سيد خاطر: «الحالة توهان» عرض يواجه أفكار التطرف والإرهاب

سيد خاطر: «الحالة توهان» عرض يواجه أفكار التطرف والإرهاب

العدد 618 صدر بتاريخ 1يوليو2019

كانت آخر عروضه المسرحية الإخراجية عام 2007م، ثم عاد للإخراج مرة أخرى عام 2019م بالعرض المسرحي «الحالة توهان»، وهو مؤلف له أيضا لأول مرة، أي ابتعد 12 عاما كاملة عن الإخراج المسرحي، كما أنه أعلن اعتزاله التمثيل منذ بضعة سنوات حتى الآن، كما أنه كان ناجحا على المستوى الإداري وليس الفني فقط، فقد كان يشغل منصب رئيس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ثم خرج إلى المعاش وآخر مناصبه الإدارية رئيسا لقطاع الإنتاج الثقافي السابق.. تساؤلات كثيرة تدور حوله، ما سر ابتعاده عن الإخراج طوال هذه السنوات الطويلة، وما سر اعتزاله التمثيل، ولما عاد للإخراج بعد كل هذه المدة بهذا العرض المسرحي تحديدا «الحالة توهان»، ولما اختار أن تكون أول تجاربه في التأليف من خلال هذا العرض، علامات استفهام كثيرة سوف نجد لها أجوبة من خلال حوارنا معه، إنه الأستاذ الدكتور سيد خاطر مخرج العرض المسرحي «الحالة توهان» الذي كان يعرض على المسرح الكوميدي العائم بالمنيل، فكان لنا معه هذا الحوار الذي تحدث فيه بمنتهى الصراحة والشفافية ومن القلب.
متى كانت آخر عروضك المسرحية كمخرج مسرحي قبل «الحالة توهان»؟ وما سر ابتعادك طوال هذه الفترة الزمنية؟
آخر عروضي المسرحية كانت في مسرح الغد عام 2007م بعرض «عزيز عيني»، بطولة الأستاذ محمود الجندي، رحمه الله، وناهد رشدي، وكان فيه مشاهد سينمائية شارك فيها أشرف عبد الباقي وأحمد صيام وفتوح أحمد، ومجموعة كبيرة جدا من الزملاء، وبعد العرض مباشرة سافرت للتدريس في الكويت، وعندما عدت من هناك في بداية عام 2013م، عقدت النية على العودة للإخراج ولكن توليت منصب رئيس قسم التمثيل والإخراج، وعندما بدأت الإخراج والتحضير بالفعل طلب مني الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة حينها تولي رئاسة قطاع الإنتاج الثقافي، وعلى الفور قررت تأجيل قرار العودة للإخراج حتى لا يقال إنني عندما توليت ذاك المنصب استغللته في الإنتاج لنفسي، وعندما غادرت القطاع انشغلت في البحث عن ورق جيد من أجل العودة للإخراج فلم أجد ما يروق لي ولأفكاري عن تلك الفترة العصيبة، فقررت أن أكتب بنفسي.

هل مسرحية «الحالة توهان» هي أول محاولة لك في مجال التأليف؟ ولماذا اخترت أن تقوم بدور المؤلف بالمشاركة مع السيد إبراهيم في هذه المسرحية تحديدا؟ وما الذي جذبك في هذا؟
لست مؤلفا، ولا أدعى أنني مؤلف، لكنني مهموم بفكرة التطرف والإرهاب وكيفية معالجتها، فسطرتها على ورق ثم حاولت أن أكسبها الشكل الدرامي لأنني لا أمتلك حرفية المؤلف، لكن معظم عروضي التي أخرجتها كنت فقط أتداخل مع مؤلف العرض في طلب تعديلات من خلال جلسات عمل بيني وبينه، وفكرة التطرف والإرهاب بها بعض الدراسات التي قمت بها وأقوم بتجميعها حاليا في كتاب سيصدر قريبا ولم أختر له اسما بعد، لكنني أرصد فيه تاريخ الإخوان وتأسيسهم بالأسماء والحوارات والوقائع كجماعة إرهابية لا علاقة لها بالدين.

البعض انتقد العرض المسرحي «الحالة توهان» واتهمه بالمباشرة.. فما ردك على تلك الاتهامات؟
لقد تعمدت المباشرة في هذا العرض تحديدا سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج، والمباشرة هنا هي منهج إخراجي تعمدت أن أتبعه في ذاك العرض المسرحي لأنه عرض تعليمي تنويري ينتمي إلى المنهج الملحمي. تعليمي بمعنى التمثيل داخل التمثيل، وبه جانب توثيقي أيضا من خلال المسرح الوثائقي، فهذا المنهج هو لون من ألوان الفنون المسرحية، ومن ينتقد هذا فهو غير دارس، فأنصح من ينتقد تلك المباشرة أن يقرأ لبريشت وهو سوف يفهم ما أقصده.

بعد إشادة كبار النقاد بالعرض المسرحي «الحالة توهان» أمثال: آمال بكير ووفاء كمالو وجرجس شكري وعمرو داورة وغيرهم، وبالرسالة التنويرية التي حارب الإرهاب من خلالها هل ستسعى إلى تكرار تجربة التأليف مرة أخرى؟ ام ستكتفي بالإخراج فقط فيما بعد؟
ها أنت قلت بنفسك كبار النقاد، وكبار النقاد هؤلاء هم من كتبوا وقالوا إن «الحالة توهان» هو عرض ملحمي تعليمي، أي أنهم نقاد فاهمون لأنهم دارسون، وهذا أكبر رد على بعض غير الدارسين ممن انتقدوا فكرة العرض حيث إن كبار النقاد استوعبوا تلك الفكرة لأنهم دارسون نقد على أسس علمية صحيحة، أما مسألة العودة للكتابة ليست في خططي على الإطلاق.

هل من الممكن أن تتخصص في مثل هذا النوع من المسرح (مسرح المواجهة) وتقدم سلسلة عروض مسرحية تحارب الإرهاب والتطرف الديني؟ أم أنك مع التنوع وعدم التكرار؟
لا يوجد هناك ما يسمى مخرج متخصص، ولكن هناك بعض التجارب الاستثنائية في هذا مثل المخرج الشاب محمد الشرقاوي، وهو نموذج لشاب أسميه مناضلا مسرحيا أكثر منه متخصصا، فقد وهب حياته في أن يتجول بعروضه بالقرى والمحافظات ويذهب لجنود القوات المسلحة، هو حقيقة شاب يستحق أن يمنح وسام، أما في الإخراج عامة لا يجوز أن نطلق لقب متخصص في لون معين، فالمخرج ضروري أن يكون ملما بجميع المناهج ولكن من الممكن أن نجده يميل أحيانا إلى منهج ما دون غيره، لكن في النهاية الموضوع والنص هو من يفرض نفسه ومنهجه على مخرج العرض.

لماذا اخترت المسرح الكوميدي منتجا للعرض المسرحي «الحالة توهان»، على الرغم من جدية القضية التي يطرحها النص ألا وهي قضية التطرف والإرهاب؟
اخترت المسرح الكوميدي للأسباب التاليه: أولا: حيث إن النص المطروح يتضمن عنصر البسمة، فأنا لم أرغب أن أقدم للناس مادة جامدة كلها تنظير، لا بد أن يكون ولو هناك قليل من البسمة منعا لتصدير الكآبة للجمهور، فالعرض تجد فيه البسمة والأغاني والاستعراضات لجمهور متنوع وبسيط. ثانيا: هناك عروض قدمت من قبل على المسرح الكوميدي ولا علاقة لها بالكوميديا من قريب أو من بعيد، فهناك عرض ناجح شاهدته على الكوميدي لنشوى مصطفى اسمه «سيلفي مع الموت» ولا علاقة له بالكوميديا، ونجد أيضا المسرح القومي يقدم عليه عروض كوميدية وشبابية أيضا تصلح أن تقدم على مسرح الشباب، فلسفة توصيف المسارح كانت تحترم قديما في يوم من الأيام، لذلك لو كانت تلك الفلسفة ما زالت موجودة كنت أخذت هذا العرض إلى مسرح آخر يناسب توصيفه، لكن وجدت الحكاية أن كل المسارح أصبحت تشبه بعضها البعض – هي مجرد أسماء فقط – لكن حقيقة الآن عندما أنت تنوي الإخراج أنت تبحث عن المكان الذي فيه إدارة ممكن تيسر وتساعد، بمعنى أنني عندما اخترت المسرح الكوميدي كان على رأسه تلميذي المحترم الله يرحمه أحمد السيد، وتوسمت فيه أنه رجل ناجح وفاهم المهنة وعمله جيد، والحمد لله بعد فترة طويلة عانينا فيها مع مسرح بدون مدير بعد وفاة أحمد السيد وتعطل عملنا كثيرا، رزقنا الله في النهاية بإنسان لا يقل عن أحمد السيد كفاءة ومتحمس للعرض وتلميذي أيضا إضافة إلى أنه رجل صافي النفس وهو الفنان الخلوق إيهاب فهمي.

قدمت هذا العرض المسرحي إهداء لروح مديره الراحل الفنان أحمد السيد الذي اختاره ربه قبل أن يرى العرض النور، فكيف كان استقباله لفكرة العرض المسرحي حين عرضته عليه في حياته؟ وماذا تحب أن تقول له بعد رحيله؟
أحمد السيد رحمه الله هو الذي تحمس للعرض وقال لي «لو سمحت هات النص ده أنا عاوزه»، فقلت له «أخشى عليك أن يقولوا على العرض إنه غير مناسب للمسرح الكوميدي»، لكنه أصر وأخبرني أنه له فلسفة يتبعها في مسرحه ثم ضرب لي مثلا على ذلك بعرضه الناجح «سيلفي مع الموت» فحقيقة هو كان رجلا فنانا يحسب كل ما أنتجه سواء وهو مدير للطليعة أو الكوميدي وكانت كل عروضه ناجحة وموفقة، لأنه في النهاية هو رجل يعمل منتجا فنيا، ويفهم عملية الإنتاج عموما، وأقول له بعد رحيله: «الله يرحمك يا أحمد يا عترة يا محبوب من كل زملائك في الوسط الفني، وكان عزاؤه يشهد على ذلك، فقد كان مهرجان حب ولم يكن عزاء، فالناس المنتظرة بخارج العزاء أكثر من بداخل العزاء مرتين، الله يرحمك يا أحمد ويسكنك فسيح جناته ويجازيك كل خير عما خدمت به المهنة والبيت الفني للمسرح».

ما هي الأهداف التي سعيت لها من وراء عرضك المسرحي لتوصيلها للجمهور من خلال تلك القضية؟
إذا لم يضطرب القلب وينتفض الجسد ألما ولوعة لقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، لاشتمت الروح رائحة عفن وعاء قد احتواها.. «الحالة توهان»، أردتها صحوة عقل، ومضة وعي، كشفا وفضحا لحقيقة جماعات إرهابية تكفيرية اتخذت من الدين ستارا لفرض سلطان الطاعة والتخويف على الناس، جماعات تستبيح القتل بكل بساطة ورضا نفس، جماعت تغلق العقول والأفهام على زمن بعينه وأشخاص بعينهم، جماعات تحارب أي فكر تنويري، وأي محاولات للتدبر والتفكر وأعمال العقل.. «الحالة توهان» نوبة صحيان تستفيق الأمة، عل وقوفها عاجزة عن حل مشكلات عصرها واستيعاب مستجداته لا يطول، عل أمتنا لا تظل أوهن الأمم.

قامت فكرة عرضك المسرحي على محاكمة تمثيلية مسرحية رمزية – حدثنا بالتفصيل عن تلك الفكرة وكيف نمت إلى ذهنك؟ ولما اخترت تلك الأسماء الرمزية أيضا لأعضاء تلك المحاكمة؟
فكرتي في حكاية المحاكمة المسرحية الافتراضية نشأت في ذهني لأنني أريد أن أقول للجمهور من خلالها «أنت الحكم وأنت القاضي»، ولأن الفن ليس من دوره أن يقدم حلولا، ففضلت أن الطرفين (الطرف المتطرف ويمثله أشرف مصيلحي والطرف التنويري ويمثله ياسر عزت) كل واحد منهما يعرض وجهة نظره، والجمهور هو الحكم والفيصل بينهما – ومن هنا طرحت فكرة إطار المحاكمة. أما عن الأسماء الرمزية لأعضاء تلك المحاكمة فهي أسماء لها دلالتها وكلها نماذج تجدها في المجتمع المصري، «فلحوس النخبة» على سبيل المثال، تابع الفيسبوك وأنت ترى هذا المفضل في كل شيء في السياسة والاقتصاد وهو يدعي دوما أنه الصح وأنه الفاهم في كل شيء، لكنه في الحقيقة جاهل وقد يكون لم يقرأ سطرا واحدا، وتجده دوما موجودا على الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي يختبئ من ورائها ليعوض نقصا لديه في عدم المعرفة بادعائه أنه من يفهم في كل الأمور. وهناك أيضا «محايد» وهو يرمز إلى حزب الكنبة المحايد الذي لا دعوة له بأي شيء، وهناك «رافض» وهو الرافض على طول الخط ولا يعرف أين اتجاهه. وهناك «المتردد» الذي لا يعلم أي شيء عن أي شيء. هناك أيضا «شمتان» وهو نموذج كان يجب تقديمه لأنني أرى أن ما يحدث، وحتى في وسائل التواصل الاجتماعي، هو من صنيعة الغرب لتفتيت المجتمعات إلى دويلات من خلال مؤامرات خارجية حتى لا يبقى هناك دولة عربية واحدة قوية تتحكم في المنطقة عدا إسرائيل. هناك أيضا «درويش» وهو يرمز إلى الصوفية وإلى كل من هو متدروش دينيا، وهو نموذج من النماذج الموجودة في شعب الإسلام الكثيرة.

هل هناك خطة لديك للسفر بالعرض المسرحي «الحالة توهان» للعرض للجمهور داخل وخارج مصر؟
أتمنى أن تلتفت الدولة إلى مثل هذه النوعية من العروض المواجهة للإرهاب التي تحذر الناس منها وتتبناها، وأتمنى مع مجموعة العمل أيضا أن نعرض في جميع محافظات مصر وقراها حتى العريش نفسها، لكن الحقيقة المؤلمة هنا أنهم متغافلون عن مثل هذا العرض. طلبتم من الفن والقوى الناعمة أن تواجه الإرهاب وها نحن فعلنا، أين أنتم؟ أين الدولة؟ فلم أرَ مسئولا واحدا في الدولة أو حتى الوزارة نفسها حتى الآن زار العرض، كل من حضر العرض هو من الجمهور العادي فقط.

د. سيد خاطر فنان قدير قبل أن يكون مخرجا مسرحيا فلماذا لم تشارك بدور في عرضكم المسرحي «الحالة توهان»؟ أم أنك لست من أنصار المخرج الممثل؟
أولا: أنا ضد المخرج الذي يمثل في عمل من إخراجه. ثانيا: لقد أعلنت اعتزالي التمثيل من زمن طويل من قبل أن أسافر إلى الكويت للتدريس هناك نتيجة لظهور الشللية في العمل وأنا لا أحب الشكوى ولم أطلب يوما شغلا من أحد، لذا اكتفيت بالتدريس في المعهد ورفضت كثيرا جدا من الأعمال المعروضة عليا بعد ذاك القرار، لكنني أجبرت على المشاركة في عملين فقط خلال فترة الاعتزال بضغوط خارجة عن إرادتي وهما مسلسل «هي ودافنشي» حيث إن المخرج وبطل العمل الأستاذ خالد الصاوي أصدقائي وهم من ضغطوا عليا للعمل، كما أن الدور كان كاركتر ولذيذا، وهناك مسلسل آخر مع الأستاذ عادل إمام أصر على ظهوري فيه كضيف شرف مثل الفنان سمير غانم والكثير من ضيوف المسلسل.

قمتم بمبادرة جميلة بدعوة «مجلة وجمعية سحر الحياة لدعم مرضى السرطان» لحضور العرض المسرحي الذي تم أيضا تكريم أسرة «الحالة توهان» من خلالهم.. هل تؤمن بدور ورسالة المسرح برفع معنويات مثل هؤلاء المرضى والتخفيف عنهم؟ وهل هناك في خطتكم عمل مبادرات أخرى لدعوة مثل هؤلاء المرضى بمختلف المستشفيات والجمعيات؟
أنا أيضا مريض سرطان وأتعالج بالكيماوي وأقاوم المرض، وهذه الجمعية تم تأسيسها لهذا الهدف النبيل وهو مقاومة المرض ودعم المرضى، وقد سعدت جدا بحضورهم وتشريفهم، وعلى الرغم من ذلك هم دفعوا تذاكر مخفضة ولم يحضروا مجانا، ومن هنا أحيي الدكتورة مها نور رئيس مجلس إدارة تلك الجمعية لأن هي أيضا مريضة سرطان وهي سيدة مناضلة جدا وندعو لها بالشفاء، وأنا مستعد للذهاب بفرقتي إلى مستشفى 57 وغير 57 بنفسي إلى مقرهم وعمل حفلات خاصة لهم هناك، كما أرحب باستضافة وزارة الثقافة لهم بالمجان، هذا شيء إنساني جميل ولا أعتقد أن هناك أي أحد من الزملاء العاملين بالعرض سوف يرفض ذلك.

ختاما، هل لديكم مشروع مسرحي قادم جاهز لتقديمه بعد انتهاء العرض المسرحي «الحالة توهان»؟
بالفعل أقوم الآن بالتحضير لعرض مسرحي من إخراجي وليس من تأليفي بل بمؤلف آخر، ولكنه عرض مسرحي تابع للقطاع الخاص وليس مسرح الدولة، وسوف يعرض خارج مصر وبممثلين مصريين، وهو عرض كوميدي لطيف، وحاليا أنا في مرحلة اختيار الممثلين مع كاست الإخراج الخاص بي استعدادا للسفر به للعرض خارج القطر المصري، وقريبا سوف أعلن كل تفاصيله في مؤتمر صحفي.


أشرف فؤاد