أحمد أبو النصر أحد مؤسسي مدرسة «پِرفورم» لفنون الأداء: الدعم المادي أهم التحديات التي تواجه المدرسة

أحمد أبو النصر أحد مؤسسي مدرسة «پِرفورم» لفنون الأداء: الدعم المادي أهم التحديات التي تواجه المدرسة

العدد 609 صدر بتاريخ 29أبريل2019

أحمد أبو النصر أحد مؤسسي ومدربي مدرسة پِرفورم لفنون الأداء Perform Arts School؛، فنان تشكيلي، ومخرج مسرحي، تخرج من كلية الآداب قسم المسرح - جامعة الإسكندرية - ويمارس الفنون كمحترف منذ عام 1995، وهو باحث ومحاضر في مجالات الفنون الأدائية، وإدارة الفنون والسياسات الثقافية؛ حصل على درجة الماجستير في هذا المجال من جامعة آنجليا راسكين - كامبريدج، المملكة المتحدة، قدم بعض الأبحاث الأكاديمية في مجالات فن الأداء المسرحي وارتباطه بالثقافة السلوكية للمؤدي/ الممثل، كما قدم الكثير من الأعمال الفنية التشكيلية والمسرحية، فضلا عن بعض الأبحاث والمقالات في مجالات إدارة الفنون والسياسات الثقافية، كما قدم عددًا من الورش التدريبية في الأداء المسرحي، وفي مجالات الإدارة الثقافية، محاضر ومدرب زائر ببعض الجامعات في مصر والخارج.. فضلاً عن حصوله على إقامات فنية لدى فرق مسرحية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ومؤخرا تلقى دعوة لحضور جلسات للحوار ضمن مهرجان اكستشانج في هامبورج بألمانيا منتصف شهر مايو القادم للمشاركة في تقييم تجربة المهرجان واستكشاف أفق التعاون الفني بين منظمات وفرق وفناني جنوب المتوسط ونظرائهم في الدول المتحدثة بالألمانية، التقت «مسرحنا» به للحوار حول مدرسة برفورم والكثير من القضايا الأخرى.
 - في البداية كلمني عن فكرة المدرسة والهدف منها؟
دشنت مؤسسة انعكاس للفنون والتدريب والتنمية في نهاية عام 2015 مشروع برفورم، وبدأ كمشروع مدته شهرين بدعم من معهد جوته – ميونيخ، وكان التركيز على أن يكون نشاط المشروع قائما على عمل ورش عمل تدريبية في الإدارة الثقافية لمجموعة من الناشطين الجدد ومديري الفنون سواء المستقلين أو العاملين لحساب فرق فنون أداء، وتخرج من هذه الورشة نحو 12 متدربا، بسبب نتائج تلك المرحلة وما حملته من إيجابيات وسلبيات رأينا أن أهم سلبية تواجه أي تدريب في الإدارة الثقافية عموما هو خروج المتدرب ربما بقدر كبير من المعلومات، لكن لأن صلته تنقطع بجهة التدريب يعود من حيث بدأ مرة أخرى، وقليلون هم من يتشجعون على تحقيق مبادراتهم أو مشروعاتهم، لذلك مع عام 2016 كان لدينا تصور لتطوير المشروع ليكون على مدار عام تقريبا، وألا تنتهي صلة المتدرب بجهة التدريب، بل نستمر في تقديم سبل مختلفة من المتابعة العملية والتقييم المباشر للمتدربين أو من كانوا متدربين في ذاك الحين، وعموما في مؤسسة انعكاس للفنون لأننا فنانون بالأساس ولنا – كأفراد – خبرات مختلفة وواسعة في الفنون لم نغفل أن نحاول سد ثغرة نستشعر وجودها في كثير من ممارسات فنون الأداء عموما، وطبعا فن المسرح بوصفه الصيغة الشاملة لهذه الفنون، حيث تشابهت علينا العروض، وتنمطت أساليب الأداء والتمثيل؛ وهنا نستشعر بالمثل أسباب تنميط أساليب التفكير حتى على المستوى الإداري والتنظيمي لفرق الفنون، من هذا المنطلق قررنا أن نتوسع في أنشطتنا التدريبية لتشمل التدريب على الممارسات الإبداعية المتعلقة بفنون الأداء، وذلك عبر المرحلة الحالية التي نضعها كمرحلة تأسيسية استرشادية؛ لتكون مهمة المدرسة إنشاء مختبر لممارسات فنون الأداء يعمل على توفير خدمة تدريبية وتعليمية في فنون الأداء، خارج الأطر التعليمية الرسمية، بما يفتح آفاق أكثر رحابة لفنون الأداء، ويسمح بتوليد تصورات إبداعية ثرية في التنوع وخلاقة ضمن نهج فني وبحثي استكشافي يحرص ضمنيًا على توفير سبل الولوج لفنون الأداء والارتقاء بها، ونأمل في المرحلة القادمة في 2020 أن نصنع شراكات أوسع مع جهات مختلفة لتوفير سبل دعم مالي وتدريبي إضافي في مجالات صناعة عروض فنون الأداء مثل: تصميم الإضاءة، والسينوجرافيا، وتصميم الصوت.
 - ما أنواع فنون الأداء التي يتم التدريب عليها؟
كلنا في العموم لدينا تصور ضمني عن ما هو المسرح وما هو فن التمثيل، لكن عموم الناس ربما ليس لديهم تصور كافٍ عن ما معنى فنون الأداء، ولكن عمومًا يمكننا أن نتفق على أن فنون الأداء هي تلك التي تصنع تواصلاً حيًا – دون وسائط – بين فرد أو أكثر لديهم النية لتقديم فعل أو أفعال إبداعية مستخدمين أجسادهم وأصواتهم وهؤلاء نسميهم مؤدين، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر تجمع من الأفراد يراقب هذه الأفعال التي يقوم بها المؤدون، من هذا التوصيف البسيط نحن ننطلق لتدريب مؤدين على عدد من أساليب الأداء سواء تلك التي يقومون فيها فقط بأداء أشكال من الإبداع المتعلق بالغناء أو الرقص أو تقديم أنفسهم وحكاياتهم، فضلا عن تنمية قدراتهم على أساليب التمثيل المتنوعة.
ونحن لا ندعي ولا يمكننا أن نعلمهم كل ما هو أداء، لكننا ننطلق من مرجعيات منهجية تمتد من المنهج عن «ستانسلافسكي» و«لي ستراسبرج» و«أوتا هدجين» و«مايزنر»، وتستفيد من أنطوان آرتو وتتعمق نسبيًا مع جروتوفسكي، وتتطور مع أساليب يوجينو باربا، والجهد البحثي المقدم في صناعة منهجية المدرسة هو جهد اشتمل على دراسات قمت بها، واستكملت النواقص المتعددة من جهد كبير قدمه محمد الهجرسي المدرس المساعد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، الذي اعتبره حجر أساس في قيام المدرسة، كذلك لدينا حجر أساس آخر عبر ما يقدمه الدكتور محمد حسني من خبرة كبيرة في تدريب أصوات المتدربين، فضلا عن الفنان الشاب سمير نصري مدربًا للتعبير الجسدي والرقص، كل هؤلاء مدربون أساسيون، وأضفنا إليهم عددا من المدربين الزائرين ليساهموا في استكمال برنامج المدرسة، فمنهم المخرج والكاتب عبد الله ضيف لشرح أشكال الدراما وتطورها، والمخرج والكاتب عبد السميع عبد الله الذي يقدم شروحات عملية عن الشخصية الدرامية وأشكالها، وفنانة المسرح نورا أمين تقدم شرحا وتدريبا عن المسرح المجتمعي والمسرح التفاعلي، والفنان محمد فؤاد الذي يعمل على أشكال من الرقص المعاصر واستكشاف إمكانيات الجسد في التعبير عن الذات والتفاعل مع مشتملات محيط الجسد معنويا وماديا، والمخرج والحكاء محمد عبد الفتاح (الشهير بكالابالا) ليقوم بالتدريب على أساليب وتقنيات الحكي.
 - ما المعايير التي يتم بناء عليها اختيار كل من المدربين والمتدربين ولجان اختيار المتدربين؟
في البداية كان لدينا مؤشر منهجي لاختيار المدربين، وكنا نخشى رفضهم نظرا لأن الجهود الحالية تطوعية، وعلى ذلك أثناء التخطيط الأولي كنا نحاول إيجاد البدائل الذين ربما لا يقبلون بما لدينا، إلا أننا فوجئنا بردود الفعل الإيجابية، بأنهم جميعا وافقوا على هذا التطوع، أما بالنسبة للمتدربين فقد وضعنا عددًا من المعايير هي ألا يقل السن عن 20 عاما، وألا يزيد عن 40 عامًا، أن يكون على الأقل أتم المرحلة الثانوية أو ما يعادلها من التعليم، لا يوجد أي شرط متعلق بالخبرة في مجال فنون الأداء، إذ إن تنوع الخبرات ضمن مجموعة المشاركين يعد ميزة إضافية، الالتزام بكافة مواعيد برنامج التدريب، وتقدم إلينا أكثر من 135 متدربا اخترنا بصعوبة منهم 20 متدربا ومتدربة، راعينا في ذلك تنوع الخبرات نوعيًا في الحياة والفنون، وكميًا فمنهم من له خبرات ومنهم من يمارس من خلال المدرسة الفنون لأول مرة، كما راعينا التوازن في النوع والشكل البدني والصوتي، وقام بالاختيار لجنة مكونة من الفنانين محمد الهجرسي، ومسعد سالم، بالإضافة إليِّ، وهي كما نرى في تشكيل اللجنة احتوت على اثنين من المدربين بالإضافة لفنان من خارج هيئة التدريب ليعمل كعين خارجية، ومحاولة منا لإضفاء القدر الممكن من الشفافية.
 - ما أوجه الاستفادة التي تعود على المتدربين بعد انتهاء مدة تدريبهم؟
كما سبق أن ذكرت أننا نقدم بالإضافة إلى التدريب تجربة في الحياة من أجل الفنون ولخير المجتمع، فما نتبعه من نهج هو مرتبط ارتباطًا وثيقا بالحياة والمجتمع والسلوك الإنساني، فنحن لا نقوم برص عدد من التقنيات والأساليب – ولا ننكر أن هذا مهم – لكننا نعمل على ما يتعدى ذلك نحو تنمية الوعي جنبًا إلى جنب مع تنمية وتطوير القدرات، ولدينا طرائق مخصصة تضع مؤشرات لقياس تلك الأشكال من الاستفادات، منها على سبيل المثال؛ استبيانات لتقييم المدربين من قبل المتدربين والعكس كذلك، وتقارير شهرية، كل ذلك بالإضافة لعرض فني بنهاية برامج التدريب، هذا العرض لن يكون مجرد استعراض مهارات لأغراض تسويقية! بل سيكون عرضا فنيا يخضع لأشكال النقد الفني بوصفه عملا مفترض فيه الإبداع للجمهور، وليس معرضا لأولياء الأمور!
 - هل واجهتكم أي مشكلات خلال تنفيذ التجربة؟ وما الذي ينقصكم لاكتمالها؟
لعل أهم هذه التحديات هي عدم وجود دار عرض أو فراغ معماري مسرحي لإقامة برامج التدريب، ولدينا كمختصين أبحاث علمية تناولت هذا الأمر، إلا أننا تغلبنا على هذا التحدي عبر شريكنا – مركز الجيزويت بالإسكندرية – الذي لديه مسرح (علبة إيطالية) متوسط الحجم. التحدي الأكبر كان استجلاب هذه الخبرات المتمثلة في مدربين متطوعين لهم باع في العمل التدريبي في مصر وخارجها، وتغلبنا على ذلك، لكن يظل تحدي توفير الدعم المالي، حيث أماكن التدريب تتعرض للاستهلاك، من فواتير خدمية، عمالة تستحق أن تعمل بمقابل إنساني، ونحتاج معدات، والمدربون قد يطرأ لديهم ما يشكل أولوية عن العمل معنا، أننا نستهدف ألا نرهق المتدرب بأعباء مالية خاصة فمنهم من قد يكون شغوفًا بالفنون لكنه غير قادر على تحمل الكلفة الباهظة.
 - ما طموحاتكم المستقبلية لهذه التجربة؟
نأمل أن تتوسع برامج التدريب وتتنوع لتكون في العام القادم تسعة أشهر وليس أربعة فقط، ويكون التنوع ليشمل فروعا مختلفة من صناعة عرض فنون الأداء، مثل: الإخراج، والإضاءة، والصوت، والسينوجرافيا، وتصميم الملابس، والماكياج، وإدارة الإنتاج، والتسويق لفرق فنون الأداء، وعلى أن تكون تلك البرامج المستجدة متداخلة مع بعضها البعض، فالمتدرب في أي برنامج يحضر فقط ما تقدم إليه، بينما المؤدون قد يحضرون بعضا منها بالإضافة لبرنامجه الأصلي، وهكذا، وربما في عام 2022 نستطيع صناعة شراكة كبيرة مع أكاديمية فنية متطورة في أوروبا أو أمريكا، قد تبدو هذه كطموحات بعيدة المنال وحالمة للغاية، إلا أنني أراهن على التخطيط الجيد، وفريق عملنا الرائع، وشراكتنا القوية مع الجيزويت، وتغيرات الواقع نحو الأفضل، نحن نحلم بأن نكون مركزًا إقليميًا ضمن دول المتوسط وأوروبا وأفريقيا لممارسات فنون الأداء، وأظن بشكل شخصي أن الإسكندرية جديرة باحتواء هذا المركز وتلك المكانة.
 - تخصصت في الإدارة الثقافية فما أهمية دراستها والتدريب عليها؟
الإدارة الجيدة والعلمية عموما تقدم معايير لقياس النجاح، فإذا ما تحدثنا عن الثقافة – بمفهومها الإبداعي فقط – فعلينا أن نعي أن البترول والحديد والمنجنيز وكل الموارد الطبيعية والصناعية والزراعية، هي ذات عوائد ربحية وقيمة مضافة للاقتصاد الكلي، إلا أن العوائد المتحققة من الصناعات الثقافية ليست عالية فحسب، أو قد تكون منخفضة، لكن أثرها الدائم وقدرتها على صناعة النفوذ الإيجابي له أثر وقدرة ونفوذ لا تستطيع أعتى القوى المادية تحقيقه، على عكس الصناعات الثقافية التي وإن خلقت نفوذا فهو نفوذ قائم على الندية والصداقة وجودة التبادل واحترام التعددية والتنوع وشمول واستدامة التنمية لما فيه صالح البشر في كل الأقاليم الجغرافية التي ننتمي إليها، من هذا المنطلق والإدراك تكمن أهمية استدامة ونمو العمل الثقافي بكافة تنوعاته وأحجامه واستثماراته وحتى قيمه الجمالية والاجتماعية، لذلك قمت بدراسة الإدارة الثقافية متخذا تخصص السياسات الثقافية.
 - عند البدء في تنفيذ أي مشروع ثقافي ما هي الأسئلة التي يجب طرحها حتى يكون للمشروع المردود الثقافي المرجو منه؟
لنفرق مبدئيًا بين الممارسة الإبداعية في إطار عرض فني مثلا، ولنطلق عليه «نشاط» ضمن مشروع، ومن جانب آخر المشروع نفسه الذي أفترض أن يقدم أنشطة وممارسات، وفي رأيي أن أي مشروع ثقافي، هو بطبيعته، يطرح ضمن الغرض منه مؤشرات نجاحه أو فشله، وعلميا نطلق على المنظمة الثقافية مصطلح المنظمة التي يقودها المحتوى، ذلك لأن المحتوى هو المعبر الحقيقي الوحيد الذي يضفي صفة «ثقافية» على المنظمة، وهكذا ينبغي أن يكون السؤال الأول، هل أحتاج/ نحتاج للمشروع؟ ولماذا؟ إذا أجبنا بشكل إيجابي عن هذين السؤالين، فلنتعرض إذن للأسئلة التالية ما هو التصور للمشروع، رؤيته، رسالته، مهمته، أهدافه، أغراضه، عمره، القيم الحاكمة له؟ ما هي خطة المشروع؟ ما هي الأطر القانونية للعمل وأشكال الشراكات ذات الصلة؟ ما هي خطة الموارد؟ ما هو الهيكل التنظيمي وفريق الإدارة؟ كيفية القيام بالتسويق دون الإخلال بالمحتوى؟ كيف ستكون المنافسة ومن هم المنافسون؟ ما هي وكيف تعمل نظم إدارة ومراقبة وتقييم سير عمل المشروع؟ ما هو المخطط المالي؟ ما هي الميزانية وفلسفة التسعير؟ ما هي أشكال تداول المعلومات المالية بما يحترم الخصوصية ولا يخل بالشفافية؟ ما هي خطط مواجهة المخاطر؟
 - كيف يمكننا تطوير المشاريع الثقافية الموجودة فعليا؟
هناك الكثير من الجهود التي يبذلها أناس مخلصون ومؤمنون بأهمية العمل الثقافي، وأنا أراهم مكافحين ومناضلين، حتى وإن افتقرت جهودهم للوعي الكافي بعلم الإدارة الثقافية، معظمهم مبدعون، ويحملون على كواهلهم مهام لم تخلق لهم، رغم كل ذلك أراهم يحققون تطورات لا يمكن إنكارها، لكنها للأسف نجاحات ترتبط بوجودهم في مناصبهم، فإذا ما انصرفوا عنها تراجعت تلك النجاحات، علينا أن نبدأ في إعادة النظر في أغراضنا من الصناعات الإبداعية، ونبني قواعد جديدة كليًا، وأمل أن تتأسس هذه القواعد على إيمان حقيقي بقيم التعددية الإبداعية.
 - المهرجانات كأحد المشاريع الثقافية في رأيك ما الذي ينقصها؟
منذ أعوام كنت أرى أن ظاهرة المهرجانات موضة، إلا أنني الآن أراها ظاهرة صحية رغم ما لها من أعراض جانبية، إننا نعاني أساسًا من إحجام جماهيري عن عروض المسرح، لذلك فالمهرجانات أتت كحل حيوي ومحوري للمساهمة في خلق جمهور للمسرح، وهو ما تحقق ولو بنسب ظاهرية، وعلى ذلك فقرار إنشاء المجلس أو الهيئة العليا لتنظيم المهرجانات، لم يلقَ قبولاً لدي وأراه إضافة لحزم التعقيدات الموجودة بالفعل، إذ إن عمليا ليس لدينا سوق لفنون الأداء يمكن قياس حجمه واحتمالات تطوره، وتعدد هذه المهرجانات كان لا بد من تركه طالما أننا في العموم نتحدث عن نظم السوق المفتوح والاقتصاد الحر، وتظل الآفة المشتركة بين الكثير من المهرجانات هي وضعها في أطر «تنافسية»، وإدارتها بمنطق أطلق عليه «تعالوا نفرح العيال بجوايز، أهو يبقى أخدوا حاجة»! وبالتالي يفقد الناقد – مثلاً – دوره كمُنَّظر ومتسائل وباحث ومستكشف وراصد وناصح، إلى حكم يلبس ساعة ليراقب هل تعدى العرض المدة اللائحية أم لا.. ولا يهتموا بالجمهور.. وغير مهم الشباب ممن يتشاجروا ويتم تنميطهم بالجوائز!
 - ما هي تقنيات الارتجال وهل الارتجال مهارة يمكن اكتسابها أم موهبة يجب تنميتها؟
في البداية أحب التفرقة بين شكلين متناقضين من الارتجال، الأول هو هذا الارتجال الذي لا أحبه شخصيا وهو ما أسميه بالعربية «ارتجال التنكيت» الذي لا غرض منه سوى الإضحاك بكتل متوالية من القفشات حسب الأحوال، بينما ما سأتحدث عنه هو الارتجال السردي، الذي يقود لتقديم عرض متماسك منضبط ممتع له سرديته المتصلة في بناء عضوي متناسق، وتقنيات وأساليب وأشكال الارتجال السردي متعددة ومتنوعة بشكل يصعب معه ظلمها بالتصنيف، وأنا أراه مهارة تتطلب البساطة وقدرة من المؤدي على أن يكون منفتحًا بكل حواسه وذهنه لكل المتغيرات التي تحدث حوله أثناء القيام بمشهد، ليتفاعل معها وفق استراتيجية العرض، وأنا أطلب من المتدرب أن يفهم عبر سلسلة التدريبات أن يكون منفتحا لاستقبال كل المتغيرات سواء التي يقدمها له زملاؤه من حركة أو صوت أو كلام أو تلك التي تأتي من عناصر مشهدية مرئية، أو حتى صالة الجمهور، إنه نوع من التفاعل البناء الذي يشترط فقط وضوح الغرض واستراتيجية العرض، والارتجال مهارة لا بد أن يتمتع بها الممثل أو المؤدي في كل أشكال الأداء حتى لو كان النص مكتوبًا أو الرقص مصمم، وحتى لو كان الأداء أمام الكاميرا. إنها مهارة أن تكون متاحًا دائما، ومستَقْبِلاً باستمرار، ومتفاعلاً على الدوام، ومنفتحًا أمام المحيط الذي يمكنك إدراكه.


روفيدة خليفة