فن بذر الأسود كلمة افتتاح مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، 1 إبريل 2019

فن بذر الأسود كلمة افتتاح مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، 1 إبريل 2019

العدد 611 صدر بتاريخ 13مايو2019

الأصدقاء الأعزاء المجتمعون اليوم للإحتفال بحرفتنا، لقد كان صنع المسرح قراركم الشخصي، وكل منكم مسئول عن اختياره أو اختيارها، وعليكم أن تكونوا متسقين مع أنفسكم وتتساءلوا: لماذا أصنع مسرحا؟ ولمن؟ تمتد تلك الأسئلة حثيثا بيت التقنية وأخلاقيات حرفة المسرح. ولهذه الأسئلة صلة عميقة أيضا بالتاريخ الذي تشكلون جزءا منه. يتكون زمننا من عدة تيارات تجري في اتجاهات متعاكسة، على مستويات مختلفة وبإيقاعات متباينة. يمكنكم أن تبحروا في تيار واحد فحسب، ذلك التيار الذي قد يكون مستترا أحيانا، والذي تكتشفونه عبر رفض التيارات الأخرى.
 لا يملك المسرح معنى أو قيمة في ذاته، إنكم أنتم من يقرر المعنى الذي تمنحونه إياه من خلال أفعالكم. إن العرض المسرحي هو “طقس خاو”، إنه لا يملك معنى، إلا أن السياق التاريخي، وقبل كل شيء العناية والدقة اللتان نوليهما أثناء انخراطنا في صناعة العرض، هم ما يوحي للمتفرج بمعنى.
 فجوة بين الولاء الذي يتطلبه المسرح منكم كي تتقنوا صنعه، وبين القيمة التي يمثلها ذلك المسرح في المجتمع الذي يحطيكم. ينتج عملكم نتائج زائلة بوصفه مخصصا للتسلية أو -على أقصى تقدير- على إعتبار أن الفن لا يعيش. لكن عليكم أن تنجزوا عملكم كما لو كان مسألة حياة أو موت، كما لو كان عملية جراحية. لطالما تحدثت عن المسرح بوصفه جزيرة عائمة، بوصفه جزيرة حرية، كقلعة مليئة بالأوكسيجين، كمركب تجدف ضد التيار ومع ذلك تظل في موقعها كما لو كانت ضفة ثالثة للنهر. إن المسرح مثل البيت الذي له بابان، واحد يدخلك إلى تراثك والآخر يهربك منه. إن المسرح سفينة من الحجر يمكنها أن تأخذك في رحلة عبر مصيرك الفردي وعبر تاريخ الأجيال. إنه مقايضة، تبادل، مخلفات، إستغاثة، تدمير، هجرة.
هذه تشبيهات تقترح أن حرفة المسرح تتحقق فقط عندما تتجاوز نفسها، بحثا عن قيمتها من خالل سعيها لتحرير نفسها من وظائفها كعرض مسرحي بحت. إنني أتحدث عن مسرح يصبح “لا اجتماعيا” لأنه ينفي النظام الاجتماعي للظلم واللامبالاة. إن المسرح سياسة بوسائل فنية. السياسة والمسرح هما توق للتغيير وللجمال. الحرية جمال. العدالة جمال. التعاطف جمال. المسرح هو وسيلة للرفض، هو إرثنا لنفسنا، وهو الملجأ لمفاداة أن تلتهمنا تعصبات روح زمننا.
من ينبغي أن يكون نموذجنا؟
الفلاح الذي قرر أن يبذر حقله بأسود بدلا من الحبوب.
“ما فائدة زراعة الأسود؟” سأله جيرانه.
“في وقت الحصاد ستفهمون” أجابهم الفلاح. جاء الربيع إلا أنه لم تنمو أية أسود في الحقل، فقط الفراشات غطت التربة كبساط حي. ضحك الجيران: “لم يحصل على أية حبوب، فقط فراشات لا يمكنها أن تؤكل”. إلا أن الفلاح لم يحبط. في العام التالي بذر أسودا مرة أخرى، ومرة أخرى حصد فراشات. مرة أخرى ضحك الجميع. مع مرور السنوات لم يعد موضوعا للمرح. بدا طبيعيا أن هناك واحدا سيبذر أسودا ويحصد فراشات بينما القرية كلها تزرع محاصيل مفيدة و قابلة للأكل. عندما توفي الفلاح، ورث ابنه الحقل، وبذر هو أيضا أسودا. بدأ الجيران يضحكون مجددا: “من يظن نفسه!” وتحول الضحك إلى تهكم عندما أصبح الحصاد فراشات.
عندها فهم الابن أن الوقت قد حان للتوقف. وبدأ في زراعة الحبوب.
نظر إليه جيرانه بسخرية. هزوا رؤوسهم بينما نطقوا بحكمهم: “أباه، كان رجلا! لقد كان يبذر أسودا”.
المسرح هو فن بذر الأسود وحصد الفراشات.

 

 


نورا أمين