«ليلك ضحى» حين يكون الانتحار هربا من الموت

«ليلك ضحى» حين يكون الانتحار هربا من الموت

العدد 598 صدر بتاريخ 11فبراير2019

في البداية وجدت حالة من البهجة والتفاؤل في هذا العنوان الذي يجعل الليل منيرا كالضحى، وعند مشاهدة العرض وجدت أن ليلك وضحى زوجان، لكن صانع العمل لم يوجد لحرف العطف مكانا بينهما مؤكدا على التصاقهما وعدم فرقتهما حتى يموتا معا، كما أراد لهما أن يكون اسماهما من الأسماء ذات الدلالة وغير المتداولة أيضا، فالليلك نبات مزهر له رائحة زكية، والضحى منتصف اليوم ليس بدايته ولا نهايته، ويتميز باعتدال الطقس إلى حد كبير، وجعلهما فنانين درسا معا في كلية الفنون، حيث درس ضحى المسرح في حين تخصصت ليلك في الموسيقى، فضلا عن كونهما قريبين فليلك ابنة عمة ضحى، عاشا معا قصة حب رومانسية، توجت بالزواج الذي كان صعبا لمعارضة العمة التي تحبه لكن معارضتها كانت بسبب تعيينه في قرية «تل القمح» التي تبعد عن العاصمة بمسافة كبيرة كما أن الحياة ستكون فيها صعبة لاختلافها عن حياة المدينة التي تعودا عليها، ورغم  ذلك وافقت العمة بعد إلحاح ضحى وتحايله.
في القرية، التي تصادف لسوء حظهما، يوجد بها مجموعة من الجماعات الإرهابية، الذين يتخذون من الدين ستارا لأطماعهم السياسية والدنيوية، حيث يتسبب جمال ليلك واختلافها كلية عن كل نسائها في تكالب الطامعين عليها ومن هؤلاء الطامعين مشايخ هذه الجماعات، وبالطبع لم ينالوا منها، فتحقق قول الشاعر: «إذا عز عليك العنقود فقل حامض يا عنب»، وتستر الفساد في عباءة الدين وقاموا بتكفيرهما مؤكدين أنهما ما جاءا إلى القرية إلا لإحلال الفساد فيها، واقتحموا عليهما المنزل وكسروا العود في مشهد مأسوي وذي دلالة قوية جدا لقتل الجمال المتمثل في الفن، مما يجعل ليلك تطلب من أمها أن تتوسط لنقلهما من القرية إلى العاصمة، لكن المسئول يعتذر عن النقل أثناء سير الدراسة، ويظل الاتصال مفتوحا بينهما وبين الأم وبين الأم والمسئولين إلى أن ينقطع ويتحول الكلام إلى صراخ وتظهر الأم وقد جلست على كرسي متحرك تعبيرا عن حالة العجز عن فعل أي شيء لإنقاذهما من الخطر الذي يحيط بهما.
يكلف بحراستهما شاب سرعان ما يتعرفان عليه، هو «حمود» الذي كان تلميذ ليلك، فيسألانه عن السبب الذي أدى به إلى هذا المصير، فيحكي لهما قصته حيث قتلوا أباه واتهموا أمه بالزنا ورجموها حتى الموت، ثم خيروه أن يعيش حاملا عار أمه ومن ثم يُقتل مثل أبيه أم أن يكون واحدا منهم، كما أنهم قتلوا محبوبته فاطمة، فلم يكن أمامه سوى الخيار الثاني، كما أنهم أعدوه لعملية إرهابية، وقد نجحا في إقناعه بالعدول عن هذه الأفكار المدمرة، واستجاب وبدأ في مساعدتهما بإحضار طعام وإخفائهما حتى يتمكن من إخراجهما من القرية في الصباح. أحضر حمود مع الطعام سكينا مما جعلهما يفكران في الانتحار فقاما بقطع شرايينهما وماتا محتضنين بعضهما، بعد أن زينا المكان بالشموع وحلقت حولهما روح فاطمة في مشهد رومانسي، يحسب له عدم إسالة الدماء.
طبعا من أهم عناصر تميز العرض أداء الفنانين: رائد دالاتي (ضحى)، علياء المناعي (ليلك)، آلاء شاكر (والدة ليلك)، عمر الملا (حمود)، حنين (فاطمة)، إبراهيم سالم (الشيخ البلداوي)، فيصل علي (أبو البراء)، عبد الله محمد (أبو حمزة)، محمد جمعة (أبو سعيد).
كذلك الديكور للفنان فارس الجداوي الذي رغم بساطته فقد نجح في نقل صورة كاملة عن طبيعة سكان هذا المنزل من خلال وجود مكتبة تحوي كتبا وكمانا وعودا ومجموعة صور لأعلام الثقافة والفن في الوطن العربي، والذي أتاح أيضا مساحة لحركة الممثلين بحرية، كما الملابس التي صممتها ميلانا رسول عبرت بدقة عن كل شخصية من شخصيات العرض.
الموسيقى والمؤثرات الصوتية مع رائعة فيروز «نسم علينا الهوى» التوليفة التي أبدعها جاسم محمد، وظهور فاطمة كملاك يحرص المكان في حالة من الرومانسية في مقابلة صارخة مع الإرهاب والدمار والفكر الظلامي، كما لا يمكن تجاهل إضاءة الفنان محمد جمال وزير التي تقوم بدور مهم مع التكنيك الذي اختاره المخرج للعرض حيث لا توجد كواليس فحلت الإضاءة محلها، بإخفاء وإظهار شخصيات العرض والفرقة الموسيقية التي تعزف لايف أمام الجمهور.
ولا شك أن توظيف الكوميديا البسيطة الجميلة التي احتلت مساحة كبيرة رغم مأساوية الأحداث كان له أثر إيجابي في تلقي العرض والتفاعل معه، خصوصا أنها كانت تبرز التناقض الشديد الوضوح في تصرفات من يدعون حمل لواء الدين والفضيلة.
على الرغم من تميز العرض بكل عناصره وواقعيته فكثيرا ما تحدث حالات مشابهة في مجتمعاتنا الريفية سواء ممن يتسترون في الدين أو الفضيلة، وأنه صرخة في وجه الإرهاب والقوى الظلامية، فإنني لم اأستطع تقبل نهايته، وقد طرحت هذه النهاية عدة أسئلة تحتاج لأجوبة: كيف يمنعان حمود من الانتحار ثم يقدمان عليه في مخالفة صارخة لما يؤمنون به؟ وهل يكون المنتحر شهيدا؟ وهل هذه الحالة تستوجب مقولة: بيدي لا بيد عمرو، فينتصرا على أعدائهما بعدم تمكينهم من قتلهما، لا أطالب بنهاية رومانسية بانتصار الحق على الباطل، لكن ربما لو كانا قتلا تكون النهاية أكثر واقعية ومنطقية.
عرض «ليلك ضحى» تأليف وإخراج غنام غنام، إنتاج فرقة المسرح الحديث بالإمارات، وقُدم بمصر مرتين الأولى على مسرح الهناجر خلال فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي والثانية على مسرح الجمهورية خلال فعاليات مهرجان المسرح العربي.


نور الهدى عبد المنعم