المسرح المصري وثورة 1919

المسرح المصري            وثورة 1919

العدد 614 صدر بتاريخ 3يونيو2019

يوسف وهبي
أسهمت فرقة رمسيس ليوسف وهبي في مسيرة الثورة، منذ تشكيل وزارة الشعب برئاسة سعد باشا زغلول. وبدأت مظاهر إسهام الفرقة بإقامة حفلة عزف وغناء نشيد التحية والحرية محبة لسعد باشا، وهو نشيد من تلحين سيد درويش، وغناء فاطمة سري، كما أخبرتنا جريدة المقطم في فبراير 1924. كما أقام يوسف وهبي في مسرحه يوم 10 مارس 1924، حفلة تكريمية لسعد زغلول، حضرها جميع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وكبار رجال الدولة أمثال: محمد سعيد باشا وزير المعارف، وفتح الله بركات باشا وزير الزراعة، ومرقص حنا باشا وزير الأشغال، ومحمد نجيب الغربلي باشا وزير الحقانية، وسعادة حمد الباسل باشا وكيل الوفد المصري. وبدأ الحفل بالسلام الملكي، ثم بمارش سعد باشا، وكانت الكلمة الأولى لإسماعيل وهبي – شقيق يوسف وهبي - اختتمها «بالهتاف لجلالة الملك ودولة الرئيس الجليل ولمصر والسودان وللاستقلال التام. ثم بدئ بتمثيل رواية انتقام المهراجا، فمثلتها فرقة رمسيس...... وما كادت تتم الفصل الأول من الرواية المذكورة، حتى بلغ تصفيق الإعجاب عنان السماء، ثم نثرت أوانس الفرقة على المدعوين الأزهار والرياحين الموشاة بشرائط حريرية طبع عليها فليحيا سعد ممثل الشعب».
وفي مارس أيضا، أقام يوسف وهبي حفلا كبيرا في مسرحه لتكريم المسجونين السياسيين، الذين شاركوا في الثورة - وتم الإفراج عنهم - حضره كثير من رجال الوفد، والنواب، وكبار الموظفين والأعيان. وأُلقيت فيه الخطب الوطنية والقصائد والكلمات الحماسية، من أمثال: هدى شعراوي، وعبد الرحمن فهمي، وخليل مطران، ومجد الدين حفني ناصف. وقام أعضاء نادي الموسيقى الشرقي بعزف نشيد سعد باشا، ومارش السودان. وألقى محمد عبد القدوس، وحسن فايق مجموعة مونولوجات. «هذا وقد وافق المجتمعون على إرسال التلغراف الآتي إلى حضرة صاحب الدولة رئيس الوزارة: المجتمعات والمجتمعون الليلة بمسرح رمسيس لتكريم المسجونين السياسيين، يبعثون إلى دولتكم بأطيب عبارات الشكر على إطلاق سراح المسجونين، ويطلبون بإلحاح أن تتم مسرات البلاد بإخراج الشيخ محمد الشافعي البنا، وزملائه المتهمين في قضية المؤامرة الأخيرة، والذين يعانون الآن أشد أنواع القسوة في ليمان طره. ويرجون أن تحقق آمال البلاد في الاستقلال التام للسودان ومصر، بدون قيد ولا شرط. فليحيا الملك، وليحيا سعد».. هكذا قالت جريدة الأخبار في مارس 1924.
لم يكتف يوسف وهبي بهذه الحفلات الحماسية، بل وجدناه يؤلف مسرحية حماسية وطنية رامزة، عندما شعر – مثله مثل كل المصريين – أن الاحتلال يتلاعب، ولا يريد للثورة أن تنجح، مما أدى إلى اضطراب في وزارة الشعب، وصل إلى حد تقديم سعد زغلول استقالته، واستقالة وزارته في نهاية نوفمبر 1924. لم يجد يوسف وهبي – أمام هذه الأحداث – سوى أن يُسهم بفنه، فألف مسرحية الاستعباد، والتي تحكي قصة كفاح ثورة الشعب المراكشي بقيادة الزعيم عبد الكريم الخطابي، ضد الاحتلال الإسباني. وظلت المسرحية تُعرض طوال أسبوع كامل، فألهبت حماس الجماهير المصرية، وأعادت إليهم روح الثورة من جديد؛ حيث فطن الجميع أن المسرحية تتحدث عن ثورة المراكشيين دلالة على ثورة المصريين، وأن الزعيم عبد الكريم الخطابي هو رمز للزعيم سعد زغلول، وأن الاحتلال الإسباني هو المعادل الموضوعي للاحتلال الإنجليزي!!
وتأكيدا على أثر مسرحية الاستعباد على الشعب المصري، ما نشره ناقد مجلة رعمسيس، قائلا، في نوفمبر 1924: «لقد ألهبتني تلك القطعة الوطنية، وأقسم أني لم ألتهب في حياتي الوطنية إلا مرتين: الأولى في مارس سنة 1919 أيام قيام الثورة لنيل استقلالنا، والثانية بمسرح رمسيس في منتصف نوفمبر سنة 1924. فحثت من عواطف الوطنية، التي كادت تخمد في نفوسنا جميعا. وإني واثق لو أن أفراد الشعب جميعا شاهدوا تلك القطعة، التي دبجها مصري يشعر بظلم المستعبد، لعلموا أن للوطنية ثمنا لا بد أن يدفعوه... إنها إرادة يوسف بك وهبي، الذي جعلني أكاد أنادي بالثورة حين خروجي من مسرحه!!».
وأمام نجاح مسرحية الاستعباد، لم يجد الاحتلال بُدا من إيقافها، وإصدار الأمر بمنع تمثيلها!! وقد كتب ناقد جريدة الأخبار كلمة عن هذا المنع يوم 8 ديسمبر 1924، قال فيها: «.. وإني بهذه المناسبة آسف لتدخل الداخلية بمنع تمثيل رواية الاستعباد، ولعمري أن هذا التدخل غريب. فقد مثلت الرواية أسبوعا كاملا، حازت فيه الاستحسان العظيم. وأي شيء في تمثيل رواية تمثل الجشع الاستعماري!!».
علي الكسار
بدأ علي الكسار مساهمته في حراك الثورة من أيامها الأولى، ولكنها ظهرت واضحة؛ عندما عاد سعد زغلول من المنفى في جزيرة سيشل يوم الرابع من أبريل عام 1921. ففي هذا اليوم نشر علي الكسار إعلانا في جريدة الأخبار، جاء فيه، تحت عنوان (اليوم العظيم): «بمناسبة وصول صاحب المعالي سعد باشا زغلول الرئيس المحبوب إلى مصر؛ يُعيد تياترو ماجستيك يوم الاثنين تمثيل رواية (كان زمان)، ويضيف إليها مشهدا جميلا تظهر فيه تحية أعضاء الوفد». وفي ديسمبر 1921، أعلن الكسار في الصحف، عن حفلة مسرحية نهارية للطلبة والعائلات، وأسفل الإعلان، كتب (ملحوظة)، هذا نصها: «كل من يحضر هذه الحفلة، ويأخذ تذكرة من شباك التياترو، له الحق في سحب صورة رمز مصر. وهي تمثل مصر بصفة فتاة خارجة من البحر، ووراءها تمساح، يريد أن يبتلعها، وصاحب المعالي سعد زغلول باشا، واقف على شاطئ البحر ليخلصها منه».
لم يكتف الكسار بهذه الإسهامات الرمزية، وبدأ في تفعيل إسهاماته الفنية، مستغلا شخصية البربري المشهور بها في مسرحياته؛ ليدفع الشعب المصري إلى التمسك بالسودان، وعدم التفريط فيه أو فصله عن مصر، كما ترغب إنجلترا!! وظهر هذا جليا في مسرحية الأمير عبد الباسط، التي عرضها الكسار في أكتوبر 1924. وقد علقت مجلة التياترو عليها، قائلة: «الرواية كأغلب الروايات الكوميدي، التي يضعها أمين أفندي صدقي. خفيفة الروح، تلائم المزاج، ويزيد في خفتها ظهور علي أفندي الكسار، بنكاته المبتكرة الرقيقة على المسرح. وليس هذا كل ما في الرواية، بل فيها مغزى آخر، يرمي إليه المؤلف بالنسبة للظرف الحاضر، وهو اتحاد مصر والسودان في شخص العروس عزيزة، والعريس عثمان». وهذا الأمر يظهر جليا في كلمات لحن ختام المسرحية، التي تقول:
أهم الاثنين دول رمز آملنا اللي أحنا بنسعى في تحقيقه
بكره مسيرنا نكيد عزلنا مهما يجوروا علينا ويسيئوا
بلاش تقولوا سوداني ومصري خلوا النيل ديما يجمعنا
ودا مبدأ لازم يسري وبه نرجع مجد بلادنا
مدام كلنا من دم واحد مدخلش اللون في الجنسية
وأدي أحنا كلنا بنجاهد في سبيلك يا حرية

أولاد عكاشة
في أبريل 1921، بدأ الإسهام الثوري لفرقة أولاد عكاشة، بعزف نشيد سعد باشا زغلول قبل العرض المسرحي اليومي بمسرح حديقة الأزبكية، ثم تطور هذا الإسهام بصورة فنية، عندما بدأت تعرض مسرحيات وطنية من تاريخ المصريين، مثل مسرحية «أبطال المنصورة»، التي استغلت موضوعها في الإسهام الثوري، من خلال الإعلان عنها في جريدة السياسة يوم 5/ 1/ 1923 قائلة: «إلى أنصار الأدب والتمثيل، هل شاهدتم تمثيل الرواية الوطنية الحماسية، فخر الأدب والتمثيل المصري، رواية أبطال المنصورة، تأليف الروائي الكبير الأستاذ إبراهيم رمزي، مؤلف البدوية والحاكم بأمر الله وغيرها. إن كنت من أبناء مصر، الذين لا يهدأون حتى يروا مصر مستقلة، وتريد أن ترى مثلا حيا، على اتحاد القلوب، والأيدي في خدمة الوطن. والتفاني في الذود عن استقلاله، وكرامته. فأحضر تمثيلها، ونشّط الممثلين برؤيتهم إياك أمامهم ساعة التمثيل. ليستمدوا من روح وطنيتك العالية، قوة على زيادة الإجادة، وليكون للحفلة بهجة صحيحة باشتراكك فيها، وشهودك تمثيلها».
وفي مارس 1923، عرضت فرقة أولاد عكاشة مساهمتها الثورية الفنية الأولى من خلال عرضها لمسرحية هدى، تأليف عمر عارف، الذي «صور فيها حالة مصر أمام الإنجليز، فجعل مصر في شخص فتى آدمي سماه نادر، وجعل الإنجليز في شخص دهتش زعيم الجن، وأما هدى ابنة دهتش، التي أحبت نادر على الرغم من أبيها، فهي علامة حُسن التفاهم، وإمكان الاتفاق»، هكذا قالت مجلة العمدة. وفي مايو 1923، عرضت الفرقة مسرحية آه يا حرامي، واختتمت الحفل «بمنولوج مصر والسودان، وأنشودتي المغفور له مصطفى كامل باشا، وحضرة صاحب المعالي سعد باشا زغلول»، كما قالت جريدة السياسة.
بعض الفرق
لم تكن المشاركة المسرحية في أحداث ثورة 1919، مقصورة على الفرق المسرحية الكبرى – أمثال: منيرة المهدية، ويوسف وهبي، وعلي الكسار، وأولاد عكاشة – بل كانت المشاركة أيضا من نصيب الفرق المسرحية الصغرى والجوالة!! فعلى سبيل المثال، وجدنا فرقة الشيخ أحمد الشامي، تجوب أقاليم مصر بعرضها المسرحي «مصر والسودان» طوال عامي 1919 و1920. أما فرقة عبد الرحمن رشدي ففي أكتوبر 1921، مثلت مسرحية البدوية تأليف إبراهيم رمزي، وفي ختامها مثلت قطعة أخرى، قالت عنها في الإعلان: «وعقب تمثيل المسرحية، مثلت الفرقة قطعة عن معاهدة الاتفاق الإنجليزي المصري، وظهر خيال أبو الهول، يخاطب المصريين بزيادة الاتحاد والإخاء بشكل جميل جدا، وهي من تأليف عبد الوارث عسر الممثل بالفرقة».
نادي التمثيل السعدي
هذا الزخم المسرحي الثوري – الذي تحدثنا عنه سابقا – أسفر عن ظهور مجموعة من هواة التمثيل المسرحي، أنشأوا – أثناء فترة وزارة السعب - ناديا تمثيليا باسم «نادي التمثيل السعدي»، وأعلنت عنه جريدة المقطم يوم 11/ 5/ 1924، قائلة: «.. أنشئ نادٍ للتمثيل من شبان مصر النجباء، غرضه ترقية التمثيل الأدبي، والمحافظة على كرامته. وقد سميناه نادي التمثيل السعدي، تيمنا باسم الزعيم الجليل سعد باشا، الذي نسأل الله أن يمده بروح من عنده، حتى تنال مصر أمنيتها من الاستقلال التام. وقد قرر النادي انتخاب حضرة الأستاذ أحمد أفندي حسني مستشارا عاما له. [توقيع] سكرتير عام النادي: إبراهيم متولي».
وعلمنا فيما بعد أن مقرّ هذا النادي، كان في دار نقابة عمال الصنايع اليدوية بالسبتية، واشتراكه خمسة قروش شهريا. وأن لأعضائه الحق في دخول جميع المسارح بتخفيض 50%. وسيتم افتتاحه يوم 3 يوليو 1924 بكازينو الزمالك؛ حيث سيعرض أعضاء النادي مسرحية «قلب الإعرابي». وسيتم تخفيض 50% من ثمن تذكرة الدخول للمشتركين في مجلة كليوباترا، التي نشرت هذه التفاصيل!!
وزارة الشعب والمسرح
كان من نتائج ثورة 1919، ظهور أول وزارة منتخبة من قبل الشعب المصري، وهي الوزارة السعدية برئاسة سعد باشا زغلول، والتي عُرفت باسم «وزارة الشعب»، والتي مكثت في الحكم طوال عام 1924 تقريبا – من يناير إلى نوفمبر – وهذه الوزارة بذلت جهدا غير مسبوق في رعاية الفنون المصرية؛ حيث شكلت لجنة للفنون الجميلة برئاسة محمد عاطف بركات باشا، والتي أصدرت عدة قرارات في صالح الفنون، يهمنا منها القرار المتعلق بالمسرح، وهو: «ندب حضرة محمود مراد أفندي للسفر إلى لندن، لاجتياز القسم الأرقى من فنون التمثيل والإلقاء. بعد أن جاز القسم الأول من هذه الفنون في العام الماضي، على أن يؤخذ المبلغ اللازم لسفره وإقامته من العشرة آلاف جنيه المرصدة للفنون الجميلة».. هكذا قالت جريدة الأخبار في يوليو 1924.
ومبلغ العشرة آلاف جنيه، هو أكبر مبلغ تم تخصيصه – في الحكومات السابقة - لترقية التمثيل العربي، وقد وضع مرقص باشا حنا – وزير الأشغال العمومية – بعض القواعد التي ستطبق من أجل إنفاق هذا المبلغ على ترقية التمثيل وتشجيع تأليف المسرحيات العربية. ومن إيجابيات وزارة الشعب – ولجنة الفنون الجميلة – على المسرح: إعطاء مسرح حديقة الأزبكية مجانا لشركة ترقية التمثيل العربي – أي فرقة أولاد عكاشة – مقابل قيامها بنفقات إصلاحه. وهذه الأمور وأكثر منها، شرحها ويصا واصف داخل مجلس النواب؛ بوصفه عضوا في المجلس، وأحد أعضاء لجنة الفنون الجميلة. ومن الموضوعات التي أثارها داخل المجلس، زيادة الاعتماد المالي المقرر لترقية التمثيل، من أجل تشجيع التأليف المسرحي.
كما أن الحركة المسرحية - في ظل وزارة الشعب ولجنة الفنون الجميلة – سعت إلى إنشاء نقابة للممثلين، تدافع عن مصالحهم، وتسعى في تحسين حالهم. وكذلك التفكير الجدي في إنشاء مدرسة للتمثيل. كما قررت لجنة الفنون – في أكتوبر – برئاسة ويصا واصف تشكيل «لجنة فرعية للنظر في طلبات المتقدمين للالتحاق بالبعثة، التي تقرر إرسالها إلى أوروبا للتخصص في الموسيقى والتمثيل والتصوير والرسم على أنواعه»، كما قالت جريدة الوطن في أكتوبر 1924. كما منحت الوزارة دار الأوبرا لفرقة جورج أبيض مع إعانة مالية لمدة ثلاثة أشهر لعرض مسرحياتها العربية، أسوة بالفرق الأوروبية؛ كما أخبرتنا بذلك مجلة التياترو في نوفمير 1924.
وفي 5/ 11/ 1924، نشرت جريدة النظام بيانا رسميا، تحت عنوان بعثات الفنون الجميلة، قالت فيه: «تعلن وزارة المعارف العمومية عن رغبتها في إرسال بعثة إلى أوروبا هذا العام، للتخصص في فنون العمارة والتصوير والنحت والتمثيل والموسيقى. فعلى كل من يرغب في الالتحاق بهذه البعثة، أن يقدم طلبا إلى حضرة سكرتير لجنة الفنون الجميلة بوزارة المعارف مباشرة، إذا لم يكن الطالب موظفا في الحكومة. وبواسطة رئيس المصلحة التابع لها إذا كان موظفا. ويجب في الحالتين أن يقدم الطلب في مدة لا تتجاوز يوم الاثنين 17 من نوفمبر سنة 1924. وعند ورود الطلب ترسل لمقدمه الاستمارة الخاصة، ليكتب فيها ما يلزم من البيانات، ثم يعيدها لحضرة سكرتير اللجنة. وستفحص جميع هذه الطلبات مع الطلبات، التي قدمت إلى اللجنة من قبل».
كل هذا حدث للمسرح المصري، نتيجة ثورة 1919، وفي ظل وزارة سعد باشا زغلول، التي لم تُكمل عامها الأول!! والجدير بالذكر إن المسرح المصري ظل مرتبطا بثورة 1919 وبرموزه، لا سيما سعد باشا زغلول حتى بعد وفاته!! فعلى سبيل المثال قام يوسف وهبي برفع ستار المسرح خمس دقائق حدادا على سعد باشا في سبتمبر 1927، وخصص 10% من ربح عروضه في بور سعيد لصالح إحدى الجمعيات الخيرية صدقة على روح سعد باشا. وبديعة مصابني أغلقت صالتها، ولم تفتحها إلا بعد أربعين يوما من وفاة سعد باشا. ومنيرة المهدية، كانت تبدأ حفلاتها الغنائية بنشيد رثاء لسعد زغلول، وفعل الأمر نفسه علي الكسار، عندما أنشدت فرقته – قبل التمثيل – رثاء لسعد زغلول من تأليف بديع خيري، وتلحين زكريا أحمد.
خلافا لذلك، توالت مجموعة من المقترحات، منها: قيام كل فرقة بزيادة قرش واحد على ثمن كل تذكرة، لتجميع أكبر قدر من المال وتسليمه إلى لجنة تخليد ذكرى سعد باشا. وهناك مقترح آخر بضرورة قيام المؤلفين المسرحيين بكتابة مسرحيات حول تاريخ سعد باشا، تخليدا له؛ مثلما تم تخليد محمد علي باشا، وإبراهيم باشا في النصوص المسرحية المؤلفة حولهما. وظلت المسارح مرتبطة بسعد وذكراه سنوات طويلة، حيث نشرت جريدة أبو الهول في 2/ 9/ 1933، كلمة تحت عنوان ذكرى سعد في مسرح رمسيس، قالت فيها:
«كان جميلا من مسرح رمسيس أن يشترك في تمجيد ذكرى الفقيد الخالد المغفور له سعد زغلول، فقد أعلن الأستاذ حسن البارودي في مساء يوم الذكرى، أن الفرقة ستوقف التمثيل في الموعد المحدد للذكرى والترحم. فقوبل إعلانه بتصفيق شديد وهتاف عالٍ. وفي الموعد، أطفئ النور في المسرح، ووقف الممثلون عن متابعة التمثيل. وكانت الستار حينئذ مرتفعة عن الفصل الثاني من رواية بنات الذوات. فوقف الجمهور في خشوع وجلال، حتى انتهت الدقيقتان، وتابع الممثلون التمثيل. وهذا شعور جميل، دل على حُسن تقدير الأستاذ يوسف وهبي مدير الفرقة، لزعيم كان له فوق ما له من الفضل العام على الأمة، فضل خاص على التمثيل والممثلين. فوزارته الأولى، هي التي قررت مبدأ معاونة الحكومة لهذا الفن».


سيد علي إسماعيل