عاصم نجاتي: «يعيش أهل بلدي» دعوة للتفكير في أمور الحكم

عاصم نجاتي: «يعيش أهل بلدي» دعوة للتفكير في أمور الحكم

العدد 614 صدر بتاريخ 3يونيو2019

على خشبة المسرح القومي يقدم المخرج د. عاصم نجاتي مسرحية (يعيش أهل بلدي)، التي أثارت شيئا من الجدل لجرأة الفكرة، والنص هو الفائز بجائزة معرض الكتاب لهذا العام للمؤلف محمد البغدادي. وقد تميز المخرج عاصم نجاتي في تناوله للعروض المسرحية بعمق الطرح وقوة الفكر والجدل مع المجتمع، بالإضافة لتمكنه من أدواته المكونة لعناصر العرض، وأصبح له أسلوب مميز وضع قدمه بين الصفوف الأولى لمخرجي جيل التسعينات وبداية الألفية وحتى الآن، هذا الجيل الذي شق طريقه بين مختلف الصعاب، كي يسهم في الارتقاء بالفن المسرحي وتوصيل رسالته إلى المتلقي.
د. عاصم نجاتي، أستاذ مساعد بقسم التمثيل والإخراج بأكاديمية الفنون، إضافة لكونه أستاذا زائرا لقسم المسرح بجامعة ولاية أوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية، وأستاذا زائرا بأكاديمية شنغهاي للمسرح بالصين، وبقسم المسرح بالجامعة اللبنانية. أخرج ما يقرب من 60 مسرحية ومن أهم أعماله: الخرتيت، جناح ونصف سيف، وتحيا مصر لمسرح الهناجر، ليلة مصرع جيفارا للمسرح القومي، بيت من لحم، وهاملت كده وكده لمسرح الشباب، الحب كده للمسرح الكوميدي، السلطان الحائر للمسرح الحديث، نازلين المحطة الجاية لمسرح التلفزيون، قهروني وباين في عنيهم، وونوسيات وإيزابيلا والمحتال وبؤساء نوتردام وأميرة في حي الغجر لفرقة أكاديمية الفنون، وباب زويلة والظاهر بيبرس لهيئة قصور الثقافة.
 - كيف تم اختيارك لهذا النص؟
هذا النص كتبه الأستاذ محمد البغدادي والنص موجود معي منذ سنتين، فمنذ سنوات كنت أتمنى أن أعمل مع الأستاذ بغدادي، حيث نتعامل معا منذ فترة عندما كان يشغل المستشار الإعلامي لوزير الثقافة، وكنت أشغل أنا منصب رئيس المركز القومي للمسرح، وهو كتب الكثير من الأعمال للفنان محمد صبحي في الإعداد وكتابة الأغاني والمعالجات الدرامية، منها كارمن ولعبة الست وملك سيام، كما كتب لمحمد صبحي مسلسل فارس بلا جواد، فأنا أرى أنه مؤلف قوي جدا، لذا طلبت منه أن يطلعني على نصوصه المسرحية، فعرض علي أكثر من نص، وهذا النص هو الذي انفعلت به وقررت تقديمه.

 - ما القضية التي جذبتك نحو هذا النص بالتحديد؟
(يعيش أهل بلدي) هو النص الفائز بجائزة أفضل نص مسرحي في اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في الدورة الخمسين 2018. وهو يناقش قضية الانتماء من خلال حاكم يجد نفسه داخل قصر الحكم مطالبا بأن يقيم دولة حديثة لأن الشعب كان يشكو من الحاكم السابق، فيطلب هذا الحاكم الجديد من مدير المراسم أن ينظم له مقابلات مع مجموعات من القيادات السياسية لرغبته في إنشاء مجلس وطني لإدارة شؤون البلاد حتى يحكم الشعب نفسه بنفسه. على أساس أن هذا المجلس لا بد أن يكون ممثلا من جميع طوائف الشعب. فيقترح عليه مدير المراسم الاستعانة بوجوه جديدة لكنه يرفض لعدم اتساع الوقت ولتحقيق نقلة حضارية مختلفة والعمل على ممارسة الحكم بأسلوب علمي جديد. ويقرر أن يقوم بفرز القيادات ليكتشف المخلصين الذين يصلحون لقيادة الوطن في تلك المرحلة. فيقابل ست مجموعات كل منها لها اسم ورمز معين حتى نكتشف مع تصاعد الأحداث أنهم جميعا أوجه لعملة واحدة. وأنهم أصحاب مصالح ونفوذ، فمنهم رجال أعمال بالنيات وزواج لرأس المال بالسلطة والمنتفعين، والإخوان الذين يرفعون شعار (يانحكمكم يانفرمكم). وفي النهاية يقابل الحاكم المثقفين والعلماء الحقيقيين، الذين كان بعضهم في بعثات للخارج وبعضهم يعيش في الظل في الداخل دون أن يحصلوا على فرصتهم، فيقرر الاستعانة بهم بعد أن يتأكد من انتمائهم وإخلاصهم الحقيقي للبلد.

 - هل تلك دعوة للتفكير أم للتوجيه؟
هذا العرض ينتمي إلى مسرح الكباريه السياسي، فالمسرح السياسي هو مسرح مواجهة، ليس به خطوط المسرح الدرامي التقليدي من بداية ووسط ونهاية وذروة وأزمة وحل، لكنه مسرح يطرح المشكلات ويبحث عن حل، فأحيانا يطرح الحل وأحيانا يترك المتفرج يفكر هو في الحل. فهذه المسرحية هي كوميدية وتنتمي إلى مسرح الكباريه السياسي، وهو عرض غنائي استعراضي، وقد صمم الألحان الملحن القدير علي سعد وكتابة الأشعار للمؤلف محمد البغدادي فهو مسرح يجذب ذهن المتفرج للتفكير. ويحاول أن يجد له حلولا وإن كان لدى المتفرج حل آخر فيطرحه بنفسه.

 - هل هذه النوعية من المسرح تجد مردودا إيجابيا من المتلقي؟
لا أنسى أبدا مسرحيات الأستاذ محمد صبحي مثل ماما أمريكا، حيث كان الجمهور ينفعل ويتفاعل مع العرض. كما في مسرحية كارمن التي تناولت موضوع الديكتاتورية. وأيضا مسرحية دستور يا أسيادنا للأستاذ جلال الشرقاوي التي تزامنت مع فترة استفتاء تغيير الدستور. ولأن الناس انشغلت بموضوع الدستور فتناول المسرح ذلك، أي أنه أخذ من قضايا المجتمع وطرح ذلك على خشبة المسرح ليلفت نظر الجمهور. كما أنني قبل سفري إلى أمريكا قدمت مسرحية السلطان الحائر لتوفيق الحكيم وناقشت قضية أيهم يحكم القوة أم القانون أم السيف؟ هذا كله لاقى استحسانا كبيرا جدا عند المتفرج لكن لم يعد المسرح الآن مثل أيام بسكاتور وبريخت الذي يدفع المتفرج ليخرج من الصالة يحاول التغيير، لدينا المتفرج الذي يفكر في مشكلاته فيضع نفسه في موضع التفكير بحثا عن حل. وقديما لدينا مسرحية عبد الرحمن الشرقاوي الحسين ثائرا وشهيدا للمخرج كرم مطاوع التي لم يوافق الأزهر على طرحها وعرضت لمدة ثلاثين ليلة عرض على أنها بروفة جنرال. وتوجد مسرحيات أخرى مثل النار والزيتون لألفريد فرج، ومسرحية حدث في سبتمبر لميخائيل رومان إخراج كرم مطاوع، وانت اللي قتلت الوحش لعلي سالم التي حاولوا منعها بعد تولي السادات الحكم، وغيرهم الكثير، فالمسرح كان توجهه اشتراكيا وبالتالي كان يحمل لواء الاشتراكية كل المثقفين من أبناء ثورة 23 يوليو وتوجد مسرحيات كثيرة في الستينات كانت ذا أثر كبير، مثل مسرحية سكة السلامة من إخراج سعد أردش، ورغم أنها مسرحية اجتماعية فإنه قيل وقتها إنها تتحدث عن الحاكم والاشتراكية والتخبط بين توجه اليسار وتوجه اليمين.

 - هل سقط شباب المبدعين في فجوة بين الشكل والمضمون؟
نحن الآن فيما بعد ثورتين، الكل يبحث عن مكانه، جيل الشباب يبحث عن وجود. توجد تجارب شبابية كثيرة، منها ما يسعى لأن يكون موجودا فقط دون مضمون أو محتوى، نحن ننتمي إلى جيل يبحث دائما عن مضمون ويكون الشكل مكملا له، لكنهم الآن يبحثون عن الشكل دون اللجوء لمضمون، هذه مشكلة كبيرة جدا في جيل الشباب. فهناك من يبحث عن الشكل الصوفي، وهناك من يبحث عن الشكل الخاص بأوجست بوال والارتجال، وآخر يبحث عن الشكل الموسيقي، بما يتضمن من تمبو وإيقاع وآلات وغيرها، لكن المهم ما هو المضمون؟ هذا قليل جدا في تجارب الشباب. فالمسرح الشرقي أو العربي بالتحديد بدأ بالكلمة، وبالتالي فأنا في جميع أعمالي أبحث عن المعادل المرئي الجيد اعتمادا على مضمون جيد.

 - أتعني أنه تم تفريغ الإبداع من المضمون الفكري؟
بريخت عندما أنشأ المسرح الملحمي كتب معارضة أو منافيستو لتجربته قائلا إنه يريد للنص أن يخاطب الذهن وليس الأحاسيس، وقد نحى المسرح الأرسطي جانبا، رافضا استغراق المتفرج في الأحاسيس، فكما نعرف أن المسرح الأرسطي هو مسرح كلمة، لكن بريخت لم يلغ الكلمة، فقدم طبول في الليل التي هي نموذج للمسرح التعبيري، ولكن هي كلمة، وكذلك مسرحية الإنسان الطيب هي مسرح ملحمي لكنها مسرح كلمة وتخاطب العقل، حتى مسرج أوجست بوال اعتمد على الكلمة. المسرح الذي لم يعتمد على الكلمة نجده عندما أقروا في أوروبا أن كل مشكلاتهم الاجتماعية قد نوقشت وحلت، فشكسبير قد كتب وكذلك برانديللو وإبسن وأونيل وغيرهم، ولم يعد هناك حاجة لتلك الموضوعات، فبدأوا في تفريغ الكلمات، وقام الآن نيكولاس ومارتا جران في أمريكا بتفريغ الكلمات وظهر تيار مسرح الرقص الحديث، وظهر التجريب والحداثة وما بعد الحداثة وهاينر مولر في ألمانيا الذي حطم كل تابوهات شكسبير وتناول هاملت بشكل معين وتناول أسطورة هيرقليس بشكل مختلف أيضا وهكذا، والتجريب لا بد أن يبدأ من الكلمة والمسرح هو كلمة.

 - لكن المسرح يتطور الآن بالحركة طبقا لمتطلبات العصر الحديث..
لقد توقفنا في التجريب عند الشكل فقط، لأننا عندما أقمنا المهرجان التجريبي في مصر ومنذ أوائل التسعينات كانت معظم العروض الأجنبية تأتي من أوروبا، ومثلا عرض في المهرجان على المسرح القومي عرض حلم ليلة صيف لفرقة إسبانية واحتوى على ستة ممثلين واعتمد على الحركة ولكن على الكلمة في الأساس، فقد اختزل العرض على الشخوص الأساسية، وأقام مسرحا داخل المسرح، فمن هنا أقول إن الشباب حينها غرهم الاهتمام في التجريب الشكلي والجسد دون الكلمة، وبعض آخر مثل شريف صبحي اعتمد في التجريب على الكلمة في أحدب نوتردام، وأنا عندما قدمت لهاينر مولر هاملت ماشين اعتمدت على الكلمة، والراحل منصور محمد في اللعبة ارتكز أيضا على الكلمة رغم العمل على الجسد، ولكن توجد مجموعة كبيرة اعتمدت على الجسد فقط دون الكلمة وتحول إلى الرقص الحديث بعدها.

 - من أين نأتي بالمضمون في ظل أزمة التأليف؟
يمكننا أن ننظر إلى يوسف إدريس عندما تحدث عن البحث عن مسرح مصري وكذلك عبد الكريم برشيد في مسرح الحلقة بأن يرتد بالأصول للمسرح الشعبي ويمتد به لبدايات الجذور فيظل منتميا للتراث ويأخذ من التراث ليطوره بشكل مختلف، وهذا تيار مهم جدا. إن الإبداع يحتاج لوعي المبدع، فلا بد أن يعي المبدع باللحظة التي يطرح فيها إبداعه، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.

 - هل نحن بحاجة إلى التقسيم النوعي للمسارح أم أن هذا ضد التطور؟
يجب أن يكون للمسارح فلسفات واستراتيجيات، بمعنى أن يكون مسرح الطليعة هو المسرح المنوط به التجريب، الشباب مسئول عن التجارب الشبابية, المسرح الكوميدي هو المسئول عن تقديم الأعمال الكوميدية البحتة للتسلية فقط، الحديث مطلوب منه أن يقدم الشباب من سن الثلاثينات والأربعينات ويعتمد عليهم في تقديم أعمال متميزة لجيلهم، المسرح القومي يقدم نصوصا تعتمد على قضية فكرية حقيقية تهم الناس في الوقت الحالي بها رصانة وكلمة وقضية حقيقية ولا مانع من وجود خفة ظل أيضا، فليس المسرح القومي للحزن والكلاسيك فقط، فالمتفرج في 2019 ليس بحاجة إلى أن يشاهد جرعة تراجيدية فخيمة فقط، فالملك لير التي تقدم الآن نجد فيها المهرج يقدم بسمة خفيفة الظل. وهذا التقسيم النوعي سيكون له أثر كبير جدا. ونحن مطالبون مثلما كان في السابق بأن يكون لكل مسرح ميزانية وخطة سنوية جاهزة ومعدة مسبقة ومعروفة، وليس بها عشوائية تقديم الأعمال أو المفاجأة، فإذا كانت الخطة السنوية تبدأ في شهر يوليو مثلا من 2019، إذن يجب أن يكون لدينا علم وتخطيط بما سيقدم حتى يوليو2020، وفي كل مسرح من المسارح سواء القومي أو الحديث أو غيرهما، وكل مسرح تكون له ميزانية مستقلة، فإذا كان القومي مطالبا بعروض ذات إنتاج ضخم، فيتم مناقشة التفاصيل ويتكاتف النجوم بتقليل أجورهم، فالكل لا بد أن يتكاتف من أجل تحقيق نهضة مسرحية حقيقية. وبالنسبة للنصوص المطروحة لا بد أن يكون بكل مسرح لجنة خاصة للقراءة ويحاسب المسرح بلجانه المتخصصة بعد سنة عما قدمه طوال العام ومدى جودة الأعمال.

 - كيف يتحقق ذلك التخطيط المسبق في ظل الصعوبات الإنتاجية؟
كل هذا يتطلب شيئين مهمين، أولاهما أن يوجد جهاز للتسويق على مستوى عالٍ جدا، والشيء الثاني المركزية في الإنتاج، بمعنى أننا نواجه أزمة ربط كل الإنتاج بالدفع الإلكتروني، ولأن العروض لا يمكن أن تنتظر لتوفير الخامات المواعيد المحددة للدفع الإلكتروني وإلا سيتأخر الإنتاج، وعليه يمكن شراء كميات كبيرة من الخامات من خلال لجنة متخصصة من مهندسي الديكور لتوفير تلك الكميات من الأبواب المالية المتاحة لتخزينها في مخازن كبيرة خاصة بهيئة المسرح، بحيث يتاح أثناء إنتاج العرض أن يحصل المخرج على ما يريد من خامات مباشرة من المخازن فكل المخرجين يحتاجون إلى نفس الخامات من أخشاب وأقمشة وغيره، لكن باختلاف الاستخدام لكن الخامات تقريبا موحدة، وذلك دون انتظار الدفع الإلكتروني، فهذا سيرفع عن كاهل المديرين والمخرجين ومهندسي الديكور مسألة انتظار الشراء لتتم العملية المسرحية بسهولة ويسر وسرعة.

 - هل تلك مسئولية المبدعين أم جهات الإنتاج؟
المسرح المصري هو ملك لكل الفنانين المصريين، مخرجين وممثلين ومنتجين ومصممين وموسيقيين وشعراء، وعلى الجميع أن يتكاتف ويتجمع من أجل تحقيق نهضة للمسرح المصري، وأنا أثق تماما أن الجميع يريدها، أيا كان الجيل الذي ينتمي إليه، فهمنا الشاغل هو الإنتاج، والمسئولون عن الإنتاج وهم مديرو المسارح ورئيس البيت الفني للمسرح، فالجميع لا بد أن يكون همه كيف يتم تجهيز الموسم سواء الصيفي أو الشتوي أو تجهيز خطة تجول مسرح المواجهة بالمحافظات، وماذا يقدم كل مسرح، فهي منظومة متكاملة كلنا مسئولون عنها وليس فردا واحدا أو فئة واحدة منا.  
 - هل تطور المناهج التدريبية للممثل أفرز مواهب متميزة مثل قامات وعمالقة التمثيل قديما؟
إن ما نشاهده الآن هو إفراز مجتمع، فالممثلون في الستينات لهم طعم مختلف عن ممثلي السبعينات وعن الثمانيات وعن التسعينات، وبعد ذلك الكل متشابه. من وجهة نظري، إنها مسألة اجتماعية، منذ التسعينات بدأت الأفلام تقدم زملاءنا الذين أصبحوا نجوم الشاشة وكنا نراهم في المعهد، مواهبهم عالية جدا، وقد اكتشفوا أن ما يجذب الجمهور هو شكل معين من الفن وهو ما يحقق لهم الدخل، كما أن هناك أزمة حاليا تكمن في ورش الممثلين، من يقدم تلك الورش ومن يقود الممثلين فيها؟ وهذا ما انتبهت إليه النقابة مؤخرا ولكن ليس بيدها منع أي شخص من الإبداع طبقا للقانون والدستور، النقابة تحمي المهنة فقط. المسألة تعتمد على الشخصية المكتوبة، فمثلا المؤلف الذي كتب فيلم الهروب وشخصية أحمد زكي فيه والمؤلف الذي كتب سكة السلامة وشخصية السائق، والدخان وشخصية حمدي، كلها شخصيات مختلفة. فما الذي يجعل الممثلين متشابهين؟ المخرج هو من يفعل ذلك. فقيادة المخرج هي التي تصنع الاختلاف أو التشابه بين ممثل وآخر في أسلوب أدائه، وفهم الممثل للشخصية وهذا هو ما ندرسه الآن، هذا الذي يصنع الاختلاف بين طالب معهد الفنون المسرحية عن الطالب في معهد أو كلية أخرى، فمثلا تجد الآن أحمد السقا يختلف تماما عن محمد رياض حتى لو أدوا نفس الشخصية فتناول السقا يختلف عن تناول رياض وكذلك طارق لطفي أو هاني رمزي أو محمد رضوان أو أحمد الشريف أو إيهاب فهمي أو محسن منصور أو ماجد الكدواني أو شريف عواد وهكذا، فكل هؤلاء جيل واحد لكن كل منهم يعي جيدا كيف يؤدي الشخصية بحيث تختلف عن الأخرى، لكن ما نشاهده الآن هم أناس إما خريجو ورش أو تم تدريبهم على بعض تدريبات ارتجال ولم ينمِ أحد مواهبهم. سمعت مؤخرا لفظا غريبا ينتشر هذه الأيام وهو (يكريت) من كرييشن أي يخلق أي تخليق الشخصية، وهو ما فوجئت به من طلبتي في المعهد، مثلما يحدث في مسرح مصر مع احترامي لأشرف عبد الباقي حيث يتم وضع المسرحية بطريقة ما: ما هي الفكرة؟ مثلا رجل عائد من الخارج يريدون النصب عليه وأخذ أمواله، فيتم توزيع أدوار بطريقة مثلا أنت تقوم بدور النصاب وأنت تقوم بدور أخيه في الشقة وأنتِ تقومين بدور أخته التي تريد الزواج، وهكذا. أين النص إذن؟ لا يوجد نص، فماذا يفعلون؟ عليهم الارتجال. لكنه لا يقول ارتجلوا بل يقول (كريتوا)، والمصطلح ليس خاطئا بل الفكرة نفسها وهي تقديم عرض مسرحي بدون نص ومضمون وموضوع ذي عمق فكري من البداية، مما يؤثر بالسلب على كل عناصر العمل وأولها الممثل الذي يبدو سطحيا في أدائه للشخصية مهما كانت موهبته.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏