أورجا أوتيل الزمن المقلوب

أورجا أوتيل  الزمن المقلوب

العدد 613 صدر بتاريخ 27مايو2019

قدمت الهيئة العامة لقصور الثقافة (قصر ثقافة الجيزة) تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة، العرض المسرحي “أورجا أوتيل” دراماتورج (محمد رامي) عن نص “الاستثناء والقاعدة” لبرتولد بريخت. وقبل أي حديث عن العرض المسرحي، أطرح بعض الأسئلة: هل استمتع المتلقي بالعرض؟ هل حقق العرض الهدف المطلوب؟ هل هذه التجربة أحدثت علاقة جدلية مع المتلقي؟ سأجيب عليها بعد تحليل العرض.
تدور أحداث العرض المسرحي حول تاجر استأجر دليلا يرشده إلى الطريق لمدينة أورجا عبر الصحراء في أسرع وقت، حتى يحصل على امتياز البترول قبل أي تاجر آخر، وأجيرا يحمل متاعه في السفر، وكعادة صاحب المال يريد أن يكون الانتماء والولاء له فقط من العاملين لديه، وأن يكون حبهم للمال أكثر من حبهم لبعضهم، فيحاول بث الفرقة بينهم وأن يبطش كل منهم بالآخر دون أن يقوم هو بأي فعل ضدهم، يحرض التاجر الدليل على الأجير ولكنه يجد شفقة من الدليل على الأجير، تنتاب التاجر هواجس بأنهما يتفقان معا على البطش به، ولذلك يقرر الاستغناء عن خدمات الدليل ويكتفي بوجود الأجير معه لاستكمال الرحلة، وذلك بعد أن شرح الدليل للأجير الطريق لمدينة أورجا. أثناء الرحلة نجد أن الأجير كلما شعر بالتعب يتخيل زوجته وهو يتحدث معها وحبها له وإخلاصها وخوفها عليه. يعتبر التاجر أن الأجير شخص غير طبيعي. وفي حالة هياج للتاجر على الأجير يقتله بمسدسه. بعد وصول التاجر لمدينة أورجا وحصوله على امتياز البترول يشيد فندقا ويطلق عليه اسم أورجا أوتيل. نتعرف من خلال الأحداث أن مدير الفندق كان القاضي الذي حكم لصالح التاجر في القضية التي رفعتها زوجة الأجير ضد التاجر في المحكمة الدولية مطالبة بالقصاص لقتله زوجها، ويشهد بذلك الدليل. وبسلطة القاضي طلب من الدليل أن يسحب شهادته أو يتعرض للسجن، أن تأخذ الزوجة مبلغا من المال، فهي في حاجة إليه، فلم تستفد شيئا من حبس التاجر. تدور الدائرة على القاضي فنشاهده يقف في المكان الذي مات فيه الأجير ووقفت فيه الزوجة والدليل في يديهما الأغلال الحديدية باعتبارهما متهمين، وليست صاحبة قضية وشاهد، بينما يجلس التاجر بجوار القاضي، وليس في قفص المتهم أثناء نظر القضية في مشهد عبثي.
ونلاحظ أن العرض يرسل بعض الرسائل للمتلقي بأن التاجر امتداد لأبيه، والرأسمالية ليست وليدة اليوم بل هي موروث من الأسلاف.
وللحصول على المكاسب المادية من الجائز أن تتعرض للمخاطر مثل تعرض الأجير لكسب قوته وعمل الدليل في الصحراء، ولكنه لا يبيع نفسه من أجل المال، ومغامرة التاجر وسيره في طريق لا يعرفه لحبه للمزيد من المال، وبيع القاضي مبادئ مهنته من أجل المال، فلعنة المال تصيب الإنسان.
ورسالة لقضاة العالم الأول، أن تصحوا ضمائركم وأن تحكموا بالعدل، فصاحب المال يضحي بكل شيء في سبيل امتلاكه للمزيد من المال، وعندما يبيع القاضي ضميره ويحكم لصاحب المال، فسيأتي عليه اليوم ويغدر بك صاحب المال، وتصبح ضحية مثل أصحاب القضايا التي لم تحكم فيها بالعدل.
وعندما نحلل العرض نجد أن المخرج (محمد طارق) استعان بخشبة المسرح وحولها إلى غرفة يعرض فيها عرضه المسرحي ووظف الديكور والأزياء (محمود عادل) لخدمة العرض المسرحي، فالديكور عبارة عن ستائر سوداء من ثلاثة جوانب يغطي الخيش ثلثها الأسفل، ومن أعلى تلصق بعض المستطيلات من الخيش يفصل بينها اللون الأسود للدلالة على الصحراء، واعتبر الحائط الرابع للغرفة به كونتر وضع عليه زجاجة خمر وكأسان وأمامه بوفان من خشب للدلالة على بار الفندق، وعندما ينتقل البوفان إلى الجهة المقابلة للكونتر يصبح المكان محكمة، ونجد في هذا الجانب دفة سفينة، ويعلق في الجانب المقابل على الحائط هلب سفينة مبطن بالخيش، ويمثل المنظر فندق أورجا أوتيل. أما الأزياء فعبرت عن كل شخصية، فنجد التاجر يرتدي قبعة وبالطو وتحته فيست وبنطلون وقميص دلالة على الثراء، وحيث إن الأجير فقير يرتدي قميصا وبنطلونا متسخان باليان وزوجتة ترتدي الأسود وهو رمز لبس تلقي العزاء، أما الدليل ومدير الفندق فيرتديان ملابس متشابهة وعلى رأس كل منهما “كاسكيت” في إشارة للطبقة الوسطى المتعلمة، يخلع مدير الفندق “الكاسكيت” ويرتدي جاكتا نعلم من الفلاش باك أنه كان قاضيا. والإعداد الموسيقي (محمد عبد الله) معد عن موسيقى غربية. استخدم المخرج (محمد طارق) التكنيك السينمائي فنفذ الفلاش باك باستخدام حركة الممثلين والإضاءة، فكانت إضاءة (عز حلمي) عبارة عن بؤر ومستطيلات ضوئية وأحيانا إنارة كاملة باستخدام اللون الأبيض أو الأزرق، وأحيانا الروز، للتعبير عن الوقت والمكان، فشعر المتلقي بالمغامرة في الصحراء وحالة التوهان، وكذلك الإحساس بوجود نهر حتى يصل التاجر إلى أورجا قبل كل القوافل ليحصل على امتياز البترول، كما أن مشهد المحكمة كان رسالة واضحة على الزمن المقلوب لجلوس المدعي عليه (التاجر) بجوار القاضي ووجود الأساور الحديدية في يد الزوجة (المدعية بالحق) والدليل (الشاهد)، كذلك وجود دفة السفينة تدل على عدم الاستقرار، فمهما جمع التاجر من أموال فهو غير آمن وغير مستقر، فالسفينة في الماء تدفعها الأمواج وتظل تتأرجح.
أجاد الممثلون كل في دوره وتنفيذ تعليمات المخرج، واستطاعوا أن يطاولوا المحترفين: التاجر (محمود البيطار)، الأجير (محمد سعيد)، القاضي (أحمد أشرف)، الدليل (عبد الرحمن عزت)، الزوجة (نادية حسن).
دمج المخرج الكثير من المدارس المسرحية كالرومانسية والتعبيرية والرمزية والعبثية، وتماس مع المسرح الملحمي، فكان له طريقته وأسلوبه في التعامل مع النص المعد عن نص “الاستثناء والقاعدة” لبرخت.
وفي نهاية المطاف تكون إجابة الأسئلة التي طرحتها في المقدمة هي كلمة “نعم”. تحية للمخرج الواعد محمد طارق وكل فريق العمل.


جمال الفيشاوي