما تفعل الأوبرا.
 - حتى أنتم واجهتم أزمة في تصوير العروض؟
معظم عروضي لم تصور.. «لم تسقط القدس» لنور الشريف ولقاء سويدان ومجدي كامل وعدد كبير من نجوم المسرح القومي قدمت وصورت في التلفزيون وحكم عليها ألا ترى النور، و»الوزير العاشق» قدم واختفى حتى علمت من د. أحمد العشري أنهم يقدمونها في الكويت فتحدثت مع أحمد بهاء الدين وكتب كيف تذاع في الدول العربية ولا تذاع في مصر، وأذاعوها مضطرين لكن بقية عروضي لم تصور.


روفيدة خليفة