«الجدر» والإمكانات المهدرة

«الجدر» والإمكانات المهدرة

العدد 593 صدر بتاريخ 7يناير2019

ضمن إطار فعاليات الملتقى المسرحي الثاث والعشرين لطلاب جامعة طنطا قدمت كلية الحقوق عرضا باسم (الجدر) من تأليف وإخراج بسام إيهاب، والحقيقة أن هذا العرض يشير للمشكلات الكثيرة التي يعاني منها الكثير من شبابنا الواعد في كل المجالات، والتي للأسف يوجد الكثير منها بداخلهم أنفسهم، ربما لعدم الخروج من أسر المراهقة بتداعياتها الفكرية والسياسية، ومن ثم محاولة التمرد على كل شيء، حتى وإن كان هذا التمرد يؤدي للاشيء.
وقبل أن نستطرد في شرح هذا الأمر، يجب علينا أن نذكر أن بسام إيهاب فعلا يملك الموهبة في المجالين؛ أي في التأليف والإخراج، كما أنه يملك الشخصية التي تساعده في التحكم أو القيادة لفريق قد يوجد به من هو أكبر منه سنا وأكثر خبرة في المجال الفني، ولكن فاته أنه على المخرج أن يكون متواكبا مع الخبرات الحياتية، وألا يسمح أن يدفعه الآخر لتحقيق نتيجة معاكسة لطموحه، تحت دعوى مساعدته في حالة التمرد، وإلا كان من الأولى أن يستبقوا الفضل لأنفسهم.
واضح أن بسام يملك كما قلت الموهبة والقدرة، كما أن لديه بعض الخبرات في مجال المسرح، وفوق كل هذا يملك روح المغامرة والنظرة غير المقتصرة على النظر فقط لموضع قدمه وإنما يحاول أن يتعداها للأفق.
نص العرض، ومن خلال الرفض لكل شيء افترض، اثنان يقومان بعملية صيد خيالية أو حقيقية، لا يهم، ويخرجان أداة للتحكم من بعد (ريموت كونترول) فيقرران استخدامه ليشاهدا أو يستعيدا بعضا من أحداث مرت، أو أحداث آنية بأمكنة أخرى ولكن تؤثر عليهما، علاوة على شرح لبعض الأحداث التي يمران بها من وجهة نظر المخرج والمؤلف. وأتفق معه تماما على الأسلوب الخيالي أو السير وراء نسج بعض من حكايات يكون فيها العظة والعبرة كما كان يفعل الأقدمون؛ أي أنه لا يقدم لا الواقع ولا الماضي كما هو ولكن من خلال رؤيته هو للشيء، وفعله بشكل تجاورت فيه الفنتازيا مع المحاكاة التهكمية مع الهزلية الصاخبة، مع قليل من السريالية في التعامل مع بعض الأحداث، ولكن للحقيقة استطاع في الكثير من الأحيان أن يجعلنا نشاهد وحدة واحدة؛ أي أنه خلق نسيجه الخاص المتماسك في الكثير من الأحيان، وهذه التقسيمات التي ذكرناها لن تتداعى لك من جراء المشاهدة، وإنما من الاسترجاع أو التحليل.
وإذا كان ما قلناه هو ما شاهدناه على خشبة المسرح، ولكن في الصالة وأمام المسرح، استخدم بعضا من سمات مسرح القسوة والتعبيرية في محاولة للوصول للفعل التحريضي؛ أي دفعنا لمحاولة الثورة أو الرغبة في تغيير ما يحدث.
وكل هذا لم يحدث اعتباطا أو صدفة، فكما أشرنا هو يملك بعضا من اطلاعات جيدة، فبطلا المحورين اللذان يسيران الأحداث هما (بريختي 1 وبريختي 2)، وفي هذا الكثير من الدالات للمتخصصين بمجال المسرح وهذا جيد، ولكن سؤال عرضي ما جدوى هذا الدال لمن لا يعرف بريخت؟ أي الجمهور العادي المكون من طلبة كلية الحقوق، وأيضا عندما أذكر لك بعضا من شخصياته كالسيد(س) والزعيم والأرملة السوداء.. إلخ، ستجد أنه اعتمد على الوظيفة أو الفعل المتحكم أو على المفعول به من خلال وظيفة المتسلط أو المخادع، مع وجود السيد(س) دائما محاولا أن يشرح الأمر ومحاولا استنهاض رغبتنا في تغييره.
إذن، أؤكد أننا في المسرح عامة لا ننظر للقضية المطروحة ولكن ننظر لكيفية طرحها سواء اتفقنا أو اختلفنا، أجد نفسي حائرا أمام أن الكثير من القضايا المطروحة تجد تجاوبا كبيرا منا أو على المستوى الجمعي. إذن، ما الذي دفع المخرج والمؤلف لتوهم أننا سنأخذ موقفا من القضايا المثارة؟! ليكون رد فعله ليس محاولة الاستكشاف للموقف، وإنما هدم المعبد على رأسه ورأس من شارك بالعرض فقط دون سواهم!
فالحقيقة أن الرغبة التي تمتلك الشباب في محاولة البوح بكل ما يخطر على بالهم أو ما يعن لهم كانت واضحة في نص العرض، كما أن بعض المجاملات لمنح بعض الأصدقاء أو أبطال الفرقة القدامى أو المحدثين، مساحة أكبر من المفروض، كانت واضحة أيضا، وفي اعتقادي أن لو كان المخرج قد تناقش مع المؤلف في داخله لحذف الكثير من الكلمات والمواقف التي لم يكن لها داع، وإنما قالت ما قيل بشكل أكثر فجاجة، بل وساعدت في بعض الأحيان على الفصل بين الأشكال والمدارس المستخدمة، وبالتالي أفقدت نص العرض وحدته، وهو لو كان قام بالمطلوب فنيا أولا وأخيرا، لربما كان قد اندرج بالمطلوب لائحيا من حيث مدة العرض الزمنية، ولم تكن هناك اعتراضات على مشاركته في التقييم.
كما أنه استعان بأفراد ثلاثة من الفرق المنافسة هم فرق مسرح كلية الهندسة والزراعة والآداب! فهل كان لا بد من وجودهم؟ أم أنه أمر أشبع غرور المخرج بأن عناصر تلك الفرق تحت إمرته هو بالإضافة لفرقته؟
مع التذكير بأنهم تم استخدامهم على أرض صالة المسرح لا على خشبته، ورسمت على وجوههم الأقنعة، ولم ينبسوا بحرف، وإنما الأمر كان تصوير رد فعل الحدث سواء من الجوع أو القهر أو البدائية.. إلخ، لوجدت أنه كان من الأجدى له فنيا ووظيفيا الاستعانة بعناصر من كليته هو؛ حيث إن هذا الأمر لا يتطلب جهدا كثيرا، مع التذكير بحقيقة أن هذا التأثير لم يكن يستدعي هذا الكم من الأفراد، واقتصارهم على ثلاثة أو أربعة لكان أجدى، من حيث القدرة على توظيفهم ووضعهم في بؤرة الرؤية، تفسيرا أو تمهيدا لحدث ما، وهنا يكون السؤال هل أفراد تلك الفرق المساعدة فعلا اقتنعوا ببسام وحاولوا أن يساعدوه في تحقيق رؤيته؟ أم أن الأمر كان تأكيدا على الخروج من حلبتهم مع توجيه الشكر لهم؟ حيث إن المفترض البديهي واللائحي اقتصار الأمر على طلاب الكلية مع الاستعانة بعنصر أو اثنين من الخارج لا ثلاثة من الفرق بكل عتادها وعددها!
في النهاية، وبكل صدق، بسام إيهاب هو فنان واعد وننتظر منه الكثير، عليه فقط أن يطرد طواحين الهواء من مخيلته ويواجه العدو الحقيقي، وعليه أن يعرف أن كل ما يود البوح به من الممكن أن يقدم في أعمال متعددة، بحيث يركز على مقولة أو اثنتين في العمل الواحد ولا يجعل الأمر مثل النصوص التي كانت بمثابة (كشاكيل) مشكلات دون تعمق أو معالجة، كما أنه كمخرج يحمل البذور الواجبة في التصوير والتفعيل والإقناع ومن ثم التفسير، وعليه فقط أن تهيئة المناخ لإزهارها.
وإن كان ما قلناه عن أن أفراد الفريق من كليته هي المرة الأولى لهم على خشبة المسرح، فيجب أن نحييه على الرائعين أسامة عبد الرحمن ومدحت حسين اللذين قاما بدور (بريختي) فهما يمتلكان الكثير من الإمكانات والطاقة والموهبة والحضور، واستخوذا بشكل جيد على انتباه الجميع، والرائعة إنجي أشرف التي قامت بدور السيد (س) فهي قامت بكل شيء تقريبا من فنون الأداء بشكل متعمق وواع وموهوب ولائق.
وأخير، فإن بسام وأسامة ومدحت وإنجي سيكون لهم شأنهم لو استمر الممثلون على تلك الجودة، ولو ساعد المؤلف نفسه في التركيز على الفن لا البوح والمشاجرة، ثم يأت دور المخرج منفصلا لينقح ما قام به المؤلف طبقا للوضع والاحتياجات والمأمول.
 

 


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏