ابحث عني في عاصفة أو زوبعة.. (قراءة في عروض الأداء بينالي الشارقة الرابع عشر)

ابحث عني في عاصفة أو زوبعة.. (قراءة في عروض الأداء بينالي الشارقة الرابع عشر)

العدد 603 صدر بتاريخ 18مارس2019

“ابحث عني فيما تراه
ابحث عني في زوبعة أو عاصفة
ابحث عني من حولك..”
 الناشط السياسي الأفريقي ماركوس موسيا غارفي

ثلاثة منصات أساسية تضمنتها عروض ومعارض وتجارب الدورة الرابعة عشرة لبينالي الشارقة هذا العام الذي جاء تحت عنوان كبير هو “خارج السياق” والسياق المقصود به العنوان هو (سياق الصخب الذي تبثه وسائل الإعلام الرئيسية ونظريات المؤامرة وسرد القصص المثيرة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تخلف صدى يتردد في النظم والشبكات المغلقة التي تمنع الناس من التفاعل مع بعضهم البعض بطرق معقدة) – من كلمة حوار القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للفنون المشرفة على تنظيم البينالي.
أما المنصات الثلاث المقصودة هي عبارة عن الأطر التي تم من خلالها اختيار المعارض وعروض الأداء والفنانين المشاركين من قبل القيمين الثلاث على البينالي هذا العام والقيم في لغة تظاهرات الفنون التشكيلية أقرب للمبرمج في مهرجانات السينما والمسرح.
تبدو عناوين المنصات الثلاث مبشرة بالكثير من التجارب الملفتة وذات التأثير المتفاوت على المتلقين خاصة هؤلاء المتذوقين للفنون التشكيلية والبصرية بشكل عام حيث تحمل المنصات الثلاث عناوين “رحلة تتخطى المسار” و”صياغات لزمن جديد” و”ابحث عني فيما تراه” وهي المنصة التي أشرفت عليها وقامت ببرمجة اعمالها القيمة كلير تانكونس والتي استلهمت عنونها من تلك الجملة الخالدة التي قالها الزعيم الأفريقي والناشط السياسي ماركوس موسيا غارفي عام 1925 عندما أراد أن يخلق حالة من الإتصال الوجودي والإنساني التفاعلي والممتد بلا حواجز أو حدود في قضية الشتات الأفريقي – جلب الأفارقة كعبيد للعالم بسبب اللون والفقر والعزلة الإجبارية- مفتتا دعاوى الفصل العنصري ليس فقط على أساس عرقي ولكن على نطاق وجودي أوسع يجعل من أي نشاط إنساني أفق للبحث عن ذواتنا في نظرتنا للأخرين.
تبدو اختيارات كلير تانكونس حاملة لأوجه من الجدل، لكن الكثير منها ليس في نطاق ناضج أو مؤثر، وفي مقارنة سريعة مع زميلتها الفيتنامية زوي بت القيمة على منصة “رحلة تتخطى المسار” نجد أن التجارب والمعارض والفنانين الذين اختارتهم زوي للمشاركة يمثلون كتلة متماسكة وواضحة المعالم والتأثيرات خاص فيما يتعلق بحركة الأنسانية والأدوات التي مكنت أو أعاقت بقاءها من الطقوس الروحية والعادات الثقافية.
 ولكن يحسب لما قامت كلير تانكونس بتقييمه من عروض الأداء هو محاولات استخدام الفضاءات المختلفة التي وفرتها مؤسسة الشارقة للفنون الجهة المنظمة للبينالي والتي كان جانبا مهما منها هو استثمار فضاءات أدائية ومسرحية غير مطروقة أو مستخدمة كنوع من إعادة الهيكلة الفنية ونقصد بها الفضاءات المتمثلة في مصنع الثلج المهجور بمدينة كلباء التي تقع ما بين إمارة الفجيرة وحدود سلطنة عمان وموقع الطائرة المهجورة بأمارة أم القيوين.
هذه الفضاءات رغم أن بعضها لم يتماهى بشكل جيد مع بعض العروض خاصة موقع الطائرة المهجورة الذي هو موقع شديد الوجاهة كفضاء مسرحي وادائي لم يحسن العرض الذي قدم فيه استغلاله بشكل جيد، إلا أن توفيرها واستخدامها كجزء من الصورة العامة لعروض الأداء كان من ابرز السياقات الأيجابية التي شهدها البينالي هذا العام.
أرض الزنج 1
موقع مصنع الثلج بكلباء عبارة عن مساحة مهجورة لما تبقى من مصنع الثلج الذي كان يمد هذه المنطقة بالثلج سواء عبر النقل البري أو البحري ولذلك تمت اقامته على الشاطئ واحتوت بنيته الأساسية على ميناء لنقل الثلج عبر تقاطع شاطئ الخليج العربي مع المحيط الهندي، ثم انتهى العمل بالمصنع مع النهضة الحضارية التي شهدتها دولة الامارات وقامت مؤسسة الشارقة بضم المصنع أو ما تبقى منه إلى المساحات الفنية الخاصة بها لأقامة المعارض وعروض الأداء واللقاءات الفنية.
 قام الفنان موهاو موديساكينج وهو من مواليد جنوب أفريقيا -1988- ويقيم ويعمل في جوهانسبرج وحاصل على بكالوريوس في الفنون الجميلة من كلية ميكايليس، قام باستخدام الفضاء الخاص بهنجر التخزين القديم بالمصنع المهجور وشكله كفضاء متعدد الأوجة باستخدام حالة من الخيال التي تتشكل مع عنصر سينوغرافي بسيط وهو مركب خشبي ضخم يتحرك على علاجات كأنه يبحر في الماء وصندوق خشبي أشبه بصناديق الكنوز أو الملابس القديمة التي كانت تستعمل محل دواليب الملابس.
ينشغل موهاو عادة بما يعرف بصيرورة العملية المعقدة للأحداث التاريخية المؤلمة ويحاول كما يقول الكتيب التعريفي (تطوير ممارساته الفنية إستجابة لآليات العنف التاريخية وإرث الاستغلال وعدم المساواة والتجارة والهجرة) وفي الحقيقة فأن عرض أرض الزنج الذي ينقسم إلى جزئين متتاليين من الأداء – اولهما عن الهنجر القديم والثاني على الشاطئ الخاص بالمصنع- تتجلى فيه تلك العناصر الخاصة بهموم هذا الفنان الأفريقي، خاصة فيما يتعلق بالفصل العنصري – خاصة على المستوى الجندري أو الجنسي بين الرجل والمرأة- يستغرق ارض الزنج في تكثيف العنصرية عبر جسد الأنثى المهدرة في علاقتها بالرجل وبالمجتمع فالعرض يبدأ بدخول مجموعة من الفتيات – راقصين من مدن الأمارات- إلى ساحة الهنجر وهم يرتدون ملابس سواء تشير إلى حالتهم الداخلية بينما يرزحهن جميعهن اسفل حجاب اسود طويل من الرأس إلى الأقدام والتي ترتدي هي الأخرى خلاخيل من اصداف البحر تعطي صوت القيود أو السلاسل التي يرسفن فيها أولئك المستعبدات.
في البداية لم يتمكن العرض من ضبط الأيقاع الخاص بتحريك الفكرة بإتجاه التحقق خاصة عندما أفرط زمنيا في عملية صعود المستعبدات فوق صندوق الملابس الذي بدا منصة تحرر وهمي جعلتهم يخلعون الأحجبة التي تغطيهن ويعدن إلى اماكنهن أكثر انكشافا وظهورا على العالم، ولكن بمجرد أن تنسحب المجموعة النسائية وتبقى فقط المؤدية الأساسية التي تتخذ موقعها أمام مقدمة المركب الذي يدفعه الرجال من جهة بينما تسحبه هي بمفردها من الجهة الأخرى ينضبط الأيقاع وتتشكل الكثير من ملامح الرؤية التي يريد الفنان أ ن يصوغها فيما يتعلق باختصار الكثير من معالم العنصرية في جسد مؤديته الأساسية ليصبح ليس فقط مجرد جسد امراة مقهوة ولكن اختصار للقهر الأنساني على مستوى الوطن واللون والمكان، ويبدو هذا التكثيف واضحا عبر تشكيلين اساسين الأول هو وجود الفتاة في جهة المقدمة ولكن بدلا من أن تقود المركب تسحبها بمفردها في جهد خرافي في مقابل سهولة دفع الرجال من الخلف للمركب وكثرتهم العديدة في مقابل فردانية الفتاة- في اشارة لأنسحاق الفرد عنصريا أمام التفرقة الجنسية أو اللونية أو الأجتماعية- أمام تكتلات كثيرة ومفطرة عدديا.
اما التشكيل الثاني فهو كمونها جسديا في وضع السجود الأستعبادي بملابسها الداكنة كأنها لؤلؤة سوداء مدفونة في البحر بينما يبدأ المؤدين الرجال في التعاطي حركيا مع عملية النزول إلى الأعماق والسباحة – المتخيلة- على قاع البحر- التي هي ارض المخزن- للبحث عن اللؤلؤ – في تشكيل استعادي لازمنة الغوص بحثا عن اللالئ على طول الساحل الأفريقي والخليجي على حد سواء-.
ولكن يدفع الأداء الحركى مجموعة الشباب في الجهة الأخرى من الفتاة/ اللؤلؤة السوداء كأنهم يبحثون في الجهة الخاطئة، يفتشون في التراب عن فتات المحار بينما لؤلؤتهم السوداء الكبيرة تقبع ساجدة مستسملة في الجهة الأخرى تنتنظر من ينقب عنها.
ربما كان في هذا اكثر عنصر انتقادي لفكرة الفصل العنصري، فالعنصرية هي خسارة انسانية وحضارية وشعورية كبيرة سواء مورست ضد امراة أو شعب أو عرق أو لون، وهو ما يتبلور في ذروة العرض عندما يعود الرجال جميعا من بحثهم المترب في أرض القاع خاليوا الوفاض بينما الفتاة/الؤلؤة تبدو معلقة كذبيحة أو اسيرة على مقدمة المركب دون أن يكترث لها احد، لتعلن عن فضيحتنا جميعا بصمتنا – المؤدون على ظهر المركب والجمهور الذي جلس ووقف يشاهد العرض عبر التصاقه بشكل دائري بحوائط الهنجر كأنهم شهود على المآسأة، وفي اللحظة الأخيرة ولكي يكتمل التوريط والنكز الشعوري تبدأ الفتاة في قذف ونفع اتربة فحمية سوداء على الجمهور عبر حركة عنيفة من شرق الفضاء المسرحي لغربه، مسببة حالة من الغبار أقرب للسباب الذي تلقيه على الجمهور كي تعاتبه على صمته تجاه استعبادها، بل وتترك اثار كفوف يديها السوداوتين على حوائط الهنجر في دلالة على ان اثار ما حدث لها ولا يزال يحدث لن يزول أبدا.
أرض الزنج 2
يستكمل موهاو الجزء الثاني من العرض الأدائي الخاص به بعنوان أ رض الزنج في الفضاء المفتوح أمام مصنع الثلج على شاطئ المدينة، ولكنه للأسف يخفق في تحقيق نفس التأثير المحفز والمقلق الذي يحققه الجزء الأول من العرض.
الجزء الثاني عبارة عن حالة من التواتر الشعوري بين رجل وامرأة في سياق العلاقة الخاصة بينهم وكيف يحاول المجتمع تأطير تلك العلاقة عبر سياقات مسبقة التحضير دون أن يمنحها الفرصة لكي تتحرر وتحرر من يمارسونها- ونقصد بها العلاقة في مشتملاتها الجسدية والشعورية- ويستخدم الفنان موتيفات سينوغرافية معبرة عن هذا الصراع أولها فراش كلاسيكي ضخم يشهد اللقاء بين الرجل والمرأة عقب مجموعة من الأداءات الحركية المعرفة عن التعارف والأنسجام والتلاقي ثم يغمر هذا الفراش بأجساد عشرات المؤديين الأخرين كصياغة بصرية لفكرة تضييق المجتمع على العلاقة ورغبته في الأستحواذ عليها لتأطيرها حسب رغبته، وبالتالي يتبع هذا استخدام موتيفة ثانية وهي عبارة عن اطار لباب – واضحة الدلالة بالطبع- يسير عبره المؤديين قاطعين الطريق- على فشاء الشاطئ- من الفراش إلى مجموعة من المقاعد الوثيرة التي تشكل غرفة معيشة عادية قام الفنان بتشكيلها أسفل شجرة متفرعة بالفضاء الطبيعي، واستخدم الشجرة نفسها كموتيفة سينوغرافية حيث قام المؤدين بتسلقها والتأرجح منها بعد أن اكتشظت بهم حجرة المعيشة المتخيلة في اشارة إلى ان هذا النوع من المجتمعات القاهرة التي امتصت العلاقة بين الرجل والمرأة وصاغتها – عبر اطار الباب- سوف يظل ينمو ويتشعب كشجرة تطرح مبشرا يشبهون مجتمعاتهم ولا يتمكنون من التمرد عليها.
وأخيرا ينتهي كل هذا بلحظة تطهر واضحة عندما يتحرك مجموع المؤدين إلى المياه على الشاطئ وينزلون إليها في لحظة اشبه بالتعميد أو الخلاص كأنهم يتطهرون من اثم القهر الذي مارسوه تجاه بعضهم وانفسهم.
إلى هنا يكتمل العرض وتتبلور الفكرة بشكل واضح ومؤثر وجمالي، ولكن فجأة وبلا سبب فني أو فكري ينطلق المؤدون إلى بقعة بعيدة نسبيا مما يدفع الجمهور الذي يشاهد العرض بالتحرك خلفهم ثم يبدأون في تقديم مجموعة من الأدءات الحركية التي لا تتصل شكليا ولا موضوعيا مع الفكرة الأساسية التي انتهت لحظة نزلوهم إلى الماء، ثم ينطلقون مرة أخرى مبتعدين أكثر ليتحول فعل المشاهدة إلى عملية مطاردة لهم لكي يحاول الجمهور – أو من لا يزال يملك الحماسة- ان يتابع ما يظن انه العرض ولكنه لم يكن سوى محاولة عابثة وساجذة لأستغلال الفضاء المفتوح لشاطئ المدينة وهو بالطبع ما دفعنا للتساؤل حول ماهية العرض الذي يحاتج إلى فضاء لا نهائي لتحقيق فكرته !
أن الفضاء الأفضل دوما هو الفضاء الذي يقضي وطر فكرته سوضع لها الأطر الشعورية والذهنية التي تصل بها إلى وجدان المتلقي، ولكن أن يتحول العرض إلى مجرد محاولة لأستغلال مساحة مفتوحة وخلق حالة مفتعلة وزائفة من التفاعل مع الجمهور بجعله يتحرك سيرا أو عدوا للحاق بالمؤديين فهذا خواء فكري ومسخ هزلي مبتذل سواء للفكرة الأصلية أو للفضاء النفي نفسه، فأي مبدع حقيقي سوف يرفض استغلال مساحة خارج فكرته حتى لو اعطوه شواطئ العالم كلها.
باتاكي 1921
تصم المنطقة المعروفة بقلب الشارقة مجموعة من البيوت القديمة التي تم ترميمها وإعادة بعض الروح لها عبر أعمال مؤسسة الشارقة للفنون وذلك في إطار إحياء التراث الخاص بمدينة الشارقة قبل عصر النفط ونعني به عصر اللؤلؤ.
بيت عبيد الشامسي هو واحد من البيوت القديمة التي تم إدراجها ضمن مجموعة بيوت قلب الشارقة وهو بيت ترجع أصوله إلى واحدة من العوائل الكبيرة في المدينة وقامت المؤسسة بإعادة تأهيله لتصبح غرفه وقاعاته وساحته الواسعة فضاءات تصلح لعروض الأداء وتقديم الأعمال الفنية بمختلف ماهيتها.
ومن بين مجموعة عروض الأداء التي أشرفت عليها القيمة كلير تاناكيس والتي تم استغلال الفضاء الخاص بساحة بيت عبيد الشامسي - التي تقع ضمن مجموعة ساحة الفنون بقلب الشارقة- عرض “باتاكي 1921” من تشكيل مجموعة فنانين على رأسهم أورليك لوبيرز وكريم ليون بريرو وسارا كروز وفائيل مايا، وهو عبارة عن إعادة محاكاة فنية راقصة وتشكيلية لمباراة الشطرنج الشهيرة التي جرت بين اللاعب الكوبي راؤؤل كابابلانكا ونظيره الألماني إيمانويل لاسكر في بطولة العالم التي جرت عام 1921 وأضحى بعدها كابابلانكا أول وأخر لاعب لاتيني وكاريبي على وجه الخصوص يحصد لقب بطل العالم.
في باتاكي 1921 حاول لوبيز مصمم العرض أن يجعل منه فائض بصري وحركي واضح للكثير من المعتقدات المنتشرة على طول الساحل الأفريقي الكاريبي المتقابل وذلك في مجالات الرقص والموسيقى والتقاليد الروحانية والملابس.
لوبيز في الأصل مكسيسي يعمل ويقيم بين مدن مكسيكو سيتي وبورتوريكو– من مواليد 1989- وحاصل على إجازة في النحت من كلية الفنون الجميلة من جامعة سان خوان.
ويعتبر واحد من الفنانين الذين تستغرقهم هويتهم الكاريبية ومقارباتها مع السواحل المقابلة سواء الأمريكية أو الأفريقية وفي عرض باتاكي 1921 يتجلى ذلك الأستغراق بصورة واضحة رغم ما يشوبه من حالة أمركة ظاهرة تتمثل في التأثر بملامح هوليودية تشبه تلك التي نراها في الأفلام الموسيقية الأمريكية سواء الحديثة أو الكلاسيكية.
يقوم على تقسيم الساحة ببيت الشامسي إلى رقعة شطرنج ضخمة واستخدام المؤديين على اعتبار أنهم قطع الشطرنج التي تدور بينها المبارة وذلك من خلال تصميم حركي وأدائي يمنح كل مؤدي روح القطعة التي يقدمها – كالبيدق والحصان والرخ وبالطبع الملك والملكة- إلى جانب استخدام موتيفات خلاسيه مهجنة بين الأفريقي والكاريبي ضمن تصميمات الملابس وأغطية الرأس وأساور الأقدام والتي تجعل من الصورة العامة للعرض تشكل زخم بصري جيد خاصة مع التنوع بين المؤديين الرجال والنساء في أدوار القطع المختلفة بما يتناسب مع طرح جنساني له علاقة بالأداء الخاص بكل قطعة، فنجد أن بعض القطع التي تتسم حركتها على الرقعة بجنسانية واضحة سواء ذكورية عنيفة أو أنثوية شهوانية يتم اختيار جنس المؤدي بناء عليه فالبيادق أغلبها من الرجال في حين أن الأحصنة من النساء والملكات أيضا بحكم اللقب (في العربية لا نقول الملكة ولكن الوزير لأسباب تخص المخيلة العربية في علاقتها بالمرأة حيث يتم التعامل مع تلك القطعة الهامة على اعتبارات ذكورية بحكم فحولة حركتها في كل الإتجاهات وهي سلطة يبدو أن المخيلة العربية ترى أنها لا تصلح لأن تكون لامرأة).
يبدأ عرض باتاكي بصورة هادئة لكنها تشبه الجمر الذي يشتعل على مهل، تتحرك القطع مع انطلاق المباراة بما يعكس قوة التصميم الحركي واستخدامه لأكثر من عنصر تراثي يخص الرقصات الكاريبية الأفريقة المتلاحقة ثقافيا على مدار عصور.
ولكن لا تستمر تلك الحالة الحميمية من التوثيق الجسدي والأدائي الممتع للمباراة، حيث تحط الأشارات الهوليودية على رقعة العرض وتبدأ كل مجموعة ( الأبيض والأسود) في التعاطي حركيا كأننا في واحدة من أفلام مجموعة (step up) التي تحتوي على مباراة في الرقص بين فرقتين كل منهم تسخر من أداء الأخرى وتحاول التفوق عليه.
كان من الممكن تقبل هذه الحالة الدخيلة نسبيا لو أنها لم تتكرر على مدار زمن العرض، حيث أصبحت أقرب لقفزات مونتاجية بين المشاهد الهامة للمباراة والتي شهدت تقدم الاعب الكوبي على منافسه الألماني، كما يلاحظ أن مصمم العرض عمد إلى أن تصبح كل القطع محلاة بملابس وموتيفات كاريبية بعيدا عن كون أحد الفريقين ينتمي إلى لاعب من معسكر أوروبي لا علاقة له بتلك التفاصيل التراثية الخلاسية.
رغم الإمكانات الأدائية الجيدة لمجموعة العرض ودقة الكثير من المشاهد والتصميمات إلا أن العرض يشوبه بعض الطول الإيقاعي الذي أثر على حماسة المتابعين خاصة مع تكرار الفواصل – الأمريكية- الراقصة التي سبق وأشرنا إليها، ولكن دون أن يحول هذا بين المتلقي وبين الأندماج في المشاهدة الذي تخلقه حركة الأجساد الشابة المرنة المؤهلة لتنفيذ تصميمات حركية صعبة وعنيفة خاصة مع تقديمها على ارض صلبة وبجسد شبه عار تتلون بشرته تدريجيا كلما اصطدم بالأرض أو التحم بجسد مؤدي أخر ضمن سياقات المبارة/المعركة.
لقد استطاعت منصة ابحث عني فيما تراه أن تحقق بعض من عناصر الشعار الذي اتخذته عنوانا لها على مستوى بعض العروض الأدائية خاصة فيما يتعلق بحالات التماس بين ازمات القهر والفصل العنصري وخروج المنسحقين إلى العالم الواسع وهو ما اكسب الشعار نطاقا أوسع على مستوى التأويل وأكسب العروض نطاقا أكثر دقة على مستوى التلقي والمشاهدة.


رامي عبد الرازق